- أحاديث رمضان / ٠05رمضان 1419 هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 2- رمضان 1419 - موضوعات إسلامية عامة
مرضُ البُعدِ عن الله أخطر مرض يُصيب الإنسان :
أيها الأخوة الكرام؛ الأمراض التي تُصيبُ الجِسم لها أعراض، أحياناً سخونة، آلام في الرأس، مغص في الأمعاء... هذهِ اسمُها أعراض المرض، الطبيب الناجح هوَ الذي يُعالج أصلَ المرض، ولا يُعالجُ أعراض المرض، فمن أعراض المرض ارتفاع الحرارة، فالطبيب غير الناجح يُعطي خافِض حرارة، المرض موجود، أصلُ المرضِ موجود، لكنَّ البطولة أن تُعالِجَ أصلَ المرض.
هُناكَ مرضٌ خطيرٌ جداً هوَ مرضُ البُعدِ عن الله، هذا أخطر مرض يُصيب الإنسان سمِّهِ البُعد، أو سمِّهِ الغفلة:
﴿ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾
وهذا المرض لَهُ أعراض كثيرة.
أعراض مرض البعد عن الله :
1 ـ ادعاء أن الناس كلهم هلكى :
سأستعرِضُ معكم أعراضَ هذا المرض حتى الإنسان إذا كان أحد هذهِ الأعراض مُتلّبساً بِها ينتبه.
أول عَرَضْ من أعراض البُعدِ عن الله أنكَّ تدّعي أنَّ الناسَ كُلَّهُم هلكّى، قال عليهِ الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتَ وَقَالَ مُوسَى إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ))
أي ييئس، طريق إلى الصلاح لا يوجد.. لماذا؟ المجتمع في الجاهلية كان في أشد انحراف، وأشد بُعد عن الله من المجتمع الحالي، ومع ذلك المجتمع أصبحَ أبطالاً، فكُل إنسان ييئس من الإصلاح، يقول لكَ: لا أملَ هناك، انتهينا، اقرأ علينا السلام، الناس كُلّهُم منافقون، أي يحلو للبعض إذا دخل المسجد يقول: ثلاثة أرباعهم منافقون، من قالَ لكَ ذلك؟ تُعبِّرُ عن ذاتِكَ لا تُعبِّرُ عن الآخرين، فكُل إنسان يصف الناس جميعهم بالهلاك وييئس من صلاحِهم هوَ الهالِكُ وحدهُ، فأحد أعراض هذا المرض أن تيئَسَ من صلاح الناس، أن تقعُد، والشيطان دائماً يُيئس، الشيطان يُثبّط، الشيطان يُضعِف، الضعف والتثبيط والتيئيس من فِعل الشيطان، فالإنسان إذا كان مع الشيطان ييئس.
واللهِ الذي لا إله إلا هو من خلال هذه الدعوة المتواضعة أشخاص عديدون يقول لي الواحد منهم: ليست هناك معصية إلا وارتكبتُها سابقاً والله تاب عليّ، والآن يكاد يكون داعية، أي تاب إلى الله عزّ وجل.
سمعت برجل أمريكي منحرف انحرافاً، هابط هبوطاً، إباحي إلى درجة تفوقُ حدَّ الخيال، وفي ساعة من ساعات اليقظة استيقظ فذهب إلى موريتانيا، وتلّقى العلم عنِدَ بعض الشيوخ، وإلى المغرب، ثمَّ عاد إلى أمريكا، الآن له دعوة في أمريكا من أكبر الدعوات في لوس أنجلوس، وأساسُهُ إنسان منحرف انحرافاً شديداً، وكنتُ أتمنى أن ألتقي بِهِ لكن الوقت لم يسمح.
ممكن للإنسان أن يكون منحرفاً ويتوب إلى الله عزّ وجل، الإله رحيم وتوّاب، وأعطى فرصة لكُل إنسان أن يتوب، فهذا الذي يقول: هَلَكَ الناس، انتهى الناس، ولا أمل هُناك، وفالج لا تعالج، ولا تتُعب نفسك، كمن ينفُخُ في رماد، لقد أسمعتَ لو ناديت حياً لكن لا حياة لمن تُنادي، هكذا يقولون، هذا كلام إنسان مع الشيطان، هذا كلام إنسان مُعرض، هذا كلام إنسان مُنافق، هذا كلام إنسان يائس:
﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
الحديث الصحيح الذي وردَ عن رسول الله رواه أبو هريرة:
" إذا قال الرجل هلكَ الناس فهو أهلكُهم "، أي هوَ أشدُّهم هلاكاً، وفي رواية ثانية: " فهوَ أهلَكَهُم"، هوَ الذي وصفهم بالهلاك وهُم ليسوا كذلك، هوَ أهلَكُهُم أشدُّهم هلاكاً، أو هوَ أهلَكَهُم وهُم ليسوا هلكى، الله موجود والصُلحة بلمحة، ويا ربي لقد تُبت، عبدي وقد قَبِلت، وإذا قالَ العبدُ: يا ربي وهوَ راكع، قال الله: لبيكَ يا عبدي، إذا قال: يا ربي وهو ساجد، قال: لبيكَ يا عبدي، إذا قال لَهُ وهوَ عاصٍ، قالَ لَهُ: لبيكَ ثُمَّ لبيك ثُمَّ لبيك.
قالَ شخص يُناجي الله عزّ وجل: يا رب هذهِ رحمتُكَ لمن قال أنا ربُكم الأعلى:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾
فرعون الذي قالَ: أنا ربُكم الأعلى، " فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا "، قالَ لهُ: يا ربي إذا كانت رحمتُكَ بمن قال: أنا ربُكُم الأعلى هكذا فكيفَ رحمتُكَ بمن قالَ: سُبحانَ ربيَ الأعلى؟ بين سبحان ربي الأعلى وبين أنا ربُكم الأعلى مسافة كبيرة جداً، اللهُ عزّ وجل يُريدُ هِداية الذي قال: أنا ربُكم الأعلى.. يُريدُ هِدايتَهُ.. فكيفَ بالذي يقول: سبحانَ ربي الأعلى؟ قال: يا رب إذا كانت رحمتُكَ بمن قالَ ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري فكيفَ بمن قالَ لا إلهَ إلا الله؟ فالذي يقولُ: هَلَكَ الناس فهوَ أهلَكُهُم.. هذا أول عَرَضْ؛ يائس، مُثبّط، ميئس، مُنته كُلَّ شيء عِندَهُ.
2 ـ المُعرض عن الله دائماً ينظر في الدين إلى من هوَ دونَهُ :
العَرَضْ الثاني؛ المُعرض عن الله دائماً ينظر في الدين إلى من هوَ دونَهُ، ينظر لِنفسه ولياً وينظر في الدُنيا إلى من هوَ فوقَهُ، يرى أنَّ الله لم يُعطه شيئاً، أمّا المؤمن فينظر في الدين إلى من هوَ فوقَهُ، وفي الدُنيا إلى من هوَ دونَهُ.. توازنوا..، طبعاً تُقيس نفسكَ مع اللصوص فعلاً ولي، مع المجرمين ولي، مع الزُناة ولي، أمّا مع الصحابة فلا شيء أنت، مع كبار المؤمنين لا شيء، فالعِبرة أن تقيس نفسك مع الكِبار لا مع الصِغار، مع الصِغار تبرُك، تثبطُ عزيمَتُك، لكن مع الكِبار تركض، فالمؤمن الصادق يوازن نفسَهُ في الدُنيا مع من دونَهُ، ورد أنّهُ من دخلَ على الأغنياء - القصد غير المؤمنين- خَرَجَ من عِندِهم وهوَ على الله ساخط، لا تُصاحِب إلا مؤمناً ولا يأكُل طعامك إلا تقيّ، العَرَضْ الثاني أنَّ المُسلم الصادق ينظر إلى من هوَ دونَهُ في الدُنيا فيرى نعمة الله عليه.
مرةً شخص رأيته مهموماً جداً - هذه قصة منذ اثنتي عشرة سنة- ومن أخواننا، فسألته: خيراً؟ فقال: إنَّ الوضع صعب جداً، سألتُهُ: ما هوَ الوضع؟ قال لي: عندي ثلاثمئة أو أربعمئة دونم تفاح، في ذلك الوقت كان التُفاح يُباع للدولة، فأعطوني سعراً قليلاً، قُلتُ لَهُ: عِندكَ شيء لتبيعَهُ، هناك إنسان لا يوجد عندَهُ شيء ليبيعَهُ، أنتَ مشكِلَتُكَ أنَّ السعر قليل، وعندك ثلاثمئة دونم تفاح تبيعه، أمّا الذي لا يملك أي شيء ليبيعه فأنتَ لو اضطررت أن تُجري غسيل كُلية كل أسبوع مرتين فما قيمة سعر التُفاح؟ لو أنَّ الإنسان اضطر أن يُغيّر دساماً، يُغيّر شرياناً، عملية في أوروبا، في أمريكا تُكلّف ثمن بيته.. هذهِ المُصيبة، فالإنسان ينظر في الدُنيا إلى من هو دونَهُ يرى نِعمة الله عليه، النبي عليه الصلاة والسلام كانت تعظُم عِندهُ النعمة مهما دقّت، كأس ماء تشربُهُ، لكَ مأوى تُؤوي إليه، لكَ زوجة وأولاد، لكَ مصروف، عقلُك في رأسُك، ونحنُ يوم الجمعة هؤلاء الأخوان الصغار الذي يأتون مع آبائهم أنا أحب تكريمهم بقطعة حلوى، فمرة بعد انتهاء الخطبة جاء شخص طويل مثلي بمرتين، وسألني: أين قطعتي؟ فأعطيتُه، فوق لا يوجد شيء، فإذا الإنسان عقلُهُ بِرأسه فهذهِ نعمة كبيرة جداً، من أعظم النِعم العقل، انظر لمن هو أدنى مِنك فذلك أحرى ألا تحتقِرَ نعمة الله عليك، في أمر الآخرة انظر للمتفوقين، كبار المؤمنين، للصحابة الكرام، لمن شُغلُهم الشاغل الله عزّ وجل، لمن باعوا أنفسَهُم في سبيل الله، لمن ملؤوا الأرضَ عِلماً، لمن دعوا إلى الله، انظر إلى هؤلاء.
بالمناسبة إذا الإنسان نظر لمن هوَ فوقُهُ في الدين فيصغُر، لكن يصغُر ليكبر وفعلاً صغُر، لكن عندما صغُر سوف يكبُر، حيث أنّهُ أخذ حجمُهُ الحقيقي، وجدَ نفسهُ لا شيء فبدأ بالعمل، أما إذا لم يوازن نفسهُ مع الكِبار وكان متوهّماً أن نفسه كبيرة جداً وهي صغيرة جداً، عِندَ الناس وعِندَ الله، فإذا الإنسان وازن نفسُهُ مع كِبار المؤمنين يصغُر، الآن يصغُر ليكبُر، لن تكبُر إلا إذا صغُرت، من دون أن تقرأ عن العلماء السابقين، عن الأبطال الكِبار الذين ضحّوا بالغالي والرخيص، والنفسِ والنفيس، أنتَ كبير وهماً، أمّا أنتَ فعِندَ الله لستَ بكبير ولا عِندَ الناس كبير، أمّا إذا عرفت وقُمت بتحجيم نفسك الآن تكبُر.
3 ـ التقليد في الدنيا والابتداع في الدين :
العَرَضْ الثالث في البُعد عن الله عزّ وجل أنّهُ دائماً يُقلّد في الدنيا، ويبتدع في الدين، وهذهِ مشكلة كبيرة، الدين منته، الدين توقيفي، الدين ليسَ فيه زيادة، الدين من عِند الله، العقيدة ثابتة، العبادات ثابتة، بعض الاجتهادات الفقهية مقبول أن تتطوّر فقط، فيبتدع في الدين ويُقلّد في الدُنيا، جالس وعندهُ آلاف المشكلات لا يحُلُها لكن يجب أن يبتدع في الدين، فيُعالج موضوعات لم يُعالِجُها النبي، ويبحث في موضوعات لا فائدة فيها، فالمُعرِض عن الله دائماً يبتدع في الدين ويُقلّد في الدُنيا، أمّا المؤمن الصادق فيبتدع في الدُنيا، يقوم بتحسين ظروف معيشتِهِ، ويُقلّد في الدين.
4 ـ الانبهار بالعالم الخارجي :
العَرَضْ الرابع من أعراض البُعدِ عن الله أنَّ الإنسان يُبهر بالعالم الغربي، ينبهر انبهاراً غير معقول، صدقوني الآن إذا الإنسان استطاع أن يأخذ فيزا إلى دولة غربيّة كأنّهُ دخلَ الجنة تجدهُ يقول: أطعمها الله لكل مشته، الانبهار بالغرب دليل ضعف الإيمان، دليل اهتزاز القيم، دليل ضيق الأُفق، يجب أن تُؤمن بالآخرة، وأن تعلم عِلمَ اليقين أنَّ هؤلاء يمشون في طريق مسدود، أوضح تعبير للإنسان الغربي إنسان بِلا هدف وبِلا قيم فقط، إنسان يعيش لحظتِهِ، يبني نفسَهُ على أنقاض الآخرين، يبني حياتهُ على موتِهم، يبني غِناه على فقرِهم، هُناك أرقام فلكية لِما يأكُلُهُ الكِلاب من اللحم، ما يأكُلُهُ الكِلاب من اللحم لا يأكُلُهُ الشعب الهِندي بأكمَلِهِ تسعمئة مليون، هؤلاء الذين يبنون ثروتهم على أنقاض الآخرين لا يستحقون الاحترام، فلذلك من هَويَ الكفرةَ حُشِرَ معهُم، ولا ينفعُهُ عملُهُ شيئاً، ومن أقامَ مع المُشركين بَرِئت مِنهُ ذِمّةُ الله، أي الذي يُقيم إقامةً دائمة بَرِئت مِنهُ ذِمةُ الله، هذا عَرَضْ رابع من أعراض البُعدِ عن الله عزّ وجل.
قصة ربعي بن عامر مع قائد الفرس :
قبلَ أن نُكمل كان سيدنا ربعي بن عامر في جيش يُحارب الفُرس، وكانَ القائد رُستم، وقائد المسلمين سعد بن أبي وقّاص، فطلبَ رُستم مُفاوضين ليُفاوِضونَهُ، فأرسلَ سيدنا سعد بعضَ أصحابِهِ وطلب أن يُفاوِضوا رُستم، كانَ مِنهم ربعيّ بن عامر، فلما ذهب إلى رُستم قالَ لَهُ رُستُم: ما الذي جاء بِكم؟ قال رِبعي: ابتعثنا اللهُ جلَّ جلالُه لِنُخرِجَ من شاءَ من عِبادة العِباد إلى عبادةِ ربِّ العِباد.
رسالة الإسلام دعوة إلى التحرُر، بالمناسبة- دققوا في هذه الكلمة - إمّا أن تكونَ عبداً لله وإمّا أن تكونَ عبداً لعبدٍ لئيم.. أبداً.. إن لم تكُن عبداً لله فأنتَ عبدٌ لعبدٍ لئيم، يسحَقُكَ ويُؤذيك ويستخدِمُكَ ويستغِلُّكَ، فكُن عبداً لله، إن كُنت عبداً لله فأنتَ حُر، قالَ لَهُ: ابتعثنا الله جلَّ جلالُه لِنُخرِجَ من شاءَ من عبادة العباد إلى عبادة الله، فقالَ رُستم لِجُلسائه: ما أتعسني ليسَ في جيشي إلا ألفُ غانيةٍ وطبّاخ، كلمة دقيقة جداً، تجد في الدول المتأخرة مظاهر الترف ومظاهر الاستمتاع، مطاعم، فنادق، مقاصف، كُله درجة أولى، لكنهم ضِعاف، لا نملك أن نُصنّع شيئاً مثلاً، فماذا قال رُستُم؟ قال: ما أتعسني ليسَ في جيشي إلا ألفُ غانيةٍ وطبّاخ، وهذا الذي جاءَ من البدو يقول: من ضيقِ الدُنيا إلى سعة الآخرة، فالقضية تحتاج إلى مراجعة حسابات، والقصة طويلة، فقالَ لَهُ: ما موعود الله عِندكُم؟ فقال: الجنةُ لمن ماتَ على ذلك، والظفر لمن بقيَ على قيد الحياة، قال له: قد سمعتُ مقالَتُكم فهل لكم أن تُؤخِّروا هذا الأمر حتى ننظُرَ فيه؟ دولة عُظمى، دولة فارسية، وهذا قائد كبير يطلب من بدوي قالَ لَهُ: هل تُمهِلُنا؟ فأجابَهُ: نعم، كم تُحِب يوماً أم يومين؟ قالَ: لا حتى نُكاتِبَ أهلَ رأيِنا، قالَ: واللهِ ما سنَّ لنا النبيُ الكريم أن نُؤخرَ أعداءنا اكثر من ثلاثة، لا مجال هناك، فلا تُغلّب نفسك ثلاثة أيام فقط، بدوي يُخاطب قائد جيش فارسي، أي:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾
فقال له رُستم: أسيّدٌ أنتَ فيهِم؟ قالَ: لا، أنا جُندي عادي، ولكنني واحدٌ من المسلمين، والمسلمون كالجسد الواحد يُجيرُ أدناهُم أعلاهُم.
يقولون: إنَّ سيدنا الصديّق رضي الله عنه جاءه كتاب من سيدنا خالد أن مُدني بمدد، أقل عدد خمسون ألفاً فإن لم يكُن ثلاثون، سيدنا الصدّيق أمدّهُ برجل واحد اسمهُ القعقاع، فسيدنا خالد ينتظر جيشاً ضخماً يأتي من المدينة، وإذ بشخص واحد يأتي، فسألَهُ: من أنت؟ فأجابَهُ: أنا المدد، تعجّبَ سيدنا خالد: واحد !! ومع المدد كتاب ففتحهُ، يقول لهُ سيدنا الصدّيق: من عبد الله أبي بكر إلى خالد بن الوليد؛ أحمدُ الله إليك، ولا تعجب يا خالد من إرسال القعقاع فوالذي بعثَ النبي بالحق إنَّ جيشاً فيهِ القعقاع لا يُهزم، وتمَّ النصر على يد القعقاع، واحد، وهكذا كانَ الأجداد واحد كألف، على كُلٍّ المؤمن إذا ابتعد عن الله يضعُف، تخورُ قِواه، ييئس.
5 ـ المُسلم يستحي بإسلامِهِ :
من أعراضِ هذا المرض أنَّ المُسلم يستحي بإسلامِهِ، أي إذا كانَ هُناك مجلس يستحي أن يُصلي، إذا كان هناك طاولة على مشروب يقول لكَ: أنا معي قرحة، يستحي أن يقول: أنا مُسلم، قُلْ: أنا مُسلم ولا تستحي بإسلامك، الذي يستحي بِدينِهِ ليسَ مُسلماً، هذا دينُ الله.
6 ـ تركُ الأهداف العالية واتّباعُ الأهداف الخسيسة :
أيضاً هُناكَ عرض آخر من أعراض البُعدِ عن الله عزّ وجل: تركُ الأهداف العالية واتّباعُ الأهداف الخسيسة، ليسَ هُناك هموم إلا تأمين بيت وسيارة وزوجة فقط، ولا يوجد عِنده مشكلة ثانية أبداً، أن يحمل همّ المسلمين، يُساهم في نشر الحق مثلاً، أن يُساهم بحل مشكلات المسلمين.. أبداً لا يوجد عِندَهُ.. همومه كُلُها خسيسة، فلذلك الإنسان كُلما ارتقى عِندَ الله يحمِل همومَ المسلمين، قال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
فالله عزّ وجل أقسم بِعُمر النبي عليه الصلاة والسلام، فكُلمّا ارتقى الإنسان ترتقي همومُهُ، وكُلّما صَغُرَ عِندَ الله تصغُر همومُهُ، لذلك مرة سيدنا عمر أدخل شاعراً اسمهُ الحطيئة السجن لبيتين قالَهُما، والمشكلة أنَّ هذين البيتين شعار كُل إنسان الآن، قال:
دع المكارِمَ لا ترحل لِبُغيَتِها واقعُد فإنكَ أنتَ الطاعِمُ الكاسي
***
الآن أكثر الناس تقول: ماذا تريد بوجع الرأس؟ إذا كان قد تحمس لقضية وأحب أن يدعو لله يقولون لهُ: اجلس وارتاح، مالُكَ وما للناس؟ يُثبِطون عزيمتهُ، مادام دخلُكَ جيّداً، وتسكُن في بيت، ومرتاح، ولا يوجد عِندك مُشكلة، دعكَ من هذا، فمن أعراض البُعد عن الله عزّ وجل أن تُصبح الأهداف خسيسة، سخيفة، ماديّة محضة.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
يُروى أنَّ سيدنا علي رضي الله عنه سأل ابنهُ مرةً قال: يا بُنيّ - دقق في هذا السؤال - مِثلَ من تُريد أن تكون حينما تكبُر؟ قال: أُريد أن أكونَ مثلَكَ يا أبي، فقالَ سيدنا علي: لا، قُل إنكَ تُريد أن تكونَ مِثلَ رسول الله لأنكَ إذا كانَ هدفُكَ أن تكونَ مِثلَ علي فأغلبُ الظن أنكَ لن تكونَ مِثلَ علي، ولكنكَ إذا أردتَ أن تكونَ مِثلَ رسول الله - أي في الطاعة والأعمال وليسَ في المقامات طبعاً- فقد تكونَ أفضلَ من علي، انظر للطموح، هناك موجّه تربية دخل على قرية من قُرى الحدود فيها تهريب كثير، فالموجّه التربوي من عادتِهِ أن يسأل سؤالاً تقليدياً مثلاً: يا بني قف ماذا تُحب أن تكون حينما تكبُر؟ سيقول له مثلاً: أريد أن أكون طياراً، ضابطاً، طبيباً. فقالَ لَهُ: أريد أن أكون مُهرّباً يا أستاذ.
فهُنا أرادَ أن يكونَ مِثلَ سيدنا علي، مثلكَ يا أبي فقالَ لَهُ: لا، يجب أن تكون مِثلَ رسول الله، أن تكونَ أعلى من أبيك علي، هكذا كان الطموح، فكُلمّا صغُرَ الإنسان تُصبح أهدافُهُ ماديّة فقط، فتُحل مُشكلتُهُ بسيارة فقط، هذهِ هيَ المُشكلة، لا يوجد عِندهُ أهداف كبيرة، هذا القلب أخواننا الكِرام يكبُر ويكبُر و يكبُر ولا نرى كِبَرَه فيتضاءل أمامَهُ كُلُّ كبير، ويصغُر و يصغُر ولا نرى صِغرَهُ فيتعاظم عليهِ كُلُ حقير، أحياناً يكبُر يتضاءل أمامَهُ كلُّ كبير، وأحياناً يصغُر فيتعاظم عليهِ كُل حقير.
7 ـ الاكتفاء بالتشريع الوضعي عن تشريع الإله :
هناك عَرَضْ أخير عن أعراض البُعد عن الله أنَّ الإنسان يكتفي بالتشريع الوضعي عن تشريع الإله، أي لا يهُمُهُ أن يُطبّق الشرع، يهُمُهُ فقط أنَّ القوانين نافذة، يُطبِقُها وفقط، يا ترى إسلامية، غير إسلامية، مُحِقة، هناك قوانين نشأت بفعل ظروف معيّنة، فرضاً شخص عِندهُ بيت فارغ، ويسكن في بيت أجرة، إذا كان مؤمناً لا يغتصب بيتاً، أمّا إذا كان معهُ مرض بُعد عن الله عزّ وجل فيعتبر نفسهُ مجنوناً إذا قام بتسليم البيت من دون فروغ، فعندما تكونَ أنتَ مُسلماً حقيقةً تتقيّد بالشرع، لأنّ في القبر لا يوجد قانون هناك شرع، فإذا الإنسان بقوة القانون قام باغتصاب شيء فالقبر لا يحميه من العِقاب الشديد، فكُلّما كان إيمانك أكبر تتقيّد بالشرع لا بقانون وضعي.