- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الهمة :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ متعلقٍ بـ:"سبل الوصول وعلامات القبول" ألا وهو موضوع "الهمة".
وقد ورد في الأثر:
(( أن علو الهمة من الإيمان ))
الإنسان أحياناً يناجي نفسه، يسمونه الحوار الذاتي، أنا أسأل ما الذي يهمك؟
(( مَنْ كانَتِ الآخرةُ هَمَّهُ، جعل الله غِناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَهُ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة، وَمَنْ كانت الدنيا هَمَّه، جعل الله فَقْرَه بين عينيه، وفَرَّق عليه شَمْلَهُ، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قُدِّر له ))
ما الذي يهمك؟ اسأل نفسك، ما الذي يقلقك؟ ما الذي تصبو إليه؟ ما الذي ترجوه؟ تعيش مع من؟ تعيش لمن؟ هناك إنسان يعيش مع الصحابة الكرام، تصوراته كلها عن الإسلام، عن عصور الازدهار، عن الصحابة، عن رسول الله، و إنسان يعيش مع الفنانين، مع الممثلين، مع لاعبي الكرة، مع السياسة المتعبة، تعيش مع من؟ تعيش لمن؟ تُرضي من؟ تُغضب من؟ تنفق على من؟ تصل من؟ تقطع من؟ ما الذي يغضبك؟ ما الذي يرضيك؟ هذه كلها مقاييس، وكلها أدلة، فالإنسان عندما يقلقه ألا يكون كما ينبغي مع الله فهذه نعمة كبيرة، الذي يفرحه أن يكون مستقيماً على أمر الله.
أنواع الفرح :
الفرح نوعان أيها الأخوة، الله عز وجل حينما حدثنا عن قارون:
﴿ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
الله عز وجل لا يحب الذي يفرح بالدنيا، لأن:
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي ))
ما الذي يفرحك؟ هناك نهي عن أن تفرح بالدنيا، لأن عطاء الله جلّ جلاله لا يمكن أن يكون في الدنيا فقط، لأن العطاء الذي ينتهي بالموت ليس عطاءً، لا يوجد إنسان يقدم لإنسان سيارة ربع ساعة، التقديم الحقيقي أن يتملكها مدى الحياة، أما العطاء الذي ينتهي بالموت فليس بعطاء.
فلذلك يليق بكرم الله عز وجل أن يعطيك الأبد، فالذي يفرح بالدنيا عنده قصور تفكير، لأنه:
(( من عرفها لم يفرح لرخاء ـ مؤقت ـ ولم يحزن لشقاء ـ مؤقت ـ))
فالبطولة أن تفرح بفضل الله.
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾
وسؤال دقيق، ومقياس دقيق، أسأل نفسك ما الذي يفرحك؟.
الإنسان مخلوق مكرم بفضل الله عز وجل :
أيها الأخوة، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
أنت مخلوق مكرم، انظر الجماد للنبات، النبات ينمو في التراب، والنبات في الأصل للحيوان، والحيوان لك، وأنت لمن؟ أنت لله، إياك أن تُجيَّر لمخلوق، لا يليق بك أن تكون تابعاً لمخلوق، أنت لله، الجماد للنبات، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان، وأنت لله، فلذلك بطولتك أن تعرف من أنت؟
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
ورود الحرب في القرآن الكريم مرة واحدة في موضوع الربا :
أيها الأخوة، في الحديث القدسي:
(( من عادى لي وَلِيّاً فقد آذَنتُه بحرب ))
الحرب ورد في القرآن الكريم مرة واحدة في موضوع الربا:
﴿ فَإِن ْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
ورد في الحديث:
(( من عادى لي وَلِيّاً، فقد آذَنتُه بحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألَني أعْطَيتُه، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله، تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه ))
لذلك الدعاء الشريف:
(( اللَّهمَّ أحْيِني ما كانَتِ الحْياةُ خَيْراً لي، وتَوَفَّني إذَا كانتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لي ))
أحياناً الموت رحمة.
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :
أخواننا الكرام، أولاً: قد يكون ملك بيده كل شيء، لكن مستحيل أن تصل إليه، لا يوجد أمل بالوصول إليه، لكن الله جلّ جلاله ملك الملوك، الوصول له متاح لكل إنسان، لذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق"، ألف طريق موصل إلى الله معظمها الأعمال الصالحة، والعمل الصالح يرفعك، وأوضح آية:
﴿ َمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
أنا أقول: في القرآن الكريم أكثر من عشر آيات:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾
العشر آيات فيها كلمة قل بين السؤال والجواب، إلا في آية واحدة:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
هذه الآية ليس فيها كلمة قل، فاستنبط العلماء من خلالها أنه: ليس بين العبد وربه حجاب، ولا وسيط، ليس بين العبد وربه وسيط،
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
هذا يدعم موضوع علو الهمة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
الإنسان التافه يعيش لشهواته ومصالحه والإنسان المؤمن يعيش لمبادئه وأهدافه :
لكن هناك نقطة دقيقة: إذا إنسان تقرب إلى الله قليلاً، يرى النتائج مبهرة:
(( من تقرب إلى الله عز وجل شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن أقبل إلى الله عز وجل ماشياً أقبل الله عز وجل إليه مهرولاً ))
أي لمجرد أن تعقد نية على الصلح مع الله، تحس براحة نفسية كبيرة عجيبة، تحس هموماً كالجبال انزاحت عنك، معنى ذلك أنك عندما فكرت أن تتقرب إلى الله رأيت النتائج، والرد الإلهي قريب جداً.
أيها الأخوة، الإنسان التافه يعيش لشهواته ومصالحه، والإنسان المؤمن يعيش لمبادئه وأهدافه.
مرة تكلمت عن خامس مهندس في العالم، الذي صمم جسر اسطنبول الأول المعلق بالحبال، الذي تقطعه في اليوم من أربعمئة إلى خمسمئة ألف سيارة، أثناء افتتاحه ألقى المهندس المصمم بنفسه في البوسفور، فذهبوا إلى غرفته في الفندق، كتب ورقة: ذقت كل شيءٍ في الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت.
أنا علمتني هذه القصة أن الإنسان بلا هدف إنسان تافه، هدفه الأكل، والشرب، والمكانة، وتجميع الأموال ما دام لم يصل لهدفه، و لكنه يشعر بحالة مريحة بعد أن يبلغ هذا الهدف، أخطر فكرة أقولها دائماً: أنت مصمم من قبل الخالق أن تختار هدفاً لا نهائياً، فإذا اخترت هدفاً نهائياً وبلغته بدأ شقاؤك، الحياة مملة، الغرب لماذا انحرف؟ مللاً، سقماً، أراد المال بلغ المال، اسأل إنساناً معه ملايين مملينة، كيف يعيش؟ يعيش حالة من الملل، أكل حتى شبع، بيته أجمل بيت، مركبته أحلى ركبة، وبعد ذلك؟ هناك فراغ بالنفس البشرية لا يملؤه إلا الإيمان بالله، قد تكون أقوى إنسان، قد تكون أذكى إنسان، قد تكون أغنى إنسان، هناك فراغ لا يملؤه إلا الإيمان، و الإنسان عندما يملأ هذا الفراغ بالإيمان ترتاح نفسه.
لذلك الإنسان بلا هدف، بلا رسالة، إنسان تافه، وإنسان عنده إحباط عام، إنسان عنده كل أنواع الشقاء.
من يُعرض عن الله عز وجل تبدأ متاعبه :
بعد ذلك قال الله عز وجل في القرآن الكريم:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾
فالإنسان حينما يعرض عن الله عز وجل تبدأ متاعبه، ويوم القيامة:
﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
إنسان دخل على النبي الكريم فهش له وبش وقال: " أهلاً بمن خبرني بقدومه جبريل، قال: أو مثلي؟ قال: نعم يا أخي، خاملٌ في الأرض، علمٌ في السماء ".
آيات من القرآن الكريم عن الذين شردوا عن الله :
الآن الذين شردوا عن الله، الذين لا يملكون همةً عاليةً تقربهم إلى الله، كيف هم في القرآن الكريم؟ والله شيء لا يصدق! قال:
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
الأنعام غير مكلفة، هم أضل من الأنعام.
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾
بالملايين المملينة يقول لك: السوق مسموم، لا يعاش بهذا البلد، ماذا ينقصك؟ كل شيء عندك، لأنه لا يوجد شكر:
﴿ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
تجد مؤمناً ساكناً ببيت، مساحته ستون متراً، دخله محدود، زوجته أقل من الوسط، يقول لك: الحمد لله، تجد المؤمن على ضعف حياته، على فقره، شاكراً لله عز وجل، فالآيات التي تتحدث عن الذين شردوا عن الله شيء مخيف:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
أبلغ من ذلك:
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
أي في حياة القلب، دقق في قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ﴾
معيشة.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾
المعيشة و الحياة :
فرقٌ كبير بين المعيشة وبين الحياة، أسال أنا أحد الأخوة الكرام: أنت عايش أم حي؟ إن كان من أهل الدنيا فهو عايش، أما إن كان مؤمناً فهو حي، حيٌ بذكر الله، حيٌ بمعرفة الله، حيٌ بطاعة الله، حيٌ بعملٍ صالح، الآن ألقيت كلمة في حفل، قلت إن الدعاء الشريف:
(( اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ))
معنى الأمة المرأة،
((ابن عبدك ))
أي ابن والدي، و
((ابن أمتك ))
أي ابن والدتي، فالأمة المرأة، ضع ضمة فوق الهمزة، وشدة على الميم، كانت أمة أصبحت أُمّة:
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾
المؤمن له أعمال صالحة كثيرة في قلوب الخلق، المؤمن له أعمال جليلة، الله عز وجل يرزقه عملاً صالحاً يرقى به عنده،
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾
فلذلك بين أن تكون فرداً و بين أن تأتي الله يوم القيامة ومئات الألوف يثنون عليك من أعمالك الصالحة، فأنا أتمنى أن يكون لك عمل يتجاوز مصالحك، لأن معظم الناس أعمالهم تصب في خانة مصالحهم، تصب بنجاح عمله، بنجاح دخله، بضغط مركزه، لكن الإنسان بحاجة إلى عمل صالح ليس له علاقة بمصالحه إطلاقاً.
علو الهمة من العلم :
أيها الأخوة، لذلك الآن الموضوع الدقيق في هذا الجزء الثاني من علو الهمة كيف نرتقي بهممنا؟ الحقيقة العلم وحده يرقى بهمتك.
أحياناً نسهر مع بعض الأخوة الأطباء، وهناك طبيب تُقدم له بعض الحلويات، يرفضها أشد الرفض، فعاتبوه مرة، فقال: والله أُحبها أكثر منكم، أما أنا عملي بجراحة القلب، حينما أرى الشرايين كلها مسدودة، وكل إنسان حينما يفاجأ بالقسطرة، وأن خمسة شرايين مسدودة، من الدسم، من المواد الدسمة، فيكره الحلويات كراهة عقلية.
معنى هذا أن الإنسان عندما يكون علمه عالياً، العلم يدفعه إلى حبٍ وكراهيةٍ جديدتين، هناك حب حسي، وكراهة حسية، الأكل الطيب طيب، لكن هناك أكلاً صحياً، الأكل الصحي أقل مذاقاً من الأكل المؤذي، فالإنسان بعقله أحياناً يكره شيئاً.
الآن أحياناً طالب هدفه أن يأخذ الأولى في الجامعة، يلغي السهرات، يلغي النزهات، يلغي اللقاءات، أشياء محببة، لكن هدفه الكبير جعله يكرهها عقلياً.
فمن أين يأتي علو الهمة؟ من العلم، أحياناً تجد الطبيب يعقم الخضراوات تعقيماً غير معقول، لأن علمه غير علمك، حينما يرى الأمراض الوبيلة الناتجة عن العدوى، أو عن تلوث الفواكه والثمار، يبالغ في غسلها، فيأتي علو الهمة من العلم.
لذلك قالوا: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، سيدنا يوسف:
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾
طبعاً لا شك أن همه بها غير همها به،
﴿ هَمَّتْ ﴾
أن تغريه، أما
﴿ َهَمَّ ﴾
بدفعها، وإياك ثم إياك ثم إياك أن تتوهم أنه
﴿ هَمَّ بِهَا ﴾
أي بدأ بالاستجابة لها، مستحيل
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾
همه بها غير همها به، لأنه:
﴿ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ﴾
الواحد لو شاهد أفعى بغرفة، هي همت أن تلدغه، وهمّ بقتلها، همه بقتلها لا بالاستجابة لها، مستحيل!
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾
هناك تفسير لطيف جداً،
﴿ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾
أعظم شيء عند المؤمن أنه بطلب العلم يملك رؤية صحيحة :
لذلك أخواننا الكرام، أخطر شيء بحياتنا الرؤية، الآن الذي يسرق ماذا رأى؟ هناك سبعة أشخاص سرقوا صائغاً من يبرود، وأخذوا الذهب، وقتلوه، وبعد شهر شُنقوا جميعاً في المكان نفسه، هم حينما أقدموا على سرقة هذا الصائغ، وقتله، هل رأوا أنهم سيشنقون هنا؟ لا، رأوا أنهم سيغتنون، إذاً كل الخطر بالرؤية، ماذا ترى؟ دقق الآن، المؤمن يلقي الله في قلبه نوراً، يريه الحق حقاً والباطل باطلاً، أقوى آية بهذا المعنى:
﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
إذاً أعظم شيء عند المؤمن أنه بطلب العلم ملك رؤية صحيحة، لذلك لا شيء يرفع همتك، لا شيء يقوي إرادتك، كطلب العلم، بالعلم تعرف الخير من الشر، والحق من الباطل، وما ينبغي وما لا ينبغي.
الإنسان يعرف بالعلم الخير من الشر و الحق من الباطل :
إذاً:
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾
الإنسان أحياناً يُعرض عليه مبلغ فلكي مقابل أن يكتب الوفاة طبيعية، هذه الوفاة جريمة، أحياناً يقول له: سأعطيك خمسين مليون، إذاً من وفاته جاءه ألف مليون، فالمؤمن لو مئة مليون، عنده رؤية لا يمكن أن يتكلم بغير الحق، غير المؤمن تضعف همته، فيدفع ثمن عمله.
مرة كنت آتياً من حلب، في أيام الشتاء القارسة، والأمطار كأفواه القرب، وجدت رجلاً يمشي، يركض في العدوي في الشارع، قلت: الشام فيها خمسة ملايين، معظم سكان الشام يجلسون حول المدافئ، يأكلون ويشربون، هذا كم هي القناعة في ذهنه حتى في هذا الوقت العصيب و الأمطار الشديدة يمشي ويركض؟
هناك رجل اسمه جيفري لنك، هذا أكبر ملحد بأمريكا، أستاذ رياضيات في جامعة سان فرانسيسكو، هناك أستاذ أرسل له طالبة شرق أوسطية، في أيام الصيف الحارة محجبة حجاباً كاملاً، وتحضر دكتوراه في الرياضيات، فيقول هذا جيفري لنك الملحد: هذه الفتاة بهذه الثياب عندها قناعات بأعلى مستوى، جعلتها ترتدي هذه الثياب، مع أن كل الفتيات شبه عرايا، قال: تهيبت أن أحدق في وجهها، ورغبت أن أقدم لها كل خدمة، وعكفت من يومي على قراءة القرآن، لكن بنية أن أرى الأخطاء، وصل إلى قوله تعالى:
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾
اتصل بصديقه موريس موكاي بفرنسا، قال له: أنت ألفت كتاباً تقول: إن القرآن كتاب مقدس، تفضل هذا خطأ، فكيف فرعون نجاه الله ببدنه؟ فأجابه موريس موكاي: هذا الرجل رممت جسده بنفسي، هذا أرسل من القاهرة إلى باريس لترميم جثته، هذا فرعون موسى الذي مات غرقاً، وآثار الملح في فمه، فهنا أيقن أن هذا كلام الله، والآن من كبار الدعاة بأمريكا لذلك قالوا:
(( استقيموا يستقم بكم ))
كان أكبر ملحد، هذه الفتاة المحجبة قال: عندها قناعات متميزة، حتى لبست هذه الثياب.
فلذلك أيها الأخوة، الإنسان حينما تكون قناعاته عالية جداً يسلك سلوكاً مختلفاً عن بقية الناس، إذاً أحد أكبر أسباب علو الهمة العلم.
من كبُر هدفه ازدادت همته علواً :
الآن عندنا سبب آخر، كلما كبر الهدف ازدادت الهمة علواً، هناك أهداف محدودة، أهداف تنتهي، هدفه الأكبر شراء بيت، اشترى بيتاً، هدفه الأكبر أن يتوظف فتوظف، هدفه الأكبر أن يصبح غنياً، فأصبح غنياً، الأهداف الدنيوية لا تجعل الإنسان ذا همة عالية، أما الأهداف الكبيرة، لو إنسان أراد أن يقدم لأمته شيئاً، أو أراد أن يحل مشكلة أمته، هناك مشاكل البطالة، مشاكل العنوسة، مشاكل الجهل، مشاكل الانحراف، فالإنسان إن أراد أن يحمل همّ أمته، كلما كان همه كبيراً كانت همته كبيرة.
أخواننا الكرام، المقولة الرائعة: علو الهمة من الإيمان، لذلك صاحب أصحاب الهمة العالية، لا تصاحب أصحاب الهمة الدنية، أحياناً تعيش مع إنسان إيمانه قوي، يشجعك، تتوق أن تكون مثله، تتمنى أن تفعل الخير، تتمنى أن تحفظ كتاب الله، تتمنى أن تكون داعيةً إلى الله، صاحب أهل الشهوات، تثبط عزائمك، تشتهي أن تكون في معاصيهم، فلذلك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
مرة أخ أثناء الدرس على خلاف المألوف وقف، قال لي: نسمع الدرس نكون بحالة مريحة جداً، نغادر إلى البيت، نعود إلى ما كنا عليه، أين المشكلة؟ فألهمني الله جواباً مختصراً قلت له: غيّر طقمك، يجب أن تغير طقم الأصدقاء، مادمت تعيش مع ماديين دنيويين شهوانيين، يثبطون لك كل عزائمك، كن مع المؤمنين، وأنا أول ما أسأل عن هذا الموضوع، إنسان سألني على الهاتف: أنا عندي مشكلة، أقول له: صاحب المؤمن.
(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))
أقول له الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
إذاً صاحب أصحاب الهمة العالية.
أصحاب الهمة العالية الدنيا عندهم صغيرة و لا يتأثرون بالبيئة :
شيء آخر: من علامات أصحاب الهمم العالية الدنيا عندهم صغيرة، ليست كبيرة، أي ليس مستعداً أن يعصي الله ولو أعطيته ملياراً، الدنيا صغيرة، صغيرةٌ أمام طاعة الله عز وجل.شيء آخر: أصحاب الهمة العالية لا يتأثرون بالبيئة إطلاقاً، الآن نساء المسلمين أحياناً تحت رحمة مصمم أزياء فرنسي، قد يكون يهودياً، أي تصميم للأزياء يتبعه نساء المسلمين، هذا من ضعف الإيمان، أما قوي الإيمان يتحرك بقناعاته، ترتدي المرأة المؤمنة الثياب التي ترضي الله عز وجل.
فيا أيها الأخوة، علو الهمة من الإيمان، أو يمكن أن يقابلها قوة الإرادة، قوة الإرادة تحتاج إلى هدف كبير، وإلى علم غزير.