- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الشرك :
أيها الأخوة الأكارم، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول".
ولكن علاقة هذا الموضوع مع هذه السلسلة من الدروس علاقة سلبية، إنه موضوع "الشرك"، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، المشرك لن يصل إلى الله عز وجل ذلك لأن الإنسان إذا أشرك بالله عز وجل توجه إلى غير الله، وغير الله عز وجل لا يملك لا رزقك، ولا حياتك، ولا موتك، ولا سعادتك، توجهت إلى لا شيء.
فلذلك الأصل في هذا الدين أنه دين التوحيد، وما من إنسانٍ أحب رسول الله حباً يفوق حدّ التصور كسيدنا الصديق، فلما توفاه الله عز وجل قال كلمته المشهورة: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت".
الشرك نوعان؛ شرك جلي و شرك خفي :
أخواننا الكرام، الشرك تتسع دائرته حتى يشمل الشرك الخفي، قال تعالى:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
وتضيق دائرته حتى يقتصر على الشرك الجلي، أن تعبد غير الله، هناك شركٌ جلي و شركٌ خفي، من فضل الله عز وجل ليس في العالم الإسلامي شركٌ جلي، لا أحد يعبد حجراً ولا صنماً، ولكن هناك شركاً خفياً، وقد قال عليه الصلاة و السلام:
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية. قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال : نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم. والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه ))
أيها الأخوة، الله عز و جل يقول:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾
أي ذنبٌ يغفر ما كان بينك وبين الله، وذنبٌ لا يترك ما كان بينك وبين العباد، وذنبٌ لا يغفر وهو الشرك.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾
علاقة الشرك بالإثم علاقة ترابطية :
الآن:
﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾
ما علاقة الإثم العظيم بالشرك؟ إنك إذا اتجهت إلى غير الله، وتوهمت أن هذه الجهة تنفعك أو تضرك، تعطيك أو تمنعك، تعزك أو تذلك، أرضيتها وأسخطت الله، وقد يكون رضاها بالمعاصي والآثام، أو بإيذاء الخلق، فمن لوازم الشرك الإثم، هناك آيتان في القرآن الكريم حصراً، الأولى هذه الآية:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾
إذاً علاقة الشرك بالإثم علاقةٌ ترابطية، بشكل مبسط أنت توهمت أن رزقك بيد فلان، فلان لا يعرف الله، يأمرك بما يخالف منهج الله عز وجل، أنت بدافعٍ من توهمك أن أمورك بيده تعصي ربك وتطيعه، إذاً الشرك من لوازمه الإثم العظيم، والآية الثانية:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً ﴾
في ضلال مبين، في ضلال بعيد، إنسان أحياناً في طريقه في السفر قد يسلك طريقاً خطأً، قد يمشي فيه بضع كيلومترات، لكن تصور إنساناً مشى في طريقٍ خطأ ألف كيلو متر،
﴿ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً ﴾
فالشرك من لوازمه الإثم، والشرك من لوازمه أن صاحبه
﴿ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً ﴾
أي ذنبٍ مهما بدا عظيماً رحمة الله أكبر منه عند التوبة :
لكن من أجل التطمين يوجد آيتان محصورتان:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾
هذا إذا وافته المنية فهو مشرك، أما من تاب تاب الله عليه، أي ذنبٍ مهما بدا عظيماً رحمة الله أكبر منه عند التوبة.
لذلك أكثر المفسرين يعقبون على هاتين الآيتين بكلمة مختصرة: ما لم يتب، إنسان وقع في شرك خفي بحسب الآيتين لن يغفر له، لن يغفر له إذا بقي مقيماً على هذا الشرك، أما إذا تاب انتهى كل شيء.
هناك شرك ـ كما قلت قبل قليل ـ أكبر وشركٌ أصغر، الأكبر نوعان أي هناك شرك جلي أن يعبد بعض الناس في بلادٍ بعيدة صنماً اسمه بوذا هذا شرك جلي، صنم يعبد.
مرة كنت في أمريكا في لوس أنجلوس، أخذني بعض الأخوة الكرام إلى معبد هندوسي، يبعد عن هذه المدينة تقريباً مئة كيلو متر، البناء مكلف عشرات الملايين من الدولارات، وهناك صنمان؛ الصنم الأول من البرونز، لا أبالغ على صدر هذا الصنم من الألماس البرلنت ما يساوي الملايين، ورأيت أناساً بلغني أنهم مثقفون يسجدون لهذين الصنمين انبطاحاً، سجود انبطاح، ورأيت آلةً لتكسير جوز الهند في مقدمة هذا المعبد، سألت عنها فقيل لي: الآلهة يحبون جوز الهند، هذان الصنمان المصنوعان من البرونز، وعلى صدر الصنمين أنواع عديدة جداً من الألماس، قلت: سبحان الله! نحن في نعمةً كبيرة، بلادٌ تعبد الحجر، بلاد تعبد الشمس والقمر، بلادٌ تعبد البقر، وقد كرمنا الله عز وجل، فنحن نعبد الله خالق السموات والأرض.
الخطأ الذي لا يغتفر أن يتوهم الإنسان أن جهةً أرضية تملك له نفعاً أو ضراً :
إذاً الشرك الأكبر نوعان: إما أن تعبد صنماً، إلهاً مزعوماً من حجر، من أشياء كثيرة جداً، وعندي مجلة ألمانية فيها تحقيق مطول عن أناسٍ في شرقي آسيا يعبدون الجرذان، وهناك بحثٌ طويل حول الديانات الوثنية في العالم، لكن الذي يعنينا الآن في هذا اللقاء الطيب أن هناك شركاً لا يأخذ هذا الشكل الفاضح، يأخذ شكلاً آخر، يأخذ شكلاً نسميه النديّة، أي اتخذ من دون الله نداً، كيف؟ إنسان بحسب جهله يتوهم أن صديقه الذي يحتل منصباً رفيعاً يمكن أن يعطيه، يمكن أن يرفعه، يمكن أن يمده بالمال، يمكن أن يحميه من أعدائه، هذا التوهم هو لم يقل هو إله ولكنه عامله كإله، هذا الذي يعنينا في هذا اللقاء الطيب، لا أحد يقول: إن زيداً من الناس إله، أو خلق السماوات والأرض، لا، لكنه يطيعه في معصية الله، لكنه يتقرب إليه بإيذاء الخلق، فأنت حينما تعامل جهةً بشرية تمنحها الود والحب، وتعتقد أنها تنفعك وتضرك، وتعلي شأنك، أنت اتخذت شريكاً لله نداً له وهو دون الله عز وجل.
أيها الأخوة، أحياناً إنسان يقع في شرك جلي من نوعٍ النديٍة، لكن هذا الذي أشركه بالله عز وجل بينه وبين خالق السموات والأرض شيء يصعب تصوره، إنسان ضعيف مثلك يموت، يمرض، يحقد، ينسى، وخالق السموات والأرض الذي هو معك دائماً، معك يمدك بكل ما تحتاجه، سمعك بيده، بصرك بيده، رزقك بيده، أهلك بيده، أولادك بيده، قلبك بيده، الشريان التاجي بيده، سيولة الدم بيده، عمل الأجهزة بيده، زوجتك بيده، أولادك بيده، الذي بيده كل شيء، كيف تنصرف عنه؟ إلى أين؟ لذلك هذا الخطأ الذي لا يغتفر أن تتوهم جهةً أرضية تملك لك نفعاً أو ضراً.
سيد الخلق وحبيب الحق لا يعلم الغيب فغيره من باب أولى ألا يعرف :
الآن دقق من هو الإنسان الأول في الكون؟ رسول الله الإنسان الأول، الذي بلغ سدرة المنتهى، قال الله له: قل لهم:
﴿ َلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾
لكن الله يعلم الغيب، قل لهم:
﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ﴾
قل لهم:
﴿ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً ﴾
فمن باب أولى أنني لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، قل لهم:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق لا يعلم الغيب، ولا يملك لنا ولا لنفسه نفعاً ولا ضراً، ويخاف إن عصى ربه
﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
هذا مقام سيد الخلق وحبيب الحق فكيف بغيره من الطغاة؟
الإيمان الحقيقي هو التوحيد والإيمان الذي لا ينتج عنه استقامة لا قيمة له :
لذلك أيها الأخوة، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، وديننا دين التوحيد، بل إن الإيمان الذي لا ينتج عنه استقامة لا قيمة له، بدليل أن الشيطان آمن بالله، قال: ربي.
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
آمن به رباً، وآمن به عزيزاً، الشيطان آمن به خالقاً، قال:
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
الشيطان آمن باليوم الآخر، قال:
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
ومع ذلك هو إبليس اللعين، فإن تعترف أن هذا الكون خلقه خالقٌ عظيم فالقضية سهلة جداً، لكن البطولة أن توحده، ألا ترى معه أحداً، ألا ترى فاعلاً غيره، أن ترى أن الله بيده كل شيء، أن ترى أن الله:
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
البطولة أن ترى هذه الرؤية، هذه الرؤية ليست سهلةً، تحتاج إلى جهد كبير، أي التوحيد هو الإيمان، الإيمان الحقيقي هو التوحيد، أن ترى أن يد الله فوق أيديهم، أن ترى أن أي شيءٍ يقع في الكون وقع بعلم الله، ولحكمةٍ بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
الشرك الأصغر هو الشرك الذي ابتلي المؤمنون به في هذه الأيام :
لذلك أيها الأخوة، الإنسان حينما يشرك بالله عز وجل هذا الذي أشركه مع الله عز وجل لا شيء أمام عظمة الله.
لذلك هناك شركٌ أصغر هذا الذي ابتلي به المؤمنون، الشرك الأصغر الآية التي تؤكده:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
لك ابن عم بوزارة قال لك: أنا معك دائماً، هذا رقم هاتفي بأي لحظة أنجدك، فأنت اعتمدت عليه، ونسيت الله عز و جل، وصدقوا ولا أبالغ ما من إنسانٍ ينجو من تأديبٍ إذا أشرك، حتى الصحابة الكرام في بدر قالوا: الله .
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
هم هم وفيهم سيد الخلق في حُنين اعتدوا بكثرتهم فقالوا:
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ))
هم نخبة البشر، ومعهم سيد البشر، ومع ذلك لم ينتصروا، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
التولي و التخلي :
أخوتنا الكرام، هناك درس تحتاجه كل ساعة، تقول: أنا، يتخلى الله عنك، تقول: الله، يتولاك، أنت بين التولي والتخلي، باختصاصك: أنا حصّلت علماً من أعلى مستوى، قد ترتكب خطيئة في اختصاصك لا يرتكبها الحمقى، أنت حينما تقول: أنا، يتخلى الله عنك، وحينما تقول: الله، يتولاك، فأنت بين التولي والتخلي، لذلك هناك نص لسيدنا علي يقول:" الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء" أي نملة سوداء في ليلة ظلماء، على صخرة سمراء تمشي، هل يسمع لمشيها صوت؟ قال:" الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء ـ دقق الآن ـ وأدناه أن تحب على جور".
أي: إنسان يرتكب بعض الظلم، لكنه نفعك بشيء فأحببته، أحببته وهو ظالم، أحببته وهو بعيد عن الله عز وجل، لمجرد أنك أحببته وهو ليس على حق فهذا نوعٌ من الشرك.
وأن تبغض على عدل، إنسان نصحك نصيحة بأدب، غضبت لأنه تجرأ عليك ووصل إلى مقامك الكبير، قال لك: هذه غلط، هذا التصرف لا يليق، فلمجرد أن تغضب لنصيحةٍ أسديت إليك، أو لمجرد أن تحب إنساناً ظالماً، فهذا نوعٌ من الشرك الخفي، الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل.
الابتعاد عن التلفيق وهو أن تلبس الباطل بالحق :
أيها الأخوة، مرةٍ ثانية: حينما تعتمد على إنسان تقول: معقول أن أظنه خالق السماوات والأرض؟ لا، مستحيل طبعاً! لكن هنا عاملته كما يعامل الإله، ودائماً هؤلاء الذين يفعلون هذا يقولون:
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾
حتى الذين أشركوا يعللون شركهم الخفي بأنهم يعبدون هؤلاء ليقربوهم إلى الله عز وجل، هو في الحقيقة يسمى تلفيقاً، التلفيق أن تلبس الباطل بالحق.
أيها الأخوة، الله عز وجل يقول:
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾
وهناك آية ثانية:
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾
التصور هذا اسمه تلفيق.
﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
هنا الشاهد، أنت قد تعامل إنساناً قوياً، لا تقل هو إله إطلاقاً، لكنك تعامله كما يعامل الإله، تخافه، تتوهم أن نفعك بيده، وأن عطاءك بيده، وأن حمايتك بيده، هذا هو الشرك الذي يعني المسلمين.
انطلاق الديانات الأرضية من ضعف الإنسان :
لكن قد يسأل سائل، هناك سؤال يثير العجب: أن هذا الدين الوثني بشرق آسيا تسعمئة مليون، السيخ، والهندوس، والبوذيون، أرقام كبيرة جداً هل يعقل هذا؟ الجواب سهل جداً: الله عز وجل خلق الإنسان ضعيفاً، لأنه خلقه ضعيفاً، هو بحاجة إلى جهة قوية، فجميع الديانات الأرضية تنطلق من ضعف الإنسان، لكنها انطلقت من ضعفه، وتوجهت إلى جهةٍ ليست أهلاً لهذا التوجه، هنا المشكلة، لكن إقبال معظم الناس على هذه الديانات الأرضية لأن هذه الديانات ليس فيها منهج، ليس فيها حرام، ليس فيها افعل ولا تفعل، يكفي أن تعلن انتماءك وانتهى الأمر، أن تعلن ولاءك، لماذا الدين الذي من عند الله يحتاج إلى جهد؟ يحتاج إلى كلفة؟ هناك تكليف، و حلال، و حرام، و افعل، ولا تفعل، بينما تلك الديانات الأرضية ليس فيها هذا.
من اتجه إلى غير الله عز وجل فلن يستفيد شيئاً :
أيها الأخوة، بقي شيءٌ دقيق هو مثل أضربه كثيراً، لكنني بحاجة إليه في هذا اللقاء: إنسان له مبلغ كبير بحلب، يسكن في دمشق، ركب القطار ليصل إلى حلب الساعة الثانية عشرة ظهراً ليأخذ هذا المبلغ، الآن دققوا، قطع في هذا القطار بطاقة من الدرجة الأولى، وجلس خطاً في عربة من الدرجة الثالثة هذا خطأ، لكن القطار يمشي باتجاه حلب، جلس مع شباب منحرفين أزعجوه كثيراً وهذا خطأ ثان، لكن القطار في طريقه إلى حلب، هذه الثانية، جلس بعكس اتجاه القطار فأصابه دوار وهذا خطأ كبير، لكن القطار يمشي في طريقه إلى حلب، يتلوى من الجوع وفي القطار عربة مطعم وهو لا يعلم هذا خطأ رابع، لكن القطار يمشي في طريقه إلى حلب، لكن هناك خطأ لا يغتفر أن يركب قطار درعا باتجاه الجنوب هذا خطأ لا يغفر، في الجنوب ليس هناك من يعطيك قرشاً، القبض بحلب فمعنى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾
أي إذا اتجهت إلى غير الله لن تستفيد شيئاً، تصور إنساناً معه التهاب زائدة، ويتلوى من الألم، وعلى وشك الموت، توجه إلى فندق، الفندق ليس فيه عملية جراحية، ليس فيه طبيب، فيه من يستقبله ليأخذ ماله، ويسكن في غرفة، الفندق شيء والمستشفى شيء، فأنت إذا توجهت إلى جهةٍ أرضية زاعماً أن فيها ما تحتاجه فهذا هو الخطأ الأكبر، فلذلك مرة ثانية:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾
الطريق إلى الله لا يكون سالكاً إلا إذا كان الإنسان موحداً :
علاقة هذا الموضوع بسلسلة هذه الدروس علاقة عكسية أو سلبية، بمعنى أن الطريق إلى الله لا يكون سالكاً إلا إذا كنت موحداً، فإذا وقعت في شركٍ خفي وهو أن تتوهم جهةً أرضية يمكن أن تمدك بشيء، أن تعطيك شيئاً، أن تحفظك من شيء، أن تحل مشكلتك، هذا التوهم نوعٌ من الشرك الخفي الذي قال الله عنه:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾