وضع داكن
07-05-2024
Logo
برنامج فاسالو أهل الذكر - الندوة : 2 - فاسألوا أهل الذكر - تربية الأولاد في الإسلام.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة وترحيب : ترحيب:


الدكتور محمد سلطان العلماء:

  بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وأفضل الصلاة وأكمل التسليم على سيدنا ومولانا محمَّدٍ المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، اللهم صلِّ صلاةً كاملةً وسلِّم سلاماً تاماً على سيدنا محمد الذي تنحلُّ به العقد وتنفرِجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتُنال به الرغائب وحُسن الخواتيم وعلى آله وصحبه وسلم في كلِّ لمحةٍ ونفسٍ بعدد كلِّ معلومٍ لك.

 أحبائي المشاهدين الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أسعد الله أوقاتكم بكلِّ خير وأهلاً ومرحباً بكم مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم فاسألوا أهل الذكر، اسمحوا لي أن أرحب بضيفنا لهذا اليوم، ضيفنا مميزٌ جداً فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية والمفكر الإسلامي، أهلاً وسهلاً ومرحباً سيدي.

الدكتور محمد راتب النابلسي:

 بارك الله بكم ونفع بكم وأعلى قدركم وحفِظَ لكم بلدكم.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 شرفتونا يا سيدي، الله يسلمك ويجزيك الخير، يعني أتعبنا الشيخ اليوم وأتينا في هذا المساء المبارك فسامحنا يا سيدي.

الدكتور محمد راتب النابلسي:

 هذا واجب، لا أبداً.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 في البداية أحبُّ أن أعرف انطباعك عن الأردن، انتقلتم إلى الأردن يعني ليس من فترةٍ طويلةٍ لكن ما هو انطباعكم سيدي عن هذا البلد؟ 


انطباع الدكتور محمد راتب النابلسي عن الأردن: 


الدكتور محمد راتب النابلسي:

 والله هذا الانطباع أعيشه كل يوم، هذا الانطباع أن هذا البلد الطيب -أنا لا أمدح بل أصف- في هذا البلد الطيب التدين ليس تهمةً تحاسب عليها، لا يوجد في هذا البلد ضُبط متلبِّساً بالصلاة.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 صحيح، نعم.

الدكتور محمد راتب النابلسي:

 هذه نعمة كبيرة جداً، يوجد تديُّنٌّ حقيقي.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 صحيح، الحمد لله.

الدكتور محمد راتب النابلسي:

 الشيء الثاني: الشعب أطياف، كأي شعبٍ آخر، هناك الهاشمي وهناك الفلسطيني، لا يوجد بين الطيفين أحقادٌ تاريخيةٌ تقتضي القتل، كما في بعض البلاد، هذه نعمةٌ ثانية.

 الشيء الثالث: هناك حكومةٌ قويةٌ تُحاسب وتُعاقب ولكن دون قتل، هذه نِعَمٌ أُلفت فنسيت، الدعاء النبوي: اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها، فالنعم إذا أُلِفت نُسيت، إنسانٌ فرضاً عنده بيت، مرةَ حدَّثني أخٌ أنه كان بمدينةٍ في الصيف وكان هناك ازدحامٌ شديدٌ لم يتمكَّن من أن يجد فندقاً، ولا فندقاً، بدأ بفندق الخمس نجومٍ انتهاءً بفندق النجمة الواحدة ولم يجد فندقاً، اضطر أن ينام بمكانٍ صعبٍ جداً، فقال لي: بحياتي لم أتذكَّر نعمة البيت إلا وقتها.

 النبي عليه الصلاة والسلام قال: الحمد لله الذي آواني وكم ممن لا مأوى له:

(( عن أنس بن مالك، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كان إذا أوَى إلى فِراشِه، قال: الحَمدُ للهِ الذي أطْعَمَنا وَسَقانا، وكَفانا وآوانا، وكم ممَّن لا كافيَ له، ولا مُؤْويَ. ))

[ أخرجه مسلم ]

 شخصٌ معه مفتاح بيت قد يكون أجرةً أو ملكاً، كبيرٌ أو صغيرٌ، عالٍ أو غير عالٍ، ولكنه معه مفتاح بيتٍ هذه نعمةٌ كبيرة، متى تُذكر إذا فُقدت.

 الدعاء النبوي: اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها، عنده زوجةٌ صالحة، سافر إلى أمريكا شهرين، لا يخطِرُ في باله لثانيةٍ واحدةٍ أن هناك رجلاً دخل البيت، هذه نعمةٌ كبيرةٌ أُلِفَت فنُسيت.

 له دخل، يعني الكبد يعمل، الرئتان تعملان، القلب يعمل، ليس عنده مرضٌ عضال.

 كنت أقول دائماً؛ كنت مرةً في أمريكا: إذا بلغت منصباً كأعلى منصب في العالم، رئيس أمريكا مثلاً، وثروةً كأوناسيس وعلماً كأنشتاين ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.


 البطولة في اتباع تعليمات الصانع:  


يوجد الآن على الأرض ثمانية مليارات إنسان، بالضبط الآن ثمانية مليارات، هل فيهم واحدٌ يحب الفقر؟ ولا واحد، القهر؟ لا أبداً، المرض؟ أبداً، ولا واحد، هل فيهم واحدٌ لا يحب أن يكون بيته واسعاً؟ الكل، وزوجته صالحة؟ أولاده أبرار؟ بناته مُحتشمات؟ كلنا، فنحن عندنا أشياءٌ نرفضها بالفطرة، من أي مكان، بأي زمان، بأي وضع، بأي هوية، ونتمناها بالفطرة، الإنسان يُحب سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، السلامة باتباع تعليمات الصانع، ركبت سيارةً حديثةً جداً، تألق ضوءٌ أحمرٌ في لوحة البيانات، إن فهمته ضوءاً تزينياً احترق المحرك، يلزمك مئة ألف لإصلاحه، إن فهمته بحسب تعليمات الصانع ضوءاً تحذيرياً أوقفت المركبة وصببت الزيت، فالإنسان إنطلاقاً من حُبه لذاته بل من أنانيته ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع، لأن الصانع هو الجهة الوحيدة الخبيرة، والآية تقول:

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر ]

 فالبطولة والذكاء والنجاح والفلاح تقتضي أن نتبع تعليمات الصانع، يعني راكب السيارة، ولوحةٌ مكتوبٌ عليها حقل ألغامٍ ممنوع التجاوز، هل ترى هذه اللوحة حدَّاً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟

 في اللحظة التي نفهم أحكام الدين؛ ليست حدَّاً لحريتنا لكنها ضماناً لسلامتنا نحن فقهاء ورب الكعبة، هناك أشياءٌ دقيقةٌ جداً، لوحة البيانات هذا الضوء الأحمر ضوءٌ تحذيريٌّ لا ضوءٌ تزيني، وهذه اللوحة ليست حداً لحريتك ولكن ضمانٌ لسلامتك، هذه البطولة.

 يعني عفواً؛ أيام يقول لك طفل: معي مبلغٌ عظيم، جاء العيد أخذ من خاله خمسين ديناراً ومن عمه خمسين ديناراً أصبح معه مئة دينار، يقول لك الطفل معي مبلغٌ عظيم، كلامه صحيح، عظيم، وإذا قال مسؤولٌ كبيرٌ بدولة عظمى: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، مئتي مليار، وإذا قال ملِك الملوك:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾

[ سورة النساء ]

فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً

الإمام الشافعي

 ما معنى قوله تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

[ سورة الرحمن ]

 العلماء قال: جنة القُرب في الدنيا وجنة الخُلد في الآخرة، (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) في الدنيا جنة القُرب.

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي      رأوه لـمـا ولـيـت عـنـا لـغيـرنـــا

ولو سـمـعت أذنـاك حسن خـطابنـا      خلعت ثياب العجب عنك وجئتنــا

ولـو ذقـت مـن طـعـم المحـبــة ذرة      عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــا

ولـو نسمـت مـن قربـنـا لـك نسمـةٌ       لـمت غـريـبـاً واشتـيـاقاً لـقربـنـا

ولـو لاح لـك مـن أنـوارنا لك لائـحٌ       تـركـت جمـيع الـكائنات لأجلنـــا

فـمـا حـبنـا سهـلٌ وكـل مـن ادعــى      سهـولـتـه قـلـنـا لـه قـد جهـلتـنـــا

فأيسر ما فـي الـحب للـصب قتـلــه      وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

[ علي ابن محمد ابن وفا ]

تربية الأولاد أكبر تجارةٍ مع الله:  


لذلك قالوا: هناك حبٌّ في الله، وحبٌّ مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، أن تُحب الله أن تُحب أنبياءه جميعاً، رسله جميعاً، على رأسهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أن تُحب أصحابه جميعاً دون استثناء، أن تُحب أمهات المؤمنين، أن تُحب المؤمنين، أن تُحب العلماء الربانيين، أن تُحب المساجد، العمل الصالح، خدمة الناس، أن تُحب أهلك، أسرتك.

 أقول كلمةً دقيقة: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تُعدُّ ولا تُحصى، ولأن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، وسُمِّيَ العمل صالحاً لأنه يصلُح للعرض على الله، ومتى يصلُح إذا كان خالصاً وصواباً، خالِصاً: ما ابتُغي بها وجه الله، وصواباً: ما وافق السُّنة.

 فلذلك أخي الكريم؛ الإنسان حريصٌ على سلامته باستقامته، بسعادته: بإقباله على الله، وعلى استمراره: بتربية أولاده.

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾

[ سورة الطور ]

 العلماء قالوا: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.

 الآن أكبر تجارةٍ بالأرض؛ من دون احتكارٍ طبعاً، الربح: 15%، أكبر صناعة: 25%، مع الله الربح مليونٌ بالمئة، مليون، أكبر تجارةٍ هي مع الله، وتربية الأولاد أكبر تجارة، أعمال الابن بكاملها في صحيفة أبيه وأمه.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 حسناً سيدي؛ هذه مقدمةٌ جميلةٌ تدلُّ على أهمية التربية، بالنهاية الأجر والثواب في صحيفتي، كيف أربِّي أولادي إن لم أكن قدوةً لهم؟ 


القدوة وأثرها في التربية: 


الدكتور محمد راتب النابلسي:

 قالوا: القدوة قبل الدعوة، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، بعيونهم لا بآذانهم، يعني أبٌ لم يخلع ثيابه أمام أولاده، لم يفاجئه ابنه بمشهدٍ على الشاشة لا يرضي الله، لم تذهب البنت مع أمها إلى الجيران وتأخَّروا بالعودة وتأخَّرت وجبة الغداء، جاء الزوج غضباناً: أين كنتم، تقل له الأم: لم نكن في مكان، شربت البنت الكذب من أمها.

 هناك رأيٌ لي؛ وأنا معي شهادةٌ اختصاصٍ في التربية: أكثر أخطاء أولادنا من الآباء والمعلمين، لذلك القدوة قبل الدعوة، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، أبٌ لم يكذب، لم يخلع ثيابه أمام أولاده، والشاشة مضبوطة، السهرة مضبوطة، اللقاءات مضبوطة، النزهات مضبوطة، مضبوطةٌ بمنهج الله، ومنهج الله يبدأ من فراش الزوجية من أخصِّ خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية، منهجٌ تفصيلي، الناس أحياناً تداخل معهم العبادات الشعائرية والتعاملية، الصيام والصلاة والحج والزكاة والشهادة، الصلاة:

(( يؤتى برجالٍ يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباءً منثوراً قيل يا رسول الله جلِّهم لنا قال هم أناسٌ مثلكم يصلون كما تصلون ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

[ رواه ابن ماجه ]

 انتهت الصلاة، الآن الصيام:

(( عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قال: قال رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ. ))

[ رواه البخاري وأبو داود ]

 انتهى الصيام، الحج:

(( مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ، وَحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ ))

[ صححه الألباني ]

 الشهادة:

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))

[ رواه الطبراني عن زيد بن أرقم ]

 خمس عباداتٍ شعائريةٍ الأولى بحياتنا إن لم تُرافقها عباداتٌ تعامُليةٌ في كسب المال، في إنفاق المال، في السهرات، في اللقاءات، في الرّحلات في النزهات، في الشاشة، هناك أشياءٌ لا تُعقل إطلاقاً أن تكون في البيت، أنا أوجِّه الكلمة لإخوتي المواطنين: ما لم تُضبط الشاشة لن تستطيع أن تُربِّي أولادك، أبداً. الحقيقة المُرَّة أراها أنها أفضل ألف مرَّة من الوهم المريح.

 شاشةٌ مضبوطة، سهراتٌ مضبوطة، نزهاتٌ مضبوطة، ولائمٌ مضبوطةٌ ليس فيها اختلاط، الاختلاط له مشكلاتٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 طيب سيدنا؛ الآن البيت متكونٌ من الأب والأم والأولاد، يعني لا يقتصر الأمر على الوالد فقط، يعني هناك مسؤوليةٌ مشتركةٌ في التربية كيف نوضِّح هذا لكلِّ طرفٍ من الأطراف؟ 


التعاون ضرورةٌ حتميةٌ للمسلمين: 


الدكتور محمد راتب النابلسي:

 سيدي هو أولاً: التعاون حضارة، التعاون قوة، التعاون تفوُّق، التعاون بلوغ الهدف.

 أمرٌ إلهيٌّ قاطع، مانع، جامع، رائع:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[  سورة المائدة ]

 (وَتَعَاوَنُوا) واو الجمع، بين الزوجين، بين الإخوة، بين الأقارب، بين المدير والموظفين، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ) : (الْبِرِّ) صلاح الدنيا، (وَالتَّقْوَىٰ) صلاح الآخرة.

 الآن حقيقةٌ مؤلمةٌ ومؤسفة؛ الطرف الآخر يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسةٌ بالمئة قواسمُ مشتركة، والمسلمون مع الأسف الشديد؛ بينهم خمسةٌ وتسعون بالمئة قواسمُ مشتركة وقد لا يتعاونون، وقد تجد الدماء في شوارعهم، هذه مشكلةٌ كبيرة، الطرف الآخر يتعاون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسةٌ بالمئة قواسم مشتركة، ونحن لا نتعاون بل نتقاتل وبيننا خمسةٌ وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، لذلك قالوا: على رأس الهرم البشري يوجد محورٌ الآن واحد؛ شئنا أم أبينا أحببنا أم كرهنا، تحته هناك دول، الدول الأولى الأنجلوسكسونية هذه الدول لا يَقبل المحور الأول أن تنتقل دولةٌ إلى مكانه، أبداً، هذه الدول الأنجلوسكسونية  هي: كندا، استراليا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، سويسرا، إلخ..

 هناك دائرةٌ ثانية؛ دول الضبط: الدول الأخرى، بقية الدول كلها لن يُسمح لإحداها أن تنتقل للحلقة الأولى.

 الثالثة؛ دول التدمير: ومع الأسف الشديد؛ يعني لما الإسلام يُعدُّ الدين الأول الآن نموُّه مذهلٌ؛ في دراسةٍ أكاديميةٍ غربية: في فرنسا عام 2050 الدين الأول هو الإسلام، والإسلام يُقلل الدخول التجارية خمسةً وستين في المئة، يعني لن يكون هناك إباحيات، لن يكون هناك أفلامٌ منحطة، التجارة العادية ربحها محدودٌ خمسة عشر، الصناعة خمسٌ وعشرون، وهناك يوجد مئات، فنحن يوجد عندنا حربُ نكون أو لا نكون، والبطولة أن نكون.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 نعم سيدي هنا تظهر أهمية التربية، من أحد وسائل التربية كما ذكرت هنالك الشاشة وهنالك الشاشات حقيقةً لم تعد شاشة واحدة بل هنالك شاشات كبيرةٌ وصغيرةٌ بأيدي الناس.

الدكتور محمد راتب النابلسي:

 الهاتف، والآي باد، والشاشة.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 نعم، والتنقُّل سهلٌ ممكن أن يكون داخل أو خارج البيت بمجرد الحصول على النت. 


الإقناع واللين في التربية:


 الدكتور محمد راتب النابلسي:

 ولكن هنا نقطة دقيقة؛ عذراً للمقاطعة، أقنع ولا تقمع، إذا قمَعت وسافرت يصبح هناك ردُّ فعلٍ معاكس، أقنِع ولا تقمَع، بيِّن للابن الحكمة، بيِّن يعني فصِّل، أعطِ الدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، فكلِّ شيءٍ يأتي بالعنف؛ نحن درسنا بالجامعة كان عندنا كتاب ل (فرانز فانون Frantz Fanon) ملخصه: العنف لا يّلِدُ إلا العنف، النبي الكريم سيِّدُ الخلق وحبيب الحق، قيل له:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

 (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ) هذه باء السبب، يعني يا محمَّد بسبب رحمةٍ استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليِّناً لهم، فلما كنت ليِّناً لهم التفوا حولك وأحبوك وفدَوك بأرواحهم، وأنت أنت بالذات (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ) يعني افتراضاً لا سمح الله لو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوةً ولانعكست القسوة غلظةً وفظاظةً (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) هذا قانون الالتفاف والانفضاض.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 يا سلام؛ إذاً هي رحمة الله سبحانه وتعالى هي السرُّ أودعها الله في قلبه الشريف فالتمَّ الناس حوله، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتجلَّى علينا برحمته، نأخذ الاتصال الأول من محمد تفضل يا محمد.

أحد المتصلين:

 السلام عليكم؛ أريد أن أرحب بكم وبضيفك الدكتور محمد راتب النابلسي نفعنا الله به وبعلمه وأطال الله بعمره، عندي سؤال: ما الفرق بين التأديب والانتقام، والمكافأة والرشوة في التربية؟ وجزاكم الله كلَّ خير.

الدكتور محمد سلطان العلماء:

 يعني هذا سؤالٌ في الصميم الحقيقة، معنا اتصالٌ من أحمد تفضل يا أحمد.

أحد المتصلين:
 السلام عليكم ورحمة الله، الله يعطيكم العافية يا سيدي ويمسيكم بأنوار سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام، قبل أن أبدأ بالسؤال سيدي الكريم أريد أن أُجدد لكم الشكر فضيلة الدكتور على هذا البرنامج الرائع حقيقةً بعناوينه وبمقدمه وبضيوفه الكرام وخاصةً ضيف هذه الأمسية الرائعة فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
 سؤالي يا دكتورنا الحبيب: أن متابعة الأبناء كما تفضلتم مطلوبةٌ من الآباء بالتربية بالنصيحة إلخ.. لكن في الحقيقة يا سيدي بعض الآباء لا يُحسن متابعة الأبناء أو بالأصح لا يُحسن طريقة المتابعة لهم فيصبح بدل أن يُتابع ابنه يتحوَّل إلى ما يُسمى بالتجسس عليه وبهذا الفعل على ما أظن أن الثقة تسقط بين الأب والابن، فإذا تكرَّمتم علينا يا سيدي أن تُبينوا لنا الفرق بين ملاحظة الأبناء ومتابعتهم وبين التجسس عليهم؟
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 جميل، جميل، شكراً، يعني سؤالان في صُلب الموضوع وهذا من جميل المتابعة، سيدي السؤال الأول يتحدث عن التأديب والانتقام، يعني أنا مطلوبٌ مني أن أؤدب ابني وليس أن أنتقم من ابني، والمكافأة والرشوة إذا فعل شيئاً جيداً يمكن أن أُغريه بشيءٍ ماديٍّ ربما تُفهم مكافأةً وربما أُربِّي فيه الرشوة.

المكافأة والعقوبة في التربية:

الدكتور محمد راتب النابلسي:
 خطأٌ كبيرٌ جداً إذا قام الابن بواجباته الدراسية أن تكافئه، المكافأة أصبحت رشوةً لأن هذا واجبه، تثني عليه ثناءً فقط، أما المكافأة مع القيام بالواجبات فيه إشكالٌ كبير، أما حينما يرتكب خطأ ننبهه أول مرَّة والثانية والثالثة نقوم بتجربةٍ مؤلمة، مؤلمة كلمةٌ واسعة، يعني تقليلٌ من مال المصروف، أحياناً الإعراض عنه، يعني أحياناً أب ألِفَ أن يضرب أبناءه، وهناك أبٌ لو أنه ألغى ابتسامته مع أبناءه لا ينامون الليل، هناك فرق كبير، مَنْ أَطَاعَ عَصَاكَ فَقَدْ عَصَاكَ، من أطاع العصا فقد عصا، أنت إذا ربيته تربيةً عاليةً.. مثلاً: أنا أركب سيارتي والإشارة حمراء والشرطي يقف والكاميرا موجودةٌ يعني يا هذه يا هذه ويمكن الاثنتان معاً، لمَ أقف؟ ليقيني القطعي أن واضع قانون السير سيُحاسبني وقد يسحب الإجازة مني لسنةٍ أو مبلغٌ كبيرٌ لأن واضع القانون يعلم وسيُحاسب وسيُعاقب، فألتزم، هذه في الأمور المادية:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)﴾

[ سورة الطلاق]

 يعني يعلَم ويقدر، وهناك إنسانٌ يعلَم ولا يقدر، وهناك إنسانٌ يقدر ولا يعلَم، أركب سيارةً والإشارة حمراء والشرطي يقف وكتب ضبطاً، أو الكاميرا موجودة سجَّلت مخالفةً والدفع لا بدَّ منه أو سحب الإجازة، ليقيني أن الذي وضع هذا القانون يعلم وسيُحاسب وسيُعاقب ويقدر ولا يمكن أن أعصيه، الآية: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا) : الآن الملخص (أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) الإله يعلَم ويقدر.
 يعني عفواً أحياناً يكون الإنسان في قمة نجاحه، خثرةٌ في الدماغ، فشلٌ كلوي، تشمُّع كبد، جلطة، يعني هناك أمراضٌ تقلِب الحياة إلى جحيم، حدَّثني أخٌ والله يحتل منصباً رفيعاً كان في الشام وفقد بصره قال لي: والله تحمَّلوني فترة شهرٍ يرسلون الأضابير إلى البيت يقرأها لي الموظف، وبعد ذلك أنهوا خدمتي، يقول: والله أتمنى أن أجلس على الأرض وأتسوَّل وأن يرُدَّ الله لي بصري، نعمة البصر، السمع، المكانة، الذاكرة، أحدهم وصل إلى منصبٍ رفيعٍ عندنا في سوريا يخرج من بيته لا يعود إلى بيته حتى الساعة الثانية، فقد ذاكرة الطرقات، هذه ذاكرة، الطرقات ذاكرة، فقد ذاكرة أقاربه، جاء ابنه من السفر قال له: من أنت؟ قال له: أنا ابنك بابا، لم يعرفه، عندنا ذاكرة، الذاكرة ليست قليلة، عندك زوجةٌ صالحة، أولادٌ أبرار، تسكن في بيتٍ وليس في خيمةٍ مثلاً في الأمطار وأنتم ترون بأعينكم الثلوج والوحل هؤلاء بشرٌ كان عندهم بيوت، فلذلك:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[ سورة الحجر]

الدكتور محمد سلطان العلماء:
 طيب سيدي السؤال الثاني وهو مهمٌّ أيضاً الفرق بين متابعة الأولاد وملاحظة الأولاد والتجسس على الأولاد، يعني أن تصل إلى مرحلة التجسس وفقدان الثقة.

أهمية البحث عن الإيجابيات:

الدكتور محمد راتب النابلسي:
 الله قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)﴾

[ سورة الحجرات]

 (وَلَا تَجَسَّسُوا) بل تحسسوا، البحث عن الإيجابيات، مثلاً أذكر مرَّةً في التعليم وأنا اختصاصي لغة عربية: كان عندي طالبٌ ضعيفٌ جداً في اللغة العربية يمكن أن يأخذ صفراً ولا ينجح، وعندنا اللغة العربية مادةٌ مُرسِّبةٌ يعني لا ينجح إطلاقاً، يوجد عندنا مادتان لو أخذ بها علاماتٍ قليلةً لا ينجح إطلاقاً، استبقيته بعد الدرس وأعطيته بيتاً صعباً جداً من الشعر وأعربته له وكتبه كله وقلت له: تحفظه طوال الليل، في اليوم الثاني كتبته على السبورة وقلت للطلاب: أعرِب يا بني، الطالب الأول لم يعرف، والثاني، والثالث، هو الرابع، أعرِب، فأعربه، ما شاء الله، صفِّقوا له، أخذ علامةً تامةً بالنهاية، تحفيز، أنت أب، المعلم أب، يعزِّز، أولاً الأب هو قدوة،
 المُعلِّم لا يدخِّن أمام طلابه وأنا أحد مؤسسي جمعيةٍ في سوريا لمكافحة التدخين، التدخين فيه أربعة آلاف مادةٍ سامة، كنت أقول: ما رأيت مُدخناً عاقلاً، أربعة آلاف مادةٍ سامة، أنا مختصٌّ بهذا الموضوع، فالتدخين مشكلةٌ كبيرةٌ جداً، المُدخن يؤذي 30% ممَّن هم حوله دون أن يشعر، التدخين السلبي، زوجته وأولاده والموظفين عنده، فالتدخين مشكلةٌ كبيرة.
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 لكن دكتور، مع احترامنا لكلِّ الأخوة المُدخنين، يعني أن تشدَّ عليهم كثيراً أيضاً؛ فبعض الزوجات تهجُر زوجها!
الدكتور محمد راتب النابلسي:
 بالحسنى.
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 هذه نقطةٌ مهمةٌ أيضاً.

أكبر عطاءٍ إلهي:

الدكتور محمد راتب النابلسي:
 يعني هو دائماً وأبداً؛ وقد دخلنا بموضوع:

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة]

 (وَمَن يُؤْتَ) لم يقل ومن يأخذ الحكمة، الحكمة لا تؤخذ، تؤتى، ولا تكون، لا يوجد ومن يكن حكيماً، لا يوجد ومن يأخذ، (وَمَن يُؤْتَ) يمكن أكبر عطاءٍ إلهي على الإطلاق الحكمة، أنت بالحكمة تسعد بزوجةٍ من الدرجة العاشرة، بلا حكمةٍ تشقى بواحدةٍ من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً، بغير الحكمة تجعل الصديق عدواً، أنت بالحكمة تُدبِّرُ أمرك بمالٍ محدود، ومن دون حكمةٍ تتلف المال الكثير، يكاد يكون أكبر عطاءٍ إلهيٍّ الحكمة (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) .
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 طيب سيدي أثناء هذا الجدل الآن نفس الموضوع يختلف الزوج مع الزوجة وهما المربِّيان كيف ينبغي أن تُحلّ المشاكل حتى لا تنعكس سلباً على تربية الأولاد؟

بقاء المشكلة بين الزوجين يجعل حلها سهلاً:

الدكتور محمد راتب النابلسي:
 والله يوجد لمحاتٌ مذهلةٌ في القرآن:

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)﴾

[ سورة النساء]

 ما معنى ذلك؟ لو هجرها في غرفةٍ ثانيةٍ سيعرف الأولاد، ما دام القضية بين الزوجين فقط تُحل أكبر مشكلة، عندما تنتقل إلى الأولاد تصبح أصعب، أما للأسرة أصعب وأصعب، كلُّ طرفٍ آخر يوحي للزوج أن يطلق، وأهل الزوجة ليس لكِ مصلحة معه، لكن عندما تبقى القضية فقط ضمن غرفة النوم ولا تنتقل لغرفةٍ ثانيةٍ في البيت، كيف لو انتقلت إلى بيتٍ آخر؟! أهل الزوجة أو أهل الزوج؟ أكثر مشاكل الزواج من هذا الانتقال، أنا في مركز عملي هنا في الأردن ألتقي إخوةً كراماً يعانون مشكلات، ثبت لي أن الإختلاط ونقل المعلومات من الزوجين إلى الأطراف الأخرى يُفاقم المشكلة، يعني أكبر مشكلة تُحل إذا بقيت بين الزوجين.

الدعاء هو العبادة:

لذلك قالوا:

(( لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، ولَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ))

[ عُمَر وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ]

 كيف؟ تركب سيارتك والطريق عرضه ستين متراً هذا أعرض طريق، على اليمين وادٍ سحيق وعلى اليسار وادٍ سحيق، أنت حرَّكت المقود سنتيمتراً واحداً فقط، هذه الصغيرة، لو ثبَّتَّه ستنحرف إلى الوادي بعد دقيقتين ليس أكثر، الكبيرة تسعين درجة، انتبهت أعدتها، فلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، ولَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ، نقطةٌ مهمةٌ جداً، فالإنسان يتوب إلى الله مباشرةً، يناجيه بالليل.

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللهَ تعالى يُمْهِلُ حتَّى إذا كان ثُلثُ اللَّيلِ الآخرِ نزلَ إلى سماءِ الدُّنيا فنادَى : هلْ من مُستَغفرٍ ؟ هلْ مِن تائبٍ ؟ هلْ مِن سائلٍ ؟ هلْ مِن داعٍ ؟ حتَّى ينفجرَ الفجرُ))

[ صحيح الجامع]

(( ينزلُ اللهُ في كلِّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا فيقولُ : هل من سائلٍ فأُعطِيَه ؟ هل من مُستغفرٍ فأغفرَ له ؟ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه ؟ حتى يطلعَ الفجرُ))

[ صحيح الجامع]

 نزول الذات الإلهية كما ينبغي له، هل من طالب حاجةٍ فأقضيها له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ حَتَّى ينفجرَ الْفَجْرُ، فلذلك نحن علاقتنا مع الله تكون قويةً جداً، والله تعالى قال:

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾

[ سورة غافر]

 دقيقة؛ يوجد أكثر من عشر آيات:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)﴾

[ سورة البقرة]

 هناك عشر آيات (يَسْأَلُونَكَ) و(قُلْ) إلا آيةً واحدة:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة]

 فالدعاء هو العبادة، الدعاء مخ العبادة، هذا الإنسان الكائن الطارئ الحادث الخائف الوجِل الشهواني يسأل أصل الجمال والكمال والنوال، يسأل خالق السماوات والأرض، يسأل صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، فالإجابة حتمية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) .

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾

[ سورة الزمر]

الدكتور محمد سلطان العلماء:
 حسناً سيدي، الأولاد؛ ذكوراً وإناثاً طبعاً نقصد، الأولاد في المراحل العمرية المختلفة، الصغير، الشاب، المراهق، الكبير، كيف نعامل الولد هذا الذي يبقى ولداً أمام الوالدين في كلِّ مرحلةٍ عمريةٍ من المراحل؟

التعامل مع الأولاد خلال المراحل العمرية:

الدكتور محمد راتب النابلسي:
 لاعبه سبعاً وأدِّبه سبعاً وراقبه سبعاً ثم اتخذه صديقاً، في البدايات طفلٌ لا يعرف، لو ضربته هدمته، لاعبه سبعاً حتى يُحبك، ثم أدِّبه سبعاً؛ لاحظت أن معه قلماً غالي الثمن ولكنه ليس له، يجب أن تتابع الأمر وتذهب إلى المدرسة وترى لمن هذا القلم، إذا لم تتابعه هناك مشكلةٌ كبيرة، وبعد ذلك اتخذه صديقاً في النهاية، لاعبه سبعاً وأدِّبه سبعاً وراقبه سبعاً، هناك مرحلةٌ خطيرةٌ جداً إن حاسبته لا يتحمَّل وإن سكتت له قد يُخطئ، هنا يحتاج إلى مناقشة، فالحوار ضروري، أعرف شخصاً قال لي: أنا عمري المديد لا بد أن أكون مع الأولاد في وجبة طعام، يا بُني بماذا تكلَّم الأستاذ اليوم؟ يعني يُثني على أستاذه، ربطه بأستاذه، إذا الأستاذ تكلم شيئاً خاطئاً، يعني اسأله عليها أنت وقل له: هناك يوجد آيةٌ عكسها، مثلاً، الحوار ضروريٌّ جداً.
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 حسناً دكتور؛ ربما يأتي هذا الدور التربوي متأخرٌ جداً، يعني ربما يجد الوالد ولده متزوجاً وله أولادٌ كبارٌ أو الأم تجد ابنتها كذلك، هو الآن جَد والآن يريد أن يمارس دور التربية.

التعامل مع الأبناء الكبار في العمر:

الدكتور محمد راتب النابلسي:
 الجواب: أنا أخاطب الإخوة الآباء والأمهات إياك أن تنصح بحضور آخر، يعني البنت مع أختها لا تكلمها أمام أختها، ولا الابن مع أخيه، ولا ابنٌ مع أخته، على انفراد، لا بد من أن تنفرد بهذا الإنسان وتوجِّه له، يقبلها منك، إذا كان مع التوجيه فضيحة يرفضها، يتعنَّت، فلذلك اجعل الحوار بينك وبينه على انفرادٍ ولا تنشر خطأه لمن حوله.
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 طيب هل يوجد تربيةٌ في هذا السن الكبير، كما تفضلت أصاحبه الآن، لكن تريد أن توجِّه واكتشفت أنك أخطأت في تربيته ما العمل الآن في هذا الوقت المتأخر؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
 والله يا أخي أنا أقول: الاعتراف بالخطأ فضيلة، أنا يا بني لم تكن معلوماتي كافيةً لأعطيك المعلومات في وقتها ولكن الآن اقبل مني هذه النصيحة.
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 وهل هذا يُجدي دكتور؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
 نعم يُجدي، هل تملِك إلا النصيحة؟!
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 لا، لا أملِك شيئاً، حسناً، هل أملِك الهجران؟ يعني بعض الآباء وهذه من المشاكل التي نلاحظها، يعني اكتشف خطأه في التربية يريد أن يوجِّه ولده، ولده لا يمتثل، يتركه، يهجره!.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
 أنا أرفض أن تستغني عن ابنك كلياً.
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 لا يُكلمه لا يردَّ السلام عليه!
الدكتور محمد راتب النابلسي:
 تخسره نهائياً، ما دام هناك حديثٌ بينك وبينه فهناك طريقةٌ لكي تصل إليه.
الدكتور محمد سلطان العلماء:
 تحضره بالحب، يعني دائماً قضية المقاطعة والفصل والقطع هذه غير مرغوبة.

الفرق بين النجاح والفلاح:

الدكتور محمد راتب النابلسي:
 غير مقبول وغير ناجح إطلاقاً، عفواً؛ عندنا نجاحٌ وعندنا فلاح، قد تنجح بجمع المال، (بيل غيتس) تسعين مليار، و(Apple) سبعمئة مليار، هذا نجاحٌ وليس فلاح، الفلاح أن تنجح مع الله معرفةً وطاعةً وعبادةً وإحساناً للخَلق ودعوةً إليه، وأن تنجح مع أهلك بحُسن اختيارك الزوجة وحُسن تربية الأولاد وتوجيههم، وأن تنجح في عملك، ثلاث مستويات: أنت دائرة وعملك دائرة وبيتك دائرة.

الخاتمة:

 اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين،


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور