- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (012)سورة يوسف
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
كمال سيدنا يوسف وأدبه الرفيع :
سيدنا يوسف لكماله ولأدبه الرفيع لم يقل : وقد أحسن بي إذ أخرجني من البئر ، لا ، ترك هذه ، بل قال :
بعضهم قال : كان في البئر مع الله ، وفي السجن مع اللصوص ، وكان أسعد في البئر منه في السجن ، هذا توجيه آخر ،
﴿
لا تستعجل ، لأن من تعجل الأمر قبل أوانه عوقب بالحرمان .
الجنة مطمح كل مؤمن :
سيدنا عمر بن عبد العزيز قال مرة : تاقت نفسي إلى الإمارة ، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة ، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة ، أي مطمح المؤمن دخول الجنة ، فإذا أمضى حياته في طاعة الله ، أمضى حياته في الدعوة إلى الله ، بذل من ماله ، ومن وقته ، ومن جهده في سبيل الله فلا شيء أحبّ إليه من الانتقال إلى الدار الآخرة .
لذلك سيدنا أبو سفيان بن الحارثة حينما كان على فراش الموت بكى أهله فقال :
(( لا يتمنينّ أحدكم الموت لضُر أصابه ، فإن كان لابدّ فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي . ))
قال مرة :
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ : مَن طالَ عمرُهُ ، وحَسنَ عملُهُ ، قالَ : فأيُّ النَّاسِ شرٌّ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ وساءَ عملُهُ .. ))
(( من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي.))
أي إن كانت حياتنا فيها زيادة من الخير فأحيِنا ، وإن كان فيها زيادة من غير الخير فأمتنا وتوفنا .
الله ولي المؤمن والشيطان ولي الكافر :
﴿
شتان بين المؤمن وغير المؤمن ، الله ولي المؤمن ، والشيطان ولي الكافر ، المؤمن من خير إلى خير ، من رؤية إلى رؤية ، من قربٍ إلى قرب ، من طاعةٍ إلى طاعة ، من سعادة إلى سعادة ، من شأنٍ إلى أعلى ، من مكانة إلى أكبر ، وغير المؤمن من ورطة إلى ورطة ، من سيئة إلى أكبر ، من شقاءٍ إلى شقاء ، من أزمة إلى أزمة ، إلى أن يأتي الموت فيلقى في جهنم .
من أحبه الله رزقه عملاً صالحاً وألحقه بالصالحين :
(( عن عمرو بن الحمق: إذا أحَبَّ اللهُ عَبدًا عَسَلَه . قالَ : يا رَسولَ اللهِ ، وما عَسَلَه ؟ قالَ: يُوَفِّقُ له عَمَلًا صالِحًا بيْنَ يَدَي أجَلِه حتَّى يَرضى عنه جيرانُه - أو قالَ : مَن حَولَه . ))
حدثني أخ في الجامع عندنا هنا ، له والد يعمل مؤذناً ، وبعضهم قال :
﴿
هم المؤذنون ، أذن لصلاة الظهر ، وأقام الصلاة ، واقتدى بالإمام ، وصلى الركعة الأولى والثانية والثالثة ، وفي سجود الرابعة توفاه الله عز وجل ، وهناك أناس يموتون وراء أجهزة اللهو في أبشع ميتة ،
لكن من شبّ على شيء شاب عليه ، لا تتوقع المستحيل ، أخي أنا إن شاء الله الله عز وجل رغم المعاصي كلها يبعث لي عند الموت عملاً صالحاً ، لا ، موضوع آخر ، من شبّ على شيء شاب عليه ، ومن شاب على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء حشر عليه ، كلام دقيق جداً ، من شبّ على شيء شاب عليه ، إذا الإنسان في شبابه ألف المعاصي ، أَلِف إهدار الوقت في أشياء لا ترضي الله عز وجل تصبح هذه المعاصي جزءاً من حياته ، تصبح عادات ثابتة :
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدرت مسؤول
***
إلى متى أنت بالمعاصــــــــــــي تسير مرخى لك العنــــــــان
عندي لك الصلـح و هو بِرِّي وعندك السيف والسنـــــــان
ترضى بأن تنقضـي الليالـــي وما انقضت حــربك العوان
فاستحي من شيبة تـــراهــــــــا في النار مسجونة تهـــــــان
***
هناك مناجاة :
يا رب هــــــــذي ذنوبــــــــــي وأنت بالخــــطب مستعـــــان
***
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــــــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتـلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***
ليس في الكون إلا الله :
آخر كلمة : ليس في الكون إلا الله ، وأي شيء يقربك إليه فهو حق ، وأي شيء يبعدك عنه فهو باطل ، أي فكرة أو عادة أو سلوك ، أي شيء يقربك إليه فهو حق ، وأي شيء يبعدك عنه فهو باطل ، وليس إلا الله ، وما توفيقي إلا بالله ، أي لا تتحقق الأهداف إلا بالله ، والآية الأخيرة :
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) ﴾
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ