- موضوعات متنوعة / ٠6موضوعات مختصرة
- /
- محاضرات في جامع الطاووسية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
تعريف الهجرة :
أيُّها الأخوة الكرام، بمناسبة عيد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو رأس السنة الهجرية سأشرح لكم هاتين الآيتين من سورة الأنفال، الآية الأولى قال تعالى:
﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
والآية الثانية هي قوله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
الهجرة من لوازم الإيمان، لها معنى ضيِّق، ولها معنى واسع.
معناها الضيق هو انتقال النبي وصحابته من مكة إلى المدينة، و معناها الواسع أن يهجر الإنسان ما نهى الله عنه، و قد ورد في الحديث القدسي:
(( عبادة في الهرج كهجرة إليَّ))
أي في زمن يُكذَّب فيه الصادق و يُصدَّق فيه الكاذب، و يُخوَّن الأمين ويُؤتمَن الخائن، و يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، بل يُؤمر بالمنكر ويُنهَى عن المعروف، في مثل هذا الزمن عبادة الله في الهرج كهجرة إليَّ كما ورد في الحديث القدسي.
الحقيقة الهجرة موقف عملي، والإيمان اعتقاد نظري، فالاعتقاد النظري ما لم يُدعَّم بموقف عملي فلا قيمة له :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
فأنت مُكلَّف أن تهاجر من المنكر إلى المعروف، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن معاشرة أهل الفسق إلى معاشرة أهل الإيمان، ومن المقاصف إلى المساجد، ومن أهل الدنيا إلى أهل العلم، والانتقال من شيء يبعدك عن الله إلى شيء يقرِّبك إلى الله، هذا المعنى الواسع، بل إنَّ الهجرة فرض على كل مسلم عاش في بلد يشبه مكة يوم الهجرة، وهناك بلد يشبه المدينة يوم الهجرة، فالهجرة ماضية إلى يوم القيامة أما بعد فتح مكة فانتهت الهجرة من مكة إلى المدينة لأن مكة أصبحت بلداً إسلاميّاً، وأخطر ما في الهجرة الهجرة من أجل الشيطان، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ :
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ قَالَ لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا ))
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ))
تعاون الغرب لإطفاء نور الله و نهب ثروات المسلمين :
أما هاتان الآيتان "
أما هاتان الآيتان:
﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
والذين آووا المؤمنين ونصروا دين الله عز وجل :
﴿ أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
والآن دقِّقوا :
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
يتعاونون، و يتكاتفون، و يتآزرون، ويخططون لردِّ الحق، و لإطفاء نور الله، ولنهب ثروات المسلمين :
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
الآية التالية تضع المسلم أمام خيارين نكون أو لا نكون :
ويقول الله عز وجل :
﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
فهذا الضمير المفرد الغائب "الهاء" على من يعود؟ أي إن لم تؤمنوا، و إن لم تهاجروا، وإن لم تجاهدوا بأموالكم و أنفسكم، و إن لم تتعاونوا، و إن لم تنصروا دين الله، عندئذ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
قال علماء التفسير: هذه الهاء تعود على مضمون الآية السابقة، فنحن أمام خيار صعب ؛ إما أن نتعاون، و نؤمن، ونهاجر، وننصر، و نؤيد، و إما أن تكون فتنة في الأرض وفساد كبير، لا يبقي و لا يذر، ونحن في زمن الفتنة قال عليه الصلاة والسلام :
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْهم أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ ))
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ بُهْمٍ دُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ قَالُوا بَلَى قَالَ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ))
هذه الآية نحن أمام خيارين نكون أو لا نكون، نكون إذا آمنا وهاجرنا بالمعنى الواسع، وجاهدنا بأموالنا و أنفسنا، و آوينا، ونصرنا، ودعَّمنا، وأيدنا، و إن لم نتعاون ولم يكن بعضنا أولياء بعض تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، دقِّقوا في هذا الضمير، يخطِّطون، ويسهرون، ويتآمرون، ويتعاونون، و يتناصرون على إطفاء نور الله، وعلى إزهاق الحق، و إحقاق الباطل، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
الفرقة و الخلاف بين المؤمنين كفر :
يخفِّف عن المؤمنين أنَّ الله سبحانه و تعالى يقول:
﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾
فالقضية قضية وجود أو عدم وجود، نكون أو لا نكون، فنكون إذا تعاونا، وإذا تناسينا فيما بيننا من خلافات، و إذا رجحنا مصالح المسلمين على مصالحنا الشخصية، ونكون إذا تفقَّد بعضنا بعضاً، وعاون بعضنا بعضاً، ونكون إذا نصح بعضنا بعضاً، و إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، نكون إذا وضعنا أنفسنا تحت أقدامنا لصالح الإسلام، أما إذا رجحنا مصالحنا الشخصية على مصالح المسلمين و أردنا أن نظهر ولو على حساب أهداف المسملين العامة فعندئذ لا نستحق أن نكون، و الله سبحانه وتعالى يسمح للكفر أن يستمر إذا تعاون أهله، ويسمح للإيمان أن ينمحي إذا تنافس أهله، والتنافس أيها الأخوة كفر، ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام رجل من أهل الكتاب ذكَّر فتى بقصيدة قيلت في الجاهلية فيها طعن للخزرج، فدفع هذا الفتى ليلقي القصيدة على الخزرج كي يستفزَّهم، وبالفعل استفزَّهم وكادت تقع فتنة بين الأوس والخزرج لا تُبقي و لا تذر، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام في أشدِّ حالات الغضب وقال: " تفعلون هذا وأنا بين أظهركم" ثم نزل قوله تعالى:
﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
فسمى هذه الفرقة وذاك الخلاف بين المؤمنين كفراً، قال تعالى:
﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
تحقيق الهجرة بالمعنى الواسع :
نحن في يوم الهجرة علينا أن نؤمن، وعلينا أن نأخذ الموقف العملي، ونهاجر بالمعنى الواسع؛ من المعصية إلى الطاعة، و من مجتمع أهل الدنيا إلى مجتمع أهل الإيمان، ومن مجتمع أهل الباطل إلى مجتمع أهل الحق، ومن المقاصف إلى المساجد، من أجل أن نطلب العلم، و من أجل أن نتعاون، لئلا تقع في الأرض فتنة وفساد كبير، وملامح هذه الفتنة والفساد الكبير واضح بين الناس، قال لي أحد الأخوة: إن بناء فيه اثنان وثلاثون بيتاً، و فيه اثنان وعشرون صحناً، و كلها من أجل رؤية الكعبة، فتنة، وهذه الفتنة كادت تودي بديننا.
فيا أيها الأخوة، قال تعالى:
﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
أي أن هناك تخطيطاً ذكياً جداً لسحق المسلمين من خلال تسليط ثقافة هجينة علينا وعلى شبابنا وفتياتنا .