الحمد لله رب العالمين ، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
يوسف عليه السلام ذاع صيته في الخافقين من حيث الرحمة والرأفة واللين والعطف :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في الدرس الماضي في سورة يوسف وقصته إلى قوله تعالى : ﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ .
قال العلماء في هذه النقلة من قوله تعالى : ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(56)وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(57) ﴾ تولى يوسف عليه السلام - إن صح التعبير- وزارة التموين ، ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) ﴾ وجاءت سبع سنوات خيِّرات ، فغلَّت الأرض غلات لم تكن في الحسبان ، وتولى هذا النبي الكريم الحفيظ العليم تخزين هذه الغلات لسبع سنوات أخريات عجاف ، وجاءت السنوات العجاف ، وعمّ القحط بلاد مصر والشام ، وضاقت المكاسب بأهلها ، فتوجه أبناء الشام في أرض كنعان إلى مصر ليشتروا القوت والقمح ، كل هذا الكلام نُقل بين آيتين :
﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) ﴾
[ سورة يوسف ]
أرسلهم أبوهم ليشتروا القمح من مصر ، جاؤوا مصر فدخلوا عليه ، والفاء تفيد الترتيب على التعقيب بينما ثم تفيد الترتيب على التراخي ، وفي هذه الآية إشارة إلى أن هذا النبي الكريم ، وذلك الحفيظ العليم كانت أموره ميسرة ، فليس على أبوابه حجّاب يمنعون الناس من الوصول إليه ، ما إن جاؤوا مصر حتى دخلوا عليه : ﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ﴾ ..قد يقول قائل : عرف أنهم إخوته فأمر بإدخالهم قبل غيرهم ، الجواب : فدخلوا عليه فعرفهم ، عرفهم بعد أن دخلوا عليه ، جاء إخوة يوسف كمواطنين عاديين فدخلوا عليه منْ توِّهم ، بعد أن دخلوا عليه عرفهم ، مِنْ استخدام هاتين الفاءين إشارة إلى أنّ هذا النبي الكريم كان بابه مفتوحاً للناس كلهم ، أي إنسان يستطيع أن يصل إليه من دون تعقيد : ﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ ﴾ كيف عرفهم ؟ لأنه حينما كان صغيراً كانوا هم قد اكتملت بنيتهم ، واتضحت معالمهم ، فصورتهم هي هيَ ، لكنه كان صغيراً ، كَبُرَ ، وصار عزيز مصر ، فاختلفت ملامحه من سن إلى سن ، هم لم يعرفوه لكنه عرفهم ، لم يعرفوه لأنهم تركوه في غيابة الجب ، وتوقعوا أنه قد مات ، أو أنه قد أخذه بعض السيارة فباعوه عبداً رقيقاً ، أما أن يكون هذا الذي تركوه في غيابة الجب عزيز مصر فهذا لم يكن في حسبانهم ، حينما جاؤوا مصر من بلاد الشام دخلوا عليه مباشرة فعرفهم بعد أن دخلوا عليه : ﴿ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ لكن الذي قاله العلماء في هذه الآية : إنّ هذا النبي الكريم ذاع صيته في الخافقين من حيث الرحمة والرأفة واللين والعطف والتواضع والمودة والإنصاف والعدل ، نبيٌ كريم كيف تكون أخلاقه ؟ وإذا كان من علاقة بيننا وبين هذه الآية ، إذا كنت أيها الأخ الكريم موظفاً ، إذا كنت مؤمناً ، لابد من أن يتحدث الناس عن إحسانك ، وعن تواضعك ، وعن إنصافك ، وعن حبك للخير ، وعن حبك لخدمة الناس ، وعن حبك لخدمة المواطنين ، ولاسيما المراجعين ، إذا كنت موظفاً مؤمناً ، وقال الناس : ليس لهذا الموظف مثيل لا في تواضعه ، ولا في خدمته ، ولا في تسهيله على الناس أمورهم .
دخل مواطن على موظف ومعه معاملة ، فرأى تعقيدات ليست في الحسبان ، هذه لا يمكن أن نوافق عليها ، وهذه لا يمكن ، فقال له : يسِّرها ، فقال : ألم تعلم أن شعارنا هنا ربي عسِّر ولا تيسِّر ، ﴿ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ إذا كنت مؤمناً ، وكنت موظفاً لابد من تيسير أعمال الناس ، تسهيل مهماتهم ، لابد من خدمتهم ، من التواضع لهم ، من إنصافهم ، أما إذا استعليت عليهم ، وعقدت عليهم الأمور ، ووضعت أمامهم شروطاً تعجيزية كي يدفعوا ، فهذا الموظف من المغضوب عليهم ومن الضالين :
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾
[ سورة الفاتحة ]
فهذا النبي الكريم ذاع صيته ، تحدث الناس عن إحسانه ، سار الركبان بأخباره ، ذاعت أعماله الطيبة في مصر والشام ، أتوه من أطراف الدنيا ليأخذوا منه القمح والشعير وقوتهم.
إيثار سيدنا يوسف الآخرين على نفسه :
﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ وقد قيل : إنّ هذا النبي الكريم كان يباشر توزيع الأقوات بنفسه ، وعلى حسب رؤوس الأسرة ، وكان هذا النبي الكريم فيما ترويه الكتب قد آثر أن يأكل في اليوم وجبة واحدة ، ليضع نفسه مع الناس ، مادام هناك شدة ، وهناك قحط ، وهناك قوت يسير ونزر قليل ، آثر أن يضع نفسه مع الناس ، فألزم نفسه أن يأكل وجبة واحدة .
سيدنا عمر رضي الله عنه جاءه رسول من أذربيجان وصل المدينة في ساعة متأخرة من الليل ، كره هذا الرسول أن يطرق باب أمير المؤمنين في هذه الساعة المتأخرة ، فتوجه إلى المسجد ، فإذا في المسجد صوت وبكاء ، سمع هذا الصوت يقول : ربي أنا واقف ببابك ، واقف بين يديك ، هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها ؟ فقال هذا الرسول : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا عمر ، قال : أمير المؤمنين ! قال : نعم ، قال : ألا تنام الليل ؟ قال: إن نمت ليلي كله أضعت نفسي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ، بقي هذا الرسول مع أمير المؤمنين حتى صلاة الصبح ، فلما انصرف عمر من المسجد اصطحبه معه إلى البيت إكراماً له ، دخل إلى البيت قال : يا أم كلثوم ما عندك من طعام ؟ قالت : والله ما في بيتنا إلا خبز وملح فقط ، فقال : هاته لنا ، أكل وأطعم ضيفه وحمِد الله وأثنى عليه ، ثم سأل هذا الرسول : ما الذي أقدمك إلينا ؟ قال : هدية بعثها لك عاملك على أذربيجان ، قال : افتحها ، فتحها فإذا هي حلوى نفيسة ، فقال : يا هذا أيأكل عندكم عامة المسلمين هذا الطعام ؟ قال : لا ، هذا طعام الخاصة ، قال : أوَ أعطيت الفقراء في المدينة مثل ما أعطيتني ؟ قال : لا ، هذه لك خصيصاً ، قال : اذهب فوزعها على فقراء المدينة ، وحرام على بطن عمر أن يذوق طعاماً لا يأكله عامة المسلمين .
سيدنا يوسف ألزم نفسه أن يأكل وجبة واحدة في سني القحط ، وسيدنا عمر مرة حرم نفسه طعام اللحم أشهراً طويلة حتى قرقر بطنه ، فقال لبطنه : قرقر أيها البطن أو لا تقرقر فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين .
وحينما بعث هذا الخليفة بوالٍ إلى بعض الأمصار أراد أن يمتحنه فقال له : << ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يده ، قال : إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، قال : إنّ الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإذا وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية >> .
في الحقيقة الرؤيا التي رآها الملك وقعت ، جاءت السنوات العجاف بعد السنوات الخيِّرات .
تضييق سيدنا يوسف على إخوته لحكمة بالغة :
شيء آخر ؛ هذا النبي الكريم حينما عرف إخوته ضيّق عليهم لحكمة بالغة ، قال : أنتم عيون أي جواسيس ، قالوا : معاذ الله ، إنما جئنا إليك لنشتري طعاماً لنا ، قال : من أنتم ؟ قالوا : نحن عشرة ، قال : هل خلفتم أحداً في بلادكم ؟ قالوا : نعم ، نحن كنا اثني عشر أخاً ، واحد منا ضاع في البرية - هكذا قالوا - ضاع في البرية ، والثاني تركناه عند أبيه لشدة حبه له وحرصه عليه ؛ فهذا الذي ضاع في البرية ، وهذا الذي تركناه من أم واحدة ، ونحن العشرة من أم ثانية .
سيدنا يوسف ضيّق عليهم حتى حملهم على أن يذكروا له تفصيلات كثيرة عن أحوالهم ، وهذا النبي الكريم حينما جهزهم بجهازهم ، قال تعالى : ﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ ﴾ أي أعطاهم القمح الذي جاؤوا من أجله ﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ﴾ لابد من أن تحضروا معكم ذلك الأخ من أبيكم ، ﴿ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ ﴾ قال بعضهم : إنه أعطاهم كيلاً وزيادة ، وقال بعضهم الآخر : إنه أرخص لهم في السعر فكثر نصيبهم من القمح ، هذه معنى : ﴿ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴾ أي أكرم ضيافتهم ، أكرم مثواهم ، أسكنهم في قصره وأطعمهم وسقاهم ، وأعطاهم زاداً لرواحلهم ، وزاداً لهم وزيادة .
سياسة يوسف الحكيمة هي الجمع بين الإكرام والتهديد :
﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ(59)فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴾ إن أتيتم في العام القادم من دون هذا الأخ من أبيكم فلن أعطيكم شيئاً ، ولن أسمح لكم بدخول قصري ؛ هذه سياسة حكيمة أن تجمع بين الإكرام والتهديد ، أن تكون مرغوباً ومرهوباً ، أن يحار الناس فيك ، لا ييئس الناس من رحمتك ، ولا يطمعون ، ولا يتجاوزون حدودك ، من السهل جداً أن تكون قاسياً ، ومن السهل جداً أن تكون ليناً ، لكن البطولة والحكمة في أن تجمع بين اللين وبين الحزم ، أكرمهم ، أسكنهم في قصره ، أطعمهم أطيب الطعام ؛ أحسن وفادتهم ، أعطاهم الكيل وزيادة ، إما أنه أرخص لهم السعر ، وإما أنه رفع لهم الكمية ، وهددهم ، قال : ﴿ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴾ يبدو أنه كان سائداً في ذلك الوقت نظام البطاقات ، أي كيف توزع هذه الأرزاق على سبع سنين ؟ لو طرحت في الأسواق دفعة واحدة لاشتراها المحتكرون والمستغلون ، وخزنوها ، وضاعفوا أثمانها ، لابد من توزيع مقنن محدود على مدار السنوات السبعة ، ولابد من كمية لا تزيد عن الحد المعقول يأخذها كل إنسان ، إذاً : ﴿ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ﴾ .
وشيء آخر ؛ لكنه حينما طلب منهم هذا الأخ رأوا أنه من الصعوبة بمكان أن يأخذوه ، لأن تجربة هذا النبي سيدنا يعقوب معهم كانت تجربة مُرّة ، إنه لن يصدقهم بعد ذلك ، لقد جرحوه ، لقد آلموه ، لقد حرموه من هذا الابن الكريم ، تصوروا أنه لن يعطيه إياهم ، لذلك ﴿ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴾ ، قضية معقدة جداً ؛ تكاد تكون مستحيلة : ﴿ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴾ سنفعل .
أربعة تفسيرات لوضع يوسف عليه السلام ثمن القمح في بضاعة إخوته :
﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ﴾ أي لغلمانه الذين يعملون في قصره : ﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ ﴾ الحقيقة البضاعة هنا تعني ثمن القمح ، لكنّ بعض المفسرين يرجحون أنّ كلمة البضاعة هنا تعني أنهم لا يملكون نقداً لثمن القمح فجاؤوا ببعض الحاجات من الشام كالجلود وما شاكل ذلك ، أي بدل أن يشتروا قمحاً قايضوا على القمح ببضاعة من عندهم ، أمر فتيانه أن يعيدوا لإخوته ثمن القمح ، أو هذه البضاعة التي جاؤوا بها كثمن للقمح : ﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ بعضهم فسّر هذا الموقف تفسيرات عدة ، فهو يعلم أن أباه نبي كريم ، وأنّ هذا الأب الكريم لا يمكن أن يأكل مالاً حراماً ، فإذا وضع ثمن القمح مع القمح لابد من أن يعودوا إليه مرة ثانية ليعطوه الثمن ، هذه بعض التوجيهات .
شيء آخر ؛ لعله أعطاهم ثمن بضاعتهم ليتمكنوا في العام القادم من شراء البضاعة ، توقع أنهم لا يملكون ثمنها فأعطاهم ثمن البضاعة الحالّة ليشتروا بها بضاعة في العام القادم ، هذا توجيه آخر .
وبعضهم قال : استنتج العلماء أنه ما كان للابن أن يأخذ من أبيه ثمن شيء ، أبوه وإخوته أمِنَ المروءة أن يأخذ منهم ثمن الطعام ؟ أعاد لهم ثمن الطعام في رحالهم .
وبعضهم قال : إنما أعاد لهم ثمن الطعام كي يحبوه ، وكي يطمعوا فيه ، وكي يعودوا إليه ، أربعة تفسيرات لوضع هذا النبي الكريم ثمن القمح في بضاعتهم : ﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ ، لعلهم يرجعون حباً ، ولعلهم يرجعون تأدية ، ولعلهم يرجعون ليشتروا ما يلزمهم في العام القادم .
العمر ليس بالذكاء ولكن بتوفيق الله وحفظه :
﴿ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ﴾ أي لن يسمح لنا بعد هذا العام أن نتوجه إلى مصر لنشتري القمح : ﴿ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ ﴾ ، إن لم ترسله معنا منع منا الكيل ، ﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ لكن هذه الكلمة لن تؤثر في هذا الأب ، لأنهم قالوها من قبل ، ووضعوه في غيابة الجب ، الإنسان يكذب مرة واحدة ويصدق مئة مرة ، وفي المئة مرة يكذبه الناس ، إذا كذب مرة وصدق مئة مرة في المئة مرة القادمة يكذبه الناس ، أنا أظن أنهم حينما قالوا : ﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ كانوا صادقين في قولتهم ، ولكنهم لأنهم قالوها من قبل وقد كذبوا فهذا النبي الكريم لن يصدقهم في مقالتهم هذه ، فقال : ﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يبدو أنه رأى أنه لابد من إرساله ، الطعام شيء أساسي ، إذا لم يرسله فلا طعام ولا قمح ولا خبز ، لابد من إرساله : ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ جاء في بعض الآثار أن سيدنا يعقوب حينما قال : ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ قال الله تعالى : وعزتي وجلالي لأردنّ عليك ابنيك معاً بعد أن توكلت علي . ويقول له : عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول هذا العبد : يا رب لقد أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي بأنك خير حافظاً وأنت أرحم الراحمين ، فقال : عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، أي العمر ليس بالذكاء ولكن بتوفيق الله وحفظه .
قرأت خبراً عن طائرة احترقت فوق جبال الألب على ارتفاع يزيد عن ثلاثة وأربعين ألف قدم ، وهذا ارتفاع الطيران النظامي ، احترقت في الجو ، عندما احترقت تصدعت ، وقع راكب منها ، يبدو أن عناية الله حفت هذا الراكب ، سقط ثلاثة وأربعين ألف قدم على غابة مكسوة بالثلج ، سماكة هذا الثلج خمسة أمتار فوق أشجار الصنوبر ، فنزل على قدميه ولم يصب بأذى ، ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ .
طائرة أخرى تشيكية احترقت قبل مطار دمشق ، لم ينج منها إلا راكب واحد وطفل صغير ، لم يضعا حزام الأمان ، فلما تصدعت نزلا من الطائرة إلى الأرض ، والباقون قد احترقوا ، أي :
وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان
***
إذا الإنسان سافر هناك دعاء السفر :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا سافَرَ فرَكِبَ راحلتَهُ ، قالَ بأصبَعِهِ ومدَّ شُعبةُ أصبعَهُ قالَ : اللَّهمَّ أنتَ الصَّاحبُ في السَّفرِ ، والخليفةُ في الأَهْلِ ، والمالِ ، اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من وَعثاءِ السَّفرِ ، وَكَآبةِ المنقلَبِ . ))
[ صحيح النسائي ]
﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ إذا توجهت إلى سفر ، إذا دخلت إلى بيتك ، إذا خرجت إلى عملك ، إذا حفّت بك المخاطر ، قل : ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ .
إقناع يعقوب بإرسال ابنه إلى مصر في العام القادم لإحضار حصته من القمح :
﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ - رحلهم- وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ﴾ بعضهم قال : الفضة ، كان ثمن القمح فضة ، وبعضهم قال : بضاعة ، على كل هذا الثمن الذي دفعوه لسيدنا يوسف أعيد إليهم مع بضاعتهم ، ﴿ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ﴾ ماذا نريد أكثر من ذلك ؟ ماذا نطمح أكثر من ذلك ؟ ما نبغي ؟ ﴿ مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ﴾ هذه المبالغ التي جمعناها لنشتري بها قمحاً ردت إلينا مع القمح الوفير ، ﴿ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ﴾ فإذا ذهبنا في العام القادم نأخذ قمحاً مرة ثانية ، ﴿ وَنَحْفَظُ أَخَانَا ﴾ ونعاهدك أن نحفظ أخانا ، ﴿ وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ﴾ كنا عشرة فأصبحنا أحد عشر ، ﴿ وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴾ طلبه أن نأتي بأخينا ، وبعضهم قال : إن هذا النبي الكريم ما كان يعطي الإنسان إلا كيل بعير طوال العام ، يبدو أن الإنسان يحتاج في طعامه إلى كيل بعير ، قدروا ما يحتاجه الإنسان من قمح طوال العام كيل بعير : ﴿ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ(65)قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ ﴾ أي هذه المرة لا بد من كفالة ، العلماء قالوا : في الأشياء العينية كفالة ، وفي الأشخاص موثق ، والكفيل ضامن ، كفيل المال ضامن للثمن ، وكفيل الشخص ضامن لدفع الدية ، أو لتحمل ما يترتب على غريمه من قصاص ، ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ فسر العلماء أن يحاط بكم ، إلا أن تموتوا ، أو تهلكوا بحادث ، أو أن تُغلبوا ، إذا حاربتم من أجله فغُلبتم فهذا من قبيل أن يحاط بكم ، أي الإنسان قل : إن شاء الله - يقولها عامة الناس استخفافاً بها - إذا أرادوا ألا يأتوا في الموعد المحدد يقولون : إن شاء الله ، وإذا أرادوا ألا يدفعوا يقولون : إن شاء الله بعد أسبوعين أعطيك ، إن شاء الله ، إنهم بهذه الكلمة يتهربون من الوعد الصحيح ، لكن هذه الكلمة لها معنى قرآني ، إذا كنت مصمماً تصميماً أكيداً على دفع المبلغ أو على الحضور تقول : إن شاء الله ، أي أنا مصمم إلا أن يحاط بي ، الإنسان قد يحاط به ، قد يموت ولا يلبي الدعوة .
كنت مرة في الثانوية ، فجاء كتاب من وزير التربية يطلب من بعض المدرسين أن يبرر سبب تغيبه عن التصحيح في الامتحانات ، وينذر هذا الكتاب ذلك المدَرس بعقوبة حازمة إن لم يأت بتقرير طبي ، فكان الجواب الذي أجاب به المدير : لقد مات هذا المُدرس ، ماذا تفعل ؟ ﴿ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ الإنسان قد لا يدري :
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جنّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجر
***
لا يعرف الإنسان ، كلمة : ﴿ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ ، فيها أدب مع الله عز وجل ، تقول : أنا ، من أنت ؟ مادام هذا القلب ينبض ، أنت ، فإذا توقف عن النبض صار المرحوم ، كان فلان الفلاني ، السيد فلان ، فلان بك ، فلان أفندي ، فلان ذكر تحت اسمه خط فلان طبيب بورد أو غيره ، كان فصار المرحوم فلاناً ، فلذلك : ﴿ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ فيها معنى التواضع ، فيها معنى التوحيد ، فيها معنى العبودية ، ففي كل شيء تفعله قل : إن شاء الله ، إلا إذا قيل لك : هل أنت مؤمن ؟ فإذا قلت : إن شاء الله فهذه مسألة خلافية ، أكثر العلماء يقولون : لا ينبغي عليك أن تقول : إن شاء الله ، إن قيل لك : هل أنت مؤمن ؟ قل : نعم ورب الكعبة أنا مؤمن .
كلمات تقصم الظهر :
﴿ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ بعض الباعة يقول لك : الله وكيلك ، هذه كلمة تجري على اللسان ، والله لو عرفت قيمتها أو عرفت أبعادها وعرفت حدودها لانقصم ظهرك ، تجعل الله وكيله ؛ خالق السماوات والأرض ، السميع البصير ، من بيده كل شيء ، تجعله وكيلاً لخصمك وتخونه ؟! وتغدر به ؟! وتغشه ؟! تدلس عليه ؟ تحتال عليه ؟! تخدعه والله وكيله ؟! ﴿ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ .
يوجد كلمتان ؛ الكلمة الأولى : إذا قال لك أحدهم : شكوتك إلى الله ، إن كنت تعرف أبعاد هذا الكلام ينبغي ألا تنام الليل ، عن أَنَس بْن مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ . ))
[ تخريج المسند لشعيب: إسناده ضعيف ]
إذا قيل لك : شكوتك إلى الله ، وتعرف ماذا تعني كلمة شكوتك إلى الله ، وتعرف أن الله عز وجل بيده كل شيء ، أحياناً معامل الدم في نقي العظام تطرح في الدم في كل ثانية مليونين ونصف كرية حمراء في كل ثانية ، أي الآن جلسنا في هذا المجلس من نصف ساعة فرضاً ، أي من ثلاثين دقيقة ، والدقيقة ستون ثانية ، أي ألف وثمانمئة ثانية ، اضرب ألفاً وثمانمئة ثانية بمليونين ونصف أي حوالي أربعة آلاف مليون كرية حمراء طرحت في دم كل منا في هذا المجلس ، معامل نقي العظام قد تتوقف عن العمل ، ما السبب ؟ لا أحد يعلم حتى الآن ، توقف مفاجئ ، هذا المرض سماه الأطباء : فقر دم لا مُصَنِّع ، أي فقر في الدم ليس عن أسباب معينة ، بل عن أن معامل نقل الدم توقفت عن العمل .
المرض الثاني توقف الكليتين عن طرح البول بلا سبب ، هبوط مفاجئ في وظائف الكليتين ، فهذا الذي تجعله وكيلاً لخصمك ، وتغش خصمك ، وتحتال عليه ، وتكذب عليه ، وتدلس عليه ، وتوقع به ؛ الله وكيله .
كلمة شكوتك إلى الله لا يعرف معناها إلا من عرف الله ، والكلمة الثانية أن تقول : الله وكيلك ، إذا قلت : الله وكيلك ينبغي أن تكون معه دقيقاً دقة بالغة ، أو يتولى الله سبحانه وتعالى محاسبتك عنها ،﴿ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ .
على الإنسان ألا يظهر ما عنده لأن عين الحاسد قد تفعل فعلها :
﴿ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ(66)وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ﴾ المدينة في مصر كان لها أبواب ، دمشق نفسها يقول لك : باب الجابية ، باب السلام ، باب توما ، كان لكل مدينة سور وأبواب تغلق في الليل ، ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ﴾ ، خاف عليهم العين ، عشرة أولاد أشداء ، أصحاء ، أقوياء ، ملء السمع والبصر يدخلون جميعاً من باب واحد وهم لأب واحد ، ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ﴾ ، والعلماء استنبطوا من هذه الآية أن على الإنسان ألا يظهر ما عنده ، لأن عين الحاسد قد تفعل فعلها :
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) ﴾
[ سورة الفلق ]
وقال عليه الصلاة والسلام :
عن جابر رضي الله عنه :
(( العين تضع الجمل في القدر والرجل في القبر . ))
[ ما رواه أبو نعيم في الحلية وابن عدي : بإسناد حسن ]
هل للحاسد فعل مستقل عن الله عز وجل ؟ أين التوحيد ؟ الجواب إنه ليس للحاسد فعلٌ مستقل عن الله عز وجل ، لكنّ المحسود الغافل يستحق العقاب على غفلته من قِبَل الله عز وجل عن طريق الحاسد ، فإذا كنت مع الله لا تؤثر فيك عين حسود ، لكنه من باب الاحتياط لا تبدي ما عندك للناس ، لا تفتخر ، لا تظهر في زينتك ، لا تعرض متاعك ، لا تعرض أموالك ، لا تتحدث عن أرباحك لأن من الناس من يحسدك ، فإذا كنت غافلاً أصابتك عين الحسود : :
قل لمن بات لي حاســداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله إذ لم ترضَ لي ما وهـــــــــــب
وملك الملوك إذا وهــــــب لا تسألــــن عــــن الســـــــــــبب
الله يعطـــــي من يشـــــاء فقــــــف علــــــــى حــــدّ الأدب
***
بل قم فاسألن عن السبب ، البيت : لا تسألن عن السبب ، وصوابه : قم فاسألن عن السبب .
الغفلة عن الله طريق لتأثير الحسد والعين والسحر :
﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ أي لو أنكم دخلتم من أبواب متفرقة ، واستحق العبد التأديب من الله ، لا يغنيه هذا الاحتياط شيئاً ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لا يغني حذر من قدر وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة . ))
[ أخرجه الطبراني : صحيح الجامع : حسن . ]
(( مِنْ مأمَنِهِ يؤتَى الحَذِرُ ))
[ هذا المثل يُرْوَى عن أكْثَمَ بن صيفي التميمي ]
(( عن أبو سعيد الخدري : كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا رفَع رأسَه منَ الرُّكوعِ قال ربَّنا لكَ الحمدُ مِلءَ السماواتِ ومِلءَ الأرضِ ومِلءَ ما شِئتَ من شيءٍ بعدُ أهلَ الثَّناءِ والمجدِ حَقُّ ما قال العبدُ كلُّنا لكَ عبدٌ اللهمَّ لا مانِعَ لمِا أعطَيتَ ولا مُعطِيَ لمِا منَعتَ ولا يَنفَعُ ذا الجَدِّ مِنكَ الجَدُّ . ))
[ تحفة المحتاج : خلاصة حكم المحدث : صحيح أو حسن ]
أي ذكاؤك لا ينفعك إذا أراد الله بالإنسان سوءاً ، لكن من باب الاحتياط على الإنسان ألا يعرض ما عنده للناس ، فلعل في الناس حسود تصيب عينه المحسود الغافل ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ:
(( إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ . ))
[ صحيح البخاري ]
أي عين الحسود ، وربنا عز وجل قال :
﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)﴾
[ سورة البقرة ]
هذا هو التوحيد ، لكن إذا كان الإنسان غافلاً عن الله عز وجل وعرض ما عنده ، أحياناً الإنسان يطلع الضيف على شيء نفيس اشتراه ، هذا المضيف غافل ، يتيه على الضيف بهذه الثياب ، بهذه الحلي ، بهذا الجهاز يتيه عليه ، ما إن يخرج الضيف حتى يقع الجهاز فينكسر ، ماذا حصل ؟ عرضت ما عندك للضيف وكنت غافلاً عن الله ، لم ترَ فضل الله عليك ، رأيت مالك وذكاءك فهذا الضيف اشتهى هذا الجهاز ، واستكثره عليك ، ووقع في نفسه ، فأراد الله أن يؤدبك فحرمك هذا الجهاز ، أحياناً ترتدي ثياباً تتيه بها ، وتظن أنه ليس أحد يشبهك في هذا الجمال ، وهذه الثياب الرائعة ، فما هي إلا ساعة حتى تمزق هذه الثياب الجديدة بشيء أو بآخر ، وقعت عين الحسود وكنت أنت غافلاً ، لو كنت مع الله لتواضعت ، لو كنت مع الله لرأيت فضل الله عليك ، لو كنت مع الله لتأدبت ، لما دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً دخلها مطأطئ الرأس تواضعاً لله عز وجل ، فالإنسان المؤمن علامة إيمانه أنه إذا أعطاه الله عز وجل الدنيا ، أو شيئاً من الدنيا ، لا تزيده الدنيا إلا تواضعاً ، يرى فضل الله عليه ، لا يتيه بها على أحد من خلقه :
يُحْشَرُ الأغنياء أربع فرق يوم القيامة ، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام ، فيقال : خذوه إلى النار - حسابه قصير - وفريق جمع المال من حرام وأنفقه في حلال فيقال : خذوه إلى النار- حسابه قصير- وفريق جمع المال من حلال وأنفقه في حرام فيقال : خذوه إلى النار - فحسابه قصير - وفريق جمع المال من حلال وأنفقه في حلال - هذا حسابه طويل -فيقال قفوه فاسألوه : هل ضيّع فرض صلاة ؟ هل تاه على جيرانه بما عنده ؟ هل قال لمن حوله : يا رب لقد أغنيته بين أظهرنا فقصر في حقنا ؟ هذا حسابه طويل ، هذا الذي جمع مالاً من حلال وأنفقه في حلال ، حسابه طويل.
الحكم لله فقط :
إذاً : ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ ، كان هذا النبي موحداً ﴿ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ هذه الآية تكفي ، لو لم يكن في كتاب الله غير هذه الآية لكفتنا : ﴿ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ لك قضية عند إنسان ترى هل يوافق أم لا يوافق ؟ إن الحكم إلا لله ، إن كانت خيراً لك ألهمه أن يوافق ، وإن كانت ليست كذلك ألهمه ألا يوافق ، واخترع حجة واهية لعدم الموافقة ﴿ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ ، عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم :
(( لكلِّ شيءٍ حقيقةٌ وما بلغ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلمَ أنَّ ما أصابه لم يكنْ ليخطئَه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبَه. ))
[ العواصم والقواصم : خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات : أخرجه أحمد ]
﴿ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ :
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾
[ سورة الكهف ]
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾
[ سورة هود ]
التوكل الصحيح يعني الأمن والطمأنينة :
﴿ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ ما ذاق طعم الإيمان إلا من توكل على الله ، التوكل على الله يضفي على حياة الإنسان أمناً ، إن الله يعطي الذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، المتوكل في نعيم ، المتوكل في طمأنينة ، المتوكل لو يعلم ملوك الأرض ما عليه من السعادة لقاتلوه عليها بالسيوف .
وصية يعقوب لأولاده :
﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾ فهذا الاستثناء ليس من الفقرة الأولى بل من الفقرة الثانية ، أي ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم دخلوا من أبواب متفرقة ﴿ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ لو أن الله أراد أن يؤدبهم لأدبهم ، ولو طبقوا وصية أبيهم ، ﴿ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾ أي هذه الحكمة التي في نفس يعقوب أملاها عليهم فطبقوها ، ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ﴾ إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، ورتبة العلم أعلى الرتب ، وما اتخذ الله ولياً جاهلاً ، لو اتخذه لعلمه .
﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ﴾ قال بعضهم : إنه لذو تطبيق لهذا العلم الذي علمناه ، لأنه ذكر الله عز وجل مؤدى سبب التطبيق ، سبب العمل ، مثلاً قال تعالى : ﴿ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ ﴾ القرية لا تسأل ، أي واسأل أهل القرية ، قد نقول : قرر مجلس الوزراء ، والمجلس هو المقاعد ، جلس يجلس مجلساً ، والمقصود من على المقاعد ، وهذا التفسير دقيق جداً ، ﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ ﴾ أي إنه لذو عمل بما علم ، و لذو علم لما علمناه ، أي ذو تطبيق لما علمناه ، أي الله سبحانه وتعالى لا يثني على الإنسان إلا إذا عمل بما علم :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾
[ سورة الصف ]
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾
[ سورة فاطر ]
ولما دخلوا على يوسف : ﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي إذا علمك الله علماً فأنت مقرب إلى الله كثيراً ، إن الله عز وجل يمنح العلم لمن يحب ، يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب ، ولكن العلم لا يمنحه إلا لمن يحب : ﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .
(( ما استرذل الله أحداً إلا حظر عليه العلم والأدب . ))
[ الكامل في الضعفاء : إسناده موضوع ]
قد يجعله قوياً ، قد يجعله غنياً ، وقد يؤتيه من الأولاد ما يشتهي ، ولكن يحظر عليه العلم والأدب .
خطة يوسف عليه السلام لاستقدام أهله إلى مصر :
﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ ﴾ قال العلماء : أكرمهم فجعلهم في كل غرفة مثنى مَثنى ، هم عشرة ، احتلوا خمس غرف ، وبقي أخوهم الذي من أبيهم قال : وهذا دعوه لي ، وكره أن ينام وحيداً فضمه إليه ، لما ضمه إليه أسرّ إليه أني أنا أخوك ، ﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ انظر إلى الحلم ، لا تبتئس ، يروى أنه لما علم أن عزيز مصر أخوه قال : دعني عندك ، لا ترجعني معهم ، ﴿ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(69)فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ ﴾ لكن يبدو أن سيدنا يوسف لا يستطيع أن يخرج على قوانين البلاد ، ومن قوانين البلاد أنه لا يجوز لعزيز مصر أن يحجز أحداً من دون بينة ، من دون سبب ، لأنه ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ، أي في نظام الملك لا يستطيع عزيز مصر وهو رئيس وزرائها أن يحجز أحداً من دون سبب ، فلا بد من حيلة ، مادام أخوه قد ألح عليه أن يبقيه عنده ، وقد رسم خطة في ذهنه كي يستقدم أهله ، وربما أوحى الله له بهذه الخطة ، وهذا قول معظم العلماء ؛ أن الله سبحانه وتعالى أوحى له بهذه الخطة ، لابد من حيلة : ﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ أي أعطى كلاً منهم حصته من القمح ﴿جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾ صواع الملك إناء من الذهب ، أو من الفضة كما تروي الكتب ، ويستخدم لكيل القمح ، والقمح شيء ثمين جداً ، أي لتقديسه وتعظيمه اكتالوه بصواع الملك ، فهذا النبي الكريم جعل صواع الملك في رحل أخيه ، ﴿ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ أيتها القافلة إن فيكم سارقاً ، كان هذا القول كالصاعقة ، ﴿ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ ﴾ ما الأمر ؟ ما الذي تفقدونه ؟ ﴿ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ قال : هذه الجعالة ، فإذا قلت أنت : من يأتيني بفلان فله مئة ألف ، هذه جُعالة ، من يأتيني بهذه الحاجة له ألف ليرة؛ الجعالة عقد ، طرفه الأول معلوم ، وطرفه الثاني مجهول ، لا تعرف من الذي سيأتيك به ، عقد الإيجار لا يصح إلا إذا كان الطرفان معلومين ، أما عقد الجعالة فيصح أن يكون طرفه الأول معلوماً وطرفه الثاني مجهولاً ، لكنّ العلماء قالوا : يجوز للمجعول له أن يفسخ هذا العقد قبل الشروع بالعمل أو بعده ، أي من يأتيني بهذه الحاجة فله مئة ألف ، هذا الذي بدأ بالبحث عنها يصح أن يتنازل عن حقه ، ويفسخ العقد بعد الشروع بالعمل أو قبل الشروع ، لكنّ الجاعل لا يستطيع أن يلغي عقده إذا بدأ المجعول له بالعمل ، ﴿ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ ، معنى زعيم أي كفيل ، أنا أكفل أن أؤدي لمن يأتيني بصواع الملك حمل بعير ، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ فعلاً هم بريئون طبعاً على مرأى من سيدنا يوسف : ﴿ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ ، لو أننا وجدنا هذا الصواع في رحلكم فما جزاء من نجد عنده هذا الصواع ؟ أنتم احكموا قبل أن نفتش ، هم واثقون بأنهم ما جاؤوا ليسرقوا : ﴿ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ أي هو نفسه يصبح رقيقاً ، يصبح عبداً ، وهذا في شرع الأنبياء من قبل سيدنا محمد ، الذي يضبط بسرقة يفقد حريته ، يصبح عبداً ، ﴿ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ ﴾ هو الجزاء ، يفقد حريته ، ويصبح عبداً عند من أخذ منه الصواع ، وهم واثقون .
﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ أي نحن هكذا نعامل الناس في بلادنا ، قال : جيد ، فأمر بالتفتيش ، لكن هذا النبي الكريم كان على قسط وافر من الذكاء ، بدأ بأوعيتهم ، فتشوا هذا الرحل ، فتشوه فلم يجدوا شيئاً ، هم واثقون من أنفسهم ، فتشوا هذا الرحل ، فلما وصل إلى رحل أخيه قال : لا ، هذا دعوه ، ما كان له أن يسرق ، هذا فتى صغير ، قالوا : لا والله ، فتشوا هذا الرحل ، لا نغادر مصر حتى تفتشوا هذا الرحل ، هم واثقون من أنفسهم ، ﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ﴾ فتحوا رحل هذا الغلام فإذا فيه صواع الملك ، دهشوا ، أسُقِط في أيديهم ، ألجمتهم المفاجأة ، فقالوا لأخيهم : أأنت أخذت الصواع ؟ قال : لا والله ، قال : من وضعه في رحلك ؟ فقال لهم فيما تروي بعض الكتب : الذي وضع بضاعتكم في رحلكم وضعه في رحلي.
الملف مدقق
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ