وضع داكن
26-12-2024
Logo
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة : 06 - موعظة - الله تعلى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

الله تعالى أمر المؤمنين بِما أمر به المرسلين :

 أيُّها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام مُوَجِّهًا الخِطاب لأصحابِهِ: " لو تركتم العُشْر لهلكْتُم" ، و :" القابض منهم على دينه كالقابض على الجمْر" .
 يتوهَّم الإنسان أنَّ هذا الحديث مُتَعَلِّق بالمنهج، أي إذا أخذْتَ مِعشار هذا المنهَج تنْجو، بينما أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إذا تركوا العُشْرَ مِن هذا المنهج يهْلكون . والحقيقة أيُّها الأخوة ليس هذا هو المعنى، لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾

[سورةهود: 112]

 إنَّ الله أمر المؤمنين بِما أمر به المرسلين، صحيح أنَّ مقام الأنبياء مقام كبير لأنَّ معْرفتهم بالله كبيرة، ولأنَّ اتِّصالهم بالله دائِم، ولأنَّ نواياهم مِن السُّمو بحيث لا توصَف، ولكنَّ المنهَج الذي جاؤوا به مَنْهَجٌ واقِعي، وتَطبيقي، فَكُلّ الناس الذين آمنوا بهم يجب أن يُطَبِّقوا هذا المنْهَج، والحديث واضِح جدًا، ولكنّ ذاك الحديث مُنْصرِف إلى الأعمال الصالِحَة؛ أصحاب النبي معهم النبي صلى الله عليه وسلّم، والقرآن يتنزَّل عليهم، والوَحي بينهم، والآيات باهرة أمامهم، وقد صاروا أقْوِياء وأعِزَّاء، وكلمتهم هي العليا، فلو قصَّروا في العَمَل الصالِح وفي الجِهاد لَهَلَكوا.

 

لا يعرف الله من تردّد في بذل الخير :

 تروي بعض كتب السيرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم حينما أرْسَلَ غزْوة مُؤْتة، وجيَّشَ جَيْشَها، عيَّنَ سيِّدنا زَيْد بن حارِثَة القائِدَ الأوّل، فإذا قُتِل فَجَعْفر بن أبي طالب، فإذا قُتِل فَعَبْدُ الله بن رواحة، فسيِّدُنا زَيْد حمَل الرايَة فقاتل حتَّى قُتِلَ، وسيِّدنا جعفر حمَل الرايَة فقاتل حتَّى قُتِلَ، وجاء دَور سيّدنا عبد الله بن رواحة - ونحن قلنا إنّ هذه رواية بعض الكتب، فلا نقول إنَّ هذه قَطْعِيَّة ولكن يُستأنَسُ بها - فلمَّا رأى صاحِبَيْه قُتِلا سريعًا تردَّد بِمِقْدار بيْتَين مِن الشِّعْر؛ قال:

يا نفْسُ إلا تُقْتلي تموتي  هذا حِمام الموت قد صليتِ
إن تفْعَلي فِعْلَهُما رضيــتِ  وإن تَوَلَّيــــْت فقــــــد شَقيــــــتِ
***

 وأخذَ الراية فقاتل حتَّى قُتِل، والنبي عليه الصلاة والسلام وهو في المدينة قال: أخذ الراية أخوكم زيد فقاتَل بها حتَّى قُتِل، وإنِّي لرأى مقامهُ في الجنَّة، ثمَّ أخذَ الراية أخوكم جَعْفر فقاتَلَ حتَّى قُتِل، ثمَّ سكتَ النبي، ولما سكَتَ النبي عليه الصلاة والسلام قَلِقَ الصَّحابة على أخيهم عبد الله، فقالوا: ما فعل عبد الله؟ قال: ثمّ أخذ الرايَة فقاتل حتَّى قُتِلَ، وإنِّي لرأى في مقامِهِ اِزْوِرارًا عن صاحِبَيْه ! لأنّه تردَّد، فهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلَّم: "لو ترك أصحابي العُشْر لهَلكوا ".
 حدَّثني أخ كريم في هذه البلدة - الشام - قال لي: وأنا باتِّجاهي إلى المسْجِد سِرْتُ أمام حاوِيَة فإذا بها كيسٌ أسْوَد يتحرَّك، فاضْطربْتُ فمدَّ يدَهُ فإذا بِطِفْلٍ صغير وُلِدَ لِتَوِّه ألْقِيَ في الحاوِيَة، فالقِصَّة هنا انْتَهَتْ، وأنا أكْمَلْتُ هذه القصَّة مِن خيالي؛ لو أنَّ هذا الرَّجل أخذ هذا الكيس وتوجَّه إلى مُستشفى الأطفال ووضَعَهُ في الحاضِنَة إلى أن أصْبَحَ ذا صِحَّةٍ جيِّدة، وجاء بِهِ إلى البيت وقدَّم له أعْظم رِعايَة، إلى أن ترَعْرَعَ فأدْخله التَّعليم الابْتِدائي فالإعدادي فالثانوي، وإلى كليَّة الطب فنال الدكتوراه، وأرْسلَهُ إلى أمْريكا وزوَّجَهُ ابْنَتَهُ، واشْترى له بيتًا فَخْمًا وعِيادةً، وبعد حين هذا العمّ المُحْسِن والمُتَفضِّل يمْشي في الطريق فإذا به يرى صِهْرهُ الذي كان في الحاوِيَة يرْكَبُ سيارةً فقال له: يا بني أوصلني على البيت، فإذا بصِهْرِهِ هذا يتردَّد ثلاث ثواني؛ أليْسَ هذا التردُّد جريمةً في حقِّ هذا العمّ؟! فإذا الإنسان عرف إحْسان الله عز وجل لِمُجَرَّدِ أن يتردَّد في بذْل الخَيْر فَهُوَ لا يعرف الله.

النّعم التي تفضل الله بها على الإنسان :

 فالله عز وجل تفضَّل علينا بِنِعْمة الوُجود، فلو أنَّ الله تعالى شاء لنا ألا نكون فلما كنَّا الآن شيئًا، الدليل قوله تعالى:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾

[سورة الإنسان: 1]

 فهو تعالى أنْعَمَ عليك بِنِعمة الإيجاد ولكِنَّهُ أعْطاكَ جِسْمًا قال تعالى:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾

[سورة التين: 4]

 فهو تعالى أعْطاك عينين ولو كانت عينٌ واحِدَة لرأيْتَ بُعدًا واحِدًا، أما بالعينين فترى العُمْق وبالأُذُنَين تعرف جِهة الصَّوت، لو الإنسان درس جِسْمه لرأى شيئًا مُعْجِزًا، ونِظام الزَّوْجِيَّة ذَكَر وأنثى، إنسانة مُحَبَّبة لك، تُنْجِبُ إنسانًا صغيرًا كالوَرْدة يملأُ قلبَكَ سُرورًا، وتأكل مِن الفواكه ما لذَّ وطاب، فهذا الكون سُخِّر إلى الإنسان، فهذه نِعمة الإمْداد، ونِعمة الهُدى والرَّشاد فهو تعالى أرْسَلَ لك أنبياء ورسلاً وخُطباء وعلماء فَبَعْدَ هذا إن تردَّدْتَ بالعمل الصالح أكاد أقول لكم: إنَّ المؤمن إذا عرف الله ليس له خِيار، فهو لا يتردَّد في الخير، لذا حديث: " لو تركتم العُشْر لهَلَكْتُم " هذا الحديث مُتَعَلِّق بالأعمال الصالحة، أما المنهج الذي جاء به النبي فيجب أن يُطبِّقه كلّ مُسلِم لِيَنْجو، لذا الله تعالى أمرَ المؤمنين بِما أمر به المرسلين:

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهم عَنْه: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ؟ قَالَ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ))

[الترمذي عن ابن عباس ٍ]

 أي سورة هود، والذي شيَّبَهُ فيها آية واحدة وهي قوله تعالى:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾

[سورة هود: 112]

المنهج الإسلامي واحد لا يتجزأ :

 هذا الحديث خُطورتُهُ أنْ نتوهَّم أنَّنا إن صَلَّيْنا فقط نَجَوْنا! لا، المنهج لا يتجزأ، فكما أنَّ السيارة لا يمكن أن نفْصِل مُحَرِّكها والعجلات عن بعضهم والمقعد، فكذلك هذا الدِّين، فالإنسان إذا عمل الأعمال الصالِحَة ولم يطبَّق المنْهَج لا يقْطِفُ الثِّمار، والأعمال مَحْفوظة عند الله تعالى، ويُجازيك عنها أضْعافًا كثيرة، ولكن هذه الأعمال لا تكفي للوُصول إلى الله تعالى لأنَّ الطريق غير سالِكٍ:

(( عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ))

[الترمذي عن جابرٍ]

 فموضوع عِبادة اللات والعزَّى انتهى، ولن تجِدَ في جزيرة العرب إلهًا يُعْبَدُ من دون الله، ولكن رضِيَ فيما سِوى ذلك مِمَّا تَحْقِرون من أعمالكم، أليْسَ مَغْبونًا غَبْنًا شديدًا حينما يُحْجَبُ عن الله لِصَغائِر الذُّنوب؟ فهل يُعْقل أن تُحْجب عن الخير لِسَببٍ صغير كإطلاق البصر، والمُصافحة، فالمسلمون الآن الشيء الذي يحْجبهم عن الله ما يَحْقِرونه من ذُنوبهم فالعامَّة ولله الحمد لا يزْنون ولا يسرقون، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( إياك ومُحَقِّرات الذُّنوب))

[ النسائي عن عائشة]

نص الزوار

إخفاء الصور