- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠50ندوات مختلفة - قناة الأقصى
مقدمة :
الأستاذ أحمد :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سلام الله عليكم أيها الأخوة المستمعون والمستمعات، في هذا الجزء الثاني المتميز من لقاء خاص ومتميز مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي المعروف، أهلاً وسهلاً بكم سيدي.
الدكتور راتب :
بكم أستاذ أحمد جزاكم الله خيراً .
الأستاذ أحمد :
سيدي الكريم في جزء هذه الإطلالة منكم الأول كنا قد تحدثنا عن مظاهر النصر التي بدأنا نضع أيدينا عنها و عليها مما حصل مع أخواننا في معركة الفرقان، معركة غزة، معركة العزة، ونريد اليوم بمعيتكم أن نتمم ما بدأنا الحديث عنه من مظاهر النصر، حتى نتلمس الخطا، وحتى لا نمر مرور الكرام، أن نصراً قد حصل في غزة قد مضى وانقضى، بل أن يكون نبراساً وشمعة مضيئة للمسلمين، يستلهمون منها الدروس والعبر خلال مسيرة جهادهم والحياة كلها جهاد، فتفضلوا على بركة الله.
تحقق الوعد والوعيد أحد أدلة أن هذا القرآن كلام الله تعالى :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته، وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.
أستاذ أحمد حينما يأتي إنسان يقول: أنا رسول، ومعه منهج، أي افعل ولا تفعل، فالذين ألفوا التحرك بلا ضوابط وبلا قيم يكذبونه:
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾
كيف يشهد الله لرسوله أنه رسول؟ الحقيقة القرآن الكريم فيه وعد وفيه وعيد، قال العلماء: تحقق الوعد والوعيد أحد أدلة أن هذا القرآن كلامه، فإذا قال الله عز وجل :
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
ماذا نفعل بهذه الآيات الكثيرة في القرآن الكريم التي تعد المؤمنين بالنصر والواقع ليس كذلك؟ الجواب الواضح القرآني:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
زوال الكون أهون على الله مِن ألاَّ يحقِّق وعودَه للمؤمنين :
إذا تصورنا أن أناساً أدوا الصلاة كما أراد الله، وصلوا قيام الليل، وانضبطوا، واستقاموا على أمر الله، ودخلوا حرباً، إن لم ينتصروا هذا يضعضع ثقتنا بوعود الله عز وجل، لذلك أنا أقول: زوال الكون أهون عليه مِن ألاَّ يحقِّق وعودَه
للمؤمنين، وقد يقول قائل:
يا أخي مدرعات ميركافا أحدث مدرعات في العالم، طائرات أباتشي، طائرات f16 ، قنابل عنقودية، قنابل فسفورية، من منا يستطيع أن يواجه هذا الجيش؟ الحقيقة الدقيقة والقاطعة والصارخة أن انتصار أخوتنا في غزة أعطانا تجديداً لإيماننا بأن وعد الله محقق، وزوال الكون أهون عليه مِن ألاَّ يحقِّق وعودَه للمؤمنين، والله أستاذ أحمد أنا في أثناء حرب غزة ـ والفضل لله عز وجل ـ لي دروس كثيرة جداً، دروس فجر، ودروس في جامع النابلسي، وجامع سعد، كل الدروس كانت عن غزة، ولكن فيما بيني وبين الله كنت أدعو وأقول: يا رب إن لم ينتصر أخوتنا في غزة فماذا سأقول للناس؟ لكن انتصار أخوتنا في غزة أعطانا قوة في إيماننا أن وعد الله حق، وأن زوال الكون أهون عليه مِن ألاَّ يحقِّق وعودَه للمؤمنين، مع إنهم قلة قليلة، مع أنهم مستضعفون، من أنهم محاصرون، لكنهم مؤمنون، والكلمة الدقيقة ذكرتها في القسم الأول من هذا اللقاء الطيب هي أن تحقق الوعد والوعيد يقوي عقيدتنا، وحينما استطاع أخوتنا الكرام أن يتنصروا لمظاهر لا تعد ولا تحصى من أنواع النصر، هذا النصر أعاد إيماننا، وجدد إيماننا، بأن وعد الله حق، وأن الذي وعد به المؤمنين قد تحقق، زوال الكون أهون عليه مِن ألا يقع.
وعد الله المؤمنين بالنصر محقق بشرط أن يؤدوا ثمنه :
لذلك لا زلنا في مظاهر النصر، أستاذ أحمد مفهوم الجهاد كان معتماً عليه فيما مضى، والجهاد ذروة سنام الإسلام، و من لم يجاهد أو يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق، وحينما استطاع أخوتنا الكرام على ضعفهم، وعلى فقرهم، وعلى حصارهم، أن ينتصروا بمظاهر عديدة للنصرهذا النصر ماذا فعل بنا؟ جعلنا نتمسك بوعود الله عز وجل أيما تمسك، جعلنا نؤمن إيماناً كأنه واقعي، لأن وعد الله حق، وأن وعده بالنصر محقق، بشرط أن نؤدي ثمن النصر.
النصر الحقيقي من الله عز وجل :
أستاذ أحمد هناك ثلاث آيات الحقيقة هي حاسمة في موضوع النصر، الآية الأولى:
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
النصر الحقيقي من الله، والآية الثانية :
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
والآية الثالثة :
﴿ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾
والآية الرابعة:
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
فلذلك أنا حينما أعتقد يقيناً أن الناصر هو الله، وحينما أعتقد يقيناً أن نصر الله نصر عزيز، لا يوجد شروط، لا يوجد تنازلات، لا يوجد شيء لا يحتمله إنسان له كرامة، هذا النصر الذي يأتي من عند الله نصراً عزيزاً.
الله عز وجل لا يتعامل مع عباده بالتمنيات :
الشيء الآخر الله عز وجل لا يتعامل مع عباده بالتمنيات:
﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾
يتعامل مع عباده بالعمل الجاد الصادق، لذلك ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾
قال بعض المفسرين: كأن الله يقول: يا عبادي منكم الصدق ومني العدل، أي أنتم تتفاوتون عندي بالصدق وأنا أعدل بينكم، فحينما قام أخوتنا الكرام بمجابهة هذا الجيش الكبير، ولم يستطع هذا الجيش خلال اثنين وعشرين يوماً أن يحقق أهدافه، فهذا نوع كبير من أنواع النصر، وكأنه أعاد لنا ثقتنا بهذا الوعد العظيم وعد الله عز وجل، قلت لك في بداية هذا اللقاء: المسلمون لأسباب منهم، لضعف في إيمانهم، لتقصيرهم في استقامتهم، لم يستحقوا النصر، كان تاريخهم الحديث سلسلة من الهزائم والنكبات، هذه السلسلة من الهزائم والنكبات أورثتهم ثقافة جديدة هي ثقافة اليأس، وثقافة الطريق المسدود، وثقافة الإحباط.
الأستاذ أحمد :
سيدي الكريم لذلك كان يقول مالك بن نبي: المشكلة ليست في الاستعمار وإنما في القابلية للاستعمار، النفوس عندما تكون ضعيفة من الداخل هذا المخيف أكثر.
نصر أخواننا في غزة أعطانا جرعة إيمانية منعشة :
الدكتور راتب :
حينما انتصر أخوتنا في غزة بمظاهر النصر التي نحن بصددها
هذا النصر أعطانا جرعة إيمانية منعشة، وإن صحّ التعبير قوى إيماننا كمسلمين، لذلك أنا أقول لكم: سلبيات حرب غزة رأيناها جميعاً على الشاشات، رأينا الدماء، رأينا الأطفال، رأينا النساء، رأينا هدم البيوت، رأينا القنابل الفسفورية، العنقودية، هذا رأيناه رأي العين، لكن إيجابيات حرب غزة تحتاج إلى تبصر، إلى تأمل، حرب غزة جمعتنا، حرب غزة أذابتنا في بوتقة واحدة، حرب غزة أثارت فينا معاني الجهاد، الجهاد لم يكن مسموحاً أن نقوله، الآن أولي الأمر يتحدثون عنه.
الأستاذ أحمد :
المفردة بحدّ ذاتها كانت تشكل في لفظها إشكالاً لمن يتحدث.
الدكتور راتب :
أما الآن بات زعماء المسلمين يتحدثون عنها، وباتت العقيدة تأخذ منحىً آخر، أن هذه الجيوش العملاقة ماذا تفعل بحاملات الطائرات هذه؟ كلمة قالها أحد الموظفين الكبار في البنتاغون، قال: ماذا نفعل بحاملات الطائرات؟ وماذا نفعل بالصواريخ العابرة للقارات؟ وليس على وجه الأرض دولة تجرؤ أن تحاربنا؟ لكن ماذا نفعل بهذا الإنسان الذي أراد أن يستشهد باختياره ليهز كياننا؟
الأستاذ أحمد :
نفس مقولة رابين: ماذا أفعل لكم لمن جعل من نفسه قنبلة موقوتة تنفجر حين يريد؟
المقاومة هي فكر وليست شخصاً تقتله وتنتهي :
الدكتور راتب :
لذلك قالوا: بدأت الحرب بالإنسان ثم أصبحت بين ساعدين، ثم بين آلتين، ثم أصبحت بين عقلين، وانتهت بالإنسان . وكأن المقاومة كما قال رئيسنا: هي فكر وليست شخصاً تقتله وتنتهي، فكر ينمو، ينمو نمواً رائعاً، بل إن المقاومة يجب أن يحسب حسابها في كل مكان في العالم، المقاومة تعني الرفض، أن تقول: لا، و كلمة لا تؤكد ذاتك، و شخصيتك، ودينك، وإسلامك، وقوميتك العربية، إذا قلت: لا، أما أن تقول: نعم لكل شيء فهذا ضعف في شخصيتك.الأستاذ أحمد :
سيدي الكريم من بركات نصر معركة الفرقان وحرب غزة أن خيرها لم يقتصر على أهل غزة، بل إن الأمة الإسلامية من شرق الأرض إلى غربها كانت أيضاً هذه المعركة وهذا النصر معيداً لها إلى سكة وجادة الرؤية الصحيحة، والبصيرة النيرة.
الجهاد هو الطريق الوحيد لإلغاء التفوق العسكري الإسرائيلي :
الدكتور راتب :
أستاذ أحمد كلمة دقيقة وخطيرة: نحن حينما نضيف على الإسلام ما ليس منه نتفرق، بل نتحارب، بل وتسيل الدماء بين المسلمين، وبينهم خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، وحينما نحذف من الدين ما علم منه بالضرورة كالجهاد نضعف، إن أضفنا نتقاتل وإن حذفنا نضعف، لذلك ينبغي أن يكون الدين هو الدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، من دون حذف أو إضافة، الدين توقيفي لا يحتمل الحذف، ولا الإضافة، ولا التعديل، ولا التبديل، ولا التغيير، ولا التطوير، هذه كلها ممنوعة مع وحي السماء، ممنوعة من الدين التوقيفي، لكن إذا طلبت مني أن أُعرّف التجديد في الدين أقول لك: التجديد في الدين أن ننزع عنه كل ما علق به مما ليس منه.
الحقيقة أخوتنا في غزة أقنعوا زعماء المسلمين أن الجهاد هو الطريق الوحيد لإلغاء التفوق العسكري، هناك تفوق مذهل لكن الجهاد بالطريقة التي حارب بها أخوتنا في غزة أقنع القادة العسكريين في جيوش العالم الإسلامي أن هناك عقيدة أخرى تصلح لمواجهة الجيوش المتفوقة، هذا مظهر آخر من مظاهر النصر.
طرح أي قضية خلافية جريمة بحقّ الأمة :
هناك شيء آخر؛ أحد أنواع النصر أن الخطط التي أعدت لهذه المنطقة، شرق أوسط جديد، تقسيم هذه الدول إلى دول طائفية، هذه الخطة التي رسمت في الغرب لن تتحقق، والدليل أن فرعون موسى من الطغاة الكبار ماذا قال الله عنه؟ قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾
أي رفع ورقة الفتن الطائفية سلاح الطغاة الأول في العالم، ونحن بوعينا، وفهمنا، وإدراكنا، وإخلاصنا، ينبغي أن نسقط هذه الورقة من يد أعدائنا:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
فلذلك حينما نتعاون فيما بيننا، وحينما نرفع لواء الجهاد، من دون أن ندخل في تفاصيل الاختلافات بين المسلمين، لأنه كما قلت: أعداؤنا يتعاونون وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، ونحن نتقاتل وبيننا خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، لذلك الآن طرح أي قضية خلافية أنا أعدها جريمة بحق الأمة.
الأستاذ أحمد :
على باطلهم عندما اجتمعوا انتصروا في مرحلة من المراحل، ونحن على حقنا عندما تفرقنا انهزمنا مع أننا على حق في مرحلة من المراحل، واليوم بتنا أمام مفصل جديد من مفاصل الدعوة إلى الله عز وجل، وحياة هذه الأمة الإسلامية أن نتعاون فيما اتفقنا عليه، وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
التعاون بين المسلمين هو الأساس في كل شيء :
الدكتور راتب :
وهناك من يضيف: وأن ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، أما التعاون هو الأساس، إذاً الخطط التي رسمت لهذا المنطقة لم تتحقق، ما يخطر في بال العدو أنه يمكن أن تنشأ مقاومة تقلق مضجعهم، هو يتوهم أن كل شيء انتهى، والحقيقة لم ينتهِ شيء، حتى الفرنجة أقاموا في هذه البلاد تسعين عاماً ومع ذلك رحلوا، هذا يبشر أن رحيل اليهود إن شاء الله محقق في وقت ما في المستقبل القريب أو البعيد.
الأستاذ أحمد :
سيدي الكريم تأييداً لكلامكم في عام ألفين وأربعة للميلاد عندما سقطت بغداد، وأصاب النفوس ألم كبير بما حلّ بالعرب والمسلمين، أضاء الله عز وجل شمعة للمسلمين بخروج المحتل من قطاع غزة في عام ألفين وخمسة، وفي عام ألفين وستة، انتصرت المقاومة في جنوب لبنان على العدو الصهيوني، وها نحن في العام الماضي يثبت الله عز وجل المؤمنين، و يعيد العدو صاغراً إلى جحره لا يلوي على شيء بعد نصر ثبت الله فيه أهل الإيمان .
مكانة الشهيد العالية في الإسلام :
الدكتور راتب :
أستاذ أحمد شيء آخر هو أنه في ديننا الشهيد له مكانة كبيرة جداً، بل إن الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) ﴾
هذا كلام خالق الأكوان، هذا كلام القرآن الكريم، أحياء بكل أنواع الحياة، لأن هذا الشهيد جاد بنفسه، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، هناك أحاديث صحيحة كثيرة تصف حالة الشهيد عند فراق الدنيا، وكأنه في جنة، وكأنه في أعلى درجات تألقه، فلذلك الفرق الذي يكون بين جيش لم يؤمن بالله الإيمان الذي ينبغي، فالموت عنده أكبر مصيبة، وبين جيش يؤمن بالله و يعمل للآخرة، الموت عنده أحد أنواع المكاسب الكبيرة.
الأستاذ أحمد :
لذلك كان يقال: جئتك بجيش يحب الشهادة كما تحبون أنتم الحياة، لذلك اختلف المعيار والميزان.
تأييد الله عز وجل المؤمنين بالملائكة لمساعدتهم :
الدكتور راتب :
شيء آخر فيما أظن وأعتقد انطلاقاً من القرآن الكريم في بعض التحقيقات مع الجنود الإسرائيليين كانوا يسألون ما لون ثياب الجيش الذي يحاربكم؟ فعندما يأتي الجواب أن الثياب مبرقعة يكذبونه، هم يلبسون ثياباً بيضاء، هذه إشارة إلى أن الله عز وجل أيدهم بالملائكة، وهذا في القرآن الكريم.
إذاً الشهداء رمز المقاومة، رمز الإصرار، رمز أنهم آثروا لقاء ربهم على الدنيا، مرة وصف شاعر الشهيد يوسف العظمة، قال :
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى كي لا يرى في جلّق الأغرابا
***
اشتاق الكرى تحت الثرى أي النوم تحت الأرض، أي في القبر، كي لا يرى في جلق الأغراب، فهذا المجاهد والمقاتل والمقاوم الذي قال: لا، رفع كرامة الأمة، رفع عزة الأمة، أحياناً قد لا تتصور كم يتابع العالم الإسلامي والعربي هذه الحرب، لأنها حربه الحقيقية، لأن هؤلاء أخوتنا في غزة نابوا عن المسلمين في مقاومتهم للعدو، وأرجو سبحانه وتعالى أن يلهم المسلمين في شتى بقاع الأرض أن يقدموا لهم كل غال ورخيص، ونفس ونفيس.
الأستاذ أحمد :
لا أن يحاصروهم ويعينوا العدو عليهم، ويسدوا عليهم المنافذ، والطرق، والجدر، والبحار.
تعرية أعدائنا في حرب غزة نوع من أنواع النصر :
الدكتور راتب :
أستاذ أحمد شيء آخر؛ أنا أقول دائماً: لو أنفقنا المليارات الممليرة لا نستطيع أن نعري الأعداء كما عروا أنفسهم في حرب غزة، هذا نوع من النصر، قد تحتاج إلى مبالغ طائلة، إلى مراكز ثقافية، إلى نشرات، إلى كتب، إلى أفلام، حتى تشوه صورة العدو، هم شوهوا بأنفسهم، وأنا أقول دائماً:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
الإنسان إذا كان بعيداً عن الله يخسر الحكمة، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وعند بعض الصحابة الكرام أن قوله تعالى:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
قال ابن عباس: "ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له"، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكن إذا ذكرك الله منحك الحكمة، منحك الرضا، منحك الأمن، منحك القوة، منحك النصر، منحك التوفيق، ثمار الصلاة لا يعلمها إلا من عرف حقيقة الصلاة، فالذي أراه أنا واضحاً أننا من خلال هذه الحرب التي قام بها اليهود أنفسهم، وقتلوا النساء والأطفال بأحدث الأسلحة، أنهم شوهوا سمعتهم في العالم كله، وأننا لو دفعنا المليارات الممليرة لا نستطيع أن نعريهم كما عرّوا أنفسهم، هذا نوع من أنواع النصر.
الأستاذ أحمد :
سيدي الكريم يأتي معنا إساءة الوجه التي حدثنا عنها القرآن الكريم، فعندما نعلم أن العواصم الأوربية وحتى العربية، السيدة ليفني وزيرة الخارجية الصهيونية التي أعلنت عن نية العدو الصهيوني حربه على غزة من قاهرة المعز، ومن بلد عربي مجاور وشقيق هكذا كان يجب أن يكون، هذه تغلق الآن الأبواب في وجهها في بريطانيا، فتهرب من مطار هيثرو تحت جنح الظلام خوفاً من الاعتقال، ومجموعة من ضباط جيش الاحتلال الصهيوني يقررون، وتأتي إليهم الأوامر ألا يغادروا إلى لندن حتى لا يتم إلقاء القبض عليهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، هذه نقلة نوعية في العلاقة مع الكيان الصهيوني، عندما كانت تفتح لهم الأبواب، والأماكن، والإعلام، وغير ذلك.
حرب غزة حصدت المنافقين و كشفتهم :
الدكتور راتب :
أستاذ أحمد هناك شيء دقيق جداً، حديث شريف يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان فإنها تبير المنافقين))
العملاء ظهروا، والمنافقون ظهروا، والذين هم مع العدو ظهروا، ظهروا بشكل صارخ، ظهروا بشكل فضحوا به، من دون هذه الحرب يختلط على المتابع للأخبار من كان مخلصاً لهذه المقاومة، ومن كان عميلاً للعدو، هذه الحرب التي ظهرت في غزة حصدت المنافقين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان فإنها تبير المنافقين))
الذين وقفوا مع العدو، والذين دعموا العدو، والذين اتصلوا بالعدو، أن تابع حربك وانهِ الموضوع كلياً كشفوا.
الأستاذ أحمد :
سيدي الكريم أفهم من كلامك أن العميل والمنافق الذي قصدته ليس فقط الذي يدل العدو على البيت، أو يلقي قرصاً ممغنطاً، أيضاً من كتب مقالة، أو أفتى فتوى، أو تحدث بمجلس، كان مثبطاً ومؤيداً للعدو في عدوانه، هذا أيضاً ينطبق عليه أن الله عز وجل كشفه، لذلك قال البعض في معركة الفرقان: إنها الكاشفة والفاضحة، لأنها كشفت وفضحت كثيراً ممن كان قد مضى عليه أعواماً يتمثل فيها أنه مع أهل الحق، ثم فضحه الله عز وجل.
انهيار الجيش الإسرائيلي أحد أنواع النصر :
الدكتور راتب :
أستاذ أحمد بقي شيء واحد وهو أن هذه الصورة المرعبة للجيش الإسرائيلي، هذا الجيش الذي لا يقهر قهر، هذا الجيش الذي لا يهزم هزم، هذا الجيش بتصريح قادته لم ينتصر، فأنا أعتقد أن انهيار هذه الصورة الكبيرة، انهيار هذا الوهم الكبير، أحد أنواع النصر، الحقيقة مظاهر النصر التي تحققت في حرب كثيرة جداً لا تغيب عن المتابع، ولا عن المتأمل، ولا عن المتبصر، ولكن يغيبها من كانت مصلحته بانتصار العدو.الأستاذ أحمد :
سيدي الكريم أريد أن أختم ونحن نتحدث عن النصر ودلائل النصر ومظاهره بالشرطين الذين سمعتهما منك أثناء حرب غزة، أن من شروط النصر الإيمان.
من شروط النصر الإيمان بالله و إعداد العدة المتاحة :
الدكتور راتب :
الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، ليس أي إيمان، الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، والإعداد بقدر ما تستطيع، فإذا آمنت إيماناً حملك على أن تستقيم، إذا آمنت باليوم الآخر إيماناً حملك على ألا تؤذي مخلوقاً، وإذا أعددت للعدو ما تستطيع، فقد حققت شرطي النصر، وعندئذ النصر محقق وفق قوانين الله عز وجل.الأستاذ أحمد :
إيماناً وإعداد أما كلمتكم الأخير في ختام هذا اللقاء كعالم من علماء الأمة، وداعية إلى الله عز وجل لمن يبنون الجدر الفولاذية، وجدر الموت والعار على حدود أخوانهم في غزة، ماذا يقول الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي؟
مواجهة الله مكر الأعداء بتدبير حكيم يبطل قوتهم :
الدكتور راتب :
أنا أنتظر مفاجأة من الله لخرق هذا الجدار وليست على الله ببعيد.
الأستاذ أحمد :
كما كنا نتصور أن خروج العدو الصهيوني من قطاع غزة حلم بعيد المنال، ثم يسره الله عز وجل، نسأل الله عز وجل أيضاً أن يفتح على المجاهدين باب الرحمة، والسلاح، والمال، من دعاء أخواتهم من مشارق الأرض ومغاربها.
الدكتور راتب :
قال تعالى:
﴿ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾
مكر الله تدبيره، فالله عز وجل يواجه مكر الأعداء بتدبير حكيم يبطل قوتهم.
خاتمة و توديع :
الأستاذ أحمد :
جزاك الله خيراً، في ختام هذه الحلقة وهذا الجزء الثاني من هذا اللقاء الخاص مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، نشكر لك جزيل الشكر على ما أفدت به وأجدت، وما وضحت به وبينت، نسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في صحائف أعمالكم، وأن يكون لكم سهم في الجهاد مع أخوانكم في غزة، وإلى أن نلقى الأخوة المشاهدين عبر فضائية الأقصى في لقاءات أخرى نقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.