- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (050)سورة ق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الأول من سورة ق.
مذاهب العلماء في تفسير الحروف المقطعة:
﴿ قٓ ۚ وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْمَجِيدِ(1)﴾
للعلماء في هذه الحروف التي تتصدَّر بعض السور مذاهب كثيرة في تفسيرها:
من هذه المذاهب:
ومن هذه المذاهب
ومن هذه المذاهب
ومن هذه التفسيرات
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ:
﴿ بَلْ عَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَىْءٌ عَجِيبٌ(2)﴾
انحراف الكفار و تقصيرهم بسبب إغفالهم اليوم الآخر:
هل العجب أن يرسِلَ الله سبحانه وتعالى رسولاً يبيِّن للناس طريق سعادتهم؟ العجب هو ألا يُرسِل، وهناك معنى دقيق جداً هو: أن كمال الخلق من لوازمه كمال التصرُّف، فكـما أنّ في الخلق إعجازاً، كذلك في الخلق علمٌ وحكمةٌ، وغنىً وقدرةٌ، ولطفٌ، وكل أسماء الله تعالى ترونها في خلقه، وما الكون إلا مظهرٌ لأسماء الله الحُسنى، فكما أنَّ الكون يدلُّ على الله، ومن لوازم كمال الخلق كمال التصرُّف، إذاً ليس عجيباً أن الله سبحانه وتعالى يُنزل على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلَّم كتاباً، بل العجب ألّا يُنزِل، العجب ألّا يبيّن، العجب ألّا يأتي رسولٌ معه كتابٌ فيه تبيانٌ لكل شيء.
﴿ بَلْ عَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَىْءٌ عَجِيبٌ (2) أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌۢ بَعِيدٌ (3)﴾
الآية الآن وصلت إلى الدار الآخرة، ويا أيها الإخوة الكرام، إن أخطر موضوعٍ في العقيدة بعد الإيمان بالله الإيمان باليوم الآخر؛ لأنك إن آمنت باليوم الآخر غيّرت كل الخطّة التي تسير عليها، إذا آمنت باليوم الآخر، وأدخلت هذا اليوم في الحسابات اليومية صِرْتَ إنساناً آخر؛ لأن كل عملك سوف تُحَاسَب عنه، وكل دخلِك سوف تُحَاسَب عنه، وكل إنفاقك سوف تحاسَب عنه، في اليوم الآخر تُسَوّى الحسابات، وتُؤدَّى الحقوق، وتُؤدَّى المظالم لأصحابها.
فكل إنسانٍ -يا أيها الإخوة- أغفلَ في عقيدته اليوم الآخر، أو آمن باليوم الآخر ولم يُدخِل هذه العقيدة في العلاقات اليومية فإنه عندئذٍ ينحرف، ويقصِّر، وينقطع، ويشقى.
محاسبة الإنسان يوم القيامة حساباً عسيراً سبب في استقامته:
بادئ ذي بدء: قبل أن تعطي ماذا سأجيب الله عزَّ وجل يوم القيامة إنْ سألني: لمَ أعطيت هذا، وأنت تعلم أنه فاسق؟
قبل أن أمنع، قبل أن أُطلِق بصري، قبل أن أغضَّ بصري، قبل أن أرفض، قبل أن أوافِق، قبل أن أغضب، قبل أن أُطَلِّق، قبل أن تتحرَّك يجب أن توقن أن هناك يوماً تُسأل فيه عن كل شيء، وتُحَاسَب فيه عن كل شيء.
(( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟ ))
يا أيها الإخوة الكرام، دقِّقوا إذا كنتم مع بشرٍ مثلكم، مع إنسانٍ قد لا تحبّونه، وقد لا تقدِّرونه، لكن هذا الإنسان قوي إذا ضبط أحد الناس بمخالفةٍ سوف يحاسبه، فحينما يوقِن الإنسان أن الذي أصدر قانوناً أو مرسوماً يطوله علمه، وتطوله قدرته إذاً لابدَّ من أن يستقيم على أمره.
أكاد أقول: إن قانون الاستقامة أن توقن أن الذي أصدر هذه التعليمات يطولك علمه إذا خالفتها، وتطولك قدرته إذا عصيت أمره، لمجرَّد أن تؤمن أن علم الله يطولك إذا عصيته، وأنت في قبضته، وسوف يُحَاسِبُك، إذاً لابدَّ من أن تستقيم على أمره، ومن هنا يمكن أن نقول: إنَّ أيّ خللٍ في الاستقامة يتبعه خللٌ في العقيدة، إن أيّ انحرافٍ عن منهج الله أصله ضعفٌ في الإيمان بالله، لذلك أكثر ركنين من أركان الإيمان وَرَدا معاً هما: الإيمان بالله واليوم الآخر.
الإيمان بالله و اليوم الآخر كلّ لا يتجزأ:
إن الإيمان كلٌّ لا يتجزَّأ، محاولة الفصل بين أركان الإيمان محاولةٌ مستحيلة، أنت إذا آمنت بالله خالقاً ومربيّاً ومسيّراً، وآمنت به أنه يعلم، وسيُحاسِب فلابدَّ من أن تستقيم على أمره، لا يمكن أن تفكِّر في معصيته، لأن الله سيحاسبك، وأقول مرَّة ثانية: أنت تسلك هذا السلوك لا مع الله عزَّ وجل، ولكن مع إنسانٍ قد لا تحبّه، وقد لا تقدِّره، ولكنه قوي، إذا كان قادراً على أن يعلم مخالفتك له، وإذا كان قادراً على أن يُنزِل بالإنسان أشدَّ العقوبات فلا يمكن أن تعصي أمره، فكيف بخالق الكون؟
الأدلة التي وردت في القرآن الكريم عن اليوم الآخر:
1 ـ الدليل النقلي:
بل يا أيها الإخوة الكرام، إن الإيمان باليوم الآخر هو إيمان من نوع اليقين الإخباري؛ لأن الله أخبرنا في قرآنه الكريم أن هناك يوماً يُحاسَب فيه الناس جميعاً، تُسوَّى فيه كل العلاقات، تُرمَّمُ فيه كل المظالم، تُؤدّى فيه كل الحقوق، يُحاسَب الإنسان على أدقِّ الأعمال.
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8)﴾
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ
إذا أيقنَّا أن هذا اليوم يقوم فيه الناس لرب العالمين، ويأخذون جزاءهم العادل؛ فالمنطق والعقل والحكمة، وحبك لذاتك وفطرتك كل هذا يقتضي أن تستقيم على أمر الله، هذا هو الدليل النقلي الذي ورد في القرآن الكريم عن اليوم الآخر.
2 ـ الدليل العقلي:
لكن العلماء يرون أن هناك دليلاً عقلياً: في الحياة تفاوت كبير، في الصحَّة، في المال، في الوسامة، في الذكاء، في القدرات، في القوى، هناك ظالمٌ ومظلوم، قويٌّ وضعيف، غنيٌّ وفقير، فإذا انتهت الحياة الدنيا هكذا من دون يومٍ آخر فإن هذا الوضع غير السّوِيّ لا يتناسب مع كمال الله عزَّ وجل، فكمال الله يقتضي أن تسوَّى فيه الحسابات، هناك يوم تسوّى فيه الحسابات، تؤدَّى فيه الظُلامات.
إذاً أنت مع دليلين: دليلٍ نقلي في الكتاب والسنَّة، ودليلٍ عقلي؛ أن العقل السليم لا يقبل أبداً أن خالق الكون العظيم يَدَع خلقه هَمَلاً بلا حسابٍ، ولا مسؤوليةٍ، ولا جزاءٍ، ولا ثوابٍ ولا عقابٍ، ولا جنّةٍ ولا نار، ومَن ظنَّ أن الحياة الدنيا تنتهي هكذا فما عرف الله أبداً.
الأحمق من يوهم نفسه أنه أدخل اليوم الآخر في حساباته اليومية:
الحقيقة أيها الإخوة والخطورة هي أن الإنسان أحياناً لا يكذِّب باليوم الآخر تكذيباً قولياً، ولا يكذب باليوم الآخر تكذيباً لفظياً، يقول لك: لا، أنا مؤمن بهذا اليوم، ولكن إذا دقَّقت في سلوكه، وفي عمله، وفي كسبه للمال، وفي علاقاته الاجتماعية، وفي زواجه، وفي طلاقه، وفي عطائه، وفي منعه لا ترى أبداً أن هذا اليوم العظيم داخلٌ في حساباته اليومية.
إخواننا الكرام، الذي يكسب مالاً حراماً، الذي يكسب مالاً عن طريق الكذب أو الاحتيال، والذي يغشُّ الناس، والذي يبتزّ أموال الناس، هذا لو أنه صلَّى فهو في الحقيقة لم يُدخِل اليوم الآخر في حساباته اليومية، أين قوله تعالى:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾
أين قول النبي صلى الله عليه وسلَّم:
امتحان الإنسان لإيمانه بعمله لا بإقراره:
أيها الإخوة، أحد أكبر أركان الإيمان بعد الإيمان بالله أن يؤمن باليوم الآخر، لذلك تجد انضباط المؤمن عجيباً، وسر انضباطه أن لحظة الوقوف بين يدي الله عزَّ وجل لا تغادر ذهنه أبداً، قبل أن يفعل شيئاً، قبل أن يغش، قبل أن يكذب، قبل أن يأخذ ما ليس له، قبل أن يفتري على الناس يقول: كيف أقول لله عزَّ وجل؟ ماذا أقول له؟ فالإنسان يمتحن إيمانه لا بإقراره، بل بعمله، فإذا كان عمله يؤكِّد إيمانه فلْيَحمد الله عزَّ وجل، أما إذا كان عمله لا يؤكد إيمانه فلْيُشمِّر، وليجدِّد إيمانه، ولمجرَّد أن تأكل مالاً حراماً، وأنت تعلم يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا اليوم العظيم ما أدخلته في حساباتك، لمجرَّد أن تظلم امرأةً لا سندَ لها يجب أن تعلم أن هذا اليوم العظيم ما أدخلته في حساباتك، لمجرّد أن تدلِّس، أو أن توهم لتكسب مالاً حراماً يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا اليوم العظيم ما أدخلته في حساباتك.
الفرق بين المؤمن و غير المؤمن في رؤية الحياة:
﴿
أي ما بقي مسموحاً له أن يفعله هو الخير، أما الذي حرَّمه الله عليه فلا يقترب منه ولو أدّى ذلك إلى هلاكه.
فكيف قلتم هذا: رجعٌ بعيد؟ الله جلَّ جلاله الذي بدأ الخلق يعيده، الذي خلق الإنسان من تراب، من نطفةٍ، من ماءٍ مهين، وجعله إنساناً سويَّاً، في دماغه مئة وأربعون مليارَ خليَّةٍ عصبية لم تُعْرَف وظيفتها بعد، في شبكية عينه مئة وثلاثون مليونَ مخروطٍ وعُصيّة، فيه ثلاثمئة ألف شعرة، ولكل شعرة وريد وشريان وعصب وعضلة، وغدَّة دهنية وغدَّة صِبغية، الذي أودع فيه قلباً يضخ كل يوم ثمانية أمتار مكعَّبة، وشبكة شرايين وأوردة طولها مئة وخمسون ألف كيلو متراً.
أكرر للبيان والاعتبار: في الإنسان شبكة أوردة وشرايين وشعريّات طولها مئة وخمسون ألف كيلو متراً، كذلك في الكليتين طريق يقطعه الدم طوله مئة كيلو متر كل يوم، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم سيحاسبه، وسيعيد خلقه مرَّةً ثانية.
إنكار الكافر يوم القيامة و الحساب فيها:
أحد أسباب انضباط المؤمن في الحياة الدنيا إيمانُه باليوم الآخر:
موضوع اليوم الآخر موضوع خطير جداً، وهو أخطر موضوع في العقيدة بعد الإيمان بالله هو اليوم الآخر، وأحد أسباب انضباط المؤمن إيمانُه باليوم الآخر.
ذات مرَّةٍ ضربت مثلاً توضيحياً بإنسان ركب مركبة، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، وسيارة الشرطة واقفة، وضابط كبير من شرطة السير واقف، وإذا تجاوز شخص الإشارة يلحقونه، ويحجزون مركبته، وهو إنسان عادي، فهل يُعقَل أن يتجاوز هذه الإشارة؟ من المستحيل، ولا بالمليار واحد أن يتجاوز إنسان الإشارة الحمراء، وهو يعلم علم اليقين أنه سيُضبَط، وسيُحاسَب أشدّ الحساب، فكيف مع خالق الأرض والسماوات؟ كيف؟
العاصي من يغامر بسعادته في الدنيا و الآخرة:
والله أيها الإخوة، لا أعجب من الذي يطيع الله عزَّ وجل، هذا شيء طبيعي، لكن العجب العُجاب مِن الذي يعصي الله، فماذا تملك من الدنيا؟ الإنسان كل كيانه مَنوط بشريان الدم في دماغه، لو تجمَّدت خثرة في الدماغ لغيّرت حياته، فإن استقرت في مكان يُصاب بالعمى، وفي مكان يفقد ذاكرته، وفي مكان يُصاب بالشلل، أين قوَّة الإنسان؟ هل تملك لهذا الدم الذي يجري في الدماغ في أدقّ الأوعية، هل تملك أن يبقى سائلاً؟ إذا تجمَّد أصبحت حياة الإنسان جحيماً، هذا القلب الذي ينبض مَن يملك حركته الدائمة؟ مَن يملك مرونة شرايينه؟ مَن يملك هذا الشريان التاجي الذي يغذِّي عضلة القلب؟ من يملك هذا الشريان؟ إذا ضاق هذا الشريان أصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، فعلى أي شيءٍ يستند العاصي؟ العاصي مغامر، والعاصي مقامر، يقامر بسعادته في الدنيا والآخرة، فالعجب العُجاب ممن يرى نفسه في قبضة الله ويعصيه، ممن أمره كله بيد الله ويخرج عن منهجه، هذا هو العجب العجاب لا كما قال هؤلاء الكفَّار.
﴿
فناء الإنسان في قبره:
أي حينما يوضعون في قبورهم، وحينما تبدأ الكائنات الحية عملها في أكل لحومهم
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ: آية لها عدة معان:
1 ـ إما أنهم إذا ماتوا ابتلعتهم الأرض فأنقصت عددهم:
2 ـ أو أن التراب حينما يأكل لحمهم يتناقص الجسد شيئاً فشيئاً:
أو أن التراب حينما يأكل لحمهم في القبر.
التفكُّر في الموت جزء من الدين:
أيها الإخوة، الإنسان وهو في الدنيا، وهو حيٌّ يُرزَق ليدخل إلى غرفةٍ مظلمة، بلا مصباح أبداً، وليقبع فيها ساعاتٍ طويلة، ألا يشعر بالضجر؟ ألا يشعر بالوحشة؟ غرفة كبيرة فيها سرير وثير، وفيها نوافذ، أطفِئ المصباح، واجلس وحدك عدة ساعات بماذا ستشعر؟ القبر على طول الزمن لا نافذة له ولا سرير، ولا شيء من هذا، إنك تحت التراب، وفي اليوم الواحد تشيّع عشرون جنازة أو أكثر، في هذا الحي في اليوم الكثير من النعي، فهذا الذي أعلمونا أنه توفي أين يبيت هذه الليلة؟ تحت الأرض، تحت التراب، أين كان ينام قبل يوم؟ على سرير، حوله زوجة وأولاد، هناك طعامٌ وشراب، هناك ثياب، هناك بيتٌ نظيف، يُوضَع في القبر ويُهال عليه التراب، وقد قال سيدنا عمر:
إخواننا الكرام، التفكُّر في الموت جزء من الدين، التفكُّر بالموت مع التساؤل: يا ترى كيف تنتهي حياتي؟ بأية طريقة؟ أين أموت؟ في البيت أم خارج البيت؟ أين أُغسَّل؟ أفي البيت؟ أين أُدفَن؟ هذه الخواطر ضرورية جداً لأنها كوابح.
ابتعاد الإنسان عن المعصية عند تفكيره بالموت و الحساب:
أيها الإخوة الأكارم، لو أنك كنت على طريقٍ معبَّد تركب مركبة، الخطران الكبيران أن تنحرف يَمنةً أو يَسرةً، وعلى اليمين وادٍ سحيق، وعلى اليسار وادٍ سحيق، والخطر الثاني هو أن تقف المركبة، والتفكُّر في الموت يجعلك على الطريق، ويدفعك نحو الأمام، والذي يقيك الانزلاق والوقوف هو التفكُّر بالموت، وسبحان الله! إن الموت ما ذُكِرَ مع كثيرٍ إلا قلَّله، وما ذُكِرَ مع قليلٍ إلا كثَّره، فالإنسان القوي الغني المتمكّن يحلّ بالمال كل قضية، ولكنّ الموت يقلِّل هذا المال، ماذا ينفعه المال حينما يموت؟ والفقير المعذَّب المريض يأتي الموت فينهي كل مشكلاته.
فيا أيها الإخوة الكرام، التفكُّر في الموت جزءٌ من الدين، والتفكّر في الموت مكبح يكبح جماح النفس، التفكر في الموت يكبح جماح النفس عن أن تزل قدمُها في معصية، أو أن تقف وهي في طريق الإيمان.
الانغماس في الدنيا والانشغال بها يجب ألا تبعد الإنسان عن التأمل:
قرأت كلمة وهي:
تكذيب الكفار بالقرآن الكريم الذي أُنزل على النبي الكريم:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِىٓ أَمْرٍۢ مَّرِيجٍ(5)﴾
فقد قال بعضهم عن النبي عليه الصلاة والسلام: ساحر، لأن الحق الذي جاءهم هو النبي عليه الصلاة والسلام، والحق الذي جاءهم هو القرآن الكريم ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ﴾ قال بعض المفسِّرين: الحق هو القرآن الكريم الذي أُنزِل على النبي صلى الله عليه وسلم، كذَّبوا به،
﴿ وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ(15)﴾
قالوا عن النبي عليه الصلاة والسلام: إنه شاعر، إنه كاهن، إنه ساحر.
رفض الكفار للقرآن الكريم قبل فهم و تدبر آياته:
وفي الآية إشارة لطيفة.
شقاء الإنسان في الدنيا و الآخرة عند تركه القرآن العظيم:
تفسير كلمة مريج:
1 ـ المريج هو الكاهن:
2 ـ المريج هو الشاعر:
بعضهم قالوا: شاعر.
3 ـ المريج هو الساحر:
بعضهم قالوا: ساحر، وأهل الكفر إذا أرادوا أن يصفوا الحق يختلفون، ساعة يقولون: ضعف بشري أمام قوى الطبيعة القاهرة، وساعة أخرى يقولون: المتديِّن إنسان يعوّض نقصاً أَلَمَّ به، فيتهمون أهل الدين اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان.
عدم اتفاق الكفار على وصف أهل الحق بوصف واحد:
عدم اقتناع الكفار بأنهم سيبعثون بعد الموت و يحاسبون:
ولكن ما علاقة هذا الكلام بالآيات التالية؟
﴿ أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٖ﴿6﴾ وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِيجٖ﴿7﴾ تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٍ﴿8﴾ وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّٰتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ﴿9﴾ وَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتٖ لَّهَا طَلۡعٞ نَّضِيدٞ﴿10﴾ رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ﴿11﴾﴾
الحقيقة أن هؤلاء الكفَّار الذين كذَّبوا، كذَّبوا بالحق أي كذَّبوا هذا القرآن، وأنكروا اليوم الآخر، وقالوا:
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ(37)﴾
فهؤلاء الكفار كيف السبيل إلى إقناعهم بوجود خالقٍ عظيم؟ وربٍ رحيم؟ ومسيرٍ حكيم؟ كيف السبيل إلى إقناعهم بأن هناك يوماً آخر تُوزَن فيه الأعمال، وتُؤدّى فيه الحقوق، وتُسوّى فيه الظُلامات؟
منهج القرآن في إثبات اليوم الآخر:
السبيل: هذا الكون الذي تحت سمعنا وبصرنا، الشيء الثابت الوحيد الذي يخضع له كل إنسان هذا الكون العظيم، فكلَّما تاهت النفوس، واضطربت الأفكار، وظهرت الشكوك، ومرَجت النظريات، فالكون؛ بسماواته وأرضه، بمجرَّاته، بكواكبه ومذنَّباته، بنجومه، بشمسه وقمره، والأرض؛ بالبحار والجبال، والصحارى والغابات، والأسماك والأطيار، والنباتات وخلق الإنسان، هذا الكون هو الذي يدلُّ على الله، هو الذي ينطق بكمال الله، هو الذي ينطق بوحدانية الله، هو الذي ينطق بحكمة الله، برحمة الله، بعلم الله، وبقدرة الله، هو الشيء الثابت، وإذا اضطربت عقيدة الإنسان، وتزلزلت أفكاره فليَدَعْ كل شيء، ولْيتجهْ إلى الكون ليتأمَّل فيه.
عظمة الله تتجلى في الكون:
لا يوجد خلل، وبعض الأرقام تشير إلى أن العلماء قدَّروا أن في الكون قريباً من مليون مَليون مجرَّة، هذه المعلومات راجحة إلى الآن، وأن في كل مجرَّة قريباً من مليون مَليون نجم، وأن المجموعة الشمسية نقطة صغيرة في درب التبانة، والمجموعة الشمسية قطرها ثلاث عشرة ساعة، أما نحن أي: الأرض والقمر القطر ثانية ضوئية، نحن والشمس القطر ثماني دقائق فقط، هذه المجموعة الشمسية، وقد أرسلوا مركبة فضائية إلى المشتري، بقيت المركبة ست سنوات في الفضاء تسير.
بالمناسبة بيننا وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، ثم اضرب في الساعة، باليوم، بالسنة، وهذه المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب لو أردت أن تقطعها بمركبةٍ أرضية تحتاج إلـى خمسين مليون عام، هذا رقمٌ دقيق.
أكرر: لو أردت أن تقطع المسافة بين الأرض وأقرب نجمٍ ملتهب تحتاج إلى خمسين مليون عام، وأقرب نجم ملتهب يبعد عنَّا أربع سنوات ضوئية فقط، بينما نجم القُطب يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، في حين أن بعض المجرَّات تبعد عنَّا مليون سنة ضوئية، وبعض المجرات المُكتشفة حديثاً تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، أي أنها كانت في هذا الموقع الذي رأيناه بالمراصد العملاقة قبل أربعة وعشرين ألف مليون سنة، الآن لا يعلم إلا الله أين هي.
صنعة الله المطلقة في كل شيء:
وهذا الكون العملاق لولا حركة النجوم حول نجوم أخرى لأصبح كتلةً واحدة؛ لأن قِوى التجاذب تجمعه في كتلة واحدة، أما الحركة الدائرية ينشأ عنها قوى نابذة تكافئ القِوى الجاذبة، هذه الحركة المستمرة تجعله مستقراً بهذا الترتيب، أما لو أن الحركة توقَّفت لأصبح الكون كتلةً واحدة
﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ
التفكر في ملكوت الله يؤدي إلى عدم التكذيب بالحق:
الخلاصة اليقينية وجود، وحدانية، وكمال مطلَق، فإذا دلَّك الكون على خالقٍ عظيم واحد كامل، يقتضي كمال هذا الخالق العظيم أن يبين لخلقه لماذا خلقهم؟ ولماذا أوجدهم؟ وماذا ينتظرهم؟ وماذا عليهم أن يعملوا؟ فكان هذا القرآن الكريم، لماذا كذَّبوا بالحق؟ لأنهم لم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها، لو نظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها لما كذَّبوا بالحق، هذه الآية دقيقة جداً:
الدنيا ما هي إلا إعداد و تمهيد للآخرة:
لو نظرت في خلق السماوات والأرض لَعرفتَ أن هذا الخالق العظيم كماله مطلق، ويقتضي كماله أن يبين لعباده لماذا خلقهم؟ ولماذا أوجدهم؟ وماذا ينتظر منهم؟ وماذا عليهم أن يعملوا؟ ولماذا جعل حياتهم محدودة؟ ولماذا خلَقَهم لحياةٍ أبدية؟ ولماذا كانت هذه الحياة الدنيا إعداداً وتمهيداً للحياة الآخرة؟ هكذا، فلذلك ينقصنا أن نتأمَّل في خلق السماوات والأرض، الكون يدلُّنا على كل شيء، يدلُّنا على أن لهذا الكون خالقاً واحداً كاملاً موجوداً، ومن لوازم كماله أن يبين لخلقه، وهذا القرآن بين أيدينا.
قدرة الله عز وجل في جعل الأرض لا تنحرف عن مسارها:
الملخَّص أن الأرض مرتبطة بالشمس بقوَّة تساوي مليون مَليون ضرب مليوني طن، كل هذه القوة من أجل أن تحرِف الأرض عن مسارها المستقيم ثلاثة مليمترات في الثانية، فلو أنها سارت بشكل مستقيم لخرجت من مدارها حول الشمس، فتنحرف كل ثانية ثلاثة مليمترات، وهذه الثلاثة مليمترات تشكِّل مداراً مغلقاً حول الشمس.
رفع السماء بغير عمد آية من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿
هل يقدر الإنسان أن يبني بناء من ثلاثين طابقاً مساحته ألف متر بلا أعمدة؟ ويجعل ارتفاعه عن الأرض عشرة أمتار؟ تمشي من تحته بالهواء من دون أعمدة؟ هذا الشيء فوق طاقة الإنسان، أن ينشئ بناء من ثلاثين طابقاً من دون أعمدة إطلاقاً، وأول طابق يرتفع عن الأرض عشرة أمتار، وأنت تتحرَّك من تحته، وأنت تمشي بالهواء، والهواء فيه قِوى جذب، وأنت لا تشعر.
ما المد والجزر؟ إن البحر أحياناً يرتفع إلى عشرين متراً، هذا مِن جذبِ القمر للبحر، هناك أبحاث تؤكِّد أن القمر يجذب القشرة الأرضية اليابسة، ولذلك يضطرب دمُ الإنسانِ في أيام مدّ القمر وهو بدر، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نصوم هذه الأيام الثلاثة، وهناك بحوث الآن أُخِذت من ملفَّات القضاء، وعيادات الأطباء، ومن مخافر الشرطة أن معظم الجرائم تُرتكب في هذه الأيام الثلاثة، حينما يفور الدم، هذا أيضاً متعلِّق بالجاذبية.
﴿
وهي: تداخل الظلام مع النور بالأشكال الهندسية لا يكون إلا في الكرة.
الجبال آية عظيمة من آيات الله:
﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً(7)﴾
الله جعل الجبال رواسي، كيف أن الدولاب إذا دار بسرعة كبيرة يضطرب فيوضَع له قطع من الرصاص في بعض الأماكن كي يدور بسرعة من دون اضطراب، الله جعل الجبال رواسي، وجعلها مستودعات للمياه، وضاعف بها مساحة الأرض، وجعل الجو في الجبال جوّاً مريحاً، بارداً في الصيف.
الورود الجميلة لم يخلقها الله إلا تكريماً للإنسان:
هذه الورود الجميلة مثل الزنبق، ألوان جميلة جداً، روائح فوَّاحة، لمن خُلِقت هذه؟ خُلِقت تكريماً لهذا الإنسان.
الحكمة من نضج الفاكهة تباعاً:
الله عزَّ وجل جميل، الفاكهة التي تأكلها فيها متعةٌ للعين قبل أن تُمتِع فمك بها، التفاحة لها منظر جميل جداً، كل أنواع الفواكهِ النظرُ إليها مُتعة قبل أن تأكلها، ألوان، أشكال، حجوم، توشيح أحياناً، ألوان متألِّقة، اللون الأصفر في التفاح جميل جداً، يوجد عليه خد أحمر أحياناً، وكذلك العنب، فهذه الفواكه من خلقها؟ من صمَّمها؟ لماذا خُلقت؟ خُلِقت للإنسان.
الهدى قرار داخلي يتخذه الإنسان قبل كل شيء:
قدرة الله عز وجل على إعادة خلق الإنسان كما أنشأ الجنَّات و خلقها:
إذاً: الجواب على تساؤل الكفَّار، وإنكارهم البعث، وإنكارهم الحق، وتكذيبهم بهذا القرآن هو النظر في ملكوت السماوات والأرض.
الماء أساس كل شيء حي:
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ
وحيثما ترى الماء ترى الخَضار، وترى البساتين، وترى الجبال الخضراء، وترى المحاصيل.
فوائد النخل:
﴿
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.