- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠40برنامج المجالس الهاشمية - قناة التلفزيون الأردني
مقدمة :
المذيع :
يا ربنا لك الحمد ، نفخت من روحك فخلقتنا بشراً في أحسن تقويم ، وفضلتنا على كثير ممن خلقت وجعلتنا مكرمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آل بيته الطاهرين وصحابته الطيبين ، وعلى المؤمنات والمؤمنين ألحقنا بهم يا رب العالمين .
صاحب السمو الملكي علي بن نايف مندوب صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ـ حفظه الله ورعاه ـ العلماء الأجلاء ، أصحاب السماحة والمعالي والسعادة ، أيتها السيدات ، أيها السادة الحاضرون ، والمستمعون ، والمشاهدون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وحياكم الله جميعاً في مفتتح هذا اللقاء المبارك ، حيث المحطة الثانية في واحة المجالس العلمية الهاشمية تنطلق من عمان ، لتجدد العروة الوثقى بين القرآن والإنسان ، وبين العلم والإيمان ، فأي موسم من هذا الربيع الرمضاني الذي تجتمع به نعمة الصوم مع مقاصد التقوى ، وحقوق الله مع حقوق العباد ، ونفحات الإيمان مع لطائف الحكمة المنفتحة على العقل والتبصر ، ومشروعية الرسالة مع كرامة الإنسان ، وأي مناسبة أجلّ من هذه التي تغمرنا بالبركات ، بركة الجمعة ، وبركة مسجد الشهيد عبد الله الأول ، وبركة آل البيت الطاهرين ، وبركة الأرض التي ما تزال مؤتة فيها واليرموك تؤذنان بالحق والنصر المبين ، وبركة مقامات الفاتحين ، وأضرحة الأولياء ، وأصداء رسالة عمان تصارح الأمة بواقعها ، وتدلها على مستقبلها ، وتدعو العالمين إلى كلمة سواء .
ترحيب حار بالضيوف الأجلاء :
أيها العلماء الأجلاء ! السيدات والسادة ، اسمحوا لي أن أرحب باسمكم جميعاً بمندوب صاحب الجلالة الهاشمية سمو الأمير علي بن نايف ـ حفظه الله ـ وأن أرحب بهذه الكوكبة من علمائنا الأجلاء ، ورثة الأنبياء وملح الأرض وأوتادها ، هداتنا إلى النهضة وضمائرنا ، إذ تمضي لفجر جديد من الصحوة ، كما أرحب أيضاً بالحاضرين والمستمعين على أمل أن يكون هذا الملتقى علامة في طريق الهدى ، وترقي أمتنا في معارج العلا ، وعودة الإنسان بعد قصر إلى درب الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
عنوان لقاءنا هذا اليوم حقوق الإنسان في الإسلام ، والمشاركون فيه نخبة من أساتذتنا وعلمائنا ، فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية ، وفضيلة الدكتور الداعية محمد راتب النابلسي ، وفضيلة الدكتور الداعية عمر عبد الكافي ، وهم غنيون عن التعريف ، وعلى بركة الله وبعونه أبدأ مع فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة .
المذيع :
فضيلة الدكتور تبدو حقوق الإنسان في الإسلام متمثلة في المقاصد التي قررتها الشريعة الإسلامية ، وتتزاوج أحياناً مع حقوق الأكوان ، لكن من الواضح أن الإسلام في نظرته إلى حقوق الإنسان يرتقي بها إلى درجة الفرائض والواجبات ، السؤال ما طبيعة الحقوق في الإسلام ؟ وما هو مصدرها ؟ وما وجه الارتباط هنا بين الحقوق من جهة والمسؤوليات والواجبات من جهة أخرى ؟
حقوق الإنسان :
الدكتور علي جمعة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أبدأ بتقدم التحية إلى صاحب السمو الملكي الأمير علي بن نايف مندوب عن صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ، وأشكر الأردن الكريم لهذه الدعوة ، وأقول لكم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هذه الكلمة حقوق الإنسان كلمة حادثة حدثت في الغرب ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن أي شخص يعرض علينا خطة رشد ، فإننا نعرضها على كتاب الله ، وعلى سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن وافقت كتاب الله وسنة رسول أخذنا بها ، وإلا عدلناها بما يتفق مع كلمة الله ، و كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا رفضناها ، فعلنا ذلك عندما عرض العالم علينا في أواسط القرن التاسع عشر أن ننهي الرق ، فاجتمع المسلمون وأقروا بإلغاء الرق ، لأن الشرع تَشَوَّف على إلغاء الرق ، حدث هذا بعدما عرضوا أن يكون هناك علاقة دولية بين الدول ، فسارع المسلمون ووافقوا على وجود مثل هذه العلاقة الدولية ، وأن يكون التعامل بالمثل ، وعندما ظهرت كلمة حقوق الإنسان عرض المسلمون تلك الحقوق على الإسلام ، على الكتاب والسنة ، وجدنا أن الإسلام يدعو إلى شيء أوسع وأعمق ، فوافقنا على ما دعينا إليه من الإعلام العالمي لحقوق الإنسان سنة ألف وتسعمائة وسبع وأربعين من الميلاد ، وذلك لأن الإسلام دعا إلى ما يمكن أن نطلق عليه بحقوق الكون، أسس لذلك فقال وهو يعلم المسلمين أن هذا الكون من حولهم يسبح :
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾
وكأن هذه الجمادات التي حولنا تسبح بالحال ربها، أشعرنا أن الكون الذي حولنا له حق علينا وهو حق التعمير :
﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾
أشعرنا أن هذا الكون يسجد لربه :
﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)﴾
﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) ﴾
أشعرنا أن هناك عالماً للغيب ، وعالماً للشهادة ، وأن الكل يسير باتجاه عبادة الله عز وجل ، وأنه يجب علينا أن نتفاعل ، وأن نتعامل مع هذا الكون ، لأن هذا الكون من خلقه، ولأنه يتفاعل ويتعامل معنا ، أساس لا بدّ منه ، أساس يرسم لنا دائرة كبرى يمكن أن نسميها بحقوق الأكوان ، فإنه سيدخل فيها الجماد ، والنبات ، والحيوان ، والإنسان ، بعد ذلك وهو على قمة هرم الكائنات قال تعالى :
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)﴾
الكون جميعه يتفاعل مع السير في الطريق إلى الله عز وجل :
السماء تبكي والأرض تبكي على الصالحين ، والسماء لا تبكي والأرض لا تبكي على الطالحين ، إنه يريد أن يفهمني أن هذا العالم يتفاعل معي ، ويتفاعل مع السير في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى :
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11)﴾
فكأن السماء تنطق ، والأرض تنطق بحسب حالها مع ربها سبحانه وتعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
وجعلنا في قمة ذلك :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
واستعمال المفعول المطلق يدل على التأكيد وأنه قد فضلنا فعلاً ، حكى لنا قصة الخلق وحكى لنا أنه أسجد الملائكة لأبينا آدم :
﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾
وإذا ما جئنا إلى حقوق الإنسان بالذات بعدما نلقي نظرة عابرة سريعة على حقوق الأكوان ، والذي فيها يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))
ويقول وهو يحافظ عن النبات : ما من غرسة يغرسها المؤمن بيده فيأكل منها طير أو حيوان أو بشر إنها كانت له صدقة :
((إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))
كل ذلك يرسم لنا صورة كبرى حتى إذا وصلنا إلى حقوق الإنسان وجدناها إنما بديهية ومسلمة من غير نقاش فلذلك وافقنا عليها ،
المسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة تكليفاً وتشريفاً من ناحية الحقوق و الواجبات :
وحينما تكلم الله عز وجل عن الإنسان أقرّ لنا المساواة ، فجعل ذلك في أصل الخلق ، وجدنا في كتب أخرى التفرقة بين الرجل والمرأة ، وتحميل المرأة عبء خروج آدم من الجنة، ولكن في القرآن الكريم :
﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ (36)﴾
أي أن المسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة تكليفاً وتشريفاً من ناحية الحقوق، ومن ناحية الواجبات ، ونفى ونهى عن كل نوع من أنواع التميز ، باللون ، أو بالجنس ، أو بغير ذلك من الجاه أو المال ، أو بنحو ذلك من أي جهة للتميز بين البشر ، ولما رأيناه بالفاتحة التي يتلوها المسلم سبع عشرة مرة في اليوم على الأقل يقول الحمد لله رب العالمين ، في حين أن هناك صلوات في بعض الديانات تقول : الحمد لله الذي خلقتني ذكراً ، فماذا تفعل الأنثى ؟ وتقول وتقول ولكن نسق مفتوح ، وتعليم عجيب غريب ، والحمد لله الذي جعلنا مسلمين :
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ (32)﴾
فأقر للرجال الرجولة ، وللنساء الأنوثة ، وطلب من كل منهما أن يدعو الله أن يقيمه إقامة صحيحة تامة فيما أقامه فيه ، نهى رسول الله عن هذا التمني فقال : "لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ".
الفرق بين التساوي و المساواة :
أقرّ لنا ربنا سبحانه وتعالى المساواة ، وبالرغم من ذلك فإنه لم يقر التساوي لأنه ضد الخلقة ، فهناك فرق بين المساواة وبين التساوي ونحن نقبل المساواة ، وندعو إليها ، ولا نقبل التساوي ولا يقبلها حتى كل البشر ، فإن المرأة المسلمة فرحة بأنها امرأة ، والرجل المسلم يفرح بأنه رجل ، ولذلك يدعو الله أن يوفقه فيما أقامه .
﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)﴾
كلكم لآدم وآدم من تراب :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55 ﴾
رؤية عالمية تؤكد أن الإنسان في مساواة تامة عند الله ، لا يفرق في الطريق إلى الله سوى التقوى ، ولذلك نرى المسلمين في حضارتهم قالوا : الساجد قبل المساجد ، وقالوا: الإنسان قبل البنيان ، وفعلوا هذا فعلاً لم يزينوا مساجدهم زينة خارجة ، والإنسان لا يجد الأكل والشرب بل إنهم قدموا الإنسان على البنيان ، ولذلك لم تكن هي حضارة بنيان بقدر ما كانت حضارة إنسان .
الحرية الدينية و التحذير من طريق الشر ومآله في الدنيا والآخرة :
الحرية ومنها الحرية الدينية :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (256)﴾
وأظن أنه ليس هناك أوضح من هذا النص :
﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)﴾
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ (29)﴾
نعم البيان موجود ، ولكن الحرية أيضاً موجودة ، يبين لنا طريق الخير وطريق الشر :
﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)﴾
لكنه يحذرنا من طريق الشر ومآله في الدنيا والآخرة .
﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)﴾
﴿ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (107)﴾
﴿ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (48)﴾
وهكذا لأن الله عز وجل أراد من هذه الحرية ألا يكون هناك من المنافقين في المجتمع من يظهر شيئاً إكراهاً :
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145)﴾
فلا يمكن أن ينشئ النظام الإسلامي مجموعة من المنافقين عن طريق الإكراه .
حقوق الإنسان وصلت في الشريعة الإسلامية إلى درجة عالية حتى أصبحت من الواجبات :
هذه بعض حقوق الإنسان في الإسلام لكنها تبلورت في المقاصد الشرعية العليا ، حفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ الدين ، وحفظ كرامة الإنسان ، وكنا نسميه بالفقه ، وفي أدبياتنا القديمة العرض ، وحفظ المال الملك ، وهذه الخمسة هي حقوق الإنسان ، لكن هذه الحقوق وصلت في الشريعة الإسلامية إلى درجة عالية جداً ، حتى أصبحت من الواجبات فلا يجوز للإنسان أن يفرط في نفسه ، ولا يجوز للإنسان أن يغيب عقله ، حرم الله المسكرات ، والمخدرات ، والمغيبات ، ولا يجوز للإنسان أن يترك التعليم ، لأن الله عز وجل دعا على التعليم :
(( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ))
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا(114)﴾
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
سبحانه وتعالى بيّن أن حفظ العقل سواء بعدم تغييبه ، أو سواء بوجوب التعليم والتعلم :
(( خيركم من تعلم القرآن و علمه ))
(( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))
جميل كلام فيه حفظ للعقل ، أما حفظ الدين ، فالدين ذروة سنام الأمر ، وهو الطريق إلى الله ، والطريق بين إياك نعبد وإياك نستعين .
هذه الحقوق الذي حفظ الله لنا فيها أنفسنا ، وعقولنا ، وديننا ، وعرضنا ، وكرامتنا ، وملكنا حقوقاً وصلت إلى درجة الواجبات .
بعض النماذج المعرفية التي لا نتفق مع الآخر فيها من حقوق الإنسان فيفرضها على العالم:
1ـ الانتحار :
كلمة أخيرة أحب أن أتكلم فيها وهي أن حقوق الإنسان إذا ما أردنا أن نقارنها بحقوق الإنسان العالمية التي دعينا إليها فاستجبنا سنة سبع وأربعين ، هي الحقوق المتفق عليها، لأننا لاحظنا في السنين الأخيرة أن هناك من يريد أن يجعل بعض الرغبات ، وبعض الشهوات ، وبعض التوجهات ، وبعض النماذج المعرفية التي لا نتفق معه فيها من حقوق الإنسان ، فيفرضها على العالم ، وعلينا ، بالرغم من أن جماهير البشر ضدها وليست معها ، فلذلك ينبغي علينا أن نتنبه أن حقوق الإنسان حيثما أطلقناها فهي تلك الحقوق التي اجتمع عليها البشر ، لا تلك الشهوات التي يراد أن تدخل في حين غفلة من الزمان علينا وعلى البشر، فإن أحداً من العاقلين لم يجز الانتحار ، فكيف يكون الانتحار من حقوق الإنسان ؟ وأن من انتحر فلا بأس عليه سواء كان فرداً أو جماعة أو مجتمعاً فله أن يفعل ما يشاء ، حفظ النفس يحرم الانتحار ، والنبي صلى الله عليه نهى عن الانتحار ، واعتبره جريمة ، وكبيرة من الكبائر .
2ـ الشذوذ الجنسي :
الشذوذ الجنسي الذي بدأ الآن في أدبيات الغرب يأخذ صبغة حقوقية بأنه من حقوق الإنسان ، لا ، هذا ليس من حقوق الإنسان ، يرفضه أغلب البشر، بل كل البشر إلا فئة ترى معنىً للحرية يقارب معنى التفلت ، ولكن هذا لا يقره لا دين ، ولا عقل ، ولا إنسان على وجه الأرض ، واجتمعت في بلجيكا منذ أكثر من خمس عشرة سنة بمندوبين عن ثلاثين ديناً في الأرض وأنا حتى ذلك الحين لم أكن أعرف أن الأرض فيها ثلاثين ديناً ، ولكنهم أجمعوا على هذا الذي نقول ، فلذلك لا نهتم كثيراً بمن يريد أن يروج بضائعه الفاسدة على البشر ، ولا أقول على المسلمين ويريد أن يخالف ما عليه جماعة البشر ، ولا أقول جماعة المسلمين فقط ، بل إن هناك أشياء مرفوضة من جماعة البشر ، يمكن أن يبيحها هو في نفسه أو مجتمعه أو في القانون ، هو حر :
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29)﴾
ونقول له : إنها كبيرة ، وأذية ، ومخالفة ، ولكنه لا يفرضها حقاً يطالب به ويحاسب عليه .
3 ـ القتل للملل :
هناك أشياء مثل القتل للملل ستسمعون عنه قريباً إن لم تكونوا قد سمعتم عنه ، إنسان ملّ فيريد أن يمارس القتل ، ويأخذ على ذلك أجراً ، وهناك اتفاقات حدثت في ألمانيا وأوقعت القضاء الألماني في مشاكل .
هناك القتل الوحيد أن المريض إذا استيئسنا من شفائه ، وثقلت علينا مؤونة علاجه ، فنقتله أحسن من أجل أن نوفر .
4 ـ التجارة في الأعضاء البشرية :
هناك التجارة في الأعضاء البشرية حتى يصبح الأغنياء متسلطين على الفقراء ، ويعاملونهم كقطع غيار ، هناك أشياء وأشياء ، يراد من بعض الجهات ويعد لبعض الجهات إلى أن تكون هذه من حقوق الإنسان ، باعتبار أنه حر يفعل في نفسه ما يشاء ، ليست هذه هي حقوق الإنسان ، لأن حقوق الإنسان هي المتفق عليها ، أمرنا بالرحمة بكل شيء ، بالجماد ، والنبات ، والحيوان ، والإنسان في قمة ذلك كله ، فلذلك فحقوق الإنسان في الإسلام هي من خلال حقوق الأكوان ، شكراً لكم ولحسن استماعكم .
المذيع :
وشكراً لفضيلة الدكتور علي جمعة على هذه التقدمة الواسعة والقيمة ، دكتور راتب نكمل ما بدأ به أو ما انتهى إليه فضيلة الدكتور علي عن بناء الإنسان قبل بناء العمران وقبل بناء البنيان ، في بداية الدولة الإسلامية كان بناء الإنسان يتقدم على بناء الأحكام ، خمس عشرة سنة النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بالإنسان ، هذا الإنسان بمفهومه الشامل منزوع منه انتماؤه الديني ، أو انتماؤه القبلي ، كيف يمكن أن نفهم تصور الإسلام لقضية حقوق الإنسان من خلال القيمة التي قدرها للإنسان ؟
الإنسان في الإسلام المخلوق الأول رتبة فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
صاحب السمو الملكي الأمير علي بن نايف مندوب صاحب الجلالة ـ حفظه الله ورعاه ـ .
الأخوة العلماء الأجلاء أصحاب الفضل والقرار ، الأخوة المؤمنين حضوراً ، ومستمعين ، ومشاهدين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أيها الأخوة الكرام ، الإنسان في الإسلام المخلوق الأول رتبة لقوله تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
ولأن الإنسان قَبِل حمل الأمانة سخر الله له :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
تسخير تعريف وتكريم ، موقفه من تسخير التعريف أن يؤمن ، وموقفه من تسخير التكريم أن يشكر ، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
والإنسان هو المخلوق المكرم :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
الإنسان هو المخلوق الأول و المكرم الذي خُلق ليرحمه الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، قد يقول قائل كيف هو مكرم ؟ بل كيف خلقه الله ليرحمه ؟ قال تعالى :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقه ليرحمه ، هناك مصائب ، هناك مشكلات ، هناك أمراض ، الحقيقة للتوضيح علة صنع السيارة أن تسير ، والمكبح يتناقض في أصل مهمته مع علة سيرها ، ولكنه أكبر ضمانة لسلامتها ، فلذلك الإنسان هو المخلوق الأول ، والمخلوق المكرم ، والمخلوق الذي خلق ليرحمه الله عز وجل ، ولكن لا بد من معالجة دقيقة لهذا الموضوع .
أيها الأخوة ، ثم إن الإنسان هو المخلوق المكلف ، مكلف أن يعبد الله ، والعبادة في أدق تعاريفها : هي طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
هي طاعة طوعية وليست قسرية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، فما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، كما أنه ما عبده من أطاعه ولم يحبه ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، أصل الدين معرفة الله عز وجل ، الإنسان إذا عرف الله ثم عرف أمره تفانى في طاعة الآمر ، أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر تفنن في التفلت من الأمر
لذلك أيها الأخوة الكرام ، الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فإذا لبى هذه الحاجات الثلاث معاً تفوق ، وإذا لبى واحدة منها تطرف ، وفرق كبير بين التفوق والتطرف ، والإنسان أي إنسان على وجه الأرض جبل على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ كمال وجوده ، سلامة وجوده بطاعة ربه ، باتباع تعليمات الصانع ، لأن تعليمات الصانع هي التعليمات الوحيدة التي ينبغي أن تتبع ، وكمال وجوده التقرب إلى الله بالعمل الصالح ، واستمرار وجوده بتربية أولاده ، والورقة الرابحة الوحيدة التي بقيت في أيدي المسلمين هي أولادهم ، لذلك لا يمكن أن نواجه القنبلة الذَرية في المستقبل إلا بالقنبلة الذُرية .
للإنسان حقوق ينبغي أن تُرعى كما أن عليه واجبات يجب أن تؤدى :
أيها الأخوة الكرام ، إن الإسلام وسط بين المادية المقيتة والروحية الحالمة ، بين الواقعية المرة والمثالية التخيلية ، بين الفردية الطاغية والجماعية الساحقة ، بين الثبات الرتيب والتغير المضطرب ، بين الحاجات الملحة والقيم البعيدة ، لذلك والذي ينبغي أن يقال في هذا المقام وقبل أن تسمع أذن الدنيا عن حقوق الإنسان لاثني عشر قرناً أو تزيد ، ويوم كان العالم كله لا ينظر إلى الإنسان إلا من جهة ما عليه من واجبات يُطالب بأدائها ، وإلا كان عليه من العقاب ما يستحق ، جاء الإسلام ليقرر جهرة أن للإنسان حقوقاً ينبغي أن تُرعى ، كما أن عليه واجبات يجب أن تؤدى ، وكما أنه يُسأل عما عليه يجب أن يعطى ما له ، فكل واجب يقابله حق ، كما أن كل حق يقابله واجب .
الحقوق التي أعلنها الإسلام للإنسان كثيرة منها :
1 ـ حق الحياة :
من هذه الحقوق التي أعلنها الإسلام هي حق الحياة ، وحق الكرامة الإنسانية ، وحق التفكير ، وحق التدين ، وحق الاعتقاد ، وحق التعبير ، وحق التعلم ، وحق التملك ، وحق الكفاية ، وحق الأمن من الخوف ، فمن هذه الحقوق على سبيل المثال ، حق الحياة ، لقد قدس الإسلام حق الحياة ، وحماه بالتربية ، والتوجيه ، والتشريع ، والقضاء ، وبكل المؤيدات النفسية ، والفكرية ، والاجتماعية ، وعدّ الحياة هبة من الله تعالى لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يسلبها منه ، فالإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله .
وقد أنكر الإسلام على أهل الجاهلية قتلهم أولادهم سفهاً بغير علم ، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
ولم يفرق الإسلام في حق الحياة بين أبيض وأسود ، ولا بين شريف ومشروف ، ولا بين حر وعبد ، ولا بين رجل وامرأة ، ولا وبين كبير وصغير ، حتى الجنين في بطن أمه له حرمة لا يجوز المساس بها ، ومن هنا جاء تحريم الإجهاض ، حتى الجنين الذي ينشأ من طريق حرام ، لا يجوز لأمه ولا لغيرها أن تسقطه ، لأنه نفس بريئة ، لا يحل لاعتداء عليها ، فلا تزر وازرة وزر أخرى .
لقد شُرع القصاص صوناً لحياة كل الأطراف ، وشرعت الدية والكفارة في القتل الخطأ ، وقد حمى الإسلام حياة الحيوان أيضاً ، إن لم يكن منه أذىً ، وفي الحديث الصحيح :
(( دخلت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ))
2 ـ حق الكرامة :
هذا عن حق الحياة فماذا عن حق الكرامة ؟ هي بالمصطلح الإسلامي حماية العرض ، فقد أكد الإسلام حرمة العرض والكرامة للإنسان مع حرمة الدماء والأموال ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن ذلك في حجة الوداع أمام الجموع المحتشدة في البلد الحرام والشهر الحرام ، واليوم الحرام فقال عليه الصلاة والسلام :
((إن الله حرم عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم))
فلا يجوز أن يُؤذى إنسان في حضرته ، ولا أن يهان في غيبته ، سواء أكان هذا الإيذاء للجسم بالفعل أم للنفس بالقول ، فربما كان جرح القلب بالكلام أشد من جرح الأبدان بالسياط و بالسنان .
لقد حرم الإسلام أشد التحريم أن يُضرب إنسان بغير حق ، وأن يُجلد ظهره بغير حد ، وأنذر باللعنة من ضرب إنساناً ظلماً ، ومن شهده يضرب ولم يدفع عنه ، كما حرم الإسلام الإيذاء الأدبي للإنسان ، حرم الهمز ، وحرم اللمز والتنابز بالألقاب ، والسخرية ، والغيبة ، وسوء الظن بالناس ، وكفل الإسلام صون كرامة الإنسان بعد مماته ، ومن هنا جاء الأمر بغسل الميت ، وتكفينه ، ودفنه ، والنهي عن كسر عظمه ، أو الاعتداء عليه ، أو على جثته ، وقد جاء في الحديث النبوي :
((كسر عظم المَيْت ككسره حياً))
وكما حمى الإسلام جسم المَيْت بعد الموت حمى عرضه وسمعته لئلا تلوكها الأفواه ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((لا تذكروا موتاكم إلا بخير))
3 ـ حق الكفاية :
هذا عن حق العرض ـ الكرامة ـ فماذا عن حق الكفاية ؟ فمن حق كل إنسان أن تُهيأ له كفايته التامة من العيش ، حيث تتوافر له الحاجات الأساسية للمعيشة ، من مأكل ، وملبس ، ومسكن ، وعلاج ، والأصل أن يكون للإنسان دخل كاف يحقق كفايته منه عن طريق مشروع من زراعة ، أو تجارة ، أو صناعة ، أو وظيفة ، أو حرفة ، فإن لم يكن للإنسان دخل يكفيه كان على أقاربه الموسرين أن يحملوه لأنه جزء منهم ، قال تعالى :
﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)﴾
فإن لم يكن له أقارب موسرون يستطيعون حمله وجبت كفايته من الزكاة التي فرضها الله على المسلمين ، تؤخذ من أغنيائهم ، وترد على فقرائهم ، والزكاة فرضت لتحقيق تمام الكفاية ، وذكر الفقهاء أن الزواج لمن لا زوجة له من تمام الكفاية ، وأن آلات الحرفة من تمام الكفاية ، وأن كتب العلم وأقساط الجامعات من تمام الكفاية ، وهذه الكفاية التامة تجب للإنسان الفقير تجب له ، ولأسرته مدة عام بأكمله على مذهب ، ومدة العمر كله على مذهب آخر ، حيث يغدو آخذ الزكاة دافعاً للزكاة ، يقول عمر ـ عملاق الإسلام رضي الله عنه ـ : إذا أعطيتم فأغنوا .
من ثمرات الإنسانية في الإسلام :
1 ـ مبدأ الإخاء البشري :
من ثمرات الإنسانية في الإسلام مبدأ الإخاء البشري الذي نادى به الإسلام ، وأساس هذا المبدأ أن البشر جميعاً أبناء رجل واحد وامرأة واحدة ، ضمتهم هذه البنوة الواحدة المشتركة ، والرحم الواصلة ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عليم ﴾
و ربما فهمت كلمة الأرحام في هذه الآية بالمعنى الإنساني الواسع لتتسق مع بداية الخطاب ، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في دعائه :
((اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أنك الله وحدك لا شريك لك ، اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك ، اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة))
من أوضح الأحاديث ، ويزداد هذا الإخاء توثقاً إذا أضيف إليه عنصر الإيمان ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾
من لم يكن انتماؤه إلى مجموع المسلمين فليس بمسلم :
بالمناسبة أقول ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، ليس الإسلام خطاً رفيعاً إذا حدت عنه مسافة قليلة خرجت من الدين ، الإسلام تيار عريض فيه اليمين واليسار، وكل من في هذا التيار على العين والرأس شريطة صحة العقيدة ، واستقامة السلوك ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾
فالمسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ولا يحقره ، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، لقد غسل الإسلام أرجاس الجاهلية ، وطهرها من الغل والحسد ، ونقاها من الأنانية ، والشح ، والبخل ، ومحا منها فوارق الجنس ، واللون ، والقبيلة ، والطبقة.
2 ـ مبدأ المساواة الإنسانية :
ومن ثمرات الإنسانية في الإسلام : مبدأ المساواة الإنسانية ، أساس هذا المبدأ أن الإسلام يحترم الإنسان ، ويكرمه من حيث هو إنسان ، الإنسان من أية سلالة ، ومن أي لون، من غير تفرقة بين عنصر وعنصر ، وبين قوم وقوم ، وبين لون ولون ، يقول الله تبارك وتعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المذيع :
والشكر أجزله لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي على هذه الأفكار العميقة ، واسمح لي دكتور عبد الكافي أن ننزل إلى الميدان ، أتحفنا الأستاذان شيخانا بالنظريات فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الإسلام بأنواعها ، بتفاصيلها ، بمقاصدها ، لكن ماذا عن التجربة التاريخية ؟ ماذا عن التطبيقات العملية لحقوق الإنسان وأثرها في الحضارة الإسلامية أولاً ثم في الحضارة الإنسانية بالتالي ؟
حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة أي شيء آخر :
الدكتور عمر عبد الكافي :
أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين ، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد :
صاحب السمو الملكي علي بن نايف مندوب صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ـ حفظه الله ورعاه ـ الأخوة الحضور ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : عاب المشركون على عمرو بن هشام ـ أبو جهل ـ ليلة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له : يا عمرو لِما انتظرت حتى هرب محمد مع صاحبه إلى يثرب ، ولم تكسر عليه بابه وتأخذه من فراشه ؟ قال فرعون الأمة وتقول العرب : رَوَعَ عمرو بن هشام بنات محمد، وهتك حرمة بيته ، إذاً هذا رجل بمقياس الدين وعدم الدين هذا رجل كافر ، لكن القيم العربية الأصيلة ، والخلق ، ومكارم الأخلاق التي جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكملها تتضح في سلوك هذا الإنسان عندما يقول : إذا فعلت هذا ماذا يقول العرب ؟ تقول العرب : إن عمرو بن هشام أحد زعماء قريش ، أحد الذين يشار إليه بالبنان ، روع بنات محمد ، وهتك حرمة داره ؟
إذاً جاء الإسلام ليضبط هذا الأمر إكراماً لهذه الإنسانية ، الإنسان ـ سبحان الله ـ لو رأينا رجلاً يطوف بالكعبة ، وخطر بباله أن يأخذ معولاً ليقتلع حجراً من أحجارها لفتك به الطائفون ، لكن هناك من يصنع منا أشنع من هذا الفعل ، غيبة المسلم لأخيه وخوضه في عرضه إنما يهدم بنيان إنسانيته ، وإن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة ، كان ابن عمر عندما يطوف وينظر إلى الكعبة قائلاً : يا كعبة الرحمن ما أبهاك ! وما أجملك ! وما أعظم حرمتك ! لكن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك .
الحفاظ على حرمة الضعيف من قيم الإسلام الكبيرة :
ولذلك كانت التوبة عند المسلم في مسألة الغيبة ، وهتك الأعراض ، أو التعدي على الحدود ، أو الخوض في الأعراض ، لا بدّ من أن نستسمح من قلنا من شأنه ، وإذا ذكرناه بالسوء أمام قوم وجب علينا من أركان التوبة أن نذكره بالخير لنعيد بناءه كما قمنا بهدمه ، فعرض المسلم غال ، وكبير وله قيمة ، والإنسان كإنسان سبحان الله ، الإسلام يحافظ دائماً ، ويعطي الحق أولاً للأضعف ، انظر إلى ما أشار إليه فضيلة المفتي في قضية عصيان استواء المعصية عند آدم وحواء ، لكن في بعض الآيات يقول ربنا :
﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)﴾
مع أن المعصية كانت من أمنا حواء ، لكن لأنها في النظرية الجنب الضعيف فيحفظ القرآن حرمتها ، ويجعل المعصية لآدم مع أن حواء اشتركت في أنها أكلت :
﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)﴾
وهذا إذاً قضية الحفاظ على حرمة هذه الإنسانة الضعيفة ، هذه أيضاً من قيم الإسلام الكبيرة .
النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يرى ابنته فاطمة كان يقوم لها ، ويقبلها بين عينيها ، وهناك من بناتنا ومن أخواتنا من بلغت الستين والسبعين وهي لا تذكر مرة أن أباها احتضنها أو قبّلها ، لأن ربما هذا يساوي شيء من إنكار أو تنقيص الرجولة عنده عندما يعطف على الأنثى .
تكريم الإسلام للإنسان :
الإسلام كرّم أي إنسان ، قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي ، يقولون: يا رسول الله هذا يهودي ، قال : أليس نفساً خلقها الله عز وجل ؟ الخلق العجيب لخزيمة عندما يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى اليهودي دينه ، قال : أرأيتني يا خزيمة؟ قال : لا يا رسول الله أصدقك في خبر السماء ، وأكذبك في ديْنٍ ليهودي ، قال : من شهد له خزيمة ، فهو حسب هذا التكريم لإنسان صادق يصدق بالغيب لأنه صدق بالغيب الذي قبله ، لم ير الرسول يعطي ولكنه يعلم أن النبي صادق .
والرسول صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه صادق في صغير الأمر وكبيره ، ونحن إذا أردنا أن نعلي من قيمة الإنسان يجب أن نعلي من قيمة الناس الذين من حولنا أولاً كيف ؟ الناس من حولك ثلاثة إما من يكبرك سناً ، وإما من يصغرك سناً ، وإما من هو في عمرك ، عامل الناس كبيرهم كأنه أب ، وصغيرهم كأنه ولد لك ، وأوسطهم كأنه أخ ، فبر أباك ، واعطف على ابنك ، وصن أخاك ، إذا انضبطت مجتمعاتنا بهذا المنطق رأى الغير ممن يتهموننا أن هذه هي معاملات وتعاملات المسلمين بعضهم مع بعض ، أن صغيرهم يحترم كبيرهم :
(( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويجل عالمنا ))
زيد بن ثابت يمتطي صهوة جواده ، فيقرب ابن عباس ركاب الفرس ليضعه في قدم زيد ، فيقول زيد : ماذا تصنع يا ابن عم رسول الله ؟ يقول : هكذا أمرنا أن نجل علماءنا، فيقفز زيد من فوق الفرس ويقبل يد ابن عباس ، يقول له : ماذا تصنع يا زيد ؟ يقول : ونحن أيضاً أمرنا أن نجل آل بيت نبينا .
هذا التعامل سبحان الله نسمع أبا بكر وعمر في رحلتهما إلى سقيفة بني ساعد يوم الخلافة ، يوم انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، يقول أبي بكر لعمر : مد يدك لأبايعك ، قال : يا أبا بكر ما رأيت لك فهةً ـ أي سقطة ـ مذ أسلمت إلا هذه ، اعتبر عمر مبايعة أبي بكر هذا خطأ كبير لأن المقامات محفوظة ، يقول أبو بكر : يا عمر أنت أقوى مني ، يقول عمر : ولكنك يا أبا بكر أفضل مني ، فيقول أبو بكر: ولكن فضلي بقوتك .
سماحة الإسلام و المسلمين :
هذا التعامل العجيب الذي يرتقي بالإنسانية ، الترقي بهذه المعاملة ، كان النبي عليه الصلاة والسلام عندما يريد أن يعامل إحدى زوجاته يرقي إنسانيتها ، فيشرب من المكان التي تشرب منه عائشة ، وإذا أكلت من قطعة فاكهة أكل من المكان الذي وضعت فمها عليه ، لم يتأفف ، ولم يضرب الذكر صفحاً عما تصنع ، وإنما ليتودد ، أو ليثبت لنا ، كيف يتودد الرجل لزوجته ، وكيف تتودد الزوجة لزوجها ، حتى يعلمها متى تكون عنه راضية ومتى تكون عليه غضبانة ، فتتعجب وتقول كيف يا رسول الله ؟ قال : إن كنت عني راضية تقولين: لا ورب محمد ، قالت : وعندما أكون غضبانة ؟ تقول : لا ورب إبراهيم ، تقول : والله لا أذكر اسمك إلا بلساني ولكنك في قلبي يا رسول الله .
لو أن امرأة مسلمة من موديل ألفين وتسعة ميلادية ، أنت فاهم وعارف ما شاء الله متى أكون غضبانة ومتى أكون راضية ؟ لا ، الذي يريد أن يجيب للناس ، ويحترم الإنسانية ، أياً كان هذا الإنسان زوجها :
﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8)﴾
يا عمر روعت اليهودي بسيفك أعطه ما يريد وأعطه عشرة دنانير زيادة ثمن ترويعك له بسيفك ، فأخذ عمر الرجل ونظر إليه ثم قال له : والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح ، قال اليهودي وعدم محبتك لي هل يمنعني حقاً من حقوقي ؟ قال له : لا ، قال: إذاً لا يأس على الحب إلا النساء ، تحبني أو تبغضني المهم أعطني حقي .
إذاً هذه سماحة الإسلام هل أضرت بالإسلام سماحته ؟ لا والله ، لا تضر لا بالمسلم سماحته ولا بالإسلام نفسه سماحته لماذا ؟ لأن الإسلام يقيّم الإنسان كإنسان لا ينظر إليه سبحان الله العظيم بمنطق هكذا أو منطق هكذا .
سلمان الفارسي يوليه عمر على المدائن حاكماً ، فيدخل أبو ذر عليه ، فيجده يعجن العجين ، قال : عجباً تعجن العجين وأنت أمير ؟ قال : أرسلنا الخادم إلى السوق ولا نريد أن نحمله أمرين في وقت واحد ، حتى بلغت قمة تكريم الإنسان وخلق الإنسان .
علي يأتي إليه ضيوف فينادي علي على خادمه ليأتي بالماء للضيوف فلم يجبه ، فدخل علي فوجد غلامه نائماً على ظهره واضعاً قدماً على قدم ويغني ، قال : يا غلام أما تسمعني ؟ قال : من أول مرة ، ولمَ لم تجبني ؟ قال : أمنت غضبك ، فخرج علي يضحك لضيوفه ، والله إن الغلام نائم على ظهره واضعاً قدماً على قدم ويغني ويقول له أما تسمعني ؟ يقول : سمعتك من أول مرة ، ولمَ لم تجبني ؟ قال : أمنت غضبك . فقال الحاضرون : بعه يا أمير المؤمنين ، قال : لا إنما أتعلم عليه الصبر .
بناء المجتمعات و البيوت على الفضل و العدل :
هل أراد واحد منا أن يتعلم على زوجته الصبر ؟ أو أرادت الزوجة أن تتعلم على زوجها الصبر ؟ إن لم أستطع أن أصبر على زوجتي فلمَ أصبر على الغريب ؟ وإن لم أصبر على أولادي لمَ أعامل الغريب بالخير ؟ ما الذي يجعل مديراً في مؤسسته يتعامل بعنف مع الذين يعملون تحت يده ؟ لا بد أن عنده خللاً نفسياً ، يجب أن يأخذ دورة تدريبية قبل أن يتولى الأمر كيف يتعامل مع الناس ، لقد أبى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لسعد أن يضع باباً على باب الإمارة ، قال: اذهب يا محمد بن أبي مسلمة قبل أن تكلمه اكسر الباب الذي بينه وبين الناس ، وقل له : إن أمير المؤمنين يقول لك من وضع باباً بينه وبين الرعية حجب الله بينه وبين وجهه الكريم يوم القيامة .
إن الناس عندما يتفاضلون بالخلق ، وعندما يتفاضلون بالتعامل ، والبيوت ، والمجتمعات لا تبنى على العدل ، لا ، العدل قد يولي ويوقعنا في دائرة الظلم ، البيوت والمجتمعات تبنى على الفضل ، أمرح أنا في مساحة الفضل التي عندك ، وتمرح أنت وتتعرض في مساحة الفضل التي عندي ، لكن قضية الحق في الشركات ، في العقود التجارية، لك كذا ولي كذا ، ولكن قضية :
﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾
ليس بين الرجل والمرأة فحسب ، ولكن بين كل أفراد المجتمع ، بل كل أفراد الإنسانية ، لأن هذا الدين هو الدين الخاتم ، لا دين بعد الإسلام ، لا نبي بعد محمد ، لا كتاب بعد القرآن ، إذاً تمت المسألة .
على المسلمين إظهار نعمة الإسلام عملاً وسلوكاً أمام الناس :
وكان يسبق الإسلام أفراد من المسلمين ، وجماعات من المسلمين ، وأمم من المسلمين :
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)﴾
بنو إسرائيل أتباع عيسى :
﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) ﴾
بلقيس لما دخلت على سليمان في ملكه :
﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) ﴾
لكن ما سبق الإسلام مذاهب وشرائع وحلقات ، اكتملت بهذا الدين ، فهلا أظهرنا نعمة الإسلام عملاً وسلوكاً أمام الناس ؟ أتعلم هذا يا رجل ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال له عمر : أنت جاره الأدنى الذي يعرف مداخله ومخارجه ؟ قال : لا ، قال : هل عاملته بالدرهم والدينار حتى تعرف خلقه ؟ قال : لا ، قال : أرافقته في سفر حتى تظهر لك سرائره؟ قال لا ، وفي رواية أخرى هل صاهرت منه أو صاهر منك ، حصل منك نسب ومصاهرة ؟ قال : لا ، قال : رأيته يطيل الركوع والسجود في المسجد ؟ قال : إنك لا تعرفه ، ائتني بمن يعرفه ، فما فحوى المعرفة التي حققها عمر لنا ، قضية التعاملات ، ليس قضية إطالة الركوع وإطالة السجود .
النبي الكريم جاء بدين الإنسانية لأمة تعلو فيها العصبية فكان الطبيب و المداوي :
إن الشافعي قال : " عشت جمعة لا أقوم الليل فشكوت على شيخي ، قال : يا شافعي قيدتك ذنوبك، فبحثت عن الذنب الذي صنعت ـ أنا أتصور لو قيل لنا هذا الكلام نبحث عن الذنب الذي لم نصنع ، الشافعي لقلة ما صنع من الذنوب يبحث عن ذنوب قد صنعها ـ فبحثت عن الذنب الذي صنعت فتذكرت أنني منذ جمعة دخلت المسجد بالليل قبل الفجر ، ورأيت رجلاً يصلي ويبكي ، فقلت في نفسي : كان حرياً في هذا أن يبكي في بيته ، ـ الرياء والمنظرة ـ فعلمت أنني قد اغتبته ، فبحثت عنه ، حتى عرفته فطلبت منه أن يعفو عني فعدت إلى قيام الليل مرة أخرى ".
إذاً الذنوب التي نراها صغيرة ، ونحقر الناس ، وننظر إلى الناس من علٍ سبحان الله العظيم ، هذه كانت بعض من سوء أخلاقنا أجدادنا العرب قبل الإسلام .
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا
إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌ تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرَ سَاجِديْنَـا
***
لو دخل الثانوية العامة يمكن أن يعبدوه من دون الله ؟ فطم ، هذه النعرة الكاذبة وهذه العصبية ، العجيب أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء بدين الإنسانية لأمة تعلو فيها العصبية ، فكان هو الطبيب الذي وضع للإنسانية علاجها المستمر ، حتى قال الأديب الساخر بيرناد شو : لو كان محمد يعيش بيننا اليوم لحل لنا مشاكل العصر ريثما صنعنا له فنجاناً من القهوة .
إعلاء قيمة الإنسان والارتفاع بقيمته في التعاملات :
قضية إعلاء قيمة الإنسان ، والارتفاع بقيمة الإنسان في التعاملات ، لماذا كان بر الوالدين ؟ لماذا كان رأفة واحتواء الزوج لزوجته ؟ لماذا كانت طاعة الزوجة لزوجها ؟ لماذا يقول أبو حازم لما تزوجت جاءت العروس ليلة البناء وقالت لي : يا أبا عبد الله أريد أن أخطب فيك خطبة ، وقفت لتخطب ، قالت : يا أبا عبد الله أنا لا أعرفك وأنت لا تعرفني ، فخبرني ماذا تحب من الأمور حتى آتيه ، وما تكره حتى أجتنبه ؟ فعشت معها اثنين وأربعين عاماً ما رأيت تقطيب وجهها في وجهي قط ، وما اختلفنا على صغير الأمر وكبيره قط .
أدركت مفتاح شخصية الإنسان لإنسانيته ، لو أدركت بناتنا أن الرجل إذا جاء البيت وهو الشخصية التي يجب أن يكرم ، وهو أهم شخصية في الكون ، فإذا هلل أولاده بوصوله يجب أن تفرح هي ، ماذا حصل ؟ رئيس الدولة وصل ؟ هو رئيس الدولة في هذا المكان ، أنا أريد أن أقول : إكرام الإنسان ، وتوقير الإنسان ، يبدأ من تعاملات الزوجة بزوجها ، والزوج بزوجته ، والابن بأبيه ، والجار بجاره ، والوزير المسؤول مع مرؤوسيه ، والإنسان مع أخوانه ، ثم ينطلي هذا كله على العالم الذي تضطرب به سفينة الأهواء ، وتريد أن ترسو على بر السلامة ، ولا رسو على بر السلامة إلا بطاعة البشر لله ، وإعلاء قيمة الإنسان في الأرض ، ونحن كمسلمين نذل لله عز وجل ، ونعتز بأننا من المسلمين ..
ومما زادني فخراً وتيهــاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمدا لي نبيا
***
شكر الله لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المذيع :
جزاك الله خيراً فضيلة الأستاذ عمر عبد الكافي ، لكن اسمحوا لي أن أذكر الأخوة المشاركين والحضور ، بأن نتلقى أسئلتهم المكتوبة والمداخلة ، عودة إلى فضيلة الأستاذ علي، عندما نتكلم عن حقوق الإنسان في الإسلام نتكلم عن ثنائيات ، عن حقوق الله من جهة وحقوق العباد ، ثم تتداخل هذه الحقوق لتضفي على الإنسان سمة من القداسة ، باعتبار أن الاعتداء على هذه الحقوق هو اعتداء على الدين ، ثم إن هناك ثنائيات بين الحقوق من جهة والمسؤوليات من جهة أخرى ، البعض يرى أن نبرة الواجبات تطغى على مسألة الحقوق ، بينما في النصوص الإسلامية يبدو أن المسألة متوازنة ، أو أن الحقوق أحياناً تبدو هي المقدمة، باعتبار أن بناء الإنسان تقدم على بناء الأحكام ، كيف يمكن أن نفهم هذه الثنائيات حقوق الله وحقوق العباد ، ثنائية الواجبات والحقوق والمسؤوليات ؟
حقوق الله وحقوق العباد وجهان لعملة واحدة :
الدكتور علي جمعة :
حقوق الله وحقوق العباد هي في الحقيقة وجهان لعملة واحدة ، والحقوق والواجبات هما فعلاً وجهان لعملة واحدة ، فهناك ترابط نسميه الترابط العضوي ما بين حقوق الله وحقوق العباد ، كلمة حقوق الله أخذها منا الغرب وسماها حقوق المجتمع ، وحقوق العباد لا تزال كما هي عندهم حقوق العباد ، عندنا حقوق الله هي تلك الأمور التي ترجع إلى النظام العام ، وإلى نشأة المجتمع ، وإلى انتماء المسلم إلى جماعته ومجتمعه
ولذلك فإن حقوق الله سبحانه وتعالى هي علاقة فيما بين الإنسان وربه ، ليست حقوق الله فقط هي العبادات بل إن هناك حقوقاً لله في الحدود ، مثلاً لو ارتكب أحدهم ما يستوجب العقوبة فهل يجوز بعد اكتشافه ووصوله إلى جهة الإدارة والحكم أن يعفى عنه أو أن هذا صار من حقوق الله ؟ في النظام الحديث من حقوق المجتمع الذي لا ينبغي أبداً أن يتهاون فيه ، ويجب علينا أن نصمم عليه، الله غفور رحيم فإذا تنازل عبد ما عمن سرق منه ، ووهبه للسارق فإن ذلك لا يعفي ذلك السارق إذا بلغنا به إلى الحاكم من أن نوقع عليه العقوبة ، والنبي ينبهنا إلى أهمية حقوق الله وأنها لا تسقط حتى بالعفو من العباد ، ويقول : لقد هلك :
(( إنَّما أَهلك الذين قبلكم : أنَّهمْ كانوا إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكُوه ، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ . وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت لقطعتُ يَدَهَا ))
هذه قمة من القمم أن بنت النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ، قائد الدولة ، زعيم الأمة ، النبي عليه الصلاة والسلام ، إذا سرقت قطع محمد يدها حاشاها ، لكن حقوق الله أخذوا منا هذه الفكرة، ولأن الله خرج من منظومات كثير من البشر أسموها بحقوق المجتمع .
حقوق العباد ليس فيها تسامح إلا بشرط أن يعفو العبد :
حقوق العباد ليس هناك فيها تسامح إلا بشرط أن يعفو العبد ، وهناك من أجل ذلك نستطيع تقسيم هذه المسألة إلى ثلاثة أقسام ، هناك حقوق لله محضة ، وهناك حقوق لله تتعلق بحقوق العبد ، وهناك حقوق للعباد محضة ، فإذا كانت المسألة ترجع إلى حقوق الله المحضة فإنه يكفي فيها التوبة ، والرجوع ، والاستغفار ، كمن قصر في عباداته ، فيما لم يجعل الله له عقوبة عندما يقصر ، وإنما فتح باب التوبة ، وجعل الله سبحانه نفسه يفرح بها فرحة شديدة تجعلك تذهب إلى هذه التوبة وتتحقق بها ، وهناك حقوق العباد المحضة ولا يكون العفو فيها إلا إذا عفا العبد ، وهناك حقوق العباد التي هي من الوجه الآخر تتعلق بحقوق الله ، وحقوق الله التي تتعلق بحقوق العباد ، وفيها هذا حق للأمة الإسلامية فلا يكفي فيها الاستغفار ، ولا يكفي فيها عفو الناس .
المذيع :
فضيلة الأستاذ محمد النابلسي ، اليوم يبدو أن الحرية أصبحت هي الحق الطاغي بنفوذ الإعلام ، بنفوذ العمل الدعائي ، العلاقة هنا بين الحقوق من جهة والحريات من جهة ، خاصة إذا ما تطرقنا إلى حرية التعبير ، أو حرية النشر ، هنا تبدو التباسات في قضية الحق من جهة والحرية من جهة خاصة إذا ما تعلقت بتجريح المقدس ، أو بتجريح الدين ، إلى أي مدى يضع الإسلام ضوابط لهذه المسألة ؟
العلاقة بين الحقوق من جهة والحريات من جهة أخرى :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، أتصور أن هناك موقفاً إنسانياً وموقفاً عنصرياً ، معنى الموقف العنصري أنه لمجرد أن تتوهم أن لك ما ليس لغيرك ، أو أن على غيرك ما ليس عليك ، فأنت عنصري ، هذا يبدأ من تصرف الزوج مع زوجته ، وينتهي بحق الفيتو في مجلس الأمن ، حينما تتوهم أن لك حقوقاً ليست لغيرك ، وأن عليهم واجبات ليس عليك فالإنسان عندئذ عنصري ، وما دامت العنصرية سائدة في المجتمع الدولي فالعنف لا يقف ، لذلك لا يصلح للناس إلا العدل الذي يقابل العنصرية الموقف الإنساني .
المذيع :
فضيلة الدكتور عمر نتوقف وأنت تتكلم عن التجربة التاريخية لحقوق الإنسان في الإسلام ، توقفنا عند لحظتين ، لحظة قرآنية نبوية ، ولحظة فقهية ، اللحظة القرآنية ضربت منها الأمثلة ، ولكن ماذا عن اللحظة الفقهية هل استطاع فقهنا الإسلامي أن ينهض بحقوق الإنسان أو أن يرسخ منظومة ؟ عندما نتحدث عن حقوق الإنسان نتحدث عن ميثاق المدينة المنورة ، الدستور الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم منذ قيام الدولة الإسلامية ، لكن ماذا عن اللحظة الفقهية الأخرى هل استطاعت أن تصل إلى درجة الرقي الحضاري ؟
التجربة التاريخية لحقوق الإنسان في الإسلام :
الدكتور عمر عبد الكافي :
أحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبعد :
عندما جاء القبطي المصري إلى مكة ليقابل عمر أمير المؤمنين في الحج ، ويشكو له من ولد عمرو بن العاص والي مصر ، الذي ضربه عندما سبقه ، استدعى عمر عمراً بن العاص وولده واقتص القبطي المصري الذي على غير دين الإسلام من ابن والي مصر عمرو بن العاص ، ثم قال عمر : أجلها على صلعة عمر ، قال : يا أمير المؤمنين قد أخذت حقي ، المسألة من ضربني ضربته ، قال : ما ضربك هذا إلا بسلطان هذا ، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
أليس هذا قانون عالمي تطبيقي راق بهذا المنطق ؟ أليس القرآن الكريم ينصر يهودياً في قضية ابن الأبير الذي اتهمت أسرة مسلمة أسرة يهودية في سرقة الدرع ، وأنتم تعلمون القصة أنتم أهل علم ، ووضع الدرع في كيس الدقيق ، المهم انتهت القصة بأن يبرئ القرآن اليهودي ، ويقول الله لحبيبه صلى الله عليه وسلم : ولا تكن للخائنين خصيماً .
بعض من الفقهاء يقولون : لو وجد لقيط تصارع عليه مسلم وكافر ، المسلم يريد أن يأخذه عبداً ، وغير المسلم أن يتبناه ولداً ، يحكم القاضي المسلم أن يكون الولد في رعاية غير المسلم ، لأن الحرية في الإسلام مقدمة على العبودية ، ولا يحكم دين على نفسه إلا إذا كان دين حق ، ودين يبقى ما بقي الزمان .
القضية أننا رأينا عناصر عجيبة وتكاد تكون مثالية واقعية أو واقعية مثالية ، وصلت أن ماعزاً الغامدي جاء واعترف بما صنع ، واثنان من الصحابة بعد أن رجموا ماعزاً كان الرسول يسير خلفهما فقال أحدهما للآخر : ما كان ينبغي لماعز أن يعترف ، فلما مرّ على جيفة حمار انتفخت أقدامه ، قال : كُلا من هذه الجيفة ؟ قالوا كيف يا رسول الله ؟ قال : أما أكلتما من عرض أخيكم أسوأ عند الله من الأكل من هذه الجيفة ، إذاً حفظ الأعراض للأحياء وللأموات ، وصل الدرجة أن الرجل ما خاض في عرض ماعز ، وإنما لم يكن هناك من داع لأن يقول هذا .
هذه الدرجة التي وصلت أن جبلة بن الأيهم لما داس على عباءته رجل من السوقة عند الكعبة ، فضربه جبلة وهشم أنفه ، فذهب الأعرابي لعمر واشتكى ، فجاء عمر لجبلة ويريد أن يصفع ويفعل الأعرابي هذا بجبلة ، يقول : لا أنا أمير وهذا من السوقة ، هذه من عظمة الإسلام سواء بالفقه أو في السلف الصالح ، والله لن تعز الأمم إلا إذا استشرى فيها العدل ، وأن يأخذ كل ذي حق حقه ، ثم نتعامل بمساحة الفضل ، فيرانا الآخر فيقول : هنيئاً لهم هذا الدين ، ونحن نحجب عن هذه الأمم الضالة البعيدةً كثيراً من النور بأفعالنا المشوهة ، وبعدنا عن فهم حقيقة ديننا ، ووجب علينا أن يرأف بعضنا ببعض ، وتعلو إنسانيتنا حتى نتناغم مع كتاب الله عز وجل في هذا الكون الذي نعيشه .
المذيع :
شكراً فضيلة الدكتور عمر عبد الكافي ، اسمحوا لي بسؤال أخير لفضيلة الدكتور المفتي فيما يتعلق بالخصوصية والعالمية ، أشرت في معرض تقديمك أن ثمة حقوق تدرج اليوم ضمن حقوق الإنسان ليست لا ديناً ولا إنسانياً يمكن أن تدرج ، لكن يبدو اليوم أن ثمة توجه لإقرار مثل هذه الحقوق ، أو إشاعتها على الأقل في الثقافة ، كيف يمكن اليوم أن نوافق بين الخصوصية التي نتحدث عنها فيما يتعلق بموقف الإسلام من حقوق الإنسان ، وهذه العالمية التي يبدو أنها تواجهنا وتحتاج منا إلى ردود مقنعة أيضاً .
الخصوصية و العالمية :
الدكتور علي جمعة :
هذه الرغبات التي توجد عند بعضهم لم تعد رغبات ، هي أصبحت الآن في معيار التقويم الموجود في بلاد كثيرة ، أن الشذوذ الجنسي مثلاً والعياذ بالله من حقوق الإنسان، بحيث يمنعون ويقومون أي دولة ليس عندها هذا ، أو عندها قانون يحرم الشذوذ ، يريدون أن يتدخلوا فيه ويحولوه ، المسألة تحولت من رغبات بعضهم وشهواتهم تحولت إلى واقع نعيش موجود الآن ودعوة إلى هذا ، الجواب الذي ذكرته هو الذي نذكره في المحافل الدولية ، والذي لم يستطيعوا إلى الآن أن يردوا عليه ، وهو أن حقوق الإنسان هي التي متفق عليها دون التي يتفرد بها بعضهم كما يشاؤون ، وأن هناك فارقاً بين إباحة الشيء وبين إدراجه في حقوق الإنسان ، وأننا نرفض هذا ، وهذا هو الجدال القائم الآن بين كثير من الدول الإسلامية ، وبين بعض الوثائق التي صدرت من الأمم المتحدة بهذا الشأن ، فلنا تحفظات ، الدول الإسلامية لها تحفظات على بعض البنود ، وهم الآن يقولون : نحن نريد أن ترفعوا هذه التحفظات ، ولو رفعنا هذه التحفظات فهذا معناه القبول بهذه الأشياء ، وإمكانية التدخل الدولي داخل الدول لتغيير قوانينها من أجل توائمها مع هذه الأشياء ، العالم الإسلامي كله في تحفظ بل والعالم الغير الإسلامي هو يتحفظ أيضاً ، الهند وهي دولة علمانية تتحفظ كثيراً على هذه الأشياء الموجودة ، هو صراع بين الحق والباطل ، بين الشهوة وبين الدين ، بين الإنسانية في عمومها وبين قلة تريد أن تسحب العالم إلى ما يسمى بالنهضة الجديدة ، أو العالم الآخر ، أو العهد الجديد ، إلى آخر ما هنالك ، هذا الصراع نستعين فيه بالله ، ولكن كيف نرد عليه ؟ نحن نرد عليه أكثر من عشرين عاماً ونحن نتجادل بهذه القضايا والحمد لله إلى الآن لم يستطيعوا فرض رأيهم ، والله سبحانه وتعالى يؤيد الحق .
خاتمة و توديع :
المذيع :
في نهاية هذا اللقاء أشكركم أيها العلماء الأجلاء ، واسمحوا لي أن أرفع في نهاية هذا اللقاء أسمى آيات الشكر والعرفان لصاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ، على رعايته لهذه المجالس العلمية الهاشمية ، كما أشكر مندوب جلالة الملك سمو الأمير علي بن نايف أيضاً ، و أشكر وزارة الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية ، ممثلة بمعالي وزيرها الأستاذ عبد الفتاح صلاح ، أيضاً أشكر أصحاب السماحة ، أصحاب المعالي ، أصحاب العطوفة والسعادة ، الذين حضروا هذا الملتقى المبارك ، اسمحوا لي أخيراً أن أتوجه بجزيل الشكر لمن استمع ، ولمن أنصت ، ولمن حضر من الأخوة الذين وفدوا إلى هذا المكان ، موعدكم إن شاء الله تعالى مع الملتقى القادم يوم الجمعة القادم ، الذي عنوانه نظام الأسرة في الإسلام ، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين