- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠2دورة عام 1999
- /
- ٠2سيرة
ـ في ذات يوم أبصر الغلام المكي عبد الله بن مسعود رجلين عليهما الوقار يتجهان نحوه من بعيد، وقد أخذ الجهد منهما كل مأخذ، وأشتد عليهما الظمأ حتى جفت منهما الحلوق والشفاه.. فلما وقفا عليه سلَّما وقالا: يا غلام احلب لنا من هذه الشياه ما نطفئ به ظمأنا، ونبل به عروقنا.
قال الغلام: لا أفعل فالغنم ليست لي، وأنا عليها مؤتمن، فبدا الرضا على وجوه الرجلين، ثم قال أحدهما له: دلني على شاة جف ضرعها، فأشار الغلام إلى شاة صغرة قريبة منه، فتقدم الرجل وجعل يمسح ضرعها بيده وهو يذكر اسم الله عليها، فامتلأ ضرعها لبناً، فأخذ الرجل الآخر حجراً مجوفاً من الأرض، وملأه باللبن وشرب منه هو وصاحبه، ثم سقياني منه، وأنا لا أكاد أصدق ما أرى.
ـ كانت هذه بداية قصة عبد الله بن مسعود مع الإسلام، فهذان الرجلان لم يكونا إلا النبي عليه الصلاة والسلام، وأبو بكر الصديق.
لم يمض غير قليل حتى أسلم ابن مسعود، وعرض نفسه على رسول الله ليخدمه فقبله رسول الله. لزم عبد الله رسول الله ملازمة الظل لصاحبه، فكان يرافقه داخل بيته وخارجه.
ـ رُبِّي عبد الله في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاهتدى بهديه وتخلق بشمائله، وتابعه في كل خصلة من خصاله، حتى قيل عنه: إنه أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدياً وسمتاً.
ولقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
((من سرَّه أن يقرأ القرآن رطباً كما نزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد.))
ـ ولقد بلغ من علم عبد الله بن مسعود بكتاب الله أن كان يقول: والله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيمَ نزلت، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني بكتاب الله لأتيته.
ـ لم يكن عبد الله بن مسعود مبالغاً فيما قال، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلقى ربكاً في سفر من أسفاره، والليل مخيم يحجب الركب بظلامه، فأمر عمر رجلاً أن يناديهم:
ـ من أين القوم ؟ فأجابوه: من الفج العميق.
ـ قال عمر: أين تريدون ؟ قالوا البيت العتيق.
ـ قال عمر: إنك فيهم عالماً...
ـ فناداهم: أي القرآن أعظم ؟ فأجابوه:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ.﴾
ـ فناداهم: أي القرآن أحكـم ؟ فأجابوه:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.﴾
ـ فناداهم: أي القرآن أجمـع ؟ فأجابوه:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه.﴾
ـ فناداهم: أي القرآن أخوف ؟ فأجابوه:
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا.﴾
ـ فناداهم: أي القرآن أرجى ؟ فأجابوه:
﴿ قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. ﴾
ـ فناداهم: عمر: أفيكم عبد الله بن مسعود.. ؟ قالوا: اللهم نعم.
ـ عاش ابن مسعود إلى زمن خلافة عثمان، فلما مَرض مَرض الموت جاءه عثمان زائراً، فقال له:
ـ ما تشتكي ؟ قال: ذنوبي.
ـ قال: فما تشتهي ؟ قال: رحمة ربي.
ـ قال: ألا آمر لك بطبيب ؟ قال: الطبيب أمرضني.
ـ قال: ألا آمر لك بعطائك الذي لم تأخذه منذ سنين، يكون لبناتك من بعدك ؟ قال: أتخشى على بناتي الفقر ؟ّ، إني أمرتهن أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(( من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة.))