- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠2دورة عام 1999
- /
- ٠2سيرة
ـ قصتنا هي قصة الساعي وراء الحقيقة:
سلمان الفارسي رضي الله عنه.. ولنترك الكلام لسلمان يروي قصة هدايته، قال سلمان:
كنتُ فتىً فارسياً من أهل أصبهان، وكنتُ أحبَّ الخلق إلى أبي منذ ولدتُ، ثم مازال حبه لي يشتد ويزداد على الأيام، حتى حبسني في البيت خشية عليَّ.
وقد اجتهدت في المجوسية حتى صرت قيِّم النار التي كنا نعبدها... وكان لأبي ضيعة عظيمة تدرُّ علينا غلة كبيرة، وفي ذات يوم شغله عن القرية شاغل، فقال:
إني ـ يا بني ـ قد شُغلت عن الضيعة فاذهب إليها وتول اليوم عني شأنها... فخرجتُ أقصد ضيعتنا، وفيما أنا في بعض الطريق مررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم وهم يصلون، فلفت ذلك انتباهي، ولم أكن أعلم شيئاً من أمر النصارى، فلما تأملتهم أعجبتني صلاتهم، ورغبتُ في دينهم وقلتُ: والله هذا خير من الذي نحن عليه. ثم إني سألتهم: أين أصل هذا الدين ؟ قالوا في بلاد الشام...
ولما أقبل الليل عدتُ إلى بيتنا، فتلقاني أبي يسألني عما صنعتُ، فقلت يا أبت إني مررتُ بأناس يصلون في كنيسة فأعجبني دينهم... فذُعر أبي، وقال: أي بني ليس في ذلك الدين خير.. دينك ودين آبائك خير منه، قلت: كلا والله ما هم عليه خير مما نحن عليه... فخاف أبي مما أقول، وخشي أن أرتدَّ عن ديني، وحبسني بالبيت، ووضع قيداً على رجلي
ولما أتيحت لي الفرصة بعثت إلى النصارى أقول لهم: إذا قدم عليكم ركب يريد الذهاب إلى الشام فأعلموني، فما هو إلا قليل حتى أعلموني، فهربت من قيدي ولحقت بهم حتى بلغنا بلاد الشام، فلما نزلنا فيها قلتُ مَن أفضل رجل من أهل هذا الدين ؟ قالوا: الأسقف راعي الكنيسة، فجئته فقلت: إني قد رغبت في النصرانية، وأحببتُ أن ألزمك، وأخدمك، وأتعلم منك، فقال: ادخل، فدخلت وجعلت أخدمه.. فوجدته رجل سوء، يأمر الناس بالصدقة ويأخذها لنفسه... ثم ما لبث هذا الرجل أن مات فأخبرت الناس بخبره، ودللتهم على ماله..
ثم نصَّبوا بعد ذلك رجلاً مكانه فلزمته، فما رأيت رجلاً أزهد منه في الدنيا، ولا أرغب منه في الآخرة، فأحببته ولزمته، فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إلى من توصي بي أن أكون بعدك ؟ فقال: يا بني لا أعلم أحداً على ما كنت عليه إلا رجلاً بالموصل، هو فلان، فالحق به.. فلما مات صاحبي لحقتُ بالرجل في الموصل، فأقمتُ عنده فوجدته على خير حال.. ثم إنه لم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له: إلى مَن توصي بي بعدك؟ ومَن تأمرني باللحاق به ؟ فقال: يا بني والله ما أعلم أن رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين فالحق به. فلما مات الرجل لحقت بمن أوصاني به وأخبرته خبري، فوجدته على ما كان عليه صاحباه من الخير، فوالله ما لبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلتُ يا فلان: وإلى مَن توصي بي بعدك، قال يا بني: إني ما أعلم أحداً بقي على أمرنا إلا رجلاً بعمورية وهو فلان فالحق به.. فلحقت به، وأخبرته خبري ولزمتُه، فما لبث أن حضرته الوفاة، فسألته بمن ألحق بعدك ؟ فقال: يا بني ما أعلم أحداً بقي مستمسكاً بما كنا عليه، ولكنه قد جاء زمان يخرج فيه بأرض العرب نبي يبعث بدين إبراهيم وله علامات لا تخفى: فهو لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية وبين كتفيه خاتم النبوة. فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.. ثم وافاه الأجل، فمكثت بعده بعمورية زمناً إلى أن مَرَّ بها نفر من تجار العرب، فقلتُ لهم: إن حملتموني معكم إلى أرض العرب أعطيتكم بقراتي وغنمي، فقالوا: نعم نحملك، فغدروا بي في الطريق، وباعوني لرجل من اليهود
فالتحقت به لخدمته، ثم ما لبث أن زاره ابن عم له فاشتراني منه، وكان من بني قريظة، وحملني معه إلى يثرب فرأيت النخل الذي ذكره لي صاحبي، وعرفت المدينة كما وصفها لي، فأقمت بها معه.. وكان النبي حينئذ يدعو قومه في مكة، ثم ما لبث أن هاجر إلى يثرب.
ـ ولما كان المساء أخذت شيئاً من تمر كنت جمعته، وتوجهت به إلى حيث ينزل الرسول فدخلت عليه وقلت: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذووا حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم فقربته إليه.. فقال لأصحابه كلوا ولم يأكل.
ثم انصرفتُ وجئته في اليوم الثاني ببعض التمر، وقلتُ له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، فأكلَ منها، وأمر أصحابه فأكلوا معه.. ثم جئت رسول الله فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره لعلي أرى الخاتم الذي وصفه لي صاحبي في عمورية، فلما رآني النبي أنظر إلى ظهره عرف غرضي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت فرأيت الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال عليه الصلاة والسلام: ما خبرك ؟. فقصصت عليه قصتي، فاعجب بها، وسرَّه أن يسمعها أصحابه مني، فأسمعتهم إياها، وسُروا بها أعظم السرور.