- موضوعات متنوعة / ٠6موضوعات مختصرة
- /
- محاضرات في جامع الطاووسية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
زكاة الفطر :
أيها الأخوة الكرام، انْتَهتْ بعض الآيات المُخْتارة مِن سورة العَنكبوت وقبل أن في سورة الروم نسْتريح في بَعض الموضوعات الفِقْهِيَّة التي نحن الآن في أمَسِّ الحاجة إليها.
أيها الأخوة الكرام النبي عليه الصلاة والسلام حينمَا شرَّعَ زكاة الفِطْر أو زكاة الرأس، ذَكَر أنَّه صلى الله عليه وسلَّم إنَّما تُدْفَعُ هذه الزكاة مِن قِبَل أيِّ مُسْلِم عنده قوتُ يَوْمِهِ، فالذي عندهُ وَجْبة طعامٍ واحِدَة؛ بيْضَتان ! تجبُ عليه زكاة الفِطْر، لماذا؟! لِيَذُوق الفقير في العام مرَّةً واحِدَة طَعْمَ الإنفاق لا طَعْمَ الأخْذ، لأنَّ للإنفاق طَعْمًا لا يعْرِفُهُ إلا مَن ذاقَهُ، فالفقير يُمْكِنُ أن يدْفعَ زكاة فِطْرِهِ ويتلقَّى أضْعاف هذه الزَّكاة مِن قِبَل الآخرين، لكن لا بدّ أن يَدْفَعَ زكاة فِطْرِهِ ؛ لأنّ الصِّيام كما تعلمون مُعَلَّقٌ بين السَّماء والأرض ولا يُرْفَعُ إلا بأداء زكاة الفِطْر. فالزَّكاة إذًا تجب على كُلِّ مُسْلِمٍ ذكَرٍ أو أُنْثى، حر أو عَبْد، صغير أو كبير، غَنِيٍّ أو فقير، وهي تَجِبُ على كُلّ مُسْلمٍ عندهُ قوتُ يَوْمِهِ، وهذا طُهْرةً للصائِمِ مِن اللَّغْوِ والرَّفث، وطُعْمةٍ للمِسْكين، والعِبْرَة أن يذوق الإنسان طَعْم الإنفاق، فلا مانِعَ أن يُعْطِيَ الفقير زَكاة فِطْرِهِ، وأن يتلقَّى زكاة فِطْرِ الآخرين؛ فهذا شيءٌ مَقْبول، والعِبْرة أن تُنْفِقَ مِمَّا أعْطاك الله عز وجل، والحدّ الأدْنى لِزَكاة الفِطْر خمسون لَيْرة سورِيَّة ولا حدَّ لأكْثَرِهِ ؛ اِدْفع مئة أو خمسمئة أو ألْفًا، بل إنّ بعض المؤمنين يَدْفعون عن الجنين في بَطْنِ أُمِّهِ .
فَهِيَ تَجِبُ على كل مؤمن؛ على نفْسِهِ، وعلى مَن يمولهُ، وعلى مَن يلي عليه، ومصارِفُ زكاة الفِطْر تُشْبِهُ مصارِف الزَّكاة ؛ للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمُؤلَّفَة قلوبَهم وفي الرِّقاب.
أيها الأخوة، الإنسان أحْيانًا يتوَهَّم أنَّهُ لِمُجَرَّد أن يَدْفَعَ زكاةَ مالِهِ انتهَى الأمْر، ولكن هناك عِبئاً كبيراً بعد أن تفْرِزَ الزَّكاة كي تَدْفَعَها ؛ عِبءُ البَحْث عن المُسْتَحِقِّين، ونحن عندنا ثلاثة مُرَجِّحات، فأوَّل مُرَجِّح الفقْر، والمُرَجِّح الثاني القَرابَة، والمُرَجِّح الثالث التَّدَيُّن، فلو أنَّ فقيريْن في مُسْتوًى واحِدٍ ؛ عليك أن تُرَجِّح الأكثَر إيمانًا واسْتِقامةً، فهناك من يُدَخِّن وتَجِدُ إنفاقَهُ على الدُّخان كبير، فغير المُدَخِّن أوْلى بالزَّكاة، وإنسانٌ لا يُصَلِّي، فالذي يُصَلِّي أوْلى، لذا إذا تساوَى اثْنان في الفقْر فأنت تُرَجِّح الأَقْرَبَ بالإيمان، وإذا تساوى اثنان في الفقْر والإيمان تُرَجِّح الأَقْربَ نسَبًا، فأنت لك عامِلُ الفقْر، والقَرابة، والإيمان، فالأَقْربون إلى الفقْر، أو إلى الإيمان، أو إلى النَّسَب أوْلى بالمَعْروف.
وقت زكاة الفطر :
أيها الأخوة، يُمْكِنُ أن تُدْفَعَ زكاة الفِطْر مِن أوَّل رمضان، والأوْلى أن تُدْفَعَ في هذه الأيام لأنَّك لو أدَّيْتَها قبل صلاة العيد ماذا يَفْعَلُ بها الفقير ؟! أحدُ الأخوة قاموا بِعَمَلٍ يلْفت النَّظر، فَهُم جعلوا علبة فيها مواد أساسيَّة تكفي أكبر أُسْرة لِطَعامٍ نفيس في أيَّام العيد، فهذه العُلبة جاهزة للطَّبْخ وأيُّ أُسْرة تأخُذها، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: " طُعْمةً للفقير"، ومُشْكِلة الفقير أحْيانًا أنَّهُ يكون عليه دَيْن فَتُعْطيهِ زكاة فِطْرك فيَسُدُّ بهذه الأموال دَيْنَهُ، ويبْقى أولادهُ جِيَاعًا! لذلك رجَّح العلماء تَوْزيع اللَّحم على دَفْع المال، لأنَّ هذا اللَّحْم مصيرُهُ إلى الأفْواه، ومصيرُهُ إلى الأولاد، فالأكْمَل والأولى أن تُدْفَعَ زكاة الفِطْر طعامًا، والقَصْدُ أن يُقَدِّم الإنسان شيئًا نفيسًا، لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يَقْبَلُ من العَبْد إلا أطْيَبَ كَسْبِهِ، وهذا يَنْقُلنا إلى زكاة المال.
وضع الزكاة في مكانها الصحيح :
نحن قلنا في زكاة الفطْر: خمسون ليْرة ولا حدَّ لأكْثرِهِ، إلا أنَّ زكاة المال الأولى أن تُؤدَّى في رمضان، والحِساب بسيط جدًّا، فَهُناك عِدَّة مذاهب وحِسابات مُعَقَّدَة فأنت ما عليك إلا أن تَجْرُدَ في رمضان ما عندكَ، اِدْفَع الزَّكاة على ما تَمْلِكُهُ بِواحِد رمضان وانتهى الأَمْر، وحينها تَنْجو من الحِسابات والتَّعْقيدات وحولان الحَول، وكَم بقيَ عندكَ كُلّ مَبْلَغ !! فأنت يَكْفيك أن تدْفَع عن كُلِّ ما تَمْلِكُهُ عن تاريخٍ مُعَيَّن من السَّنة، وتُؤدِّي زكاتَكَ، وإخواننا التُّجار إن كانت لهم بِضاعة فهذه تُقَيَّم، لأنَّ الله تعالى قال:
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾
وفي آية أخرى لم يقل معلوم:
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
فقوله تعالى حقٌّ هذه للصَّدقة، وقوله: حق مَعلوم هذه للزَّكاة، فالزَّكاة فرض، والصَّدقَة تطوّع، فما دامَ مَعْلومًا فلا بدّ مِن الجَرْد، ذكر لي أحدهم فقال لي: ليس عندي وقت ! وقد قيَّمْتُ المحلّ بِخَمسمئة ألف بِضاعَة ! لذا لو سَمَحْنا بإلغاء التَّقْييم يأتي حينها تسعون بالمئة من المسلمين يُقَيِّمون نصف المَوْجودات، لذا موضوع الزَّكاة لا بدّ مِن الجَرْد، تَجْرِدُ البِضاعة وتُضيفُ إليها ما في الصُّندوق، تُضيف إليها ما لكَ مِن دُيونٍ ثابتة، وتَطْرح ما عليك منها مِن دُيون، البِضاعة زائِد المَبْلغ السائل، زائِد المُستندات المُسْتحِقَّة، ناقِص السَّندات التي ينْبغي أن تَدْفعَها، وعندك رقم بالمئة اثنان ونصف، فَمُمْكِنٌ أن تُفْتحَ صفْحة بِوَاحِد شوَّال؛ هذه نُقْطة دقيقة، لأنَّ الإنسان حينما يفْرز مالهُ فهذا المال لم ينْتهِ، ولا بدَّ أن يوضَعَ المال عند المُسْتَحِقِّين مِن أهْل الإيمان، والذين يَحْسبُهم الجاهل أغْنياء من التَّعفف وخِلال السَّنة ؛ هناك حالات صَعْبة وعمَلِيَّات جِراحِيَّة، وأقرباء كنت في غَفْلةٍ عنهم، وإنسان سَيُسافِر، وآخر سيتزوَّج، وآخر سَتضَعُ زوْجتُهُ مَوْلودًا قد يَحْتاج إلى نفقات إضافِيَّة، وجاء البرْد الشَّديد، وجاءَت نفقات الوَقود السائِل فأنت حينما تفتح صفحة للزَّكاة وجاءَتْ مناسبة مُهِمَّة والضَّرورة واضِحة فيها تَدْفعها وأنت مُطمئِنّ، فلو دَفَعتَ خِلال السَّنة ثمانية عشر ألفاً وزكاة مالك عشرون، يبْقى عليك ألفين ؛ هذه تَدْفَعُها في رمضان، فأنت حينما تَدْفعُ الزَّكاة على مدار العام سلفًا فأنت مُطمئِن وفي حرْز، والدَّفْع مناسب، ولأصْحاب الحُقوق وللمؤمنين ولأشياء قاهِرة، أما الذي يُريد أن يَدْفعَ زكاة مالِهِ في يَومٍ واحِدٍ، فلا بدَّ مِن خطئه في وَضْع الزَّكاة في مكانها؛ هذه نقطة.
حكم دفع الزكاة للأهل :
النُّقطة الثانيَة، أنَّ في هذا الشَّهْر السؤال الشائِع دَفْعُ الزَّكاة للأهْل، أوَّلاً: الزَّكاة لا تُقبَلُ على الفروع والأُصول والزَّوْجة، ولك أن تَدْفعها لأخواتِكَ، فالأُصول الأب وأب الأب مهما عَلَوا، والفروع الابن وابن الابن مهما نزل، وكذا البنت وبنت البنت، أما الزَّوْجة الموسِرَة مع زوْجِها الفقير فلها أن تَدْفَعَ له زكاةَ مالها لِزَوْجِها، أما الزَّوْج فلا يجوز أن يَدْفعَ زكاة مالِهِ لِزَوْجَتِهِ! لأنَّ نفَقَتها عليه، فإن دَفَعَ زكاة مالهِ إليها فكأنَّهُ لم يَدْفع الزَّكاة، فهؤلاء الأقارب لا تجوز عليهم الزَّكاة لأنَّ الدافِع مُجْبرٌ أن يُنْفِقَ عليهم.
توزيع الزَّكاة على أكْبر رقْعة مُمْكِنَة :
لما ربنا عز وجل قال:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
فالفقراء جَمْعٌ أم مُفْرد؟ الإمام الشافعي اسْتنْبطَ أنَّهُ في الأصْل ينبغي أن تَدْفعَ لِكُلِّ مصْرفٍ من مصارف الزَّكاة ثلاثة أشْخاص ؛ ثمانية مصارف بثَلاثة أشْخاص الناتج يكون أربعة وعشرين، فأكْمَلُ زكاة أن تُدْفَعَ لأرْبعَةٍ وعشرين جِهَة، أما أن تُجَمِّعَها كُلَّها وتُعْطيها شَخْصًا واحِدًا، فالأولى أن تُوَزَّع الزَّكاة إلى أكْبر رقْعة مُمْكِنَة، وقد ذَكَرْتُ لكم مِن قبل كيف أنَّ الله تعالى حينما تَدْفَعُ الزَّكاة يُطَهِّرُكَ مِن الشحّ، ويُطَهِّر الفقير من الحِقْد، ويُطَهِّر المال مِن تَعَلُّق حقّ الغير به، ويُنَمِّي نفْس الغني بِشُعوره بالعَمَل الصالح، ويُنَمِّي نفسَ الفقير بأنَّهُ أكلَ وشرب وشَعرَ بأهَمِيَّتِهِ، والمال الذي تُدْفعُ زكاتُهُ يَنْمو بِشَكْل قانوني وأُصولي، وبِشَكْلٍ مِن العِناية الإلهِيَّة المباشرة.
الزكاة و الصدقة :
الذي أردت أن أقوله من هذا اللِّقاء، قال تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
ما تَلِفَ مال في برٍّ أو بحْر إلا في حَبْس الزَّكاة، وحَصِّنوا أموالكم بالزّكاة، وهي فرْض، ومعنى فرْض أنَّك إن لم تُؤَدِّ الضرائب للماليَّة فهناك غرامات، فأداء الزَّكاة فرض، ولكنَّ الصَّدقة تطوّع، قال تعالى:
﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ﴾
فإعْطاء الزَّكاة كَفَرْض شيء، وإعْطاء الصَّدقة كَتَطَوُّع شيء آخر، حينما تَدْفعُ فوق زكاة مالِكَ مالاً هذه صَدَقة، والصَّدَقة يُمْكن أن ترْقى بك كثيرًا إلى الله، فأداء الفريضة ينجي من العِقاب، أما أداء النافلة فترتقي عند الله كثيرًا. ُوَزَّع الزَّكاة إلى أكْبر رقْعة مُمْكِنَة :
تُوَزَّع الة إلى أكْبر رقْعة مُمْكِنَة
جواز دفع الزكاة من البضاعة :
الشيء الآخر المُتَعَلِّق بالزَّكاة، يجوز أن تُدْفَعَ الزَّكاة مِن بضاعَتِكَ بِشَرْط أن تكون أساسيَّة في حياة الفقير، فَهُناك ألْبِسَة مُتْرفة والفقير لا يَحْتاجُها، لكن الطَّعام والشراب يَحْتاجُهُ الفقير، والثِّياب الأساسيَّة يحتاجُها الفقير، ولكن هل يُعْقل أن تؤدِّي زكاة مالك من اللُّعَب؟! لذا ليس كُلّ بِضاعة يؤدَّى منها زكاة المال.
الآن إذا أدَّيْتَ زكاة مالِكَ مِن بِضاعَتِك هل تَحْسِبُها على الله ؟!، أخذتَ مثلاً ألبسة نسائية، كل قطعة اشتريتها بثلاثة آلاف و قد مضى عليها زمن حتَّى أصبحت القطعة بألف فتحسبها على الله بألف، قالوا: سعر الكلفة أو سعر السوق أيُّهما أقلُّ، فإذا أدَّيتَ زكاة مالك من البضاعة وكان سعر السوق أقلَّ فالزكاة بسعر السوق، و إذا كان سعر الكلفة أقلَّ فبسعر الكلفة، بهذه الطريقة تُحسَب البضاعة التي تؤدّيها زكاة مالك، قماش، معاطف، سراويل، أمَّا حاجات مثل القُبَّعات فليس لنا فيها حاجة، ألبسة تزن خمسين غراماً ؛ ماذا تفعل بها الفقيرة ؟! فما كل بضاعة تُؤَدَّى كزكاة مال، هذا إذا أدَّيت زكاة مالك، أمَّا إذا جرَّدتَ البضاعة جرداً لحساب الزكاة فإنَّها تُجرَد لكلفتها فقط، لأنَّها حين البيع إمَّا أن تصعد و إمَّا أن تهبط، والعام القادم يظهر معك الفرق، فحينما تُجرد البضاعة لحساب الزكاة فبكلفتها فقط، أمَّا حينما تُجرد البضاعة لدفعها زكاة فإمَّا بكلفتها أو بسعر السوق أيُّهما أقلُّ، ثمَّ إنَّه ما كل إنسان يمُدُّ يده يُعطَى، إنَّما يُعطى الذي يحسبه الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً.
أعظم أنواع الزكاة :
آخر كلمة، أعظم أنواع الزكاة هي التي تُحَوِّل آخذَ زكاة إلى دافع زكاة
أي أن تكفيه عند الأحناف عاماً و عند الشافعية عُمُرًا، أحياناً الإنسان تكون عنده آلة خياطة، اشتغل بها ربح ثمَّ دفع زكاة ماله، فأعظم أنواع الزكاة هي التي تحوِّل القابض إلى مُعطي، فهناك مشاريع كثيرة مثل تأهيل فتيات فقيرات، إعطاؤهنَّ آلات خياطة، فتح محلاَّت لبيع منتجاتهن، يدٌ فقيرة تسُدُّها اللقمة و اللقمتان أصبحت الآن تدفع، أنا أشكر أخًا من إخواننا الكرام مضطراً إلى درَّاجة ليبيع عليها، فأحد الأخوة أقرضه عشرين ألفاً، السنة الثانية دفع زكاة ماله بهذه الدراجة، بعشرين ألف صار مُزكِّيًا، اشتغل طول السنة ببيع أكياس بالغوطة ربح ودفع زكاة ماله، فهذه أعظم أنواع الزكاة، لا أن تقف المرأة في طابور وتسلِّم هويَّتها ثمَّ تُعطَى مئة ليرة و قد اختلفت الأسعار، وكان سيِّدنا عمر إذا أطعم أشبع، و إذا قال أسمع، و إذا سار أسرع، وإذا ضرب أوجع، فنحتاج إلى حكمة.
إذاً إذا كانت ميزانيتنا ستَّة وثمانين ملياراً فالزَّكاة يكون لها نصيب كبير، وأنا لا أعْتَقِد أنَّهُ يمكنُ لأحَدٍ أن يبْقى فقيرًا، نِظام الاقْتِصاد الإسلامي أساسهُ الزَّكاة.
الشيء الآخر، لا داعي أن تقول للفقير: هذه زكاة مالي ! فأنت يُمْكِنُ أن تُقَدِّم زكاة مالِكَ بِأُسلوبٍ لطيف، فَيُمْكِنُكَ أن تُعْطي أخاك وتحفظ له ماء وجْهه بأعلى عِزَّةٍ وكرامة، لذلك إنفاق المال جزء من الدِّين.
زكاة المال المستدان من أجل التجارة :
سؤال أخير ؛ المال المُسْتَدان مِن أجل التِّجارة، هل تَجِبُ عليه الزَّكاة ؟
إذا كان الدَّين ميِّتا لا تُدْفَعُ الزَّكاة إلا إذا قبَضْتَهُ، وإذا قَبَضْتَهُ إما عن آخر عام أو عن كلّ الأعوام، أما الدَّين الثابت والذي معك سُيولة فيه فهذا تَدْفعُ فيه الزَّكاة، أما إن لم تكُن هناك سُيولة، فحينما تسْتردّه تدفَعُ زكاة العام والأعوام السابقة.