- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (032)سورة السجدة
الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس الخامس من سورة السجدة، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُون(15)﴾
طريق الإيمان بالله هو الإيمان بآياته:
الحقيقة أن طريق الإيمان بالله هو الإيمان بآياته، لأن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار، ولكن تعرفه من خلال خلقه، فالإيمان بآياته طريقٌ إلى الإيمان به، وكيف تؤمن بآياته؟
أنواع السجود: سجود الاضطرار وسجود العبادة:
1 ـ سجود الاضطرار:
إذا ذُكِّر الإنسان بآيات الله خرَّ ساجداً، والسجود له معنيان: سجود اضطرار، وسجود عبادة، أي مخلوقٍ على وجه الأرض شاء أم أبى ساجدٌ لله سجودَ اضطرار، أنت مفتقرٌ إلى الهواء، مضطرٌ إليه، مفتقرٌ إلى الماء، مضطرٌ إليه، ولو أن الله سبحانه وتعالى منع عنك الهواء لانتهت حياتك، ولو منع الماء الذي يحتاجه كل شيءٍ في كل شيء لهلك كل شيء، مادام كل شيء يحتاجه في كل شيء، إذاً الخلق كلُّهم ساجدون لله عزَّ وجل سجود اضطرارٍ وافتقارٍ وحاجة، هذا السجود لا تعنيه الآية، أيُّ مخلوقٍ حتى الكفار، حتى الذين أنكروا وجود الله عزَّ وجل مفتقرون إليه في قيامهم، في قعودهم، في نومهم، في صحوهم، في عملهم، في حركتهم، في هضمهم، في حركة قلوبهم، في مرونة شرايينهم، في ميوعة دمائهم، لو أن هرموناً قَلَّت نسبته في الدم، هرمون التميُّع، لأصبح الدم في الأوعية كالوحل، وانتهت حياة الإنسان، لو أن هرمون التجلط قَلَّت نسبَتُه لخسر الإنسان دمه كله مِن جُرحٍ طفيف، إذاً أنت مفتقرٌ إلى حالةٍ معتدلة بين الميوعة والتجلُّط، أنت مفتقرٌ إلى مرونة الشرايين، أنت مفتقرٌ إلى حركة القلب، أنت مفتقرٌ إلى حركة العضلات، إلى ناقلية الأعصاب، مفتقرٌ إلى كأس ماء، إلى شمة هواء، إلى طعامٍ، إلى شرابٍ، إلى زوجةٍ، إلى عملٍ، إلى مأوى، إلى ثياب، الحاجات التي أنت في أمَسّ الحاجة إليها لا تُعدُّ ولا تُحصى، وكلُّها بيد الله عزَّ وجل، بدءاً من خلاياك، إلى أجهزتك، إلى أعضائك، فكل الخلق ساجدون لله سجود افتقار، سجود اضطرار، سجود حاجة.
2 ـ سجود العبادة:
ولكن السجود الراقي، السجود الذي تُؤجَرُ عليه، السجود الذي يَرقى بك، السجود الذي يجعلك في الآخرة من المقرَّبين، هو سجود العبادة؛ أن تأتيَه طوعاً لا كرهاً، أن تأتيَّه مختاراً لا مجبراً، أن تأتيه بمحض إرادتك، أن تأتيَّه مُحباً لا خائفاً، فلذلك المؤمنون الذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم.
سمعوا عن آيات الله: عن آية الشمس، آيةٌ دالةٌ على عظمته، كيف أن الشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، وأن الأرض إذا أُلقيت فيها تبخَّرت في ثانيةٍ واحدة، وأن حرارة الشمس على سطحها ستة آلاف درجة، و أما في باطنها فعشرون مليون درجة، وأنَّ الشمس منذ خمسة آلاف مليون عام هي متألقةٌ تَنشر الحرارة، والدفء، والضوء، هذا الإمداد المستمر، بيد من؟ والقمر كذلك، والمجرَّات كذلك، فكلَّما تُلِيَت عليه آيةٌ من آيات الله خرَّ ساجداً لله لا سجود اضطرار، ولكن سجود عبوديةٍ لله، سجود إقرارٍ بفضل الله، سجود تعظيمٍ لخلق الله، هذا السجود هو الذي كُلّفنا به، سجود العبودية، لا سجود الاضطرار، فهؤلاء المؤمنون:
مَن ذُكِّر بآيات الله فآمن فهو المؤمن الحقيقي:
قد تدرسُ دراسةً عالية، قد تنالُ درجةً جامعية، قد تنال درجة الدكتوراه في العلوم الطبيعية، وكلَّما قرأت من آيات الله الدالَّة على عظمته لم تسجد، ولكن رأيت أن هذه الظواهر ظواهر طبيعيةٌ تحكمها قوانين، فأنت مع أنك قرأت هذه الآيات، وتبحَّرت بها، وغُصْت في أعماقها، لكن لم تعبر بها إلى الله عزَّ وجل، لم توظِّفها في معرفة الله، فهذه المطالعة، وهذه الدراسة لا قيمة لها، فالكون جسرٌ يجب أن تعبر عليه إلى معرفة الله، فإذا بقيت على الجسر ما استفدت من هذا العلم شيئاً، لذلك:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ(20)﴾
في الجسد آيات، في الطعام آيات، في الشراب آيات، في البحار آيات، في السماء آيات، في الأسماك آيات، في الأطيار آيات، وأقرب آيةٍ إليك جسدُك، أقرب آيةٍ إليك نفسك التي بين جنبيك، أقرب آيةٍ إليك أعضاؤك، حواسك، أجهزتك، أنسجتك، طباعك، نظام حياتك، زواجك، إنجابك، هذه كلها تحت سمعك وبصرك، فلذلك علامة المؤمن الصادق أنه إذا اطلع على آيةٍ من آيات الله الدالة على عظمته، إذا قرأ عن آيةٍ من آيات الله، إذا سمع آيةً من آيات الله خرَّ لله ساجداً سجود عبادة لا سجود اضطرار، لذلك تُعدُّ آيات الله التي بثَّها في الكون أقرب طريقٍ وأوسع باب، ومن خلال هذه الآيات يمكن أن تصل إلى معرفة الله لقول الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)﴾
التطبيق العملي لهذه الآية:
هؤلاء المؤمنون أيها الإخوة، وأنا أتمنى على كل أخٍ كريم، وهذا من التطبيق العملي لهذه الآية، أتمنى على كل أخٍ كريم أن يكون له مع الله جلسة، هذا الذي فعله النبي في غار حراء، هذه جلسات التأمُّل في آيات الكون جلساتٌ لا بدَّ منها، يمكن أن تفعلها كل يوم لوقتٍ قصير، يمكن أن تفكِّر في أيِّ شيءٍ حولك، لأن الله يأمرك، وهذا أمر إلهي.
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)﴾
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)﴾
﴿
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)﴾
التأمل في خلق السماوات والأرض عبادة:
هناك دعوةٌ واضحةٌ، جليةٌ، متكررةٌ، مركَّزٌ عليها في القرآن الكريم إلى التأمل في الكون، فلابدَّ من أن يكون التفكُّر عبادة، بل إن بعض العلماء يجعلها أول عبادة، بل قبل عبادة الصلاة، لأن تفكر ساعةٍ يعدِل عبادة سبعين عاماً.
﴿
إذاً:
معنى التسبيح بحمد الله:
1 – المعنى السلبي للتسبيح:
التسبيح بحمد الله: تسبيح من فعل سبَّح، والتسبيح بالتعريف الدقيق هو تنزيه الله عزَّ وجل عن كل ما لا يليق به، هذا معنى سلبي.
2 – المعنى الإيجابي للتسبيح:
المعنى الإيجابي: هو تمجيد الله، فالتسبيح تنزيهٌ وتمجيد، أن تنفي عنه كل صفات النقص، وأن تثبت له كل صفات الكمال، أن تقول: سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، وأن تقول: ما أرحم الله عزَّ وجل، ما أحكمه، ما أقواه، ما أغناه، أن تجول في أسمائه الحسنى، وصفاته الفُضلى تسبيح، وأن تنزِّهه عن كل ما لا يليق به تسبيح، هؤلاء المؤمنون الصادقون إذا عاينوا آيةً سجدوا لله وسبحوه.
من آيات الله الكونية:
1 ـ خاصية الماء:
فمن منا يصدِّق أن الحياة على الأرض متوقفةٌ على خاصةٍ في الماء؟ هذه الخاصة لو أنها أُلغيت لأُلغيت معها الحياة، الماء شأنه شأن كل العناصر، إذا سخَّنته تمدد، فإذا برَّدته تقلَّص، شأنه شأن كل العناصر، الحرارة من شأنها أن توسِّع الفراغات البينية بين الذرات، إذاً إذا سخَّنت جسماً زاد حجمه، هذا معنى قول العلماء: المعادن تتمدد بالحرارة، فإذا رفعت الحرارة لانَ المعدن، فإذا زدت الحرارة صار المعدن سائلاً، فإذا زدت الحرارة صار المعدن غازاً ـ وهذا إلى حدٍ ما شيء نظري ـ صار المعدن غازاً، فإذا برَّدت الغاز صار سائلاً، فإذا بردت السائل صار صلباً، يوجد هواء سائل، ويوجد غاز صُلب، هذا متعلقٌ بالحرارة، لكن هذا الماء شأنه شأن كل المعادن والعناصر إذا سخَّنته تمدد، فإذا برَّدته تقلَّص، إذا برَّدته من درجة عشر إلى درجة ثمانٍ، سبع، ست، خمس، أربع تنعكس الآية، بعد درجة (+4) يزداد حجمه، وهذا تعرفونه في الثلاجات، إذا ملأت قارورة ماء، وأحكمت إغلاقها، ووضعتها في غرفة التبريد فإنها تنفجر، تتكسر، لأن الماء إذا برد دون (+4) يزداد حجمه، لولا هذه الظاهرة لما قامت حياةٌ على وجه الأرض، كلما تجمد الماء في المحيطات حسب القاعدة السابقة قلَّ حجمه، وازدادت كثافته، وغاص في أعماق البحار، جاءت طبقةٌ ثانية تجمدت، وغاصت، إلى أن تُصبح البحار كلُّها متجمِّدة، فإذا تجمَّدت انعدم التبخُّر، وانعدمت الأمطار، وماتت النباتات، ومات الحيوان، وانتهت حياة الإنسان، فهل تصدقون أن حياة الإنسان على وجه الأرض، وحياة كُلِّ كائنٍ حي أساسها هذه الظاهرة؟
2 ـ العين البشرية:
هل تصدقون أن في ماء العين مادةً مضادةً للتجُّمد، بحيث لو أن إنساناً سكن في أقاصي الشمال، وكانت الحرارة دون السبعين تحت الصفر، بإمكانه أن يُغَطِّي كل شيءٍ في جسمه خوف البرد إلا عينيه من أجل أن يرى طريقه، فلو أن هذه الحرارة المنخفضة لامست غشاء العين لتجمد ماء العين فوراً، لذلك أودع الله في ماء العين مادةً مضادةً للتجمد، هذه الآيات، آياتٌ في العين.
3 ـ جسم الإنسان:
آياتٌ في الأذن، آياتٌ في القلب، ثمانية آلاف لترٍ تُضَخ في اليوم الواحد، عضلةٌ تعمل تقلُّصاً وانبساطاً ثمانين عاماً أو مئة عامٍ دون كللٍ أو مللٍ، كيف تستريح هذه العضلة؟ من دون صوتٍ، من دون ألمٍ، من دون إزعاجٍ، هذا خلق الله.
فجسم الإنسان أيها الإخوة، والله الذي لا إله إلا هو، في جسم الإنسان من الآيات الصارخة الدالة على علم الله، وعلى قدرته، وعلى حكمته، وعلى رحمته، وعلى قدرته الشيء الكثير، لذلك ما لهذا الإنسان غافلٌ عن معرفة الله؟ غارقٌ في ملذاته؟ قال تعالى:
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21)﴾
﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ(20)﴾
4 ـ معجزة تقلّص الرحم:
الولادة شيءٌ مُعْجِز، الرحم يتقلَّص تقلصاتٍ لطيفة في أثناء الطلق ليدفع الجنين إلى خارج الرحم، فإذا ما خرج الجنين تقلَّص الرحم تقلُّصاً فجائياً حاداً بحيث تُغلَق كل الأوعية التي تمزَّقت، وانفتحت، فلو كان التقلُّص الآخر رخواً لماتت الأم من النزيف، مَن أعطى هذا الرحم هذه القدرة على التقلُّص المتزامن التدريجي والتقلُّص القاسي المفاجئ؟
5 ـ توازن الهواء والأوكسجين:
أيها الإخوة الأكارم، هكذا كيفما تحركت، الهواء الذي تستنشقه كيف يتحقق توازنه؟ آيةٌ عظمى من آيات الله، كيف أن النبات يأخذ غاز الفحم، ويطرح الأكسجين؟ وكيف أن الإنسان يأخذ الأكسجين، ويطرح غاز الفحم؟ هذا التوازن في نِسَب الغازات في الهواء توازنٌ معجِز، هذا الماء من آيات الله الدالة على عظمته، هذه المعادن، هذه أشباه المعادن، هذه المواد العضوية، هذه الكائنات الحية.
6 ـ السمك والطيور:
مليون نوع من السمك في البحر، مئة مليار طائر في سماء الأرض، والبشر جميعاً خمسة مليارات، وكل طائرٍ له من الأجهزة ما لا ترقى إليه أعظم طائرةٍ موجودةٍ الآن.
7 ـ معمل الورقة الخضراء:
الورقة الخضراء؛ إن أعظم معملٍ صنعه الإنسان، والله قرأت هذه الكلمة في مجلةٍ علميةٍ ليس هدفها أن تُعَرِّف بالله إطلاقاً.. تقول هذه المجلة: إن أعظم معملٍ صنعه الإنسان يبدو تافهاً أمام الورقة، تأخذ المعادن، وتأخذ الماء من باطن التربة، ويصعد الماءُ نحو الأعلى على عكس نظام الجاذبية، الورقة فيها من اليخضور، ومن الحديد، ومن الآزوت، ومن الفوتون ـ الطاقة الشمسية ـ ما يصنع مع المعادن والماء سائلاً هو السائل الذي يعودُ من الورقة ليصنع الجَذر والساق والأوراق، والثمار، والأزهار، شيءٌ معجز، سائلٌ واحد يصنع أشياء كثيرة من طبيعةٍ واحدة.
8 ـ نمو الشجرة:
هذا النُسغ الصاعد، لو أن الشجرة نمت عرضاً لضاقت لمعة هذه الأوعية، لذلك هي مدعَّمةٌ بأليافٍ حلزونية، والنُسغ النازل من حينٍ إلى آخر فيه مصافٍ، فيه حلقات تصفية، شيءٌ يأخذ بالألباب..
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ
لذلك:
معنى: لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
﴿
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ
1 ـ معنى المضاجع:
2 ـ معنى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ؟))
رب العالمين في جلاله وعليائه يسألك: ألك عندي حاجةٌ يا عبدي؟ أتريد مني شيئاً؟ أتحب أن أغفر لك ذنوبك؟ أتحب أن أتوب عليك؟ أتحب أن أعطيك سُؤلك؟
إلى متى أنت باللذَّات مشـغـولُ وأنت عن كل ما قدمت مسؤولُ
فقم نحـونا في الـليـل لا تـخـش وحشـتنا فالأنس فـي طــيب ذكرنا
وعـن ذكرنا لا يشــغـلَّنك شاغلٌ وأخلص لنا تلقى المســرة والهــنا
وسلم إلينا الأمر في كـلِّ مـا يكون فما القـرب و الإبـعـاد إلا بأمــرنا
فيا خجلي منه إذا هـو قـال لـي أيــا عـبـدنا مـا قـرأت كتـابنـا
أما تسـتحي منا ويكفيك ما جـرى أما تختشـي مــن عتـبنا يوم جمعنا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجـعاً وتنـظــر مـا بـه جـاء وعـدنـا
إلى متى أنت بالـلذات مشـــغول وأنت عــن كل ما قدمت مــسؤول
في القرآن آية إذا قرأها المؤمن قراءةً صحيحة يجب أن يقشعر جلده:
﴿
إلى متى يا أخانا أنت شارد؟ إلى متى أنت في غفلة؟ إلى متى أنت في جفوة؟ إلى متى أنت في فتور؟ ألا تشتاق إلى الله عزَّ وجل الذي أنعم عليك بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الإرشاد؟ أنزل على نبيِّه هذا الكتاب منهجاً لك، دستوراً لك، خلقك لجنةٍ عرضها السماوات والأرض.
هذا معنى:
للآية معنى خاص ومعنى عام:
أي لا يرتاح للنعيم، فهو نعيم مؤقَّت، هذه الآية لها معنى خاص، ولها معنى عام.
1 – المعنى الخاص:
خاصها: المقصود به الفراش، النوم لذيذ، والنوم شهوةٌ تعارض أداء العبادات، لذلك فالمؤمن دائماً يتجافى جنبه عن المضاجع، يدعو الله خوفاً وطمعاً.
2 – المعنى العام:
المعنى الأوسع: أي لا يركن للدنيا، يرى أن الدنيا مؤقتة، دار مرور، وليست دار استقرار.
الدنيا حلوة بطاعة الله:
ما لي وللدنيا إنني فيها كعابر سبيل، كن في الدنيا كأنَّك مسافر، خُذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً.. فمن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه، وهو لا يشعر، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارق، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، هذه الحياة الدنيا حلوةٌ جداً إذا أمضيتها في طاعة الله، أمضيتها في طلب العلم، أمضيتها في التقرُّب إلى الله، أمضيتها في الاستقامة على أمر الله، أمضيتها في خدمة الخلق، فهذه الحياة الدنيا من دون ذكر لله تافهةٌ لا قيمة لها، حتى إن بعضهم قال:
(( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ، فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))
قد يتنعَّم الإنسان، أما أن يجعل النعيم قصده الأساسي، وشغله الشاغل، ومَحَطُّ رحاله، ومنتهى آماله، ولا يريد شيئاً من الله عزَّ وجل؟!
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ(7)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)﴾
خالق الكون يقول لك: متاعٌ قليل:
﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ(60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ(18)﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)﴾
﴿
لا يستوي الفاسق والمؤمن:
شابٌ نشأ في طاعة الله، يغضُّ بصره عن محارم الله، يتحرَّى الحلال، يرجو رحمة ربه، يرجو خدمة الخلق، أيُعامل هذا من قِبَل الله كما يُعامل شابٌ فاسق، فاجر، منحرف؟!.. هكذا.. أيليق بالله عزَّ وجل أن يسوي بين هذا وذاك؟! أهذا من كمال الله عزَّ وجل؟
ـ انتهى ـ أليس لك رسالة في الحياة؟ هذا الشاعر الذي هجا رجلاً في عهد عمر، واسمه الحُطيئة قال له:
دع المكارم لا ترحل لبغيتهـا واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
هذا البيت من الشعر سبَّبَ لمن نظمه دخول السجن، لأنه يعدُ أهجى بيتٍ قالته العرب، ماذا قال له؟
دع المكـارم لا تـرحل لبغـيـتـهـا واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
إذا رضي الإنسان بطعامٍ نفيس، وبيتٍ مريح، وزوجةٍ وأولاد، ونُزهات، وانتهى الأمر، أليس لك مطلبٌ آخر؟ أليس عندك طلبٌ لمعرفة الله؟ عن طريق معرفة كتابه؟ وفي طاعته؟ وفي التقرُّب منه؟ وفي مناجاته؟ هكذا..
فيا أيها الإخوة الأكارم، هذه الآية: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ معناها الخاص؛ أن السرير يدعوه إلى الراحة، والله يدعوه إلى مناجاته، السرير يدعوه إلى النوم، وآذان الفجر يدعوه إلى الصلاة، الصلاة خيرٌ من النوم، السرير يدعوه إلى الاسترخاء، والعمل الصالح يدعوه إلى أن يقوم.
الخوف والرجاء عند المؤمن كجناحي الطائر:
العطاء صفة أساسية في المؤمن:
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾
دائرة المسموعات أوسع من المرئيات: فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
لم يقل الله عزّ وجل: فلو تعلمُ، لو: قد تعلم، أما: ﴿فلاَ تَعْلَمُ﴾ أي فيها مالا عينٌ رأت، أنت لك دائرة مرئيات محدودة؛ تعرف بلدك، وكذا المدن الأخرى في قطرك، تعرف لبنان فرضاً، تعرف الأردن، تعرف مصر، هذه دائرة مرئيَّاتك، لكن دائرة مسموعاتك واسعة جداً، في الأخبار تسمع البلد الفلاني، والعاصمة الفلانية، والبحر الفلاني، والجبل الفلاني، والقُطب الشمالي والجنوبي، وإفريقيا واستراليا، وآسيا وإفريقيا، أي أن المسموعات أوسع، أما الخواطر أوسع وأوسع، أي شيٍ خطر في بالك فهو خاطر، قد يخطُر في بالك إنسان طوله من هنا وحتى القمر فهذا خاطر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ))
هذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض التي لا تعلم نفسٌ ما أخفي لها في هذه الجنة من قرة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون، هل هذه الجنة يُستغنى عنها؟ ونلهث وراء سنواتٍ معدودة مشحونةٍ بالهموم والأحزان؟ لهذا يقول الله عزّ وجل:
﴿ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(19)﴾
وجهُ عدم\ استواء المؤمن مع الفاسق:
ليست جَنَّة، بل جنات تأوي إليها النفس، ليس فيها تقدمٌ في السن، ولا أمراض تصيب القلب، ولا فقر، ولا ولد مشاكس، ولا زوجة لئيمة، ولا مشكلة في الدخل، ولا تجارة كاسدة، كل هذه الهموم الأرضية لا وجود لها في الآخرة.
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ(35) ﴾
الآخرة أساسها أنَّك في دار تكريم، وأرقى أنواع التكريم أن تنال كل شيء بمجرَّد الطلب، ما إن يخطُر في بالك شيء إلا تراه أمامك، أما الدنيا فلا تأخذ منها شيئاً إلا بأسبابه، الدنيا دار سبب، دار نَصَبٍ، دار تعب، دار هم، دار حُزْن، أغلب الظن أن الإنسان يمضي شبابه في حياةٍ خشنةٍ جداً، فإذا ما وصل إلى الخمسين، واستقرت حياته، وكثر دخله، وامتلك زمام الأمور بدأت مشكلات صحَّته، الحياة كلها نَغَص وشاءها الله أن تكون كذلك حتى لا نركن إليها، الله يغار أن تركن إلى الدنيا، لذلك ما إن يراك ركنت إليها إلا وتأتيك المتاعب من أيّ جهةٍ ركنت إليها، قد تظن أن المال يحلُّ كل شيء، يحل أية مشكلة.. فتُفاجَأ أحياناً أن من المشكلات ما لا يحله المال أبداً، هذا من أجل أن تعتمد على الله لا على مالك، من اعتمد على ماله ضل، من اعتمد على قوته زل، أما إذا اعتمدت على الله عزّ وجل لا ضَلَلت ولا زللت
﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ
العمل الصالح مفتاح الجنة:
لا أقول: العمل الصالح ثمن الجنة، ولكنه مفتاح الجنة، لأن الجنة محضُ فضلٍ، لكن مفتاحها العمل الصالح، وقد قال الإمام جعفر رضي الله عنه: "ادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم".
إنّ الطالب إذا وعده أبوه إذا نجح نجاحاً متفوقاً أن يشتري له درَّاجة، فالطالب يكون جاهلاً إذا توجَّه من المدرسة، ومعه الجلاء ناجحاً إلى بائع الدراجات وقال له: أعطني هذه الدراجة، وهذا جلائي، فالبائع يطرده، ويقول له: ائتِ بثمنها، أما إذا ذهب إلى أبيه، وأطلعه على الجلاء اشترى له أبوه هذه الدرَّاجة، فالنجاح ليس ثمن الدراجة، ولكنه مفتاحٌ لشراء الدراجة، مثلاً، فإذا ظننت أن العمل الصالح هو ثمن الجنة، فهذا شيء غير صحيح، لكنه مفتاح الجنة، لأن الجنة بفضل الله عزّ وجل، ومفتاحها العمل الصالح..
﴿
الفسق حرية في التصرف الحرام:
كان حُرّاً في الدنيا يلتقي مع من يشاء، يسهر مع من يشاء، مرة في النادي، مرة في الفُندق، مرة مع أهل الاختلاط، هذا المال حلال، حرام، لا يهمه، بل يقول لك: لا تدقق. فهذا الفاسق المنحرف الفاجر
أيها الإخوة الأكارم، هذه الآية من أدقِّ آيات هذه السورة:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21)﴾
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ
معنى الأدنى والعذاب الأكبر:
العذاب الأكبر هو عذاب جَهَنَّم، أكبر لأنه إلى الأبد، وأكبر لأنه لا يحتمل،
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ
وأكبر لأنه لا أمل في نهايته، إذاً ربنا سبحانه وتعالى من رحمته بهذا الإنسان لئلا يصل إلى العذاب الأكبر يُذيقه العذاب الأدنى في الدنيا، فكل مصيبةٍ في الأرض من دون استثناء هي عذابٌ أدنى، ولعل هذا العذاب الأدنى يمنع من العذاب الأكبر، فإذا فهمنا المصائب بهذه الطريقة عرفنا أن أكبر مصيبة أن تأتي المصيبة، ولا نتَّعظ بها. من لم تُحدث المصيبة في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبر، أكبر مصيبة أن تأتي المصيبة، وأن نفهمها فهماً أرضياً ساذجاً، وأن نقول: هذا حظي، هكذا الدهر، هكذا حدث لي، هذا فهمٌ غير إسلامي
الإنسان بين الاستدراج والمعالجة:
يجب أن تعلموا علم اليقين باستثناء بعض الأشخاص الذين علم الله أنه لا جدوى من دعوتهم إليه..
﴿
﴿
إذا رأيت إنساناً غارقاً في النعيم، قوياً إلى أبعد الحدود، غنياً إلى أقصى الدرجات، يتنعَّمُ بكل شيء، وهو مقيمٌ على معصية الله فاعلم أن هذا استدراج، بل إن أغلب الظن أنه خارج العناية المشددة، خارج المُعالجة، إن صحَّ التعبير: مقطوعٌ منه الأمل، أما الذي يُعالَج، ويُضيَّق عليه ففيه خير.
فالدنيا تتشدد وتضيق وتتكدر وتمرمر أولياء الله ليعودوا إليه ويتمنوا لقاءه، إذا رأيت الله عزّ وجل يُتابعك على كل غلطة، على كل معصية، على كل جُنحة، على كل مخالفة، بل على كل خاطر، على كل نيةٍ سيئة يأتيك العقاب عاجلاً، ويُلقى في قلبك أن هذه المصيبة: يا عبدي من أجل هذا، إذا كنت كذلك فاعلم أن الله يحبُّك، فاعلم أنك ضمن المعالجة الإلهية، فاعلم أنه مطموعٌ فيك، فاعلم أنك مرادٌ من قِبل الله عزّ وجل، وإذا أحب الله عبداً عجَّل له بالعقوبة، وإذا أحب الله عبداً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه، وإذا أحب الله عبداً عاتبه في منامِه.
فأنت بين شخصين: بين شخصٍ مطموعٍ فيه، مرادٍ من قِبل الله عزّ وجل، يُتابَع، يُحاسَب، يُؤدَّب، تُسَاق له الشدائد، يصاب بضيقٍ نفسي، يفقد بعض ماله، هناك من يتسلط عليه، كلما غفلت عن الله عزّ وجل جاءتك الدوافع إليه، تماماً كطفلٍ ترك يدَ أمه، فجاءه كلبٌ عقور، فلما أقبل عليه عاد الطفل إلى أمه، وهذه مصائب الدنيا كُلّها بالأعمِّ الأغلب، لذلك:
مصائب المؤمن محض فضل من الله:
لو كان عقرب على كتف إنسان، وتلقَّى هذا الإنسان ضربةً من خلفه، لتمنى أن يمزق الذي ضربه إرباً إرباً، فالتفت سريعاً، فإذا عقربٌ كبيرة أصبحت على الأرض بفضل هذه الضربة، ألا ينقلب حقده وضغينته وألمه شكراً وامتناناً؟ هكذا يجب أن تعلم أن يدَ الله كريمة، يد الله عليمة، يد الله خبيرة، يدُ الله محسنة، وأن كل شيءٍ ساقه الله إليك محضُ فضلٍ، فاعلم علم اليقين، اعلم علم اليقين، اعلم علم اليقين أن كل شيءٍ وقع أراده الله، وأن كل شيءٍ أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة، وأن حكمته متعلقةٌ بالخير المُطلق، والدليل:
﴿
لم يقل: بيدك الخير والشر، بل الخير فقط، فالإعزاز خير، والإذلال خير، والعطاء خير، والمنع خير، والإعلاء خير، والخفض خير، كُلُّه خير، خيرٌ واضح وخيرٌ مبطن.
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
فانتبهوا أيها الإخوة، كل أنواع العذابات في الدنيا هي عذابٌ أدنى، جاء ليقيَكُم العذاب الأكبر، فالسعيد من اتعظ بالعذاب الأدنى، ونجا من العذاب الأكبر، والشقي تأتيه المصيبة فلا يفهمها، يفهمها حظاً أسود، وقدراً يَسْخَر منه، ودهراً قلب له ظهر المِجَن، يفهمها بتفسيراتٍ أرضيةٍ ساذجةٍ سخيفةٍ، ويكون قد فَوَّتَ عليه فرصة التوبة، والعودة إلى الله عزّ وجل.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.