الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
وقوف الناس للحساب يوم القيامة موقف يغفل عنه الناس :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في سورة إبراهيم إلى قوله تعالى : ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ الخلائق كلهم منذ آدم وحتى يوم القيامة .. ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ أي أن شيئاً لا يستر أحداً عن الحِساب ، كأنهم وقفوا على أرضٍ ممهدة ، لا شيء يسترهم ، لا مكان يختبئون فيه ، لا شجرة يتوارون خلفها ، ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ أي هذا الموقف يغفل عنه الناس ، هذا الموقف حينما يقوم الناس لرب العالمين ، حينما يقف الناس ليحاسبوا عن كل أعمالهم
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾
يسأل الذي ظلم لم ظلمت ؟ ويسأل الذي عصى لم عصيت ؟ ويسأل الذي طغى لم طغيت ؟ ويسأل الذي تجاوز الحدود لم تجاوزت ؟ ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ .
لا حجة للإنسان في اتباع الأقوياء والمستكبرين فهو حرّ في اختياره :
لكن هناك في هذا الموقف الرهيب خصومة بين الضعفاء وبين الأقوياء ، وإذا فهمنا الضعف في هذه الآية ضعفاً مادياً فهذا الفهم ينقُلنا إلى متاهات ، ولكن الضعف في هذه الآية ليس هو الضعف المادي بل هو ضعف النفس ، وتخلّي الإنسان عن الحرية التي وهبه الله إيَّاها ، خلقنا الله سبحانه وتعالى سواسيةً كأسنان المشط ، وهب الله كلاً منا فكراً يميز به الخير من الشر ، والحق من الباطل ، والصالح من الطالح ، حينما يُعَطّلُ الإنسان فكره ويجمده ، أو يسيء استعماله ، ويتبع الأقوى بعقيدته ، وتفكيره ، وقَيَمِهِ يكون قد تخلى باختياره عن حرية الاعتقاد التي منحه الله إيَّاها ، وليس في الأرض كلها جهةٌ تستطيع أن تلزمك على أن تعتقد بعقيدةٍ ما ، لأن هذه الجهة مهما قويت لا تستطيع أن ترى ما في فكرك من عقيدة .
الابتعاد عن التقليد في العقيدة :
أعطاك الله سبحانه وتعالى حرية الاعتقاد ، وجعل ما تعتقد مستوراً عن كل الخلق ، فإذا تخلَّيت أنت باختيارك وبإرادتك عن هذه الحرية الثمينة التي وهبك الله إيَّاها ، وعطَّلت تفكيرك الذي جعله الله ميزاناً تزين به الأمور ، عطَّلت هذا التفكير وقلَّدت في العقيدة الكُبراء بأفكارهم ، بمزاعمهم ، بمعتقداتهم ، بقيمهم ، بعاداتهم ، بتقاليدهم ، فأنت هنا الضعيف ، ليس الضعف هنا ضعفاً مادياً ولكن الضعف هنا ضعف الإنسان أن يعتقد الحقيقة التي أراه الله إياها ، والتي منحه الله من أجل أن يعتقد بها حريةً لا يطّلع عليها أحد .
إذاً خلق الله سبحانه وتعالى الخلق سواسيةً كأسنان المشط ، ولم يجعل لأحدٍ في الأرض سلطاناً على أحد في العقيدة
﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ﴾
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾
الذي تعتقده لا يستطيع بشرٌ في الأرض مهما أوتي من قوةٍ أن يطَّلِعَ عليه فضلاً عن أن يُغَيِّرَهُ ، هكذا منحنا الله سبحانه وتعالى حرية الاعتقاد ، وحرية الاختيار ، ومنحنا إرادةً حرة ، هؤلاء الضعفاء تخلَّوا بإرادتهم ، وباختيارهم عن حريتهم في الاعتقاد وقلَّدوا الكبراء ، قلدوا الأقوياء ، في عقائدهم ، وفي تفكيرهم ، وفي مذاهبهم ، وفي قيَمِهِم ، وفي منطلقاتهم ، وفي أهدافهم ، وفي عاداتهم ، وفي تقاليدهم ، وفي أنماط السلوك لهم ، فكانوا مقلدين ، من هنا اتُّخذت هذه الآية أصلاً في أنه لا يجوز التقليد في العقيدة ، لا يجوز أن تقلِّد إنساناً في العقيدة .
الضعف المادي لا علاقة له بالإيمان :
أما لو أن معنى الآية أن الضعفاء بمعنى الضعفاء مادياً ، هذا الضعف المادي لا علاقة له بالإيمان ، إن كنت قوياً أو ضعيفاً تستطيع في كلا الحالين أن تؤمن بالله عزَّ وجل ، وأن تطيعه على كلا الحالين ، وإذا ضاقت الأرض التي تسكن بها فبقية الأرض واسعةٌ ..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) ﴾
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) ﴾
آمن سحرة فرعون بالله ، وأطاعوه ، أما فرعون فلا يستطيع أن يفعل بهم إلا شيئاً واحداً ..﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ الحياة أبدية ، ﴿ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾ أي نحن كنا ضالين ، كنا ضالين مضلين ، ضللنا وأضْللنا ، فسدنا وأفسدنا ، كنا معكم ، كنا مثلكم ، لو هدانا الله لهديناكم ..
موقف عظيم من مواقف يوم القيامة :
﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ نعوذ بالله من هذه المواقف ، أي حينما يقترف الإنسان في الدنيا جريمةً ، ويحاكم على هذه الجريمة ، ويصدر قرارٌ بإعدامه ، ويصدَّق هذا الحكم ، ويساق هذا المجرم ليشنق في إحدى ساحات المدينة ، ويصعد درجات المشنقة ، وهو على إحدى درجات المشنقة سواءٌ عليه أبكى أم ضحك ، سكت أم صاح ، استنجد ، استغاث ، إن أي شيءٍ يفعله لا ينجيه من حبل المشنقة .. ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾ إن جزعنا لا ننجو ، وإن صبرنا لا ننجو ، إن استغثنا لا ننجو ، إن سكتنا لا ننجو ، هذا موقفٌ عظيم .
أيها الإخوة الأكارم ؛ ما دام هذا القلب ينبض فباب التوبة مفتوح ، باب الإصلاح مفتوح ، كل شيءٍ له حَل ما دام في الحياة بقية ، فإذا جاء ملك الموت وخُتِمَ العمل أنت رهن عملك ..
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)﴾
مع التيار العام ، ارتدى النساء في أوروبا هذا الزي ، نرتديه نحن ، هذا هو الرقي ، أن ترتدي ما يرتديه الناس في أوروبا .. عَنْ أبي سعيد الخدري أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ . ))
هذا التقليد الأعمى ، كأن هذه الآية تنبِّه المسلمين إلى التقليد الأعمى وإلى أخطاره ، أنت مسلم كيف تسمح لزوجتك أو لأختك أن ترتدي ثياباً تثير مشاعر الناس كيف وأنت مسلم؟ تقول : هكذا الثياب هذه الأيام ، هذا جواب ؟! أتستطيع أن تجيب بهذا يوم القيامة ؟ إذاً : ﴿ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾ فسَّره بعض المفسرين : لو سلكنا طريق الهدى لهدانا الله .. ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ ما لنا من محيد ، ما لنا من نجاة ، وقعنا وانتهى الأمر .
ليس الضعيف الذي لا يملك قوةً ولكن الضعيف من عطَّل فكره وقلَّد الكبراء في معتقداتهم :
إذا وهبك الله فكراً تستطيع أن تُمَيِّزَ به الحق من الباطل ، والخير من الشر ، والصالح من الطالح ، فلا تقلِّد يا أخي ، لا تقل : أنا مع الناس ، إن أحسنوا أحسنت ، وإن أساؤوا أسأت ، هذا هو الإمَّعة ، قال الشاعر الجاهلي ..
وما أنا إلا من غزيةٍ إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
إذا سألت أكثر الناس اليوم : لم تفعل هذا ؟ يقول لك : هكذا يفعل الناس جميعاً ، لم تغش يا أخي ؟ هكذا الناس كلهم عندي أولاد ، لم تأكل مالاً حرام ؟ هكذا الناس جميعاً ، التقليد ضارٌ في كل الحالات ، أما التقليد في العقيدة فهو خَطِرٌ ، لأن الذي يقلد في العقيدة قد يكون المقلَّد ضالاً ، قد يكون المُقَلَّدُ منحرفاً ، قد يكون أعمى ، فإذا قلَّدته كنت مثله ، والتقليد يعني أن يتخلَّى الإنسان بملء حريَّته عن حرية الاعتقاد التي منحها الله له ، هذا هو التقليد ، أي الله سبحانه وتعالى منحك حرية الاعتقاد وها أنت تتخلَّى عن هذه الحرية ، هذا هو الضعف ، وليس الضعف أن تكون مستضعفاً ..
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) ﴾
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ . ))
ليس الضعيف الذي لا يملك قوةً ، ولكن الضعيف هو الضعيف نفسياً الذي عطَّل فكره ، وقلَّد الكبراء في معتقداتهم ، هذا هو الضعيف ، إذاً الضعف هنا جريمة ، جريمة يحاسب عليها الضعيف يوم القيامة لأنه اختار ..
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) ﴾
أعطاك ميزاناً دقيقاً ، عطَّلته وقلَّدت الكافرين ، قلدت الضالِّين ، قلدت المنحرفين ، صدَّقت ما يقولون ، اعتقدت ما يعتقدون ، ذهبت مذهبهم ، قلدتهم في عاداتهم ، في تقاليدهم ، هذا الضعف إذاً كسبي ، وما دام كسبياً فهو من اختيارك ، وما دام هذا الضعف باختيارك سوف يحاسب عليه الضعيف حساباً عسيراً كما تنطق هذه الآية .. ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ لو سلكنا طريق الهدى لهدانا الله .. ﴿ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ ما لنا من نجاة ..
شماتة العدو من أشَدِّ الأشياء إيلاماً للنفس :
أيها الإخوة الأكارم ؛ نعوذ بالله أن نصل إلى هذه النقطة ، الطريق المسدود ، إن جزعت ، وإن صبرت ، وإن استغثت ، وإن فرحت ، وإن حزنت ، كل هذه الأحوال سِواء.. ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ ومن أشَدِّ الأشياء إيلاماً للنفس شماتة العدو ، وهاهو ذا الشيطان أعدى أعداء الإنسان يقف ليشمت بالذين أضلَّهم ، ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ .. معنى قضي الأمر أي أن أهل الجنة دخلوا الجنة ، وأهل النار دخلوا النار ..
﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) ﴾
بعد أن يحاسب الإنسان حساباً دقيقاً ، ويوفى جزاء عمله يأتي الشيطان ليشمت بالذين أضلَّهم ..﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ﴾ كان وعده حقاً ، وكان وعد الله مأتيَّاً ..
﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) ﴾
الذي جاء في كتاب الله في حكم الواقع .
بطولة الإنسان أن يصل إلى النتائج قبل أن يصل إليها :
أيها الإخوة الأكارم ؛ الذي وعدنا الله به كأنه وقع ، كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت بعرش ربي بارزاً ، وبأهل النار يتصايحون ، وبأهل الجنة يتمتعون ، قال : عبدٌ نوَّر الله قلبه بالإيمان عرفت فالزم ، هذه الرؤية .
إذا رأيت إنساناً منحرفاً وهو يتقلَّب في أنواع النعيم ، العمى أن تحسده على نعيمه ، والبصر أن ترى مصيره الأسود ، هذا هو الإيمان أن ترى الشيء قبل أن تصل إليه ، أن تخترق بصيرتك ظواهر الأشياء فتصل إلى نتائجها ، لو أن سارقاً سرق وقتل ، وظن هو أنه نجا ، وأنت أيقنت أنه في قبضة العدالة ، وأنه مراقب ، وأنه سيلقى القبض عليه بعد قليل ، ألا ترى نتيجته وهو أنه معلقٌ على حبل المشنقة ؟ هذه البطولة أن تصل إلى النتائج قبل أن تصل إليها ، هذه الرؤية الصحيحة ، الناس نيام ، يفرح الناس بالمال ، والمال ظلٌ زائل ، يفرح الناس بالجاه ، يفرح الناس ببيتٍ فخم ، وهذا بيتٌ مؤقَّت ، واقرؤوا النعوات كلها : وسيشيَّع إلى مثواه الأخير .
إذاً : هذا البيت الفخم الذي يسكنه مثوى مؤقَّت ، يفرح الناس بالمال ولو كان من طريقٍ غير مشروع ، ستحاسب عنه درهماً درهماً .
(( عن أبي برزة الأسلمي نضلة بن عبيد : لا تَزولُ قدَما عَبدٍ يومَ القِيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربَعٍ : عَن عُمُرِهِ فيمَ أَفناهُ ؟ وعَن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ به ؟ وعَن مالِهِ مِن أينَ أكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ؟ وعَن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ ؟ ))
[ ابن مفلح : الآداب الشرعية خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد : أحاديث مشابهة : أخرجه الترمذي ]
عن عمرو بن ميمون :
(( اغتَنِم خمسًا قبلَ خمسٍ ؛ شبابَك قبلَ هَرَمِك ، وصِحَّتَك قبلَ سقَمِك ، وغناكَ قبلَ فقرِك ، وفراغَك قبلَ شُغلِك ، وحياتَك قبلَ موتِكَ . ))
[ ابن حجر العسقلاني : هداية الرواة : خلاصة حكم المحدث : مرسل ]
حينما أرى في المسجد شاباً والله أغبطه لأن الشباب فيه قوة ، فيه حيوية .. ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ ؛ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ))
وعد الله حقّ ووعد الشيطان باطل :
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ كلام الشامتين ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ﴾ فوفَّى ، لم يقل الله فوفى هذا الوعد ، لأن أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، فكلمة فوفَّى لا معنى لها ، حشوٌ لا طائل منه .. ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ﴾ وها أنتم قد رأيتم بأمِّ أعينكم كيف أن وعد الله قد وقع ..
﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) ﴾
إله يعد، أليس لك ثقةٌ بوعده ؟! إلهٌ خالق السماوات والأرض يعدك بالجنة إن أحسنت ، وبالنار إن أسأت ، ولا تعبأُ بهذا الوعد والوعيد ؟ تصدق إنساناً ضعيفاً لئيماً ..﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ لم يقل : وعدتكم بالباطل ، لأن وعد الشيطان لم يقع إذاً هو باطل ، الإعجاز في الإيجاز .. ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ﴾ وها أنتم قد وجدتم وعده حقاً .. ﴿ وَوَعَدْتُكُمْ ﴾ طبعاً بالباطل .. ﴿ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ وعدتكم أنه لا جنة ولا نار ، وها هي ذي الجنة والنار ، وعدتكم أن لا حساب ، وهذا هو الحساب ، وعدتكم أنه لا إله ، هذه عقائد الضعفاء قلت لكم في الدنيا ، هذه غيبيات نحن في غنى عنها ، المادة كلُّ شيء ، وما الإنسان إلا مظهرٌ معقدٌ للمادة ، وعدتكم أن هذه المعتقدات تخدِّر الناس .. ﴿ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ ، هذه الأفكار التي يعتقد بها بعض الناس تنطبق عليها هذه الآية .
الشيطان ليس له حجة أو سلطة على الإنسان :
﴿ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ .. هذا كلام رب العالمين ، وأية قصَّةٍ ، وأي تفسيرٍ ، وأي كلامٍ يتناقض مع هذا القول فهو باطل ، الشيطان ليس له سلطانٌ على الإنسان ، ومعنى السلطان شيئان إما الحجة وإما السلطة .
ضربت سابقاً مثلاً يوضِّح هذه الآية ذكرته كثيراً وهأنذا أعيده توضيحاً لهذه الآية: لو أن إنساناً يرتدي ثياباً أنيقةً جداً وقد وقع في حفرةٍ فيها مياه آسنة سوداء ، وكان إلى جانبه رجل ، فانطلق إلى مخفر الشرطة ليشتكي على إنسانٍ ظن أنه هو السبب ، فلما سأله المحقق أدفعك إلى هذه الحفرة دفعاً ؟ قال له : لا ، قال : هل أمسكك ووضعك فيها ؟ قال له : لا ، قال : هل شَهَرَ عليك سلاحاً وأمرك أن تنزل فيها ؟ قال له : لا ، قال : لم تشتكي عليه إذاً ؟ قال : لأنه قال لي : انزل فنزلت!! هذا يحتاج إلى مستشفى للمجانين .. ﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ﴾ .. هذا كل ما في الأمر ، لذلك لا ينبغي للرجل إذا وقع في معصية أن يلعن إبليس ، عليه أن يلعن نفسه فقط ، ليس لإبليس دخل ، قال لك : اعصِ الله ، لم استجبت له ؟ ما دام الشيطان ليس له علينا سلطان ، ليس معه حجة ، وليس معه سلطة ، فإذا اتبعته فهذا الذي يتبعه هو ضال ، وهو مسؤول ، وسيحاسب عن عمله ، ولا يعفى من المسؤولية أن الشيطان وسوس له ، طبعاً وسوس ، أنت في تعاملك مع القوانين والأنظمة ، إذا قال لك شخص : خالف القانون ، وتعلم أن جزاء هذه المخالفة السجن ، هل تستجيب له ؟ ترفض هذه الدعوة ، يقول لك : أنا أعرف ما لا تعرف ، لماذا في أمور الدنيا لا نستمع إلى شيءٍ يضر بنا وفي أمور الدين نستمع إلى ما يضرنا ؟ ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ هذه الآية يجب أن تبقى في أذهانكم طوال الحياة ..﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ .. كلما فعل معصية لعن إبليس ، أنت المؤاخذ ، إبليس وسوس لك ، لم استجبت له ؟ ليس له عليك من سلطان ..﴿ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ إذا أعطاك شخص دواء وقال لك : هذا الدواء يفيدك ، وأنت لا تعرف الشخص ، قد يكون مؤذياً ، قد يكون مغرضاً ، قد يكون عدواً ، قال لك : مفيد ، تأخذه رأساً ؟ اسأل طبيباً يا أخي ، اسأل خبيراً ، اقرأ نشرته ، لاحظ مختوم ، من صنعه ؟ ما استطباباته ؟ كيف تأخذ الدواء بسرعة ؟ قد يكون سُماً قاتلاً ، أتتعامل أنت في الدنيا بهذه الطريقة ؟! ﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي الشيطان لن يستطيع أن يضل أحداً إلا أن يكون الذي أضله ضالاً في الأصل.
﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ ..أي أنا لا أستجيب لكم إذا صرختم ، وأنتم لا تستجيبون لي إذا صرخت ..
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) ﴾
﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) ﴾
﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾ ..هذا الذي يصدِّق الشيطان ويستجيب لوساوسه أشركه مع الله عزَّ وجل ، وها هو ذا الشيطان يكفر بهذا الشرك ..﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ هذه الآية أصلٌ في حقيقة الشيطان ، يوسوس ولكنه لا سلطان له على الإنسان ، فالذي يستجيب لوساوس الشيطان إنما يستجيب لهوى نفسه ، في الحقيقة يستجيب لهوى نفسه لا لوساوس الشيطان ، بل إن الأصح من ذلك أن هوى نفسه تطابق مع وساوس الشيطان ، فاستجاب له ، لا يستجيب الرجل إلى وساوس الشيطان إلا إذا توافقت مع هواه .
الجنة جزاء من عرف الله في الدنيا :
هؤلاء الذين استعملوا حريتهم في العقيدة ، واستعملوا حريتهم في الإرادة ، وعرفوا ربَّهم ، وأطاعوه ، ولم تأخذهم في الله لومة لائم ، هؤلاء الذين وحَّدوا ربَّهم ، هؤلاء الذين رأوا أن كل من في الدنيا لا يستطيع أن يدفع عنهم ضُراً ولا أن يجلب لهم نفعاً ، هؤلاء الذين رأوا أن يد الله فوق أيديهم ، هؤلاء الذين رأوا أنه لا إله إلا الله ، ولا معبود بحق إلا الله ، ولا رافع ولا خافض ، ولا مُعِزَّ ولا مُذل ، ولا مانع ، ولا معطي ، ولا قابض ، ولا باسط إلا الله ، جعلوا همَّهم هماً واحداً فكفاهم الله الهموم كلها .
(( عن أبي سعيد الخدري: يقولُ الربُّ عز وجل : من شَغَلَهُ القرانُ وذِكْرِى عن مسألتي أعطَيْتُه أفضلَ ما أُعْطِى السائلينَ ، وفضلُ كلامِ اللهِ على سائرِ الكلامِ ، كفضلِ اللهِ على خلقِه . ))
[ السلسلة الضعيفة : خلاصة حكم المحدث : ضعيف ]
هؤلاء الذين عرفوا الله في الدنيا ، هذا جزاؤهم يوم القيامة ..﴿ وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴾ ..أي ادخلوها بسلامٍ آمنين ، سلامٌ من كل نغص ، سلامٌ من كل قلق ، من كل همّ ، من كل حزن ، من كل ما يخيف الناس في الدنيا ، لا قلق على صحةٍ ، ولا على دخلٍ ، ولا على مالٍ ، ولا على أولادٍ ، ولا على زوجةٍ ، هم في سلامٍ من كل منغصات الدنيا ..﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴾ ، والسلام اسمٌ من أسماء الله سبحانه وتعالى .
الكلمة الطيبة مضمونها طيِّب ومؤدَّاها طيب :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ الكلمة الطيبة مضمونها طيِّب ، وطيبها يأتي من أنها توافق عمل صاحبها ، ومؤدَّاها طيب ، معناها طيب ، تطابقها مع العمل طيبٌ ، نتائجها طيِّبة ، هذه الكلمة الطيبة ، دعوت إنساناً إلى الله عزَّ وجل ، دعوته إلى طاعة الله ، دعوته إلى إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، دعوته إلى طاعة الله بغض البصر عن محارمه ، دعوته إلى تحرير دخله من الشبهات ، دعوته إلى ما يرضي الله عزَّ وجل .
شيءٌ ملخصٌ أقوله لكم : ليس في الكون إلا الله ، وكل شيءٍ يوصلك به فهو حق ، وكل شيءٍ يبعدك عنه فهو باطل ، فالكلمة الطيبة هي الكلمة التي توصلك بالله عزَّ وجل عن طريق آياته ، عن طريق طاعته ، عن طريق العمل الطيب ..﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ الكلمة الطيبة أن تتكلم كلاماً يقرِّب الناس من الله عزَّ وجل ، أن تذكرهم بآلاء الله ، بعد انحباسٍ طويل في هطول الأمطار الله سبحانه وتعالى لا كما يقولون : منخفضات آتية من القطب الشمالي ، تفضَّل الله سبحانه وتعالى علينا بهذه الأمطار ، هذه كلمة طيبة ، إذا عزوت الأمطار إلى الخالق هذه كلمة طيبة ، فإذا عزوتها إلى شيءٍ آخر هذه كلمة تبعد الناس عن الله سبحانه وتعالى ، أين أنتِ أيتها المنخفضات ؟ تعالي ، ولو من القطب الشمالي ، أهي آلهة ؟
﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) ﴾
فالكلمة الطيبة ، ذكِّرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ، أي كلامٍ يقرِّب الناس من الله ، يزيدهم معرفةً به ، يزيدهم حباً له ، يزيدهم استقامةً على أمره ، يزيدهم بذلاً من أجله ، يزيدهم اتصالاً به ، أي كلامٍ يؤدي إلى إقبال الناس على الله عزَّ وجل هو ما تعنيه هذه الآية : كلمةٌ طيبة .
وهذه الكلمة الطيبة ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ ..أي مبنيةٌ على حقائق ثابتة ، مبينةٌ على واقعٌ راهن ، مبنيةٌ على منطق ، أصلها ثابت .
إذا قلت : المعادن تتمدد بالحرارة ، هذا قانون علمي ، هذا قانون ثابت ، لا يتبدَّل ، ولا يتغير ، ولا يعدّل ، ولا يُعطل ، فالكلمة الطيبة في أساسها منطلقةٌ من حقائق ، من واقع ، من منطق ، من شيءٍ تقبله النفس ، يرضاه العقل ، فالأديان تنطلق من أصلٍ ثابت ، ﴿ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ أصلها ثابت وفرع هذه الكلمة في السماء ، أي الكلمة الطيبة تنتج عملاً طيباً بسموه ورفعته فهو في السماء ، هذا المستقيم على أمر الله عمله في السماء ، مشاعره في السماء ، أعماله في السماء ، أقواله في السماء ، أي السماء كناية عن السمو ، والثبات ، والأصل الثابت كناية عن أن هذه الكلمة الطيبة تنطلق من حقائق ، من واقع ، من منطق .. ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾ ..
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)﴾
إذا هديت واحداً ، هذا الواحد يهدي آخراً ، والآخر يهدي آخراً ، فإذا أنت بعد مدةٍ يسيرة كنت سبباً في هداية مجموعة كبيرةٍ من الناس ، لهذا قال الله عزَّ وجل :
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) ﴾
والنبي صلوات الله عليه أمة ، ألف مليون مسلم ، هو واحدٌ ..﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾ أنت اهدِ واحداً ، وانظر كيف أن هذا الواحد هدى زوجته ، وهدى أولاده ، وهدى جيرانه ، كان واحداً فصار عشرة ، والعشرة عشرين ، والعشرين خمسين .. ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ السماء رمز السمو ، أي هذا المهتدي مشاعره سامية ، أقواله طيبة ، أعماله طيبة ، مستقيم ، لا يغش ، لا يدلس ، لا يكذب ، لا ينحرف ، لا يباع ، ولا يشترى ، مبدئي ، صاحب مبدأ ، يخاف الله ، يطيعه في كل أمر ﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ ، ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ حق ، الباطل مهتز .
الكلمة الخبيثة هي كل كلمة تبعد عن الله :
﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ .. أخي من مات ورجع وقال لك : إن هناك آخرة ؟!! هذه كلمة خبيثة ، أخي ضع رأسك بين الرؤوس وقل: يا قطَّاع الرؤوس ، مثلك مثل الناس ، الناس كلهم يغشون ، وكن أنت مثلهم ، هذه كلمة خبيثة ، امشِ بجنازة ولا تمشِ بزواج ، هذه كلمة خبيثة ، الغيبة كلمة خبيثة فرَّقت بين اثنين ، النميمة كذلك فرقت بين شريكين ، بين أم وابنها ، بينٍ أخٍ وأخ ، بينٍ جارٍ وجاره ، الغيبة والنميمة تجعل المجتمع مفتتاً ، أعداء ، خصومات ، حقد ، كلمة خبيثة ، إذا قلت لأختك : ماذا قدَّم لكِ زوجك في هذا العيد ؟ وكان زوجها ضيِّق ذات اليد لم يقدم لها شيئاً ، فحزنت ، وارتبكت ، وندبت حظها ، فهذه كلمة خبيثة ، إذا حمَّرت الوجه بكلمة فهذه كلمة خبيثة.
(( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ ، لا يُلْقِي لها بالًا ، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ ، لا يُلْقِي لها بالًا ، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ . ))
(( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم : حَسْبُكَ مِن صفيَّةَ كذا وكذا - قال غيرُ مُسدَّدٍ : تعني قصيرةً – فقال : لقد قُلْتِ كلمةً لو مُزِجَ بها البحرُ لَمزَجَتْه ، قال : وحكَيْتُ له إنسانًا ، فقال : ما أُحِبُّ أنِّي حكَيْتُ إنسانًا وإنَّ لي كذا وكذا . ))
[ الوادعي : الصحيح المسند : صحيح على شرط مسلم : أخرجه أبو داود ، والترمذي باختلاف يسير ]
قصيرة كلمة خبيثة ، أحزنته على نفسه ، سألته عن دخله ، قلت له : قليل ، أهذا هو دخلك فقط ؟ هذه كلمة خبيثة ، أسخطته على ربه ، سيدنا عمر يقول : << من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط >> ، يحزنوك على حالك ، لا يوجد عندك شيء ، بيتك صغير ، دخلك قليل ، لا يوجد عندك شيء ثمين تفتخر فيه ، هم عندهم شيء فخم وثمين ، فالكلمة الخبيثة كل كلمة تبعد عن الله ، تجعلك تحب الدنيا ، تجعلك تفعل المعصيةً من أجل هذه الكلمة ، كل كلمة تورث في نفسك سخطاً على الله عزَّ وجل فهي كلمةً خبيثة .
﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ ليس لها جذور ، شجرة خبيثة مقطوعة ، ثمرتها خبيثة كالحنظل ، ولا جذور لها ، الباطل ليس له أصل ، يبنون نظرية على عدم وجود إله ، كل شيء بني على هذا المبدأ باطل ، غير صحيح ، الكلمة الخبيثة ليس لها أصل ، أي ليس لها حقيقة تستند إليها ، لا يوجد واقع يصدقها ، لا يوجد منطق يناصرها ، لا منطق ، ولا واقع ، ولا حقيقة ، باطل ، ومعنى باطل لابدَّ من أن يَبْطل ، أي أن يتلاشى ، الحائط الباطل هو المائل ، لابدَّ من أن يقع ، ليحق الله الحق ويبطل الباطل ، الباطل هو الشيء الذي لابدَّ من أن يزول ، لا يستقر ، لا يقوم على قدمين ، فهذه الكلمة الخبيثة لا أصل لها لا من واقعٍ ، ولا من حقيقةٍ ، ولا من منطق ﴿ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ ، سريعاً ما تزول .
كتاب الله هو القول الثابت ووعد الله ووعيده هو ما يثبتنا على دين الله :
﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ ما هو القول الثابت ؟ كتاب الله عزَّ وجل ، ما الذي يثبتنا على دين الله ؟ وعد الله ووعيده ، ما الذي يجعلك تستقيم ؟ قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) ﴾
إلهٌ عظيم يَعِدُ المستقيم بالسعادة ..
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾
هذا القول الثابت ، وعد الله بالحياة الطيبة ، وعد الله بالسعادة ، وعد الله بالتوفيق ، وعد الله بالفوز ، بالنصر ، هذا هو القول الثابت .. ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ القول الثابت هو قول الله عزَّ وجل لأن الخالق أزليٌ أبدي ..
﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) ﴾
ما من شيءٍ في الكون أثبت من قول الله عزَّ وجل ، أما الإنسان قد يقول أقوالاً كثيرة ، هذه الأقوال مرتبطة به ، فإذا زال الإنسان زالت أقواله وبطل مفعوله ، لكن الله حيٌ على الدوام ، هو الحي الباقي على الدوام ، فكلامه ثابت ، وعده ثابت ، وعيده ثابت ، أي شيءٍ قاله في كتابه ثابت ، لماذا يكون المؤمن مطمئناً ؟ لأنه يتعامل مع أشياء ثابتة ، من مشاعر الكفار المقلقة تعاملهم مع أشياء غير ثابتة ، ربط مصيره بإنسان ، ربط مصيره بكتاب ، الكتاب قد لا ينشر ، قد ينشر ، قد يظهر كتاب آخر ينقض ما فيه ، أما المؤمن فقد ربط مصيره مع القرآن ، والقرآن قول ثابت ، وعده صحيح ، وعيده صحيح ، قوانينه صحيحة ، تعامله مع أشياء ثابتة ، في كل مكان ، في كل زمان ، في كل مجتمع ، في كل بيئة ، في كل ظرف ، في كل سِن ، أبداً ، وعده ثابت ، وعيده ثابت ، قوانينه ثابتة ، كلماته ثابتة ، لا تعدَّل ، لا تغيَّر ، لا تبدل ، لا تجمَّد ، لا تعطل ، أبداً ، ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ﴾ ، قال الله تعالى :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾
جرب ، الله عزَّ وجل يرخي الحبل ، تربح ، ثم بعد ذلك ضربة واحدة ، أين ؟ هذا القول الثابت : ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ ..
﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) ﴾
قول ثابت ، أية خيانةٍ لا تفلِح ولا تنجح ولا تسعد صاحبها ..﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ ، أي إساءةٍ تعود على صاحبها ، أية خيانةٍ تعود على صاحبها ، أي مكرٍ يعود على صاحبه ..
﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)﴾
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) ﴾
أي خداعٍ يعود عليه :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
إن كنت ذا قلبٍ سليم فهنيئاً لك ، هذا القول الثابت ، اقرأ كتاب الله كلَّه ، ما فيه من قوانين ، أبداً قطعيّ الثبوت قطعيّ الدلالة ، فالمؤمن أحد أسباب سعادته أنه يتعامل مع كلام الخالق ، والخالق كلامه قطعي ، حقٌ ثابت .
﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ﴾ إذا وعدك الله عزَّ وجل بحياة طيبة لا يوجد ظرف يعطل هذه الآية ، لا يوجد ظرف صعب ، ولا يوجد أزمة خانقة ، ولا يوجد قهر ، ولا أي ظرف معين في الأرض يعطِل هذا الوعد الإلهي .
(( عن أبي ذر الغفاري : قال اللهُ تعالى : يا عبادي ! إِنَّي حرمتُ الظلمَ على نفسي ، وجعلْتُهُ مُحَرَّمًا بينَكم فلا تَظَّالموا ، يا عبادي ! كلُّكُم ضالٌّ إِلَّا مَنْ هديتُهُ ، فاستهْدُوني أَهْدِكم ، يا عبادي ! كلُّكُم جائِعٌ إِلَّا مَنْ أطعمْتُهُ ، فاستطعِموني أُطْعِمْكُمْ ، يا عبادي ! كلُّكم عارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فاستكسوني أَكْسُكُمْ ، يا عبادي ! إِنكُمْ تُخْطِئونَ بالليلِ والنهارِ وأنا أغفِرُ الذنوبَ جميعًا ، فاستغفروني أغفرْ لكم ، يا عبادي ! إِنَّكم لن تبلغوا ضُري فتَضُرُّوني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكُم ، وإِنسَكُم وجنَّكم ، كانوا على أتقَى قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما زادَ ذلِكَ فِي مُلْكِي شيئًا ، يا عبادي ! لوْ أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم ، وإِنسَكم وجنَّكم ، كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما نقَصَ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شيئًا ، يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم ، وإِنسَكُم وجِنَّكُم ، قاموا في صعيدٍ واحدٍ ، فسألوني فأعطيْتُ كلَّ إِنسانٍ مسألَتَهُ ، ما نقَصَ ذلِكَ مِمَّا عندي ، إِلَّا كما يَنقُصُ الْمِخْيِطُ إذا أُدْخِلَ البحرَ ، يا عبادي ! إِنَّما هي أعمالُكم أُحْصيها لَكُم ؛ ثُمَّ أُوَفِّيكُم إيَّاها ، فَمَنْ وجدَ خيرًا فلْيَحْمَدِ اللهَ ، ومَنْ وجدَ غيرَ ذلِكَ فلا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ . ))
[ صحيح مسلم : صحيح الجامع : خلاصة حكم المحدث : صحيح ]
(( عن عبد الله بن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ . ))
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) ﴾
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) ﴾
هذا القول الثابت ، اقرأ القرآن كله قول ثابت ، تعامل مع هذه القوانين ، ترتاح وتريح ، لم يبق قلق ، ولم يبق حقد ، لا يوجد همّ ، لا يوجد حَزَن ، لا يوجد خوف ، لا يوجد وَجَل ، إله يعدك ، خالق السماوات والأرض يعدك بالنصر ، والتأييد..
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾ ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) ﴾
هذا القول الثابت ، اقرأ كتاب الله فهو كله قولٌ ثابت ، فالمؤمن عليه أن يرتبط بالقول الثابت ، لا بأهل الباطل ، لأنه إذا كان مع أهل الباطل يهلك كما يهلكون .
من بدل نعمة الله كفراً أحله الله هو ومن تبعه دار البوار :
﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ﴾ الظالم لنفسه ، هو عمل موجبات الضلال ..﴿ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(27)أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ(28)جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ أي كل إنسان له إشراف على مجموعة أشخاص ، كالأب مثلاً ، إذا سيَّر أسرته في طريق باطل ، أي علَّمهم على المعصية ، وعلى التهتك ، وعلى الاستهتار بالقيم الدينية ، وأقنعهم أن الدنيا هي كل شيء ، وأن عليهم أن يأخذوا حظهم منها ، وأعطاهم الحرية المطلقة ، إذا أب لأولاده فقط هذا يحاسب حساباً خاصاً يوم القيامة لأنه بدَّل نعمة الله كفراً وأحلّ من تبعه دار البوار.. ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ(28)جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ(29)وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾ أي اعملوا وكثروا ﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا ﴾ :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) ﴾
سيدنا إبراهيم :
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ﴾
قال الله عزَّ وجل : ﴿ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ ، ﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا ﴾ إذا كان أحدهم ماله حرام ، وهو منحرف أخلاقياً ، وكافر بالله عزَّ وجل ، ورأيته جالساً ، وله مظهر فخم ، إياك أن تقول : هنيئاً له .. ﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾ الطريق معروف ، ركبت شخصاً بسيارة فخمة جداً وهو ذاهب إلى المشنقة تقول : هنيئاً له ؟ ﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾ المصير واضح معروف ، فالمؤمن هو الذي يسعد بهذا الوعد الإلهي .
وفي درس قادمٍ إن شاء الله عزَّ وجل نبدأ بقوله تعالى : ﴿ قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ حتى لا يقع الإنسان في الضلال ويتعامل مع القول الباطل عليه أن يقيم الصلاة ويؤمن بالله عزَّ وجل .
الملف مدقق