- (079) سورة النازعات
- /
- (079) سورة النازعات
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
يوم الجزاء يوم تسوية الحسابات :
أيها الأخوة المشاهدون ؛ لازلنا في سورة النازعات ، الآية موضوع هذا الدرس والتي تليها قوله تعالى :
﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾
الحياة فيها طعام ، وشراب ، ونساء ، وأماكن جميلة ، ونشاطات متنوعة ، قال تعالى :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
لكن لا بد من يوم تسوى فيه الحسابات ، لا بد من يوم يؤخذ للمظلوم من الظالم ، لا بد من يوم يؤخذ للمعذب ممن يعذبه ، يؤخذ للمستغل ممن يستغله ، هذا يوم الدين ، يوم الفصل ، يوم الدينونة ، يوم الحساب ، يوم تسوية الحسابات .
أخواننا الكرام ؛ هناك آية دقيقة جداً قال تعالى :
﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾
أي ما منكم إنسان إلا ويرد النار ، كيف ؟ قال علماء التفسير : ورود النار غير دخولها . دخولها استحقاقاً أما ورودها فزيارة ، قد ننشئ سجناً حضارياً يأتي وزير من دولة كبيرة نطلعه على هذا السجن ، هل يعد هذا الوزير الزائر سجيناً ؟ لا ، إنسان آخر ، فالعلماء قالوا : دخول النار استحقاقاً أما ورودها فزيارة . لأن أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل محقق جزئياً ، فالله عز وجل يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، أما تسوية الحسابات تسوية كاملة فتكون في يوم الدين ، فالإنسان حينما يرد النار يوم القيامة ولو كان مؤمناً يزورها ليرى عدل الله المطلق ، عدل الله محقق في الدنيا جزئياً ، إنسان يطغى ويبغي على بقية البشر ، ويموت ، وقد تصنع له أبهى جنازة ممكن لكن الدنيا دار ابتلاء ، ليست دار جزاء ، والله رحمة بنا يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، قال تعالى :
﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾
يوم الحساب ، يوم الجزاء ، يوم تسوية الحسابات ، يوم يأخذ الله للمظلوم من الظالم، للضعيف من القوي ، للفقير من الغني ، لمن طغى وبغى ونسي المبتدا والمنتهى ، لمن كان مستضعفاً ضعيفاً ، والآية تقول :
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
قال تعالى :
﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾
البشر على اختلاف مللهم ونحلهم هم يوم القيامة في صنفين اثنين :
دقق الآن ، قال تعالى :
﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾
يعرض على الإنسان يوم القيامة شريط حياته دقيقة دقيقة ، ثانية ثانية ، يوماً بيوم ، شهراً بشهر ، سنة بسنة ، مكان بمكان ، قبل الزواج وبعد الزواج ، قبل الوظيفة وبعد الوظيفة ، هذا الشريط يعرض عليه تماماً ، هذا اليوم يوم الطامة ، يوم الجزاء ، يوم الدينونة ، يوم الحساب، قال تعالى :
﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾
تماماً كأن تشاهد شريطاً ، كنت في مكان تتجول هناك من يصورك بشريط ، وضعت في مكان عرض عليك الشريط ، هذا أنت ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
هؤلاء البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم ، هم في النهاية في حقلين اثنين ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
إذاً البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وكل ما تشاؤون من تفاصيل هم يوم القيامة في صنفين اثنين ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى ﴾
تجاوز الحد ، طغى ، أخذ ما ليس له ، طغى اعتدى على الآخرين ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
وكأن الله أراد أن يبين أن سبب الطغيان لأنك آثرت الحياة الدنيا ، آثرت مالها غير المشروع ، آثرت شهواتها غير المتاحة لك .
من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :
بالمناسبة ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، والدليل قوله تعالى :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
المعنى الخلافي ، أي الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، إذاً قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
يعيش الناس حاضرهم وماضيهم ، لكن البطولة أن تعيش المستقبل ، في المستقبل ما الحدث الخطير ؟ مغادرة الدنيا فلذلك من أروع تعريفات الإنسان للإمام الحسن البصري ، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه . قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
ضرورة تقييم الإنسان لكلّ حركاته و سكناته وفق الشرع :
أيها الأخوة الكرام ؛ وصف النار ، مهما وصفت النار فهي أصعب ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾
دقق الآن ، قبل أن آخذ شيئاً ، هذا الأخذ يرضي الله ؟ قبل أن ألتقي مع إنسان هذا اللقاء يرضي الله ؟ قبل أن ألبي هذه الدعوة ، هذه الدعوة ترضي الله ؟ قبل أن أقيم هذا الاحتفال هل يرضي الله ؟ دقق كل عمل ، كل حركة ، كل سكنة ، لها تقييم في الدين ، هناك فرض ، و واجب ، وسنة مؤكدة ، وسنة غير مؤكدة ، ومباح ، ومكروه كراهة تنزيهية ، وكراهة تحريمية ، وحرام ، ما من شيء إلا يصنف تحت هذه الأبواب ، فأنت إذا طلبت العلم تعرف مثلاً لو إنسان معه ضغط مرتفع ، وهذا الضغط المرتفع يسميه الأطباء : القاتل الصامت ليس له أعراض ، كيف تكشفه ؟ من مقياس ، الذي عنده مقياس ضغط من حين لآخر يفحص ضغطه ، أو عن طريق الطبيب ، أما المشكلة أن الإنسان لا يوجد عنده مقياس ، يتحرك بعشوائية ، قد يأخذ ما ليس له ، الذي يضبط حركتك الشرع .
(( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى، قَالَ : فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا ، فَجَمَعُوا ، فَقَالَ : أَوْقِدُوا نَارًا ، فَأَوْقَدُوهَا ، فَقَالَ : ادْخُلُوهَا ، فَهَمُّوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا ، وَيَقُولُونَ : فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ))
العقل لا يعطل ، سمعت شيئاً طالب بالدليل ، والنصيحة لا تقبل شيئاً إلا بالدليل ، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل .
رأس الحكمة مخافة الله :
ثم قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
الجنة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
الشيء الدقيق أن الجنة فيها ما لا عين رأت ، أنت ماذا رأيت في الدنيا ؟ هناك إنسان زار عشرة بلاد ، إنسان خمسة بلاد ، إنسان زار مئة مدينة ، إذاً عين رأت ، أما السماع فأنت سمعت بألف بلد ، السماع أوسع ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. هذه الجنة أيمكن أن نهملها ؟ أيمكن ألا نسعى إليها ؟ قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
إذاً الآية تقول :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾
رأس الحكمة مخافة الله ، من هو الذي لا يخاف ؟ المجنون ، الإنسان يخاف والخوف فضيلة ، أن تخاف من الله عز وجل ، رأس الحكمة مخافة الله عز وجل ، وكلما طلبت العلم عرفت نتائج المعصية ، نتائج أكل المال الحرام ، نتائج الاختلاط ، نتائج إطلاق البصر ، نتائج الطلاق التعسفي ، فالإنسان إذا عرف الله تحرك حركة صحيحة ، الله له مقام عظيم ، خاف مقام ربه ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لـمن يحب يطيع
***
التفكر في خلق السموات والأرض يصل بالإنسان إلى تعظيم الله :
أخواننا الكرام ؛ التفكر في خلق السموات والأرض يصل بالإنسان إلى تعظيم الله عز وجل ، لأن الله عز وجل لا تراه العيون ، ولكن العقول تصل إليه ولا تحيط به ، إذاً أيها الأخوة ؛ كلما ازداد مقام الله عظمة عندك ابتعدت عن معصيته ، والذي يعصي الله قد لا يرى عظمة الله ، مثل بسيط ، أنت مواطن عادي ، تركب مركبة ، الإشارة حمراء ، فإذا تجازت هذه الإشارة هناك غرامة كبيرة ، أو هناك حجز سيارة ، لأنك تعلم علم اليقين أن واضع قانون السير علمه يطولك وقدرته تطولك لا تعصيه ، فإذا قرأت القرآن :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
أي الله عز وجل علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، لا يمكن أن توقن يقيناً قطعياً أن الله يعلم وهو قادر على أن يأخذ منك كل شيء وتعصيه ، المعنى قوله تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
بين أن تكون في النار أو أن تكون في الجنة المسافة كبيرة جداً ، والإنسان آتاه الله عقلاً ، وآتاه أدلة ، وآتاه آيات ، خلقنا لنعبده ، وخلقنا ليرحمنا ، وخلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة، قال تعالى :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
محاسبة كل إنسان على عمله في نهاية الطريق :
الآن قال تعالى :
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ﴾
أي هذه الساعة ساعة البعث ، ساعة النشور ، ساعة الحساب ، يوم الدينونة ، وهناك ساعة صغرى وساعة كبرى ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾
الساعة ساعة تأتي قبل يوم القيامة ، أخبر عنها الله عز وجل في آية ، أو في آيات ، والنبي في أحاديث كثيرة ، والساعة إذا أطلقت يوم القيامة فهذا نهاية الدوران ، قال تعالى :
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ﴾
لذلك قال تعالى :
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
﴿ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
هذا كله مما يؤكد أن هناك في نهاية الطريق حساباً دقيقاً نحاسب عليه .
ضرورة معرفة الله و التفكر في خلقه :
قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾
الإنسان يجب أن يقتطع من وقته وقتاً لمعرفة الله ، يقتطع من وقته وقتاً للتفكر في خلق السموات والأرض ، يقتطع من وقته وقتاً لحضور مجلس علم ، لا بد من حضور مجلس علم ، لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ، الذي يحضر مجلس علم يتعلم ثم يطبق وقد تتراكم هذه القناعات عنده ، تراكم هذه القناعات تؤدي بك إلى الطاعة ، والإنسان أي إنسان حريص على سلامة وجوده ، وعلى كمال وجوده ، وعلى استمرار وجوده ، أي إنسان على الإطلاق ، وأي إنسان على الإطلاق يسعى إلى تغذية عقله بالعلم ، وقلبه بالحب ، وجسمه بالطعام والشراب ، فإذا كنت حريصاً على سلامة وجودك ، وعلى كمال وجودك ، وعلى استمرار وجودك ينبغي أن تتجه إلى الله ، قال تعالى :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾
خشية الله بعد أن تعرفه ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ، ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي .
كيفية التعرف على عظمة الله :
كيف تتعرف إلى عظمة الله ؟ طريق وحيد عن طريق آياته ، قال تعالى :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
فالله عز وجل له آيات كونية التفكر ، وله آيات تكوينية النظر ، وله آيات قرآنية التدبر.
أنت بين آيات كونية و تكوينية و قرآنية ، هذه الآيات تدل على عظمة الله ، وكلما عظمته خشعت له ، لذلك العلماء يقولون : كلما كبر الذنب عندك صغر عند الله ، وكلما صغر الذنب عندك كبر عند الله ، شيء دقيق جداً ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
الطبع و الفطرة و الصبغة :
صار عندنا بعض الأشياء الدقيقة هناك طبع ، وفطرة ، وصبغة ، الإنسان طبعه أن يأخذ المال ، والتكليف أن ينفق المال ، طبعه مخالف للتكليف ، طبعه أن يملأ عينه من محاسن المرأة ، والتكليف أن يغض البصر ، طبعه يقتضي أن يخوض في فضائح الناس ، والتكليف أن يكف لسانه ، فلذلك قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
صار عندنا طبع ، وعندنا فطرة ، وعندنا صبغة ، الفطرة أن تحب الشيء لا أن تتمثله ، الصبغة أن تتمثله ، الطبع يتبع لمادة جسمك ، قال تعالى :
﴿ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾
أي هذه الدنيا المديدة تراها يوم القيامة ساعة ، والحقيقة كما قيل : ساعة اللذة دقيقة ودقيقة الألم ساعة ، هناك مقياس نسبي للوقت ، قال تعالى :
﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾
أخواننا الكرام ؛ هذا القرآن الكريم ولا سيما الجزء الأخير يتحدث عن الله العظيم ، وعن الدار الآخرة ، فلذلك الآيات المكية تدور حول الإيمان بالله واليوم الآخر ، والآيات المدنية تدور حول التشريع ، لكن الشيء الدقيق إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الله عز وجل ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر ، لذلك قال تعالى :
﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾