- أحاديث رمضان / ٠05رمضان 1419 هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 2- رمضان 1419 - موضوعات إسلامية عامة
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
النفاق أقرب منزلق للمؤمن :
أيها الأخوة المؤمنون؛ نظراً لأهمية هذه الآيات البالغ لأنها متعلقة بالنفاق، ولأن المنزلق القريب جداً من المؤمن هو النفاق، ولأن أحد التابعين يقول: التقيت بأربعين صحابياً ما منهم واحد إلا يظن نفسه منافقاً، فإذا أسأت الظن بنفسك واتهمتها بالنفاق فأنت في حالة طيبة، أما إذا رضيت عنها، وأثنيت عليها، وبالغت في مدحها، فهذه حالة مرضية، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
يذكرهم الله في معرض المدح أم في معرض الذم؟ في معرض الذم، بل الله يزكي من يشاء، فكلما ازداد إيمانك خفت على نفسك من النفاق إلى درجة أن عملاق الإسلام سيدنا عمر رضي الله عنه التقى بحذيفة بن اليمان وقال: يا حذيفة ناشدتك الله اسمي مع المنافقين؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أملى على حذيفة أسماء المنافقين، هل كان عمر يفعل هذا تمثيلاً؟ لا والله لشدة تعظيمه لله، ولشدة اتهامه لنفسه، كان يظن نفسه منافقاً، بل إنه مرةً كان مع عبد الرحمن بن عوف في مسالك المدينة، فرأوا قافلةً قد استقرت في ظاهر المدينة، فقال عمر: تعال نحرس هذه القافلة، سيدنا عمر سمع بكاء طفل صغير فقام إلى أمه وقال: أرضعيه، أرضعته، ثم بكى ثانيةً فقال: أرضعيه، فأرضعته، ثم بكى ثالثةً وكان عصبي المزاج، فقال: يا أمة السوء أرضعيه، فغضبت وقالت: ما شأنك بنا إنني أفطمه، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام - التعويض العائلي - ما كان من هذا الخليفة العظيم إلا أن ضرب جبهته، وقال: ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين.هذا العملاق، وهذا الذي قال عنه النبي:" لو كان نبي بعدي لكان عمر"، يقول لسيدنا حذيفة: ناشدتك الله اسمي مع المنافقي؟ أي أقرب منزلق للمؤمن النفاق، إلا أن هذا النفاق الذي تزل به قدم المؤمن ليس نفاق الكفر.
أنواع النفاق :
النفاق نفاقان، إنسان كافر لكن مصالحه متعلقة بالمؤمنين فأظهر الإيمان والإسلام إظهاراً بعيداً عن واقعه، هذا كافر، هذا عذابه أشد، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ﴾
هذا نفاق الكفر، قال تعالى:﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
أما هؤلاء الذين لمعت أمامهم الدنيا فغلبتهم أنفسهم، أو كثرت عليهم الشبهات، فلم يصمدوا أمامها، الشبهات والشهوات غلبتهم فترددوا في إيمانهم، وترددوا في استقامتهم، لكنهم حريصون على سمعتهم عند المؤمنين، فأظهروا وجهاً للمؤمنين، وأظهروا وجهاً للكفار، هذا النفاق من النوع الثاني، هذا نفاق الضعف، ضعف أمام الشهوة، وضعف أمام الشبهة، هؤلاء يرجى منهم الخير، فالإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام:(( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ؛ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ))
المؤمن لا يمكن أن يكذب، يضعف أمام الشهوة فتزل قدمه، لكن لا يكذب، لأن الكذب ليس شهوةً، الكذب خبث، الإنسان حينما تزل قدمه يضعف أمام شهوة، أما الذي يكذب فخبيث يخطط، لذلك:(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))
أي يوجد مؤمن عصبي المزاج على العين والرأس، وسيدنا موسى كان عصبي المزاج وأخذ برأس أخيه يجره إليه، قال تعالى:﴿ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾
فكان عصبي المزاج، ويوجد مؤمن هادئ، يوجد مؤمن منفتح، ومؤمن منغلق، يوجد مؤمن شديد الأناقة، ومؤمن أقل أناقة، يوجد مؤمن شديد الإنفاق، ومؤمن أقل إنفاقاً، هذه طباع مختلفة لا تجرح في مكانة المؤمن.((يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))
فإذا كذب أو خان ليس مؤمناً إطلاقاً.وصف دقيق لحال المنافقين في سورة التوبة :
أخواننا الكرام؛ هذه السورة سورة التوبة أتمنى على نفسي وعليكم أن نقرأها كثيراً لأنها تصف وصفاً دقيقاً حال المنافقين، والمؤمن إذا طال عليه الأمد دون أن يكون حازماً في استقامته، إذا طال عليه الأمد دون أن يزداد علماً، إذا طال عليه الأمد دون أن يزداد قرباً، تزل قدمه إلى النفاق، والنفاق إذا داوم عليه قسا قلبه، مردوا على النفاق، قسا قلبه فأصبح النفاق ديدناً له، قال تعالى
﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾
فالإنسان أحياناً ينتمي إلى جماعة، ويصلي في المسجد، وله حضور لكنه مقطوع عن الله عز وجل، وهذه حالة خطيرة جداً، قال تعالى:﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾
دقق في هذه الآية يصلي وينفق وهو عند الله كافر، أي يوجد إعراض عن الله عز وجل، أخطر شيء أن هذه العبادات، وهذه المجالس، وهذه الصلوات تصبح عادات يؤديها الإنسان وهو غافل عن الله عز وجل، وهكذا يكون في أكثر الجماعات، حينما يستريح المؤمنون من عناء الرقي، لابد من متابعة الترقي، لأنه إن لم تكن تتابع الترقي أنت في حالين؛ أولهما أن تدافع التدني، وقد تزل القدم إلى التدني، إما أنك تتابع الترقي، أو تدافع التدني، فإذا دافعت التدني هذه عملية صراع شاقة مستمرة.الأحمق إنسان يرضى بالدنيا و لا يسعى للآخرة :
فيا أيها الأخوة؛ الله عز وجل أحياناً يخاطب العاطفة في آية شديدة التأثير قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
أي هؤلاء المؤمنون الذين أصابتهم لوثة النفاق، هذه الآية وحدها تهز أعمق المشاعر،﴿ أَرَضِيتُمْ ﴾
أرضيت يا عبدي بهذه الدنيا ولو أن لك بيتاً فخماً، ودخلاً كبيراً، وزوجةً تروق لك، أيرضيك هذا؟ هذا ينتهي بالموت، ماذا تفعل بعد الموت؟ أي إذا كانهناك ملك عظيم وله مملكة واسعة مترامية الأطراف، سأل واحداً من أتباعه الذين يحبهم قال له: اطلب وتمنى، فكر ثم فكر ثم فكر وقال له: قلم رصاص، هل هذا معقول أن تطلب من ملك قلم رصاص ثمنه نصف ليرة؟ اطلب سيارة، بيتاً، قال تعالى:﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
والله أيها الأخوة الذي يرضى بالدنيا إنسان أحمق، لأن الذي تحصله في عمر مديد تخسره في ثانية واحدة حينما يقف القلب، أو يتجمد الدم، أو يضيق الشريان، أو تتفلت الخلايا، انتهى، أصبح خبراً وإعلاناً على الطرقات، المرحوم فلان عميد أسرتهم:﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
لكن الله سبحانه وتعالى رب كريم، لو أنك اتخذت قراراً غير صحيح ماذا يفعل الله عز وجل؟ يحملك على أن تتخذ قراراً صحيحاً، قال تعالى:﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
وإن أصررتم يستبدل قوماً غيركم، هذه الآية تخاطب عاطفة الإنسان أي يا عبدي خلقتك للجنة، خلقتك لجنة عرضها السموات والأرض، خلقتك لحياة أبدية لا تعب فيها، ولا نصب، خلقتك لجنة فيها كل ما تشتهي من دون مرض، من دون كبر في السن، من دون خصوم، من دون قلق على بعض الأجهزة والأعضاء، الآن يوجد أمراض قلب سببها الخوف من أمراض القلب، سبب هذا المرض الخوف من مرض القلب، حياة متعبة أي بالأربعين حتى تقف على قدميك، ما بقي شيء، بقي أقل مما مضى، أي هل من المعقول أن تجري نزهة الطريق أربعة أيام والإقامة يوم واحد؟ هذا ليس معقولاً، هكذا حال الدنيا، هذه أول نقطة.محبة الإنسان للشيء السريع العاجل :
النقطة الثانية قال تعالى:
﴿ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾
الإنسان يحب الشيء السريع العاجل، قال تعالى:﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾
متى يرقى؟ إذا اختار الشيء الآجل، البعيد، فكل إنسان يختار الشيء العاجل ينسجم مع طبعه، وعندئذٍ يهلك نفسه، ولكن الله عز وجل خلقك عجولاً كي تختار الآخرة، فترقى في هذا الاختيار، أنت الآن تعاكس رغبتك، يوجد أشياء بين يديك المؤمن يركلها بقدمه ويقول: معاذ الله! الله الغني، إني أريد ما عند الله من نعيم مقيم.أساساً أحد الصحابة الكرام اسمه سيدنا ربيعة، قال له النبي: يا ربيعة سلني حاجتك؟ ألح عليه النبي، بالمناسبة خدم النبي سبعة أيام، إذا كان بالأرض كلها إنسان واحد ينبغي أن نقدم له كل خدمةٍ هكذا عن حب أو عن تقدير فهو النبي، ومع ذلك دققوا ماذا سأقول، رأى خدمة هذا الصحابي ديناً عليه، سيد الخلق رأى صحابياً يخدمه فكان هذا ديناً عليه فقال له: سلني حاجتك؟ قال: أمهلني يا رسول الله، أمهله ثم سأله قال له: أريد أن أرافقك في الجنة، قال له: من علمك هذا؟ قال: والله ما أحد علمني هذا ولكن رأيت الدنيا زائلة، مهما طلبت من الدنيا أريد شيئاً باقياً.
هنا الآية:
﴿ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾
سيدنا علي يقول: كل متوقع آت، وكل آت قريب، الشيء الذي يأتي يأتي، دخلنا رمضان صار ثمانية أيام، الآن ما بين غمضة عين والتفاتها ينتهي رمضان، بعد رمضان يأتي الحج وينتهي الحج، يأتي الصيف وينتهي الصيف وهكذا، كل واحد منا عاش عمراً كيف مضى هذا العمر؟ كلمح البصر.المؤمنون يتعاونون والمنافقون يتنافسون :
النقطة الثالثة في موضوع النفاق وهذه خطيرة ودقيقة، أنت لاحظ نفسك إذا لك أخ نال شهادة عليا، أو اشترى بيتاً جيداً، أو احتل منصباً مرموقاً، أو وفق في عمله، وفق في زواجه، وفق في حياته العملية، إذا أنت تألمت فهذه علامة نفاق، إذا فرحت له كما هو يفرح لنفسه فعلامة إيمان، قال تعالى:
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ﴾
لمجرد أن تتألم إذا تفوق عليك أخ، أحياناً يتفوق أخ بالدعوة فأنت إما أن تعاونه، أو تعمل له مشاكل، إن عاونته أنت مؤمن ورب الكعبة، وإذا حاولت أن تعمل له مشاكل، تطعنه، تعمل له إحراجات، تبعد الناس عنه لسبب أو لآخر ورب الكعبة هذه من صفات النفاق، المؤمنون يد واحدة إذا عزّ أخوك فهن أنت.أخ جاء من سفر وأقام في دمشق، وله باع طويل في العلم، أنا عرضت له أن أهيئ له مسجداً، قال لي: لا، أنا أعاونك، نحن واحد، نحن نضم الجهد إلى بعضه، تذكرت موقف سيدنا عمر لما سيدنا الصديق قال له: يا عمر مد يدك لأبايعك، قال له سيدنا عمر: والله لا أطيق أن أمشي على أرض أكون أميراً وفي رعيتي مثل أبي بكر، هذه فوق طاقتي، وفي رواية أخرى، أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا كنت أميراً على رجل مثل أبي بكر، فقال له سيدنا الصديق: أنت أقوى مني، قال له: أنت أفضل مني، فقال له: قوتي إلى فضلك نتعاون، إذا أنا قوي بنظرك وأنت أفضل مني أنا قوتي لخدمتك، انظروا إلى التعاون، المؤمنون يتعاونون، والمنافقون يتنافسون.
سيدنا عمر مرة بجلسة مع أصحابه أحدهم أخطأ قال له: والله ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله، انتقع لونه سيدنا عمر وزمجر، وأحدّ النظر فيهم واحداً واحداً، وكاد يأكلهم بنظراته، إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خير منك، قال له: من هو؟ قال: أبو بكر، فقال: كذبتم جميعاً وصدق، أي عدّ سكوتهم كذباً، سيدنا الصديق كان متوفى، والآن لا يوجد إلا سيدنا عمر، أي لا يوجد مانع أن يبقى ساكتاً، هذا الوفاء، رجل قال له الخليفة: أنت أم هو؟ لسيدنا عمر عن سيدنا الصديق؟ قال: هو إذا شاء لا يوجد مشكلة.
رجل سأل عنه النبي في معركة تبوك، هناك شخص طعنه، أنه أعجبه النظر إلى عطفيه وبستانه، قال آخر: لا والله يا رسول الله لقد تخلف عنك أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك، فابتسم النبي وسرّ كثيراً لهذا الدفاع.
على كل راقب نفسك إذا أخوك تفوق عليك، سبقك في القرآن، في الدعوة، في المال، في المنصب، في الشهادات، وأنت تألمت علامة نفاق، فرحت له علامة إيمان، المؤمنون بعضهم أولياء بعض، هذه النقطة الثالثة في النفاق.
من أمر بمنكر فهو منافق :
أيها الأخوة؛ قال تعالى:﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
الإنسان إذا أمر بمنكر، أي إذا النبي شرع شيئاً وأنت أمرت بخلافه فأنت منافق، إذا أنت أمرت بقطيعة الرحم فأنت منافق، إذا أنت أمرت بشيء خلاف الشرع فأنت منافق، شيء خطير جداً إذا فرقت بين زوج وزوجته، إذا قطعت رحمك، ونفذت أمر أي إنسان فأنت منافق، لأن الآية تقول:﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾
أوصاف كل إنسان في القرآن الكريم :
الله عز وجل قال ووصف هذا القرآن بأن فيه ذكرنا:﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾
إذا الإنسان قرأ القرآن يقول: أين أنا من هذه الآيات؟ أنا مع من؟ أي أوصاف الأتقياء تنطبق عليّ أم أوصاف المؤمنين تنطبق عليّ- ولا سمح الله ولا قدر- أم أوصاف المنافقين تنطبق عليّ؟ شيء دقيق جداً، أي صفة تنطبق عليك يجب أن ترى نفسك في أحد هذه النماذج، فإذا كنت مع المؤمنين إذا ذكر الله وجل قلبك، واقشعر جلدك، إذا كنت تحب لم الشمل، ورأب الصدع، تحب جماعة المؤمنين فهذه علامة طيبة، أما إذا أردت أن تفرق بين المؤمنين، أن تجعل الدين شيعاً:﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾
أنواع الاختلاف :
أخواننا الكرام؛ أنا أنصح لكم وأنصح نفسي معكم هذه السورة مؤثرة جداً، وأنا ما أمكنني الوقت، يوجد مواقف كثيرة جداً للمنافقين وهذه نماذج متكررة، نماذج تجدها إلى يوم القيامة، يوجد حسد، وبغي، ولا تنسوا أن الخلاف ثلاثة أنواع؛ خلاف طبيعي، وخلاف قذر، وخلاف محمود، قال تعالى:
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الخلاف الأول خلاف نقص معلومات، قال تعالى:﴿ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
هذا الخلاف القذر، الكتاب موجود، والقضايا محسومة كلها، ولا يوجد أي خلاف، كتاب واحد، ونبي واحد، كل شيء واضح، والمسلمون ممزقون، مشرذمون، طوائف، وفئات، مذاهب، وملل، ونحل، وشيع، كل يدّعي وصلاً بليلى، كل يطعن بالآخر، هذا الخلاف القذر، هذا خلاف الحسد والبغي، أما الخلاف الثالث فمحمود، قال تعالى:﴿ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
هذا خلاف التنافس، أنا ممكن أجتهد أن الدعوة إلى الله أعلى شيء في الدين، إنسان آخر قال: تأليف الكتب أعلى شيء، إنسان ثالث قال: لا، إنشاء المستشفيات والمعاهد الشرعية والمياتم أعظم شيء في الدين، إنسان كان عملياً، وإنسان كان دعوياً، وإنسان كان علمياً، كلهم على العين والرأس، اجتهدوا في فروع الدين، أو في كليات الدين، فاختلاف التنافس محمود، اختلاف الحسد والبغي قذر، اختلاف نقص المعلومات طبيعي، الله يجعلنا ممن يتنافس، قال تعالى:﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾