- موضوعات متنوعة / ٠6موضوعات مختصرة
- /
- محاضرات في جامع الطاووسية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الخبرة و الأمانة شرطا كل إنسان استعمل على عمل :
أيها الأخوة الكرام: سيدنا عمر عملاق الإسلام، الذي كان مضرب المثل في العدالة والرحمة، عين والياً على عمل، وأعطاه كتاباً، قال فيه: " خذ عهدك- أي كتاب التعيين- وانصرف إلى عملك- إلى مهمتك - واعلم أنك مصروف رأس سنتك- سنة واحدة، تدريب، تمرين- واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال- هناك أربع حالات تنتظرك بعد عام- إن وجدناك أميناً ضعيفاً - أمين لكنه ضعيف، لا يوجد عنده جرأة، لا يستطيع أن يقبض على الأمور بشكل حازم- أميناً ضعيفاً، استبدلناك لضعفك- أي عزلناك آخر السنة- وسلمتك من معرفتنا أمانتك- لا يوجد عقاب لكن يوجد عزل- وإن وجدناك خائناً قوياً - قوي الشخصية، جريء، طليق اللسان، لكن لا يوجد بك أمانة- وإن وجدناك خائناً قوياً، استهنا بقوتك، وأوجعنا ظهرك، وأحسنا أدبك، وإن جمعت الجرمين، الضعف والخيانة، جمعنا عليك المضرتين العزل والتأديب، وإن وجدناك أميناً قوياً، زدناك في عملك تمديداً- تثبيت، تعيين، ترقية- وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك، ورفعنا لك ذكرك، وأوطئنا لك عقبك". من أين أخذ هذا الخليفة العملاق هذا المقياس الدقيق؟ أخذه من قوله تعالى:
﴿ قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ﴾
كأن كلمة القوي تشير إلى الكفاءة، القدرات الفنية، فلان عينته في عمل هو كفء له، خبراته واسعة، يعرف دقائق الأمر، يعرف ملابساته، يعرف مشكلاته، عنده حلول جاهزة ، هي معنى فلان كفء، الكفاءة خبرات فنية، والأمين خبرات أخلاقية.
لو فرضنا إنساناً يعمل في صنعة دقيقة وعالية المستوى لكن لا يوجد أمانة، يوهم الناس أن عندهم أمراضاً وبيلة، ويبتز أموالهم، لا يوجد أمانة، فالشيء الدقيق بالآية أن الخبرة الفنية وحدها لا قيمة لها، وأن الأمانة وحدها لا قيمة لها، كل من الخبرة والأمانة شرطان كل واحد شرط لازم غير كاف. فأي إنسان استعملته على عمل، أي إنسان كلفته بمهمة، أي إنسان أعطيته إنجازاً ينجزه، لا بد من توافر الخبرة والأمانة، قالت إحداهما: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. سيدنا عمر نفسه سأل أحد الولاة، قال له: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارقٍ أو ناهب؟ فقال الوالي الممتحن: أقطع يده، فقال عمر: إذاً إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل بلا عمل فسأقطع يدك، قال للوالي: يا هذا إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد وجوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك، تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة، قبل أن تشغلك بالمعصية.
الأعمال أمانة :
أخواننا الكرام: الأعمال أمانة، من لم يكن كفئاً لهذا العمل فهو محاسب حساباً عسيراً.
قال أبو ذر : يا رسول الله أريد أن توليني، قال له: أنت ضعيف وإنها أمانة، وإنها خزي وندامة يوم القيامة. فمن تطلع لعمل ليس له أهلٌ فليتبوأ مقعده من النار، من ولي أمر المسلمين، وحجب نفسه عن ضعافتهم، وعن أصحاب الحاجة فيهم، فليتبوأ مقعده من النار، من ولي أمر المسلمين فلم يحطهم بنصحه، كما ينصح أهله، فليتبوأ مقعده من النار.
أحياناً يفرح الناس بمنصب، بعضوية، هي مسؤولية كبيرة، أي قانون لا يرضي الله برقبتك له يوم القيامة، فالإنسان عليه ألا يقدم على عمل إلا إذا كان واثقاً.
الآن الإنسان العادي هناك حديث شريف:
((من استعمل رجلاً من عصابة و فيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله و رسوله و المؤمنين ))
أنت قال لك مدير التربية: عيّن لنا مدير مدرسة؟ عندك عشرون مدرساً، بعضهم ثقافتهم عالية جداً، بعضهم أخلاقهم عالية جداً، اثنان فقط يملكون ثقافة و علماً وأخلاقاً عالية واستقامة وديناً، فعينت أقرباءك، ثم قلت: نفعناه:
((من استعمل رجلاً من عصابة و فيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله و رسوله و المؤمنين ))
فالقضية مسؤولية، إذا اخترت فأنت مسؤول، إذا عرضت نفسك لعمل لست له بأهل فأنت مسؤول، الحياة امتحانات، فالإنسان يجب أن يكون دقيقاً، يكون متبصراً، يبحث عن الأصلح، لأنها أمانة، هذه أمانة، قال له:" إنها أمانة وإنها خزي وندامة يوم القيامة".
والإنسان كلما ارتقى بالحظوظ تزداد مسؤوليته، أنت اصعد إلى الطابق الأول في بناء ترى منظراً، الطابق الثاني المنظر أوسع، إذا كان البناء مؤلفاً من اثني عشر طابقاً، وصعدت للأعلى صرت بنصف الشام، إذا صعدت لقاسيون ترى الشام كلها، ركبت طائرة ترى الشام وحولها، صعدت أربعين ألف قدم ترى حمص وأنت فوق بالطائرة، صعدت إلى القمر ترى الأرض بكاملها، الخمس قارات مع البحار، فكلما ارتفعت ترتفع دائرة الرؤية.
وبالحظوظ كلما زاد حظك اتسعت دائرة مسؤوليتك، تصير مسؤولاً أكثر، فلذلك الإنسان يحاسب نفسه حساباً عسيراً، حتى يكون حسابه يوم القيامة يسيراً، كلمة مسؤول أي مسؤول:
﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون﴾
﴿ إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ﴾
أعظم الأعمال الأعمال التي تستمر بعد وفاة أصحابها :
مرة قلت لكم: وأنا قادم من الزبداني قال لي إنسان: هذا البناء ملهى و هو حديث جداً، فيه كل أنواع الموبقات، وكل أنواع السقوط، والقمار، والزنى، صاحبه بعدما فتحه بأسبوع توفي، أخطر الأعمال التي يستمر إثمها بعد موت صاحبها، وأعظم الأعمال التي تستمر بعد وفاة أصحابها.
إنسان أسس عملاً عظيماً، أسس جامعاً مثلاً، أسس معهداً شرعياً، أسس ميتماً، دعا إلى الله، ترك أثراً علمياً، ألّف كتباً، ألّف قلوباً بعدما مات الحق مستمر .
لذلك أيها الأخوة ابحث عن عمل لو انتهت حياتك لا ينتهِ، هذه هي الصدقة الجارية، التي تدوم بعد موت صاحبها:
(( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جاريةٍ، أوعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ))
فأنت مسؤول بالحالتين، إذا عرضت نفسك لعمل مسؤول، وإذا اخترت مسؤول.
الشيء الثاني: كل حركة، وكل سكنة، محاسب عنها، أخطر الأعمال التي تستمر بعد وفاتك، هذا نوبل اخترع البارود، بعدما اخترع رأى نفسه مجرماً، لأنه كل إنسان سيموت بالبارود محاسب عنه، تجد قنبلة يقول لك: عنقودية، قنبلة ذكية، القنبلة تنفجر عندما يتجمع الناس حولها ليروا آثار الانفجار يكون فيها قنبلة ثانية لم تنفجر بعد، وحولك مئتا شخص تنفجر الثانية، اخترعوا قنبلة تثقب البناء ليس بانفجارها لكن بوزنها، بعدما تستقر بأرض القبو تنفجر وتنسفه من أساسه، مخ يشتغل، نوبل اخترع البارود شعر بجريمته فترك مبلغاً ضخماً جداً لمن يقدم عملاً يؤكد فيه السلام والإنسانية، لكن الجريمة وقعت فالإنسان مسؤول.
مرة ثانية أخطر الأعمال التي تستمر بعد موت صاحبها، إن كانت أعمال صالحة فهنيئاً لصاحبها، النبي الكريم جاء إلى الدنيا ودعا إلى الله وتوفي، والآثار للآن إلى الصين، إلى شمال الاتحاد السوفيتي، إلى الشرق، إلى إسبانيا، إلى شمال إفريقيا، كلها في صحيفة النبي.
وهناك أشخاص تركوا مفاسد لا يعلمها إلى الله، كل بيت فيه معصية بسببهم، الله يلهمنا الأعمال الصالحة التي تبقى بعد موت صاحبها.