الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تسلية الله للنبي بقصص الأنبياء السابقين:
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثاني من سورة الصف، ومع الآية الخامسة، وهي قوله تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾
أولاً: هذه الآية -كما يقول بعض العلماء-فيها تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فحينما آذى كفَّار قريش النبي بتكذيبهم، وأعمالهم، وانحرافهم، وتأليب الناس عليه، والمكر عليه، وإخراجه من بلده، حينما بلغت قريشٌ في إيذاء النبي ما بلغت أراد الله سبحانه وتعالى أن يُسَلِّي النبي، وأن يخفِّف عنه حينما ذكر له أنَّ موسى عليه السلام أوُذي كثيراً.
(( وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ. ))
من حكمة الله اختلاط المؤمن مع غيره للابتلاء:
الإنسان أحياناً حينما يرى سنَّة الله في خلقه تَخِفُّ عليه الأمور، حينما يرى أن الدنيا دار ابتلاء وليست دار نعيم، الآخرة دار نعيم، حينما يرى أن الدعاة إلى الله، وأنَّ المؤمنين قد يبتليهم الله بمن يعارضهم، ومن يكذِبهم، ومن يُؤلِّب الناس عليهم، ومن يريد أن يُطفئ دعوتهم، حينما يستقرُّ في ذهن المؤمن أن الإنسان مبتلَى، أن المؤمن مبتلى ليرقى عند الله، وقد ذكرت لكم من قبل أنه كان من الممكن أن يكون المؤمنون في قارَّة والكفَّار في قارَّة، عندئذٍ لا مشكلة ولا ابتلاء، ولا حرب ولا كيد، ولا إخراج ولا تكذيب، ولكن شاءت حكمة الله أن يختلط هؤلاء مع هؤلاء ليبلوَ هؤلاء بهؤلاء، وهؤلاء بهؤلاء، ليرقى هؤلاء المؤمنون عند الله عزَّ وجل بصبرهم وثباتهم وإصرارهم، ولتُكشَف طويّة هؤلاء من تكذيبهم وانحرافهم، واتِّباع شهواتهم.
فلذلك هذه الآية فيها بادئ ذي بدء تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم، أي إنك يا محمد لم تُكذَّب وحدك، ولم تُؤذ وحدك، ولكنها سنَّة الله في أنبيائه وفي رسله، والإنسان لا يرقى عند الله عزَّ وجل إلا بقدر تحمُّلِه، وقد ذكرت لكم من قبل أن الحزن خلّاق، وأن الإنسان حينما يجهد في نشر الحق، وحينما يتحمَّل في نشره الغالي والرخيص، والنفس والنفيس لعلَّ الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على قلبه برحمةٍ يُنسيه كل هذه المتاعب.
لا يدوم شيء إلا ثواب الطاعة وتبعات المعصية:
أيها الإخوة الأكارم؛ الطاعات وما تنطوي عليه من مَشَقَّات تذهب مشقَّاتها، ويبقى ثوابها، والمعاصي وما تنطوي عليه من لذائذ ومَسَرَّات تذهب لذائذها ومسرَّاتها، وتبقى تبعاتها وجزاؤها، كل شيءٍ ماض، ولا يدوم على حالٍ لها شانُ.
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ من سرَّه زمنُ ساءَته أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحـدٍ ولا يدوم على حالٍ لها شانُ
كل شيءٍ زائل، إلا أن الطاعة يزول جهدها ويبقى ثوابها، والمعصية تزول لذَّتها ويبقى إثمها.
أشدُّ أنواع إيذاء الأنبياء تكذيبهم:
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ الإيذاء أنواع، لكن أشدُّ أنواع الإيذاء للأنبياء تكذيبهم، قد نفهم أن هناك نوعاً من الأذى مادياً للأنبياء، الحقيقة أن الأنبياء معصومون، والأنبياء في حرزٍ حريز، ولكن الأذى الشديد الذي يمكن أن ينال النبي هو تكذيبه، وتسفيه دعوته، وعدم الالتفات إليه، أما هناك أذى من نوع آخر، لعلَّ هذا ورد في بعض كتب التفسير، لكن أشدّ أنواع الأذى، هو الذي خلَّصهم، هو الذي جَهِدَ عليه الصلاة والسلام لتخليصهم من فرعون.
قصة موسى مع فرعون تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)﴾
أي سفَّهوا فضله، لما أنجاهم من فرعون الذي كان يُذبِّح أبناءهم، ويستحيي نساءهم قالوا:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)﴾
هذا فهم سقيم، المفسِّرون يوردون مواقف عديدة جداً.
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)﴾
﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)﴾
هناك مواقف كثيرة لبني إسرائيل آذوا فيها النبي موسى عليه السلام فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ إنْ في التكذيب، وإنْ في جحود الفضل، وإنْ في طلب آلهةٍ تعبدونهم من دون الله، هذا كلُّه يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام.
بنو إسرائيل متيقِّنون من رسالة موسى عليه السلام:
﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ (قد) حرف تحقيق، تعلمون علماً يقينياً أنني رسول الله، ومقتضى علمكم أن تعظِّموني، وأن تطيعوني، فأنتم لا تعظِّموني ولا تطيعوني، إذاً أنتم تؤذونني، ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ أي شرف الرسول من شرف المُرسِل، إذا أهان الإنسان سفيرًا يهين دولة، وقد تنشب حروب بسبب إهانة سفير، لأن هذا السفير يُمَثِّل أمَّة، فإذا أُوذي النبي فهذا الأذى هو في الحقيقة يؤذون الله ورسوله، أي يؤذون الله بإيذائهم لرسول الله، فلذلك الأنبياء يُعظَّمون، يُنصرون، قبيل معركة بدر عندما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
(( ما ترون يا قوم؟ قال سيدنا سعد بن معاذ: لعلَّك تعنينا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال سيدنا سعد: لقد آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، فامضِ على بركة الله، وسر بنا فو الذي بعثك بالحق لو خضت بنا البحر لخضناه معك، ما تخلَّف منَّا رجلٌ واحدٌ، فصلْ حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، ودع ما شئت، وسالم من شئت، وحارب من شئت، فو الذي بعثك بالحق-مرَّةٌ ثانية-للذي تأخذه من أموالنا أحبُّ إلينا من الذي تتركه لنا، فامضِ على بركة الله. ))
[ رواه الطبراني وإسناده حسن ]
هذا موقف، لذلك الصحابة الكرام بلغوا قمم المجد بتأييدهم للنبي، بمعاونتهم له، ولذلك المؤمنون أيضاً حينما يتعاونون، حينما يؤيِّد بعضهم بعضاً، حينما يتكاتفون، يتضامنون، حينما يلتمس بعضهم لبعضٍ العذر، حينما لا يغمزون، ولا يلمزون، يرقون عند الله عزَّ وجل.
تعظيم الرسول وطاعته تعظيم لله وطاعة له:
هذه الآية: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ أي مقتضى علمكم أن تعظِّموني، وأن تؤمنوا بي، وأن تطيعوني، لا أن تعارضوني، وأن تكذِّبوني، وأن تحيدوا عن أمري، لذلك هناك آيات كثيرة جداً تبيِّن أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هي عين طاعة الله، وأن إرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هو عين إرضاء الله.
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)﴾
﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)﴾
إذاً هي تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلَّم، وتخفيفٌ عنه، وهي دعوةٌ للمؤمنين بشكلٍ خفي ألا تؤذوا رسول الله، ألا تؤذوه بتكذيبكم له، أو بمخالفتكم لأمره، لأن هناك تكذيبًا قوليًا وتكذيبًا عمليًا، فحينما تُسفِّهون قوله لقد آذيتموه، وحينما تحيدون عن أمره لقد آذيتموه.
﴿ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)﴾
إلا أن تتودَّدوا إلى الله مودَّةً تقرِّبكم إليه، النبي الكريم يصل إلى منتهى آماله حينما يرى الناس مقبلين على الله، عندما أطلَّ على أصحابه قبل أن يموت رآهم في الصلاة خاشعين، ابتسم حتى بدت نواجذه، وقال: علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء.
هؤلاء العظماء ليس لهم من الدنيا شيء، لهم من الدنيا أن تُحقَّق رسالتهم، وأن ينهضوا بالناس، التافهون يعيشون ليأكلوا، والأقلُّ تفاهةً يأكلون ليعيشوا، أما المؤمن فيعيشُ ليعرف الله عزَّ وجل، فهؤلاء الأنبياء العِظام حينما ينتشر الحق بين أقوامهم يسعدون، وحينما يكذَّبون، وحينما يُخالَفون فإنهم يتألَّمون، فالأذى هنا أن تكذِّب النبي، أو أن تحيد عن أمره.
الداعية المخلص لا يرجو من الناس عطاءً:
المعنى المُخالِف: إرضاء رسول الله لا أن تعطيه مالاً، بل أن تكون في مستوى دعوته، وإذا كان الدعاة صادقين فيما يدعون لا يطلبون من الناس شيئاً، إلا أن ينتشر الحقُّ بين الناس، وأن يسعد الناس بالله عزَّ وجل، وأن يرقوا إليه، وأن تسمو نفوسهم، وأن يكون الإسلام مطبَّقاً في كل الأسر، لذلك الصادق لا يريد على دعوته شيئاً، لا يريد إلا أن يُسعِد الناس، فإن سعدوا سعِد بإسعادهم، وإذا أردت أن تسعد فأسعِد الآخرين.
القرآن الكريم كتاب تربوي، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أُوتي الفِطنَة، فأحياناً يمكن أن أقدِّم لك الحقائق بشكل قصَّةٍ تاريخية، هذه الحقائق إخبار وتوجيه في وقتٍ واحد، فالنبي يُكَذَّب، والنبي يؤذى، فلمَّا قال الله عزَّ وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ هذه تسليةٌ للنبي، وهذا توجيهٌ للمؤمنين؛ أن أيها المؤمنون إيَّاكم أن تؤذوا رسولكم، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾
أي إذا كانت سنَّتك يا محمَّد مطبَّقةً في بيوتهم، وفي أعمالهم، وفي حياتهم ما كان الله ليعذِّبهم، هم في بحبوحةٍ من عذاب الله حينما يطبِّقون سنَّتك، والله سبحانه وتعالى لم يقبل دعوى محبَّته إلا بالدليل، ودليل دعوى محَبَّته أن يطاع رسول الله، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾
تكذيبُ النبي إيذاءٌ له:
لذلك المعنى المخالِف: إنك إن كذَّبت النبي وحِدَّت عن أمره آذيته، وإنَّك صدَّقت النبي وطبَّقت سنَّته فقد أرضيته، وإرضاء النبي إرضاءٌ لله عزَّ وجل، لأن النبي دعوته تَشِفُّ عن الحقيقة الإلهية، ليس له ذاتٌ تحجبك عن الحقيقة الإلهية، كل أقواله وأفعاله وإقراره وأحواله إنما تبيِّن كمال الله عزَّ وجل، وما وعد به المؤمنين من جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض.
﴿لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ أحياناً لو أن أباً يربّي ابنه على الجدِّ في الدراسة، لو أن صديقاً لابنه صرفه عن الدراسة، وزَهَّده بها، وحمله على أن يغيب عن مدرسته، أليس في هذا السلوك إيذاءٌ للأبِ؟ قد يقول الأب لهذا الصديق المنحرف: لمَ تؤذيني في ابني؟ لأن الرحمة إذا ارتفع مستواها، الأذى الذي ينال الرحيم لا أن تنال من جسده، بل أن تنال من دعوته.
إياك أن تعارض الحق أو تكون في خندق الأعداء:
إذا أراد إنسان أن يُسَفِّه دعوة، أو أراد أن يطعن بالداعي بلا سبب، بلا دليل، أليس هذا إيذاء للحق؟ شخصٌ يستفيد من إنسان، يعتقد فيه الصلاح، وهو مطبِّقٌ للدين اعتقاداً منه أن هذا الذي يدعوه صادقٌ فيما يدعوه، ومستقيمٌ على أمر الله الذي يدعو إليه، فإذا أردت أن تكذب، وأن تُسفِّه، وأن تطعن، وأن تُقلل من قيمة هذه الدعوة، أليس في هذا التقليل، وهذا التسفيه، وهذا الطعن تجريحٌ للدعوة وإيذاءٌ لصاحب الدعوة؟ فالإنسان يكون مع الحق، وليحذر أن يكون في خندقٍ مناهضٍ للحق، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾
أي أيها الإنسان قبل أن تعارض الحق، وقبل أن تقف في خندقٍ يعاند الحق، وقبل أن تتمنَّى إطفاء نور الله فكِّر ملياً أنك إذا فعلت هذا فإن الله سبحانه وتعالى وجبريل والملائكة والمؤمنين جميعاً سوف يكونون في مواجهتك، الإنسان يحذر ألف مرَّة أن يناهض الحق، لأن الحق ماضٍ إلى ما لا نهاية، الحق هو الله، أي ممكن طفل صغير يجابه أكبر جيش في العالم؟ يُقتَل في ثانية، ممكن جيش صغير يجابه أكبر جيش؟ فالإنسان عندما يفكِّر أن يعاند الحق، أو يطفئ نور الله عزَّ وجل هو يفعل المستحيل، لكنه لا يصيبه إلا سوء طَوِيَّتِهِ.
تُروى طرفة أن قوم إبراهيم عندما أضرموا ناراً عظيمة لإحراق هذا النبي الكريم، كانت ضفدعةٌ تملأ فمها بالماء، وتطفئ به الحريق، وحشرةٌ أخرى كانت تنفُخُ في النار، لا الحشرة زادت من إيقاد النار، ولا الضفدعة أطفأت النار، ولكن:
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)﴾
أي إذا الإنسان عارض الحق فإن الحق ماضٍ، الحق لن يقف، وإذا أيَّد الإنسانُ الحقَّ فإن الحق ماضٍ لن يقف، إلا أن الذي أيَّد يرقى عند الله، والذي عارض يسقط من عين الله، والحق هو الله، أي لا تأييدك يزيد الحق تألُّقاً وقوَّةً، ولا المعارضة تضعفه، لأن الحق هو الله، إنك إن أيَّدت الحق ارتقيت عند الله، وإنك إن عارضته سقطت من عين الله.
هناك أشخاص سبحان الله! يرى شاباً مؤمناً، مستقيماً، ورعا، يُسفِّه له دينه، يقول له: هذا تزمُّت، يدعوه إلى التفلُّت، يدعوه إلى عدم التقيد، يدعوه إلى الاختلاط، يدعوه إلى عدم الشدَّة في تطبيق أحكام الدين، هذا هو الشيطان بعينه، إذا اقترب الإنسان من الله، وجهِد في طاعة الله عليك أن تُشَجِّعه، عليك أن تنصره، عليك أن تعينه على ما يبتغي، لا أن تثبِّط من عزيمته، لا أن تُضْعف همَّته، إنك إن ثَبَّطت عزيمته أو أضعفت همَّته كنت في خندقٍ مع الشيطان في آنٍ واحد.
الفاسق لا يهتدي إلى الله لأن معصيته حجابٌ بينه وبين الله:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(5)﴾
هذا قانون، الفاسق لا يهتدي، لأن معصيته حجابٌ بينه وبين الله، قضية الدين قضية خطيرة، الدين ليس قضية كتاب تقرؤه فتفهمه، تؤدي فيه امتحاناً وانتهى الأمر، الدين التزام، الدين مبدأ، الدين تطبيق لهذا المبدأ، الدين مكارم أخلاق، إذا كان الإنسان فاسقاً ففسقه حجابٌ بينه وبين الله: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ لأن جبلَّة الإنسان إذا انحرف، وعصى الله عزَّ وجل يخجل بمعصيته، فيحجب نفسه عن الله، هذا سمَّاه العلماء: تحصيل حاصل، أي إذا لم يذهب الإنسان إلى الماء ليشرب مات عطشاً، موته عطشاً تحصيل حاصل لرفضه أن يشرب الماء، فلا نقول: فلان أماته العطش، هو حينما صرف نفسه عن نبع الماء مات عطشاً، هذا اسمه في علم الكلام: تحصيل حاصل، ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ الفاسق لا يهتدي إلى الله، لأن معصيته حجابٌ بينه وبين الله، حينما أزاغ قلبه عن الله، إنسان مريض يتوجَّه إلى المستشفى، فإذا غيَّر جهته خَسِرَ العلاج، هذا أيضاً تحصيل حاصل.
الإضلال الجزائي مبنيُّ على ضلال اختياري:
لذلك أيُّ إضلالٍ جزائي، أيُّ إضلالٍ معزّوٍ إلى الله عزَّ وجل هو إضلالٌ جزائي مبنيّ على ضلال اختياري، وأية إزاغةٍ معزوّةٍ إلى الله هي إزاغةٌ جزائيةٌ مبنيةٌ على زيغٍ اختياري: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ أي إنسان رفض الجامعة، حينما رفض دخول الجامعة خسر كل شيء؛ خسر الميّزات، الشهادة، الدرجة العلمية، المكتبة، الاستثناءات، أحياناً يكون هناك راتب شهري، أحياناً يكون هناك مدينة جامعية، كل هذه الميزات خسرها باختياره، لأنه زاغ عن الجامعة فزاغت عنه ميّزاتها، والإنسان مخيّر، وأعماله من اختياره، فلذلك: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ فلمَّا انصرفوا عن الله عزَّ وجل صُرِفَت عنهم الخيرات التي كانت تنتظرهم، انصرف عن المستشفى خسِر المعالجة، انصرف عن الجامعة خسِر العلم، تحصيل حاصل، زاغت نفسه عن الله فخسِر كل ما في الهدى من خيرات، خسِر رضوان الله، خسر توفيق الله، خسر حفظ الله، خسر تطمين الله له، خسر الآخرة، خسر الدنيا.
﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ زاغ أي انحرف.
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)﴾
ما زاغ أي ما انحرف: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ زاغوا حينما فسقوا، لمَّا فسقوا زاغوا: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ تحصيل حاصل.
لكل نبي معجزة تثبت نبوته:
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)﴾
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ ، ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ هو ليس منهم، ليس من قومهم، يوجد دقَّة بالغة بالآيات، قال: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ أحياناً أعداء الدين إذا أرادوا أن يجاملوا المؤمنين يُضفون على الأنبياء العبقرية، والذكاء، والتفوّق، ويُغفِلون النبوّة والوحي، وهذا شيء خطير جداً، هم يريدون النبي إنساناً متميزاً، متفوقاً، ذكياً جداً، عبقرياً، أراد أن يوحِّد الأمَّة، أراد أن يجمعها تحت لوائه، ويغفلون أنه نبيٌّ مرسل يوحى إليه، وأنه يتحرَّك بأمر الله، هذا يغفلونه، فلذلك: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ طبعاً عندما يكون هناك إنسان جعله الله رسولاً حينما يأتي بمنهجٍ دقيقٍ يحدُّ من شهوات الناس، الناس ماذا سيقولون حينما يأتيهم منهج يحدُّ من حركتهم العشوائية ومن انغماسهم بالشهوات؟ ردّ فعلهم الطبيعي أن يكذِّبوه، ويقولون: أنت كاذب، لست رسول الله، ماذا ينبغي أن يفعل هذا الرسول حتى يؤكِّد لهم أنه رسول الله؟ ينبغي أن يأتي بالمعجزات التي يعجز عنها كل البشر، وينبغي أن يأتي بالمعجزات التي تفوّق فيها البشر، يوجد شيئان؛ تفوقوا وعجزوا، قوم سيدنا عيسى تفوقوا في الطب، فكانت معجزته إحياء الموتى، وهذا فوق طاقة الطب، سيدنا موسى قومه تفوقوا في السحر، فجاء هو بشيءٍ يفوق السحر، عصا تصبح ثعباناً مبيناً تلقف ما يأفكون، سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام قومه بُلَغَاء، فصحاء، شعراء، فجاءهم بكلامٍ معجز، إلا أن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام باقيةٌ إلى يوم القيامة، معجزة عقلية بيانية، كلَّما تقدَّم العلم كشف من إعجاز القرآن الشيء الكثير، معجزة باقية إلى يوم القيامة، بينما معجزات الأنبياء السابقين ظهرت لحين، وانتهت، وأصبحت خبراً يصدِّقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه.
الإنجيل صدِّق التوراة وبشَّر بالنبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)﴾
أي أن الإنجيل يُصدِّق التوراة ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ عليه الصلاة والسلام، طبعاً هذا بحث طويل، في بعض الأناجيل ورد اسم النبي عليه الصلاة والسلام فرقليط أي أحمد، وهذا ورد في بعض الأناجيل، وفي بعضها الآخر مُحِي هذا الاسم.
الفرق بين اسمي أحمد ومحمد:
﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ والحقيقة أحمد ومحمد بينهما فرقٌ دقيق.
أولاً: اسم فرقليط يشير إلى أحمد عندهم، وهذا من دقَّة القرآن الكريم.
أما المعنى الثاني أن أحمد اسم تفضيل، أي أن النبي عليه الصلاة والسلام أكثر الناس حمداً لله عزَّ وجل، يبين النوع، بينما محمَّد له معنيان، يبين كثرة حمده لله، ويبين أنه محمودٌ عند الله، وعند الخلق، وعند نفسه، فمحمد اسم فاعل مبالغ به مبالغة تكرار، مبالغة كم، أو اسم مفعول مبالغ به مبالغة تكرار أو كمٍّ، أي محمد كثير الحمد، أو كثير المحمودية، أي يحمد الله كثيراً في كل أوقاته، في كل أحواله، في كل شؤونه.
الحقيقة حينما تقرأ الفاتحة في القرآن الكريم، أو حينما تقرأ الفاتحة في الصلاة، الحمد هذه أول كلمة، الحمد يقابل النعم، والنعم بين أيديكم؛ نعمة البصر، نعمة السمع، نعمة الشم، نعمة النطق، نعمة الحركة، نعمة سلامة الأجهزة، القلب، والرئتان، والمعدة، والأمعاء، والكليتان، نعمة العظام، نعمة العضلات، نعمة العقل، نعمة الأعصاب، نعمة الطعام والشراب، نعمة الزوجة، نعمة الأولاد، النعم لا تُعَدُّ ولا تًحصى، بل إن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)﴾
النعمة الواحدة لن تستطيعوا أن تعدّوا خيراتها ولا بركاتها، فإذا كنتم عاجزين عن أن تعدّوا خيراتها وبركاتها فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى.
الحمد، المشكلة لمن الحمد؟ عند المؤمن الحمد لله، وغير المؤمن الحمد لزيد، أو الحمد لعُبيد، أو الحمد لفلان، أو الحمد لعلان، أو الحمد للمال الذي أحوزه، يقول لك: الدراهم مراهم، أو الحمد للذكاء الذي برأسي، أو الحمد لعشيرتي، أو الحمد لجماعتي، هذا هو الشرك، أما عند المؤمن فالحمد لله.
المشكلة ليس في إثبات الحمد أو عدم إثباته، المشكلة إلى مَن يُعْزَى الحمد؟ الحمد لله، لذلك المؤمن ينتقل من النعمة إلى المُنْعِم، الكافر يبقى في النعمة، الكفَّار غارقون في النعم، يستغلِّون نعم الله أعلى استغلال، إلا أنهم لم ينتقلوا من النعمة إلى المنعم، وقعوا في النعمة، وحُبِسوا فيها، ولم يجاوزوها إلى المنعم.
لذلك (أحمد) أعظم الناس حمداً، الحامد الأول في الكون، لأن أساس الكون مسخَّر تسخيرين؛ تسخير تعريف، وتسخير تكريم، تسخير التعريف ردُّ فعله الإيمان، تسخير التكريم ردَّ فعله الشكر، لذلك:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾
هذا أصل الدين، الله عزَّ وجل منحك نعمة الوجود، أنت موجود، لك اسم، منحك نعمة الإمداد؛ أمدَّك بالماء والهواء، والطعام والشراب، والزوجة والأولاد، أمدَّك بنعمة الهدى، فأنت كلّك نعمة، نعمة الله، النعمة تحتاج إلى شيئين، النعمة تحتاج إلى شكر، وحينما تعلم أن الذي خلقك هو إلهٌ عظيم هذا يحتاج إلى إيمان، إنك إن آمنت وشكرت حققت الهدف الذي من أجله خُلِقت، فإذا آمنت وشكرت توقَّف العلاج، ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ فـ (أحمد) سيد الحامدين، أحمد الحامدين، لا يوجد مخلوق على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة حَمِد الله حمداً كحمده، بصراحة نحن جميعاً نتفاوت في الحمد، فكلَّما رأيت فضل الله كنت له أكثر حمداً، إذاً: الحمد متعلِّق بالرؤية، إن رأيت فضل الله عليك تحمده حمداً كثيراً، وإذا أردتم الشيء الدقيق هو أن المؤمن يحمد الله حمداً دائماً، كان عليه الصلاة والسلام تَعظُم عنده النعمة مهما دقَّت، كأس ماء تشربه الطريق سالك، لو لم يكن سالكاً لكنت بين الأطبَّاء، والمستشفيات، تحتاج إلى تمييل، إلى فتح مجرى، إلى عملية جراحية، أحياناً تقف بحصة في الحالب فتجعل حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، تحتاج إلى مستشفيات، وإلى تفتيت، وإلى تصوير، وإلى جراحة، فلذلك كانت تَعظُم عنده النعمة مهما دقَّت.
إنسان يقضي حاجته بنفسه معزَّزاً مكرَّماً نظيفاً، فإذا شُلَّت أعضاؤه أقرب الناس إليه يتمنَّى موته، أولاده، زوجته، والدعاء الشهير هو: خفف الله عنه، انتهى، وإذا اختلَّ العقل في رأس الإنسان أقرب الناس إليه يسعى لإخراجه من البيت الذي اشتراه لهم، وإيداعه في مستشفى الأمراض العقلية، وإذا افتقر الإنسان قد ينقِّب في الحاويات ليأكل شيئاً لا يؤكل.
عندما يكون الإنسان مكتفياً، أجهزته سليمة، الحقيقة الشيء المعجز ليس في الخلل، ولكن في السلامة، يوجد خمسون تحليلاً في دمك، خمسون مادَّة، كل مادَّة لها نسب دقيقة، لو ارتفعت قليلاً اختل الجهاز الثاني، هذه الغدَّة النخامية ملكة النظام الهرموني، وزنها نصف غرام، تفرز اثني عشر هرموناً، أحد الهرمونات يحقق توازن السوائل، لو اختل هذا الهرمون فإنك تحتاج إلى أن تشرب أكثر من مئة لتر في اليوم، وأن تطرحها، ولا يبقى لك عمل إلا أن تشرب، وأن تطرح، لو اختلَّ هرمون واحد من اثني عشر هرموناً من غدَّة وزنها نصف غرام، النخامية، الإنسان خلقه معجِز، فإذا استيقظ الإنسان صباحاً معافى، وكان مطيعاً لله، هذه نعمة لا تقدَّر بثمن، لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. ))
[ رواه البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي في "السنن" وقال : حسن غريب . ]
إذاً: (أحمد) سيِّد الحامدين، محمود أي محمودٌ عند الله، وعند الخلق، وعند نفسه.
أحياناً يكون الإنسان ذكياً جداً، يحمده الناس، أما هو فيحتقر نفسه، لأنه يكذب عليهم، لأنه يستغلّهم دون أن يشعروا، فالبطولة أن تشعر أنك محمودٌ عند الناس، ومحمودٌ عند الله، ومحمودٌ عند نفسك، احترام النفس شيء مهم جداً، بعض الأشخاص ساقطون من عين أنفسهم محترمون عند الناس لأنهم أذكياء، يوهمون الناس أنهم يعطون، أما هم فيستغلِّون، يسقطون من عين أنفسهم بينما ينتزعون إعجاب الآخرين، وهناك أشخاصٌ يحمدهم الناس، وهم عند الله ساقطون، ولأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، فكان عليه الصلاة والسلام محمَّداً، أي كثير المحمودية، أو كثير الحمد، فالفرق بين أحمد وبين محمَّد فرق بين النوع والكم، أحمد نوعاً، ومحمد كمَّاً.
الإنسان أحياناً يحمد الله إذا اشترى بيتاً، أو تزوج، أو نال شهادة عُليا، أو اشترى مركبة، أو حقَّق نجاحاً في عمله، ولكن يوجد مليون نعمة كل يوم، كل يوم أنت مغمور بملايين النعم، فلو كنت يقظاً، ولو كنت ذاكراً لفضل الله عزَّ وجل، ولو كانت رؤيتك صحيحة لحمدت الله مع كل نفَس، والذي يحمد الله عزَّ وجل يزيده الله من فضله.
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)﴾
أي هذه النعمة إذا حَمِدت الله عليها لن تزول، ستزداد، لأن الله يقول: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ .
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)﴾
الدَّالة على أنه رسول، ومِن هذه البينات إحياء الموتى، إخبارهم بما في بيوتهم.
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)﴾
من كذب بالحق فقد ظلم نفسه:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)﴾
هذه (من أظلم) تقصم الظهر، أي أنه ليس في الأرض إنسانٌ أشدُّ ظلماً لنفسه ممن يُدعى إلى الحق، ثم يتهم الحق بأنه باطل، وأنه سحر، وأنه كذب، وأنه دجل، وأنه غيبيَّات، هذا الذي يُدعى إلى الحق، ثم يُسفِّه الحق ليس في الأرض كلِّها إنسانٌ أشدُّ ظلماً لنفسه منه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ جاءك الحق فقلت: هذا كذِب، ﴿وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ هؤلاء ظلموا أنفسهم قبل كل شيء.
لا يمكن لأحد أن يطفئ نور الله:
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)﴾
الحقيقة هل يمكن لإنسان أن يلغي نور الشمس مهما كان ذكياً؟ هل يمكن أن يطفئ لهيب الشمس بفمه؟ إذا وقف رجل ونفخ باتجاه الشمس هل تنطفئ؟ ﴿لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ الحق ماض، والإسلام شامخٌ كالجبال، وعندما ينصر الإنسانُ الإسلامَ فإنه يرتقي عند الله فقط، أما الإسلام فهو الإسلام، الإسلام منصور، لأنه دين الله.
لذلك قال بعض العلماء: "نور الله هنا محمدٌ عليه الصلاة والسلام" .
انقطع عنه الوحي أربعين يوماً فرح الكفَّار، وقالوا: لقد طُفئ نور الله، انتهينا منه، وخلصنا منه، ثم جاء الوحي مستمراً، فقال بعض العلماء: "نور الله هو النبي عليه الصلاة والسلام" .
وقال بعضهم: "هو القرآن الكريم".
وقال بعضهم: "هو الإسلام".
وقال بعضهم: "هي الآيات الدَّالة على عظمة الله".
لذلك إطفاء نور الله أي الطعن في القرآن، أو الطعن بالنبي العدنان، يقولون لك: تزوَّج تسع نسوة، ماذا يعني ذلك؟ هذه لها بحث طويل، لو قرأت هذا البحث لذابت نفسك تعظيماً لهذا النبي، هناك من يطعن في النبي، يريد أن يُطفئ نور الله، هناك من يريد أن يطعن في القرآن يقول لك: موضوعاته متنوعة، لا يوجد منهجية، هناك من يقول ذلك، هناك من يطعن في الإسلام كمنهج وكنظام، هناك من يطعن بكل آيةٍ دالَّةٍ على عظمة الله، وهناك من يحاول أن يُطفئ نور الشمس بفمه، فعلاً مثل واضح جداً، لذلك ما ضرَّ السحاب وهي في السماء نبح الكلاب في الأرض، لو تحوّل الناس جميعهاً إلى كنَّاسين ليغبِّروا على الإسلام ما غبَّروا إلا على أنفسهم، لأن الإسلام دين الله، ما ضرَّ البحر أن رماه غلامٌ بحجر، وقف طفل على ساحل البحر، وألقى حجراً فيه، البحر أربعة أخماس اليابسة، عمقه اثنا عشر كيلو متر، طفل ألقى فيه حجراً ماذا فعل؟ ما فعل شيئاً، ما ضرَّ السحاب نبح الكلاب، وما ضرَّ البحر أن ألقى فيه غلامٌ بحجر، ولو تحوّل الناس إلى كنَّاسين ليغبِّروا على الإسلام ما غبَّروا إلا على أنفسهم، لا يوجد دين كاد له الكائدون، وخطط له أعداؤه كهذا الدين العظيم، والشيء الغريب أن هذا الدين كلَّما أردت أن تطفئ نوره ازداد تألُّقاً، الذي يريد أن يطفئ نور الله كمن يريد أن يطفئ النار بالزيت، كلَّما ألقى عليها الزيت ازدادت اشتعالاً، لذلك الأصل أن تكون مع الحق لا أن تكون ضدَّ الحق.
دركات مَن عارض الأنبياء ودرجات المؤمنين بهم:
حينما جاءت الدعوة إلى النبي الذي عارضه وكذَّبه أين هو؟ في مزبلة التاريخ، حينما قُتلوا في بدر سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُنَادِي عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ:
(( عن أنس بن مالك: أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ. ))
لقد كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وخذلتتموني ونصرني الناس، الذين نصروه أين هم؟ في لوحات الشرف؛ سيدنا الصدِّيق، سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا علي، سيدنا سعد، سيدنا معاذ.
(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ:
أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه علَيهِ وسلَّمَ أخذَ بيدِهِ، وقالَ: يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ ))
(( وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ:
نَثَلَ لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كِنَانَتَهُ يَومَ أُحُدٍ، فَقالَ: ارْمِ، فِدَاكَ أبِي وأُمِّي. ))
(( أنّ رسولَ اللهِ صلَى الله عليهِ وسلم رأَى بَكرٍ وعمرَ فقالَ : هذانِ السَّمعُ والبصَرُ. ))
[ صحيح الترمذي عن عبد الله بن حنطب ]
لو كان نبي بعدي لكان عمر.
أبو بكرٍ ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك ، الذين أيدوه ونصروه أين هم؟ في روضات الجنَّات، في أعلى عليّين، في سجل الخالدين، والذين كذَّبوه وآذوه أين هم الآن؟
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾
أي ستة آلاف سنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين يومًا ضرب اثنين، والخير إلى الأمام: ﴿غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ الذين كذَّبوا النبي، ألف وأربعمئة وستة عشر سنة ضرب اثنين ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً ضرب اثنين: ﴿غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ بينما أصحابه الذين أيَّدوه ونصروه وافتدوه بأرواحهم، امرأةٌ تبحث عن رسول الله، رأت زوجها قد قُتِل في ساحة المعركة، ثم رأت أخاها قد قِتٍل، ثم رأت أباها، ثم رأت ابنها وهي تقول: ما فعل رسول الله؟ فلمَّا رأته سليماً قالت: كل مصيبةٌ بعدك هينةٌ يا رسول الله، لا توجد مشكلة، هكذا كانوا الصحابة.
النبي تفقَّد أحد الصحابة قال: أين فلان؟ لم يعرفوا عنه شيئاً، سعد بن الربيع، ذهبوا إلى ساحة المعركة رأوه في النزاع الأخير، قال الذي أرسله النبي: يا سعد لقد أمرني النبي أن أتفقَّدك فهل أنت مع الأحياء أم مع الأموات؟ فقال له: " أنا مع الأموات، أي انتهيت، ولكن بلِّغ رسول الله مني السلام-وهو في قمَّة السعادة -وقل له: جزاك الله عنَّا خير ما جزى نبياً عن أمَّته، وقل لأصحابه: يقول لكم سعدُ: لا عذر لكم إذا خُلِصَ إلى نبيكم وفيكم عينٌ تطرف، و كما قال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحبُّ أحد كحبّ أصحاب محمدٍ محمداً، الله عزَّ وجل رفع شأنهم، وأعطاهم قوّة، وجعلهم في الخالدين.
وكل إنسان في أي عصر يستطيع أن يكون مؤمناً، ويعين أهل الحق، ويكون داعية إلى الله، أهم شيء إذا طبَّقت الدين تكون أكبر داعية وأنت ساكت، فقط اسكت، طبق الدين فقط، كن صادقاً، كن أميناً، يمكن بأي حرفة تكون، بأي مصلحة إذا كنت مطبِّقاً لأوامر الدين تغدو علماً، تغدو حجَّةً، تغدو داعيةً وأنت صامت بعملك، الدين لا يحتاج إلى فلسفة كثيرة، يحتاج إلى تطبيق، يحتاج إلى تألُّق في الدين لا من تشقيق المعاني، وتنميق الألفاظ، بل من صدق العمل، وصدق النوايا.
الدين دين الله وسيبقى شامخاً دائماً وأبداً:
لذلك: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ اطمئنوا ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ هذا دين الله لا تقلقوا أبداً، مهما كَثر عليه أعداؤه، مهما أرادوا أن يطفئوه يزداد تألُّقاً، بعد سنواتٍ عدَّة يصبح الإسلام الدين الثاني في أمريكا، في فرنسا قبل عام احتُفِل بتدشين الجامع رقم ألف، وهو الدين الثاني.
الحقيقة أن أناساً كثيرين بالملايين يدخلون في دين الله، لأنه لم يبق من الحق إلا دين الله عزَّ وجل، كل شيء سقط، بقي هذا الدين شامخاً، فلذلك: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ أي أن الإسلام ماضٍ، والدين حق، فإذا أنت أعنت ودعيت، ونصرت وعاونت تكسب شرفاً، أما نصره فلا يتعلَّق بك، ولا على دعمك، ولا تأييدك، الدين دين، والحق قائم، إنك إن نصرته اكتسبت شرف نصره، أبداً، وإن لم تفعل كما كان الذين عارضوا الإسلام في مزبلة التاريخ، معروف مصير الإنسان أين هو لو عارض الدين، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ تصوَّر نور الشمس، نور الله أبلغ من نور الشمس، هذه الشمس التي تبعد عنَّا مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، بعض ألسنة اللهب فيها طوله مليون كيلو متر أي ألف ألف كيلو متر طول لسان اللهب، هل تستطيع وأنت على الأرض أن تتوجَّه نحو الشمس وتنفُخ فتنطفئ الشمس، هذا المثل واضح جداً، الذي يحاول أن يطفئ نور الله بتخرُّصاته وكذبه كمن يحاول أن يطفئ نور الشمس بنَفَسِهِ، وهذا مستحيل، إلا أنك إذا نصرت الحق، ودعمته، وكنت عوناً لأهل الحق اكتسبت شرفاً عظيماً أنت بحاجة لهذا الشرف، أما الحق فماضٍ إلى نهاياته، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ .
الملف مدقق