- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠40برنامج المجالس الهاشمية - قناة التلفزيون الأردني
تقديم:
الدكتور أحمد الخلايله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين، وعلى أهل بيته سفينة النجاة، وأصحابه المكرمين.
سيدي صاحب الجلالة الهاشمية، الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم، سليل الدوحة النبوية، ولي الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، في قدس العروبة والإسلام والمعجزات الإلهية، راعي المجالس العلمية الهاشمية، سلام الله ورحمته وبركاته عليكم أيها الملك الإنسان، وحفظكم الله، وأيدكم بكل مواقف الحق والرجولة، والمجد، والإباء، التي ورثتموها كابراً عن كابر تريدون وجه الله والدار الآخرة.
لآل البيت عز وجل لا يزول ومجد لا تحيط به العقول
كفاكم يا بني الزهراء فخراً إذا مـــــــــــــــــا قيل جدكم الرسول
أبوكم ثالث الـــــــــــــــــــهيجة علي وأمــــــــــــــــــــكم المطهرة البتول
****
أصحاب الدولة والمعالي والسماحة والعطوفة والسعادة والفضيلة، السيدات والسادة الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فاللقاء يتجدد بكم في المجلس العلمي الهاشمي الثاني والتسعين، في الجمعة الثانية من شهر رمضان المبارك لهذا العام، والذي جاء بعنوان سيدنا عمر ابن الخطاب، أمين بيت المقدس وصاحب العهدة العمرية، وما أجل الحديث عن الفاروق عمر، الإمام العادل، والخليفة الراشد، والصحابي السابق، والملهم المحذب، المبشر بالجنة، صهر النبي المصطفى، وصاحب المواقف التي لا تنسى، من جعل الله الحق في قلبه وعلى لسانه، فلا تقوى الشياطين على مجاورته لكمال إيمانه.
وللحديث عن هذا الصحابي الجليل وفضله وصفاته وموافقه، وعهدته العمرية وفتحه لبيت المقدس، وعن إقتدائكم يا أغلى الرجال في الوصاية على المقدسات به، ورعايتكم لها، والدفاع عنها في كل المياديين، وفي شتى المحافل نيابة عن الأمة، وتعظيماً لشعائر الله تعالى، ولأنكم الذين تربيتم على حفظ الأمانة لهاشميتكم، وأردنيتكم، وعربوبتكم، وإسلامكم، فلا يستغرب أن تقول يا سيدي أنا كهاشمي كيف أتخلى عن القدس، وقالها يوماً جدك وحبيبك المصطفى عليه الصلاة والسلام:
(( أنا النبيُّ لا كذبْ أنا ابن عبد المطلبْ ))
وحق لك أن تقول يا سيدي: شعبي معي.
وللحديث عن هذا الصحابي الكريم، فإنني أستأذن جلالتكم لأقدم المتحدثين الكريمين ضيفي وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في المحاور المهمة لاسيما في هذه الظروف.
وأبدأ بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي من الجمهورية العربية السورية، وهو الداعية الإسلامي المعروف، له عدة مؤلفات في تفسير القرآن الكريم، وأسماء الله الحسنى والإعجاز العلمي في القرآن والسنة، والفكر والتربية، وله برامج تلفزيونية وإذاعية عرضت في أكثر الدول العربية والإسلامية، فحياكم الله ضيفنا.
وضيفنا الآخر: فضيلة الدكتور ناجح داوود بيكرات، من فلسطين الحبيبة، ومن القدس الشريف تحديداً، وهو نائب مدير عام القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، ومدير إدارة التعليم الشرعي في القدس التابع لوزارة الأوقاف الأردنية أيضاً، والمدير السابق للمسجد الأقصى والمحاضر في جامعة القدس المفتوحة، والمشرف على الرسائل الجامعية، وله عدة مؤلفات أغلبها عن القدس، وعن المقدسات، وعن الأقصى.
فحياكم الله.
والبداية مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي للكلام عن حياة سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الشخصية، والدعوية، ومناقبه، ومواقفه.
حياكم الله.
الدكتور راتب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
واجب كل إنسان معرفة ماضي أمته :
جلالة الملك عبد الله الثاني، حفظه الله ورعاه، وأعانه على ما أولاه.
أصحاب السماحة والفضيلة والسيادة، أيها الجمع الكريم؛ التاريخ سجل لحياة الأمم، ومن واجب الإنسان أن يعرف ماضي أمته، وما قامت به من أجل إحقاق الحق، ونشر الفضيلة.
هذه أمة اختارها الله، خير أمة، والتاريخ الإسلامي تاريخ مجيد، فيه الكثير الكثير من الجوانب المشرقة، والمواقف المضيئة، فقد أرسل الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم بدينٍ قويم، وصراط مستقيم، وقد اشتمل هذا الدين على قوانين فيها صلاح المجتمع الإنساني في الدنيا والآخرة، فبلغ عليه الصلاة والسلام الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق الجهاد، ثم لحق بربه راضياً مرضياً، فكان لا بد من أن يخلفه من أصحابه من يحمل الناس على اتباع هذا الدين القويم، ليقف كل إنسان عند حده، فيتساوى القوي والضعيف أمام الحق.
وسيدنا عمر رضي الله عنه هو خليفة رسول الله في حراسة الدين، وسأفتتح به سجل الخالدين، الذين حملوا أمانة التبيين، الأنبياء حملوا أمانة التبليغ، والصحابة حملوا أمانة التبيين، لننهل من ماضينا البطولة، ولنعيش من حاضرنا الكرامة، ولنتطلع إلى مستقبلنا الذي نتمناه لأولادنا.
سيدنا عمر قدوة للناس :
من عادة سيدنا عمر أنه إذا عين والياً- أي محافظاً - يكتب له هذا الكتاب:
خذ عهدك وانصرف إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال، فاختر لنفسك، إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك، وسلمتك من معرتنا أمانتك، إن وجدناك خائناً قوياً استهنا بقوتك، وأوجعنا ظهرك، وأحسنا أدبك، إن جمعت الجرمين جمعنا عليك المضرتين، وإن وجدناك أميناً قوياً، زدناك في عملك، ورفعنا لك ذكرك، وأوطأنا لك عقبك ".
من أين استنبط الفاروق هذه الحقيقة؟ الإخلاص والكفاءة بالمفهوم المعاصر، أو الأمانة والقوة بالمفهوم القديم، استنبطها من قوله تعالى:
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
جانب معرفي، وجانب ولائي.
مرّ على بلدة فإذا نشاطاتها الاقتصادية بيد غير المسلمين، وبخهم توبيخاً شديداً وقال: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟
أدرك هذا الخليفة الراشد أن المنتج قوي، والمستهلك ضعيف، وأن المنتج يتحكم بالمستهلك، فما لم تأكل الأمة مما تزرع، وما لم تلبس مما تنسج، وما لم تستخدم الآلات التي تصنعها فإن أعداءها يتحكمون بها.
هذا الخليفة الراشد كان قدوة للناس، من عاداته أنه إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وأقرب الناس إليه، وقال: إني أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانته مني، فصارت القرابة من عمر مصيبة.
عصر سيدنا عمر عصر مبادئ لا عصر أشياء :
يبدو أن ملكاً من ملوك الغساسنة، اسمه جبلة بن الأيهم، جاء مكة مسلماً، رحب به سيدنا عمر ترحيباً شديداً.
أثناء طوافه حول الكعبة، داس بدوي طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت نحو هذا البدوي و ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا البدوي الأعرابي من دهماء الناس، من سوقتهم، من عامتهم، اشتكى إلى عمر، جاء به وقال له: أصحيح ما اشتكى هذا الفزاري الجريح؟ قال: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي، قال له: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك، وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير هو سوقة وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ فقال له: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، فقال سيدنا عمر: عالم نبنيه كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا عصر مبادئ.
التعاون حضارة و قوة :
أخواننا الكرام؛ مما يلفت النظر أن سيدنا عمر كان يقول: كنت سيف رسول الله وجلواذه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو راض عني، وأنا به أسعد، والحمد لله على هذا كثيراً.
ثم كنت خادم أبي بكر، وجلواذه، وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو راضٍ عني وأنا بذلك أسعد- دققوا الآن- ثم آلت الأمور إليّ، اعلموا أن هذه الشدة قد ضعفت، هو شديد يقابله شخص رحيم، الآن الأمور له، وإنما تكون على أهل المعصية والفجور وحدهم، أما أهل التقوى والصلاح فأضع خدي لهم على الأرض، هذا موقف سيدنا عمر.
سيدنا عمر كان متعاوناً، فحينما توفي النبي عليه الصلاة والسلام جاء الصديق وقال له: يا عمر ابسط يدك لأبايعك، الصديق لسيدنا عمر، فقال سيدنا عمر: أي أرضٍ تقلني، وأي سماء تظلني، إذا كنت خليفة على قوم فيهم أبو بكر؟ هذا مستحيل، قال: يا عمر أنت أقوى مني، فقال: يا أبا بكر أنت أفضل مني، ثم قال: قوتي إلى فضلك.
هذا التعاون، التعاون حضارة، التعاون قوة.
صعد المنبر، نزل درجة، قال: ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر.
أخواننا الكرام؛ أدب ما بعده أدب، علم ما بعده علم، ورع ما بعده ورع.
شخص قال له: ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله، فحد فيهم النظر، خافوا، قال أحدهم: لا والله رأينا من هو خير منك، قال له: من؟ قال له: الصديق، فقال سيدنا عمر: كنت أضل من بعيري، وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك.
خاتمة و توديع :
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظكم جميعاً، ويحفظ بلدكم الطيب، وملككم الرائع
أرجو الله سبحانه وتعالى لكم كل خير في المستقبل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته