- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠40برنامج المجالس الهاشمية - قناة التلفزيون الأردني
مقدمة :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اجعل صيامنا في هذا الشهر الكريم صيام المتقين، وقيامنا فيه قيام القانتين، وجنبنا فيه نومة الغافلين، وهب لنا فيه رضا يا إله العالمين، اللهم قربنا فيه إلى مرضاتك، وجنبنا فيه سخطك، ونقماتك، ووفقنا فيه لقراءة آياتك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، مندوب حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين ـ حفظه الله وسدد خطاه ـ العلماء الأجلاء ملح الأرض ضيوف مجلسنا الثاني لهذا العام، أصحاب السماحة، والفضل، والعلم، الأخوات الكريمات، أيها المشاهدون على شاشتنا الحبيبة ـ التلفزيون الأردني ـ على امتداد العالم كله، نلتقي في هذا اليوم المبارك، من هذا الشهر الكريم المبارك، في ظلال و أفياء أعين الهاشميين، الذين ما فتئوا يحفلون بالعلم والعلماء، ويعظمون شعائر الله بالاهتمام، والرعاية، والدعم، كما أن الواجب يفرض علينا شكر الجهود الكريمة والخيرة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، ممثلة بالعالم الجليل الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي، على الجهود المميزة التي أخرجت هذا العمل بهذا الشكل الرائع، لتكون هذه المجالس منارات علم وهدى، تسهم في نهضة الأمة، وتجيب على أسئلة العصر بلسان وسطي مبين، وبعد:
العنف و ممارسة القسوة على الآخرين :
أيها الأخوة الأحبة إنه العنف، بالتأكيد العنوان يدل على القسوة، فماذا لو غيرناه بالرحمة، إن الوصف بالرحمة تعبير متفائل حقاً، ولكنه بصراحة أقل كفاءة في نقد الواقع، وتصوير بشاعته، لكن دعونا نتجاوز ذلك، ونعترف بأن في العنوان قسوة، و سامحونا عن البحث عن المعاذير.
الكثير ضمن مجتمع العنف يمارسون القسوة على الآخرين، ويلقون بالمسؤوليات على غيرهم، العاطفة الحية هي المادة الرابطة بين اللبنات، ومن دونها يقع الاحتكاك، وينهار البرج المشيد، ثمّة مساحات كثيرة في العالم ينتشر فيها العنف، حيث تفتقد الإنسانية معناها، وترابطها، تُقلب المفاهيم والمصطلحات، إنها القصة التي تتكرر كل لحظة في كل مكان، في البيت، في العمل، في الشارع، في ساحات الحياة كلها، لقد وردت كلمة القسوة في القرآن الكريم في سبعة مواضع كلها في سياق الذم.
الأخوة الكرام، وردت كلمة القسوة في القرآن الكريم في سبعة مواضع، كلها سيقت في معرض الذم، قال تعالى :
﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾
﴿ وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾
﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾
نحن في هذا المجلس الكريم نتحدث عن المجتمع الإسلامي والعربي في كل مكان، لأننا نحس حجم المشكلة، ونلمس فداحة الضرر، من تنامي مشاعر العنف وممارساته، وإن كنا ندرك أن العنف أصبح معولماً في حركة المجتمعات؛ في الإعلام، والاقتصاد، والسياسة، بل والثقافة، والإعلام، ناهيك عن الحركات والجماعات التي تحتكر تمثيل الإسلام والتعبير عن الدين.
ترحيب حار بالضيوف الأعزاء :
للحديث في هذا الموضوع الهام يطيب لنا أن نرحب بثلة من علماء الأمة، وقادة الفكر والتجديد، ومشاعل النور، الذين شرفوا بحضورهم البهي مجلسنا هذا، وإن كانوا أراحوني عناء التفصيل بالتعريف، لأن المعروف لا يُعرّف، إلا أن واجب التكريم يفرض عليّ أن أعرف باختصار، فمجلسنا اليوم فيه بهاء طيف جميل، يمثل علماء من مصر، وسوريا، واليمن، والأردن، فأرحب باسمكم بداعية الشام سماحة الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الذين تعرفون، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين، له محاضرات وندوات على أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية، ومن كتبه: موسوعة أسماء الله الحسنى، الإعجاز العلمي، نظرات في الإسلام، تأملات في الإسلام، ومضات في الإسلام، وله موقع الكتروني نشط.
كما أرحب باسمكم بسماحة الدكتور زغلول راغب محمد النجار، أستاذ علوم الأرض، وزميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم، رئيس لجنة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، وهو عَلم من أعلام الدعوة الإسلامية.
كما اسمحوا لي أن أرحب بداعية الشباب والشياب، والرجال والنساء، الفقير إلى الله علي زين العابدين بن عبد الرحمن الجفري كما يحب أن نناديه، مؤسسة طاب للدراسات الإسلامية في أبو ظبي، وعضو مجلس أمناء دار المصطفى للدراسات الإسلامية بحضرموت، وعضو مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامية.
كما أرحب بالأستاذ الدكتور أحمد نوفل، ترجمان القرآن الذي يشنف الآذان دائماً بتفسير القرآن الكريم، المدرس في الجامعة الأردنية، والذي له عدة كتب في تفسير القرآن الكريم، وتعرفونه وهو يعرفكم.
بداية نبدأ مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، ربما كانت كلمة العنف من أكثر الكلمات إلحاحاً في المجالس، والمقابلات، والمؤتمرات، وعلى ألسنة الكُتّاب، والإعلاميين، والساسة، ذلك أن المجتمعات العربية والإسلامية خصوصاً بل والمجتمعات العالمية تشهد تحولات يكون من كبار هذه التحول انتشار العنف بين فئات المجتمع والشباب خصوصاً، مما ينعكس بانعدام الشعور بالأمن وظهور النفسية العدائية، التي تهدد هذا المجتمع بالتفتيت، ترى ما كل ذلك؟ ما تعريفه؟ وما أسبابه؟
التعريف الدقيق للإرهاب :
الدكتور راتب :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغرّ الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
سيادة وزير الأوقاف! الأخوة الكرام! أصحاب الفضل والبيان والقرار! أيها الأخوة الحضور! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإرهاب بالتعريف الدقيق المعتمد كل فعل من أفعال العنف، أو التهديد به، أياً كانت بواعثه، أو أغراضه، ويقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم، بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم، للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، أو الأملاك العامة، أو الخاصة، أو احتلالها، أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.
ولكن أيها الأخوة، قبل أن أتابع الحرب العالمية الثالثة المعلنة على المسلمين من مظاهرها أن كل عمل عنيف على وجه الأرض يُعزى ابتداءً للمسلمين، فإن ثبت العكس يسكتون عن هذا العكس، لذلك يتوهم من يستمع إلى الأخبار أن كل أعمال العنف من صنع المسلمين، لي صديق يعمل رئيس الجالية الإسلامية في أمريكا، أجرى دراسة علمية كلفته مدة طويلة، النتيجة أن نسبة المسلمين في أعمال العنف لا تزيد عن اثنين بالمئة، والدراسة موجودة، لذلك جزء من الحرب العالمية الثالثة المعلنة على الإسلام تضخيم أعمال العنف وعزوها إلى المسلمين.
قضية العنف والغلو والتطرف من أصعب ما ابتليت به الأمة الإسلامية :
أيها الأخوة، إن الكشف عن جذور التطرف، والعنف، والإرهاب، إنّ معرفة أسبابه هو موضوع الساعة، وهو في نظرنا من أشد الموضوعات خطورةً، ومن أكثرها أثراً، وأجدرها بالدرس المتأني، ذلك أن الأمة اليوم تواجه مشكلات الحضارة، وتحديات العصر، ومعركة البقاء، ولا تواجه ذلك كله وهي على منهج واحد، بل هناك مناهج نبتت من خلال الابتعاد عن المنهج الأمثل، المنهج الحق، الذي ارتضاه رب العالمين لعباده المؤمنين، يقول الله عز وجل:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام، حضوراً ومستمعين ومشاهدين، إن مما ابتليت به الأمة الإسلامية قضية العنف، والغلو، والتطرف، التي عصف زوابعها بأذهان البسطاء من الأمة، و جهالها، وافتتن بها أهل الأهواء الذين زاغت قلوبهم عن اتباع الحق، وصار همها الأوحد إرغام خصومها على اعتناق آرائها بأية وسيلة كانت، فراح بعضهم يصدر أحكاماً، ويفعل إجراماً، يكفِّرون، و يفجِّرون، ويعيثون في الأرض فساداً، ويظهر فيهم العنف، والتطرف، إفراطاً وتفريطاً.
الوسطيةمن أبرز خصائص الدين الإسلامي :
أيها الأخوة، من أبرز خصائص هذا الدين القويم الوسطية، فلا إفراط، ولا تفريط، ولا غلو، ولا تقصير، ولا طغيان، ولا شطط، ولا تهميش، كلّ يأخذ حقه بالقسطاس المستقيم، فالإسلام وسط بين المادية المقيتة والروحية الحالمة، بين الواقعية المرة والمثالية التخيلية، بين الفردية الطاغية والجماعية الساحقة، بين الثبات الرتيب والتغير المضطرب، بين الحاجات الملحة والقيم البعيدة، بين العقلانية الباردة والعاطفية المتقدة، بين نوازع الجسد ومتطلبات الروح.
أيها الأخوة الكرام، والأمة في أمس الحاجة إلى جيل يكون ناهضاً بمستقبلها، تتمثل فيه صحة الجسد، وطُهرُ النفس، ورجاحة العقل، قد بُني بناء متوازناً، هذا البناء وفَّق بين المادة والروح، وبين الحاجات والقيم، ويسعى لإصلاح الدنيا والآخرة معاً، هذا البناء بني به الإنسان بناءً يجعله إنساناً متميزاً، يرى ما لا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون، يتمتع بوعي عميق، وإدراك دقيق، له قلبٌ كبير، وعزم متين، وإرادة صلبة، هدفه أكبر من حاجاته، ورسالته أسمى من رغباته، يملك نفسه ولا تملكه، يقود هواه ولا ينقاد له، تحكمه القيم ويحتكم إليها، من دون أن يُسخرها أو يسخر منها، يُحسن فهم هذا الدين القويم، ويُحسن تطبيقه، ويُحسن عرضه على الطرف الآخر.
مثل هذا الجيل يحتاج في بنائه إلى داعية واع لخطورة رسالته، مخلص في أدائها، متسلح بالعلم والقيم، حتى يُبرز خصائص وسطية الإسلام.
عالم غربي قال كلمة في بريطانيا، قال : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اليوم اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين لا لأنهم أقوياء، ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام، ولكن بشرط أن يحسنوا فهم دينهم، ويحسنوا تطبيقه، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر.
أسباب الإرهاب السياسية :
1 ـ البعد عن شريعة الله :
أما أسباب الإرهاب السياسية، إنّ البعد عن شريعة الله هو سبب الضلال، والعمى، والشقاء الذي نعاني منه الآن في كثير من بلدان المسلمين، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
والمعيشة الضنك هي الضيق، والشقاء، والإرهاب.
2 ـ الإحباط السياسي :
ثانياً: الإحباط السياسي: فالمنع، والقمع، والتصدي لكل ما هو إسلامي، وهذا من شأنه أن يولّد ردود الأفعال الغاضبة التي لا تجد ما تصب به غضبها إلا امتطاء صهوة الإرهاب.
إهمال الرعية أو التقصير في أمورهم وما يصلحهم، سأل سيدنا عمر أحد الولاة: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ فبحسب الشرع الإسلامي قال له: أقطع يده، فقال سيدنا عمر للوالي: إذاً إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه، لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر له حرفتهم، فإن وفرنا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
أيها الأخوة الكرام، المظالم التي ترتكب من قِبَل منْ شأنهُم أن يعدلوا بين الناس فهذا يوجد روحاً من السخط تولد الفرصة للتعبير عن الرأي الذي حقر، أو سجن، أو عوقب صاحبه وضيق عليه.
3 ـ الاستعمار و السيطرة الاستعمارية و انتهاك حقوق الناس :
ثالثاً: الاستعمار، والسيطرة الاستعمارية، وانتهاك حقوق الناس، وأخذ أموالهم بالباطل، واحتلال الأراضي، وانتهاك الحرمات، والقتل، والتدمير، والاغتصاب، وإجبار الناس على النزوح عن أرضهم، هذا يُولد الإرهاب، والعنف، والتطرف.
هذه الأسباب السياسية.
أسباب الإرهاب الفكرية :
1 ـ الجهل بقواعد الإسلام :
أما الأسباب الفكرية، فهي الجهل بقواعد الإسلام، وآدابه،ن وسلوكه، إنّ من علامات الساعة أن يتحدث أحداث الأسنان في شأن العامة، والقضايا المصيرية.
2 ـ الجهل بمقاصد الشريعة :
الجهل بمقاصد الشريعة، والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت، أو الأخذ فيها بالنظر الأول، ولا يكون ذلك إلا ممن رسخ في العلم.
3 ـ اعتماد الشباب بعضهم على بعضٍ دون الرجوع إلى العلماء :
اعتماد الشباب بعضهم على بعضٍ دون الرجوع إلى العلماء: يقول ابن مسعود رضي الله عنه:
(( لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن أمنائهم، وعلمائهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا ))
الأسباب النفسية للإرهاب :
1 ـ حب الظهور والشهرة :
أما الأسباب النفسية للإرهاب، حب الظهور والشهرة، حيث لا يكون الشخص مؤهلاً فيبحث عما يؤهله باطلاً، فيشعر ولو بالتخريب، والقتل، والتدمير، أنه أكّد ذاته.
2 ـ الإحباط :
الإحباط: أحد أسباب الإرهاب الإحباط، والخروج على النظام، وعلى العادات والتقاليد، هذا الإحباط وراء هذه التجاوزات، يشعر الشخص بخيبة أمل في نيل حقه، أو الحصول على ما يصلحه، عندئذ يلتجئ لهذا الطريق غير الصحيح.
شكراً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا التفصيل، عن أسباب العنف وربطه بالإرهاب، وإن كان موضوعنا الرئيسي الحديث عن العنف بأبعاده الاجتماعية، وآثاره وسبل علاجه، نسمع من الأخوة العلماء أيضاً بحدود دقيقتين إذا كان هناك إضافة أو تعليق، يمكن أن يثري الموضوع.
أمية العقيدة وأمية الكتابة والقراءة أحد أسباب العنف في المجتمع :
الدكتور زغلول النجار :
بشقيها أمية العقيدة وأمية الكتابة والقراءة هذا أحد الأسباب، لأن الإنسان إذا فقد العلم اتجه إلى القوى المادية، والقوى المادية تؤدي إلى أحداث كل مظاهر العنف التي نراها، على مستوى الأسرة، والمجتمع، و العالم، فإهمال التعليم هو أحد الأسباب الرئيسة لانتشار العنف في بلادنا ، والتعليم بشقيه المدني والشرعي الذي يُفهم الإنسان حقيقة استهدافه في هذه الحياة عبداً لله، خلقه الله عز وجل لمهمة محددة وهي مهمة ذات شقين، أولها: عبادة الله عز وجل بما أمر، والآخر: حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض لعمارتها وإقامة شرع الله فيها، هذا ما عندي وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد.
التعدي على الآخرين بالضرب أحد أسباب العنف في المجتمع :
علي زين العابدين بن عبد الرحمن الجفري:
الحمد لله، أنواع العنف الأخرى الداخلية التي نعيشها في أسرنا اليوم، التعدي على النساء بالضرب، التعدي على الرجال بالضرب، التعدي على الأطفال بالضرب، العنف الاجتماعي، العنف الدعوي في كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مجمل هذه النواحي من العنف التي تمارس اليوم، أنه فعل يضاد الرفق، وهو مخالف بالأصل للدعوة إلى الله عز وجل،
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
المذيع:
ننتقل إلى المحور الثاني في هذا المجلس الكريم الدعوة إلى الله حرفة، تحتاج هذه الحرفة إلى إتقان، وإلى رفق، وأنها تؤثر على نشر دين الله عز وجل، و الله عز وجل خاطبنا:
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إن اللَّه رفيق يُحبُّ الرَّفْق في الأمر كلَّه ))
الخطاب الديني مسؤول عن إشاعة ثقافة القرب والرحمة بين الناس، وليس مسؤولاً عن إبلاغهم دخولهم جهنم، وتصنيفهم، وتجهيلهم، وتكفيرهم، والأحكام المسبقة على المجتمعات، وتقسيم العالم إلى فسطاطين، فسطاط حق يمثلونه، وفسطاط باطل يقاتلونه، ترى فضيلة الشيخ الحبيب الجفري وأنت ممن يبشرنا بثقافة الحب مقابل ثقافة الكراهية، ماذا يواجه شباب الأمة وأبناءها في هذا الإطار؟
إشكالية العنف في الدعوة إلى الله إشكالية موجودة منذ الرعيل الأول :
علي زين العابدين بن عبد الرحمن الجفري:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد:
الحديث عن العنف في الدعوة إلى الله عز وجل حديث ذو شجون، إذ أن إشكالية العنف في الدعوة إلى الله إشكالية متجذرة ليست بجديدة، هي موجودة منذ الرعيل الأول، غير أن الفرق بين الأمس واليوم، أن الرعيل الأول كان زمام الدعوة إلى الله فيه لدى العلماء الربانيين المؤهلين، وكان ولاة الأمر إما أن يكونوا هم من العلماء الدعاة أو ممن يرجعون إلى العلماء الدعاة في الأمور المتعلقة بالدين، لما كان الأمر كذلك، مهما تكرر ظهور من أرادوا الأخذ بزمام العنف في ميدان الدعوة إلى الله كان الولاة والعلماء يجتمعون على الأخذ على أيدي أولئك، وعلى منعهم مما يفعلونه، إذ خاطب الله عز وجل سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام فجعل التأصيل أي الأصل في الدعوة إلى الله يرجع إلى اللين لا إلى العنف، والآية في القرآن الكريم هاهنا صريحة، لكن قبل أن أذكر الآية دعوني أخاطب شيئاً ربما يجول في كثير من النفوس، الحديث هنا عن التأصيل، ليس الحديث هنا عن أمر يكون مضاداً للجهاد في سبيل الله أو الدفاع عن المقدسات والحرمات، الكلام هنا عن تأصيل في الدعوة إلى الله، لأن الناس اليوم من كثرة ما صاروا يسمعون عن مضاد العنف اختلط في العقول قضية المقاومة المشروعة للاعتداء الغاشم، الكلام ليس في هذا الباب.
سرّ نجاح الدعوة إلى الله تأسيس الدعاة على الرحمة و الرأفة :
نعود إلى ما كنا في صدده، الحديث هنا عن منهج في الدعوة إلى الله عز وجل، في الدعوة إلى الله عز وجل قال الله لنا:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
وتأملوا هنا العفو يأتي مقابل ماذا؟ الخطأ:
﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
والاستغفار يأتي مقابل ماذا؟ الذنب، الحق سبحانه وتعالى يقول للمعصوم صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء الذين يحيطون بك، وفيهم من يخطئ فيحتاج إلى عفوك، وفيهم من يذنب فيحتاج إلى استغفارك، هؤلاء يا أكمل الناس عقلاً:
﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
فجعل الأساس في الصلة لين الجانب من قبل الداعي إلى المدعو، وجعل هذا اللين متصلاً برحمة الله عز وجل، وقد كان العلماء يدرسوننا منذ الصغر الحديث الذي يسميه المحدثون: المسلسل بالأولية، أي أنه أول حديث يتلقاه التلميذ عن الشيخ بسند متصل، والشيخ يقول له: حدثني شيخي فلان وكان أول ما سمعت منه، الحديث هو قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( الراحمون يرحمهم الرحمن ))
(( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ))
هذا المسلسل بالأولية يُعلمنا أن التغذية الأولى لمن يريد أن يخدم الدعوة إلى الله عز وجل ينبغي أن تكون قبل التعلم للأحكام الاستشعار بمعنى الرحمة، أي أن الأساس في الصلة بينه وبين ما يحيط به من الوجود هو الرحمة لكل ما هو موجود، فتأسيس الدعاة إلى الله عز وجل على هذا الأساس يحمل الدعاة إلى النظر إلى حسن التعامل مع المدعويين على أنه جزء من معاملتهم مع الله عز وجل، بمعنى أن سرّ الدعوة أو سرّ نجاح الدعوة وأثرها في العالم أحوال قلب الداعية، إذا نظر الله عز وجل إلى قلب الداعي فوجد الرحمة تملأ قلبه، والمحبة تأخذ بجنبات قلبه، رحم الله هذا الداعي ورحم به عباده، وإذا رأى بالداعي إلى الله السخط، السخط على الناس، ورأى فيه الغلظة، والنقمة، ورآه يستخدم الدين كوسيلة للتنفيس عن غرضه تجاه المجتمع الذي يحيط به، لن يستخدم هذا الداعي إلى الله ليكون سبباً لهداية البشر، هذا الأساس الذي ينبني عليه أمر الرفق في الدعوة إلى الله.
مجالات الدعوة إلى الله عز وجل :
ثم إن في ميدان الدعوة إلى الله عز وجل عدة مجالات قد لا يتسع الوقت لبسطها، وتفادياً لانقضاء الوقت ألخصها في ثلاثة أشياء، وهي تتفرع عن ثلاثة مجالات كثيرة، المجال الأول: الدعوة الداخلية، أي دعوة المسلمين، والمجال الثاني: الدعوة الخارجية، دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، والمجال الثالث: الدعوة الخاصة، وهي المتعلقة بالعلماء الربانيين الذين مهمتهم ترقية قلوب من يرتبط بهم في المعاملة مع الله، في تطهير هذه القلوب، وملئها بنور المعاملة الخاصة مع الله عز وجل المعبر عنها بالتزكية.
الإشكالات التي نعانيها اليوم في ميدان الدعوة إلى الله عز وجل :
1 ـ طريقة الخطاب الذي يمتلئ بالحكم على الناس :
أما النوع الأول من الدعوة إلى الله عز وجل وهو دعوة المسلمين داخلياً، من الإشكالات التي نعانيها اليوم في ميدان الدعوة أن البعض قد يأخذه حرص على هداية الناس مأخذ الدفع بالناس نحو ما يريد، ويتمثل العنف إما بطريقة الخطاب الذي يمتلئ بالحكم على الناس، الفساق، الفجار، الداعرات، العاهرات، هذه الألقاب التي للأسف أصبحت بكثرة تتردد من على منابرنا، وكان النبي عليه الصلاة والسلام لم يعهد عنه أن يكون منبره على هذا النحو من الخطاب، هب أن من تتحدث عنه تحرك قلبه قليلاً، وأراد أن يسمع ما يُقربه إلى الله فجاء إلى مجلسك، فإذا به يسمع كلاماً عنه بهذه الغلظة.
فحمل الناس بالدفع على هذا النحو لا يترتب عليه هداية للخلق، ربما تترتب عليه معان من إعجاب البعض من الذين تضرروا من هذا الباطل المحيط بهم فيُعجبون بالخطيب، فتنال شيئاً من الثناء، ما شاء الله الخطيب هذا ما تأخذه في الله لومة لائم، هذا لا يخاف إلا الله، هذا يتكلم بالإشكالات الموجودة، هناك رياء يحصل تجاه السلطان، هناك رياء آخر يحصل تجاه المستمعين، فالذي يصعد المنبر، وهو مرتبط برضا المستمعين عما يقول لا يقل إثماً عمن يصعد المنبر ومرتبط برضا الحاكم لما يقول ، والداعي إلى الله عز وجل لا يرقب رضا الحاكم ولا رضا المحكوم، وإنما يطلب رضوان الله عز وجل، فإذا استشعر الذي يصعد إلى المنبر أن مهمته من على المنبر جمع قلوب الخلق على الخالق لم يلتفت للبحث عن الألفاظ الطنانة، التي تشعر الناس بالهيجان وبالتالي الثناء على هذا الداعي إلى الله.
أيضاً هناك عنف آخر غير العنف اللفظي الذي يقوم على التسمية، وبالمناسبة العنف اللفظي الذي يقوم على التسمية فيه إشكالية أن البعض أسرف في ذكر النار والعذاب إلى الحد الذي فقد فيه ذكر الناس الأثر المرجو منه، الله عز وجل ذكر النار وهدد بالنار في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية كي يرهب القلوب المؤمنة فترهب الأنفس عن الباطل، المريض الذي يسرف في أكل السكريات وعنده السكر، إذا لم يفهم، نقول له: تفقد عيونك، هذا الترهيب إشعاره أن العاقبة السيئة تجعله ييئس، لو أن هذا المريض في كل سفرة يقولون له: انتبه لا تأكل تفقد عيونك، تفقد عيونك، تفقد عيونك، يفقد الإحساس بالأثر، يقول: يا أخي دعوني آكل هذه الأكلة وللقبر، يفقد الإحساس بمعنى الترهيب، كذلك الإسراف في ذكر النار والعذاب وعذاب القبر، وما يترتب عليه، قد يصل بسبب الإكثار منه من على منابرنا إلى التنفير وليس الترهيب المرجو، والمراد منه.
2 ـ التركيز على الترهيب مع ترك الترغيب والتشويق :
أيضاً التركيز على الترهيب مع ترك الترغيب والتشويق يبني نفسية المتدين الصاخب الذي الأصل في تعامله مع كل ما يحيط به الرفض التهديد، فإذا تطور هذا المتدين الساخط على أيدي بعض الجماعات المتطرفة تحول إلى مادة جاهزة للتفجير.
3 ـ العنف اليدوي :
الجزء الآخر وهو العنف اليدوي المستخدم فيه اليد أو السلاح، وهو ناتج عن جهل ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها ضوابط لا يتسع الوقت الآن لبسطها، لكن عند جهل ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينشأ عندنا شباب ولاحظوا كلمة العنف من حيث النطق لها ارتباط بعنفوان الشباب، وإن كان بعض علماء اللغة قالوا: إن الأصل في عنفوان، مأخوذة، استبدل فيها العين بالألف، الأصل فيها الأنف مقدمة الشيء، وبداية العمر، لكن هناك ارتباط باللغة، العنف والعنفوان، لحظة عنفوان الشباب، الشاب عنده تمرد، عنده إرادة للتغيير، فإذا صار الخطاب الإسلامي يتوجه إليه بِحَثِه على التغيير بالقوة كان هذا الأمر ما ينتج عنه أولاً: نفرة عن التدين في مجتمعنا وهذه مسألة خطيرة، الآن بعد سنوات الصحوة التي كنا سعيدين بها سامحوني إن قلت لكم: نحن نشهد الآن مرحلة ارتداد عن الصحوة، لا أقول عن الدين، نكوث في الصحوة، وأحد أسباب هذا أخطاء ارتكبت في الخطاب الإسلامي قوبلت بأخطاء في التعامل مع هذه الأخطاء من جهات عدة، ينبغي التنبه للشباب الذي يتربى بين ظهرانينا، بحاجة إلى الترغيب والتشويق أكثر من حاجتهم إلى غير ذلك، واستخدام اليد في تغيير المنكر على غير النحو الصحيح أورث ما يحصل اليوم من تكسير، وحرق، وتفجير، وسبحان الله الذي يسير في هذا الطريق تحصل عنده ردة الفعل، قرأت مقالات عن بعض الشباب الذين يحسبون اليوم على الليبراليين، يقول: أنا في يوم من الأيام كنت متديناً، وكانت النتيجة أني استخدمت في تفجير محل فيديو، فُتح حديثاً لاستئجار أشرطة الفيديو في منطقتنا، أرأيت أن امتداد ردة الفعل إلى العكس كانت نتيجة لدفع الشباب نحو استخدام العنف، ولا أفضل، ولا أطيب، ولا أعظم من منهج جاء به النبي عليه الصلاة والسلام وهو منهج:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
.
العلاج الذي نحتاجه في حلّ هذه الإشكاليات إعادة النظر في تأهيل الدعاة :
وأخيراً أقول: إن العلاج الذي نحتاجه في هذه الإشكالية التي طرحت على عجل هو إعادة النظر في تأهيل الدعاة، دققوا هنا الاكتفاء بالمنهجية الأكاديمية في إعداد العلماء والدعاة أثبتت فشلها في السنوات الماضية، نحتاج مع الاستفادة من المنهجية الأكاديمية إلى عودة الارتباط بالمشايخ المربين، لم يتسع الوقت من ذكر القسم الثالث من الدعوة، عودة مسألة التربية، والقدوة، والارتباط في منهجيات إعداد الدعاة هي التي تملأ قلوب الدعاة بمعنى الخبرة وطلبة العلم، فلا تحصل القفزات التي نشتكي منها اليوم، وجزاكم الله خيراً.
المذيع:
أعتقد أن هذا من المواضيع الحساسة والمحاور الهامة في الدعوة إلى الله عز وجل والتعامل مع غير المسلمين، ومن تقديم صورة مشوهة خاطئة عن هذا الدين العظيم لأنه نزل رحمة للعالمين، ويجب أن يقدم بأيدي حانية رحيمة، وجرير يقول: "ما لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا ضاحكاً مستبشراً"، نحب أن نسمع الدكتور محمد راتب النابلسي ما كنا قد منعناه.
الابتعاد عن التداخل بين آداب الدعوة و آداب الجهاد :
الدكتور راتب :
عند بعض الدعاة تتداخل آداب الدعوة وآداب الجهاد، فالله يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
هذه في الحرب لا في الدعوة بينما في الدعوة:
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
هذه الآية أخلاق الدعوة، وتلك الآية أخلاق الجهاد، الجهاد له ميدان، والدعوة لها ميدان، فإذا تداخلت هذه الأوراق وقعنا فيما تفضل به الأستاذ الجليل.
المذيع:
طبعاً بين المتحدثين أريد أن أؤكد على الأخوة بضرورة تزويدي بالأسئلة مكتوبة.
افتتاح العلم بالراحمين يرحمهم الرحمن :
دكتور أحمد:
الحقيقة ألفت النظر للحديث الذي افتتح فيه تعليم العلم الشرعي:
(( الراحمون يرحمهم الرحمن ))
(( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ))
دكتور زغلول:
ما عندي ما أضيف.
المذيع:
جزاك الله خيراً، هذا الأمر مسؤولية كبيرة في أن نقدم الإسلام بالصورة اللائقة والصورة الجميلة، وأن نبتعد عن العنف والحدة في الدعوة، والغلظة في التعامل بيننا وبين المسلمين، ونقدم هذا الإسلام بصورة تجعل الناس يحبون هذا الدين، ويدخلون فيه، كما دخلوا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
اللين في الدعوة إلى الله عز وجل :
الدكتور راتب :
إذا وجه الله نبيه سيدنا موسى إلى فرعون:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
والذي قال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾
فما بال الدعاة يخاطبون المسلمين بقسوة؟
المذيع:
جزاك الله خيراً، هذه السعة الكبيرة وهذه الروح التي دفعها النبي عليه الصلاة والسلام في المسلمين تضمر، وتضعف، نتيجة عوامل الإحباط، ونتيجة الهزيمة أحياناً للداعية عندما لا يحس أنه مسؤول عن إدخال هؤلاء لدين الله عز وجل، وحتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد جنازة يهودي فقال: "نفس أفلتت مني إلى النار "، ولم يتحدث بما يخطر في بال إنسان عندما يرى جنازة عدو.
بالتأكيد الآن لدينا من الوقت مع الدكتور زغلول النجار لنتحدث عن ظاهرة العنف الأسري، أهدت إحداهن لزوجها ساعة في ذكرى زواجهما، قدمتها له وهي تطير فرحاً، فسألها مباشرة: كم ثمنها؟ فأخبرته، فقال له: غبية مضحوك عليك، لا تستأهل هذه الساعة كثيراً، إنها غالية جداً.
وقدم رجل لامرأته وردة حمراء جميلة فشمتها ثم ألقتها وقالت: ليس لها رائحة، وقد قال: الكلمة الطيبة صدقة، أحببت بهذين المثالين أن نفتح الحديث في موضوع العنف الأسري الذي يهدد الخلية الحيوية للمجتمع الإسلامي، يهدد الطفولة، دكتور زغلول هذا الموضوع متشعب، والمعاناة فيه واسعة، وخاصة مع بعد الناس عن الدين، والتحلل القيمي الذي يسود كثيراً من المجتمعات نتيجة العولمة التي تفرض على بلاد المسلمين، تفضل.
تحريم الإسلام للعنف لأن الإنسان مخلوق مكرم عند الله عز وجل :
الدكتور زغلول النجار :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، مندوب حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين المفدى حفظه الله، أصحاب السماحة، أحمد الله تعالى إليكم وأصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، وأحييكم مرة أخرى بتحية الإسلام وتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الإنسان في الإسلام مخلوق مكرم، خلقه ربنا تعالى بيديه، ونفخ فيه من روحه، وعلمه من علمه، وأسجد له الملائكة، وأدخله جنته، ثم استخلفه في الأرض، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، والإنسان الذي كرمه الله عز وجل لا يجوز لأي سبب من الأسباب أن يهان، أو أن تهان كرامته، لذلك الإسلام يحرم ما يعرف الآن باسم العنف، بصفة عامة العنف المجتمعي، والعنف الأسري بصنف خاص.
والعنف كما عرفه الأخوة هو استخدام القوة المادية بطريقة مفرطة، وبغير حق واضح، ضد فرد من أفراد الأسرة، فرد من أفراد المجتمع، بإلحاق الضرر به مادياً، أو معنوياً، أو الضرر ببعض مصالحه، والإنسان هذا المخلوق المكرم جعله الله عز وجل مخلوقاً اجتماعياً، لا يستطيع الحياة بمفرده، ومن هنا كانت ضرورة قيام المجتمعات، وضرورة وجود عدد من الضوابط التي تحكم تلك المجتمعات، من أجل تيسير التعايش بين الأفراد، وتنظيم علاقاتهم في بعضهم البعض، في داخل الأسرة والمجتمع، وفي التعامل بين المجتمعات المتعددة، وركيزة تلك الضوابط فهم الإنسان لحقيقة رسالته في هذه الحياة عبداً لله خلقه ربنا تبارك وتعالى بمهمة محددة، أولها: عبادة الله عز وجل في الأرض، وآخرها: حسن القيام بواجب الأسرة في الأرض بعمارتها، وقيام شرع الله فيها.
حاجة الإنسان إلى التربية والتعليم منذ نعومة أظفاره :
والإنسان مخلوق عاقل مكلف، ذو إرادة حرة، وبحكم تكوينه من طين الأرض ونفخة الروح يصبح مزوداً باستعدادات نفسية متساوية للخير والشر، لذلك قال تعالى:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
ومن هنا كانت حاجة الإنسان إلى التربية والتعليم منذ نعومة أظفاره، ولذلك قال الله عز وجل:
﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
وهناك تبعات مترتبة على منح الله للإنسان العقل والحواس القادرة على الاختيار بين الحق والباطل، ومن رحمة الله عز وجل بهذا الإنسان أنه لن يكله إلى هذه الحواس، ولا إلى العقل، ولا إلى الإيمان الفطري، الذي غرسه الله عز وجل في جبلته الإنسانية، ولكن الله عز وجل أرسل الرسل والأنبياء، مذكراً للإنسان لحقيقة سيادته في هذه الحياة، وأقام الموازين الدقيقة بعلاقة الإنسان بربه وبغيره من خلق الله، حتى يكون قادراً على تحمل تبعات التكليف في الحياة الدنيا، فإن لم يدرك الإنسان أخطار عاقبة ما يفعله في هذه الحياة الدنيا فإنه يخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
ممارسة الإنسان للعنف في المجتمع من عوامل إفساد الإنسان لرسالته :
ومن عوامل إفساد الإنسان لرسالته في الحياة ممارسته للعنف في المجتمع الذي يعيش فيه، وأول ما يمارس العنف أن يكون في داخل الأسرة، لأن الأسرة هي لبنة بناء المجتمع، والعنف داخل الأسرة التي يفترض أنها تقوم على المودة والرحمة أمر مغاير تماماً للفطرة التي فطرها الله عز وجل الناس عليها، العنف قد يكون بين الزوج والزوجة، بين الأبناء، بين الأبناء والوالدين، علماً بأن الله عز وجل قد وضع ضوابط بشكل فائق الدقة.
أسباب العنف البشري :
من أسباب العنف الأسري، غياب أو ضعف الوازع الديني، ينقل المسلم من انتصار للحق الذي علمنا الله عز وجل إياه إلى العصبيات الضيقة، الأنانية الشخصية، العصبية القبلية العشائرية، الجنسية، العرقية، انتشار الأمية بشقيها، أمية القراءة والكتابة، أمية العقيدة، لأن ربنا أسجد ملائكته لآدم عليه السلام بما حباه به من علم.
سوء تربية الناشئة منذ بدء الإدراك، إذا نشأ الطفل في بيئة يسود فيها العنف. غياب أساليب الحوار والمشاورة داخل الأسرة الواحدة نتيجة للجهل، أو لسوء الاختيار، عدم التوافق الأسري مما يؤدي إلى الطلاق في النهاية، وتشتيت الأسرة والأبناء، انتشار العنف في وسائل الإعلام بصفة عامة، الإدمان من بعض الأفراد على تعاطي المسكرات، المخدرات، انتشار البطالة والفقر، تعثر الأبناء في التحصيل الدراسي، أو فشلهم فيه، والخروج من التعليم أو من البيت بالكامل، رفقة السوء، بالنسبة لأي من الزوجين أو الأبناء، عدم وعي الوالدين بمتطلبات المراحل العمرية المتتالية في حياة الأبناء، زيادة بعض العادات والتقاليد الخاطئة، مثل التعصب الأعمى للعشيرة أو القبيلة، أو انتقام العرض أو الشرف.
هذه الظاهرة إذا انتشرت في الأسرة تدمرها بالكامل، والأسرة كما أشرت إذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع، هذا العنف يؤدي إلى تدمير شخصية أفراد الأسرة، خاصة الناشئة منها، وتعريضهم للإصابة بالعديد من العقد والأمراض النفسية، تؤدي في النهاية إلى انهيار الأسرة بالكامل، بسبب استخدام العنف بين أفرادها، ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع، مما يهدد أمنه واستقراره، إصابة الشباب باليأس، والانحراف، الذي يؤدي في النهاية إلى جرائم القتل، أو الانتحار، أو التخريب في المجتمع، إشاعة الفوضى في المجتمعات مما يعيق التنمية بالكامل، ويضعف الأمة، كثرة ضحايا العنف الأسري، وهم الأفراد الأضعف في الأسرة، وهم عادة المرأة، أو الصغار والكبار الطاعنون في السن، أو المعاقون، مما يؤدي إلى ضياع المجتمع.
بناء الأسرة على أسس إسلامية صحيحة يكون بـ :
1 ـ الاهتمام ببناء الفرد :
كيف عالج الإسلام مثل هذه الحالات؟ طبعاً الإسلام يهتم ببناء الفرد أولاً الذي تنبني منه الأسرة، فضرورة العمل على إصلاح الفرد، وذلك بمحاربة الأمية بشقيها القراءة والكتابة، وأمية العقيدة، الدعوة إلى الالتزام بالعبادة المفروضة، العمل على حسن التربية للنشء، تعليم الأبوين القواعد الصحيحة، تنشئة أبنائهما التنشئة الإسلامية القائمة على أس من فهم الإنسان لرسالته في هذه الحياة، وكيف يجب أن تقوم على حسن الصلة بالله وبالناس، ومن ضرورة تحقيق السلم في المجتمع، والالتزام بمكارم الأخلاق، وبحقوق الأخوة الإنسانية، وما تستتبعه من ضرورات التكافل والتراحم بين الناس، والتي تعمل على إحياء الضمير، وبناء الشخصية السوية، والملتزمة بمسؤولياتها تجاه الأسرة التي ينتمي إليها، والمجتمع الذي يحيا فيه، والمحافظة على دينه، وكرامة أفراده، وحرمة دمائهم، وأعراضهم، وأموالهم، وأمنهم، في تكافل مادي ومعنوي صحيح، والعمل على النهوض بهذا المجتمع بالجد، والاجتهاد، والعمل المتواصل، في ظل من المحافظة على حرمات الآخرين، وحقوقهم، بتحقيق العدل والمساواة بين الجميع.
2 ـ الحرص على حسن بناء الأسرة المسلمة على قواعد من المودة والرحمة
الحرص على حسن بناء الأسرة المسلمة، على قواعد من المودة والرحمة كما شرع الله عز وجل، لأن الأسرة هي لبنة من المجتمع، وتربية الأبناء ضمن الأسرة، وتكون شخصيتهم فيها، لذلك يقول الله عز وجل:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
وهذه السكينة تتنافى مع استخدام العنف، لذلك قال تعالى:
﴿ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
3 ـ حسن اختيار كل من الزوجين لرفيق حياته على أساس من الدين والتكافؤ والتكافل :
و رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا بأحاديث كثيرة فيقول:
((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))
ونهى عن الظلم نهياً قاطعاً:
(( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ))
الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم، من ذلك حسن اختيار كل من الزوجين لرفيق حياته على أساس من الدين، والتكافؤ، والتكافل، والتراحم، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إذا جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( خيروا لنطفكم ، فانكحوا الأكفاء ، وأنكحوا إليهم ))
ويقول:
(( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك ))
4 ـ وضع التشريعات لحماية الأسرة :
من ذلك أيضاً وضع التشريعات لحماية الأسرة، وتأكيد أن الإسلام يساوي بين الزوجين في الحقوق والواجبات مساواة كاملة، مع مراعاة الخصوصيات الفطرية والوظيفية لكل منهما، والتي يكمل بعضها بعضاً، ووزع مسؤولية الأسرة بينهما في فواصل تحكمها الرحمة، وتحترم فيه أواصل الرحمة.
5 ـ علاج قضية الأنثى المسلمة علاجاً يجمع بين النهوض بها والمحافظة عليها :
ضرورة علاج قضية الأنثى المسلمة علاجاً يجمع بين النهوض بها دينياً، وثقافياً، وتربوياً، وبين المحافظة عليها كأنثى وفق تعاليم الإسلام، وحدوده، وقيمه، من العفاف، والطهر، ويعين على تحقيق ذلك التشجيع على الزواج المبكر، والدعوة إلى تيسير إجراءاته، والدعوة إلى تيسير إجراءاته، والإعانة عليه.
6 ـ الاهتمام بتربية الأبناء وتنشئتهم في بيئة صالحة :
ضرورة الاهتمام بتربية الأبناء وتنشئتهم في بيئة صالحة، وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))
ويقول النبي عليه ال