الإسلام دينُ الحياة :

 أيها الأخوة الكرام؛ وردَ في الأثر- وحينما نقول في الأثر أي نص وردَ في الكُتب، أمّا حينما تقول: قال عليه الصلاة والسلام فيجبُ أن تكونَ متأكداً مئة بالمئة أنَّ النبيَ عليه الصلاة والسلام قالَ هذا الكلام لأنهُ :

((مَن كذب عليَّ مُتعمِّدا فليتبوأ مقعدَهُ من النار ))

[أبو داود والترمذي عن علي بن أبي طالب ]

 وقد يقول قائل: أنا لستُ متعمّداً، نقول له:

(( مَنّ حدّث عنِّي بحديث يُرى أنه كذِب، فهو أحد الكاذبين ))

[البخاري عن المغيرة بن شعبة ]

 أي أنت في ذهنك حديث لستَ متأكداً منه، لستَ متحققاً منه، لستَ متثبّتاً من صحته، قُلّ: وردَ في الأثر ولا تقُل قال عليه الصلاة والسلام- .
 فوردَ في الأثر أنه:" ليسَ بخيركُم من تركَ دُنياه لآخرته، ولا من تركَ آخرتهُ لدُنياه إلا أن يتزوّدَ منهما معاً فإنَّ الأولى مطيّةٌ للثانية ".
 الإسلام دينُ الحياة، وأهم شيء في الحياة بعدَ الإيمان الصحة، سيدنا علي رضي الله عنه رتّبَ النِعم بحسب الأولويات بدأ بنعمة الإيمان، وثنّى بالصحة، وثلّثَ بالكفاية، فإذا كُنتَ مؤمناً، عارفاً للهِ عزّ وجل، علمتَ سِرَّ وجودِه، وغاية وجودِه، وعرفتَ منهجكَ في الحياة، وحملتَ نفسكَ على طاعة الله، وتمتعّتَ بِصحة، وعِندكَ ما يكفيك، فقد حِزتَ الدنيا بحذافيرِها:

((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا))

[ابن ماجة عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ ]

 هذا أمنُ الإيمان.

المؤمن شخصية فذة تتمتع بمرتبة علميّة و أخلاقيّة و جماليّة :

 أخواننا الكِرام؛ المؤمن شخصية فذّة، لكَ صِفة أخلاقية، وصِفة جمالية، وصِفة علمية، لأنه عَرَفَ الحقيقةَ الكُبرى في الكون فهو عالم:

(( كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلا أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ ))

[سنن الدارامي عَنْ مَسْرُوقٍ ]

 والتقوى نهاية العِلم، أيّ واحد منكُم مستقيم لأنهُ عَرَفَ الله، وعَرَفَ آخرتَهُ، وعَرَفَ سِرَّ وجودِه، فهو على نوعٍ من العلم الثمين، لذلك العلماء فرّقوا بين الذكي والعاقل، ما كُلُّ ذكيٍ بعاقل، قد تحمل أعلى شهادة، وقد تتفوّقُ في اختصاصك أيّما تفوّق، لكن إن لم تعرف الله فلستَ بعاقل، يؤكّدُ هذا أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام مرَّ في الطريق بمجنون، فسألَ سؤال العارف تعليماً لأصحابهِ، قالَ: من هذا؟ قالوا: مجنون، قالَ: لا، هذا مُبتلى، المجنون من عصى الله.
 فالذكيُ شيء والعاقِلُ شيء آخر، إن عرفتَ الله، وآمنتَ بالآخرة، وعَمِلتَ لها، وحملتَ نفسَكَ على طاعة الله فأنتَ العاقل، لذلك:" كفى بالمرءِ علماً أن يُطيعَ الله " كفى بِهِ علماً، طبعاً سآتيكم بمثل حادّ، لو تصوّرنا شخصية دينية تتمتع بأعلى درجة من السُمعة والتألُّق، له مئتا مؤلف، ومعه ثلاثة من الدكتوراه، لو أنهُ عصى الله، وملأَ عينيهِ من محاسنِ امرأة تُديرُ معهُ حديثاً صحفيّاً، والحاجِبُ عندهُ غضَّ بصرَهُ عنها- المثل حادّ جداً- هذا الحاجب الأُمي الذي لا يقرأ ولا يكتُب هو العالِمُ عِندَ الله، وهذا لأنه سَمَحَ لنفسِهِ أن يعصي الله فهو عِندَ الله جاهل، " كفى بالمرءِ علماً أن يُطيعَ الله، وكفى بِهِ جهلاً أن يعصيَّهُ " فما كُلُّ ذكيٍ بعاقل، قد تجد ذكياً ألمعيَّ الذكاء وليسَ بعاقل، لأنه لا يُصلي مجنون، لأنهُ ما عَرَفَ الآخرة مجنون، لأنهُ اكتفى بالدُنيا مجنون، لأنهُ أشركَ بالله فهو مجنون.
 لذلك المؤمن شخصية فذّة تتمتّع بمرتبةٍ علمية، لأنَّ المؤمنَ عَرَفَ الحقيقةَ الوحيدةَ في الكون.. عَرَفَ الله.. والمؤمن يتمتّع بمرتبةٍ أخلاقيّة، تحكُمُهُ منظومةُ قيّم، عنده مئة ألف بند، هذهِ حرام، وهذهِ مُباحة، وهذهِ مكروهة كراهة تحريميّة، وهذهِ مكروهة كراهة تنزيهيّة، وهذهِ سُنّة، وهذا واجب، وهذا فرض، أيُّ شيء في حياتِه لابُدَّ من أن يُفرّغَ على خمسة أحكام.
 وما اتخذ اللهُ وليّاً جاهلاً لو اتخذه لعلّمَهُ، والناسُ رجلان عالمُ ومتعلّم، ولا خيرَ فيمن سِواهُما، يا بُنيّ العِلمُ خيرٌ من المال، لأنَّ العِلمَ يحرُسُكَ وأنتَ تحرُسُ المال، والمال تُنقِصُهُ النفقة، والعِلمُ يزكو على الإنفاق، ماتَ خُزّانُ المالِ وهُم أحياء، والعُلماءُ باقون ما بقي الدهر، أعيانُهم مفقودة وأمثالُهم في القلوبِ موجودة، الناسُ ثلاثة؛ عالِمٌ ربانيّ ومتعلّمٌ على سبيل نجاة - نرجو الله أن نكونَ منهم - واسمعوا الثالثة: وهمجٌ رعاع أتباعُ كُلِّ ناعق لم يستضيئوا بنور العِلم، ولم يلجؤوا إلى رُكنٍ وثيق، فاحذر يا كميلُ أن تكونَ منهم.
 المؤمن شخصية فذّة لها مرتبة أخلاقية، ولها مرتبة علمية، ولها مرتبة جمالية، أي له أذواق مع الله تفوقُ حدَّ الخيال، الناسُ غارقون في الوحول، الناسُ في وحول الشهوات وهوَ في جنات القُرُبات، أخلاقُ الناس قذرة يعيشون في وحول الشهوات؛ كذب، ونِفاق، وغيبة، ونميمة، وعدوان، وخيانة زوجية، ووصولية، والمؤمن يعيشُ حُرّاً لأنهُ عَرَفَ الله، المؤمن نظيف أفكارهُ نظيفة، وأخلاقُهُ نظيفة، لا يوجد عنده داخل وخارج، لا يوجد عنده شيء مُعلن، وشيء غير مُعلن، لا يوجد عنده خلوة، و جلوة، خلوتُهُ كجلوتِهِ، وجلوتُهِ كخلوتِهِ، سِرّهُ كعلانيتِهِ، وعلانيتُهِ كسِرُّهُ، في السفر مستقيم، وفي الحضر مُستقيم، لا يوجد عنده ازدواجية، فالمؤمن له مرتبة أخلاقية ومرتبة جمالية ومرتبة علمية، هو شخصيةٌ فذّة يرى ما لا يراهُ الآخرون، يرى الآخرة، ميزانُهُ معكوس، يبني حياتَهُ على العطاء لا على الأخذ، يشعُر بما لا يشعرون، دققوا.. لا يستطيع أن يدوسَ نملة والنبي تحدّثَ عن الهِرّة قال:

(( دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ))

[ البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا ]

 فما قولُكم بما فوق الهِرّة؟ الهِرّة لو حبستها فماتت تستحقُ دخول النار، المؤمن في قلبه الرحمة، يتمتّع بوعيٍ عميق، وإدراكٍ دقيق، له قلبٌ كبير، وعزمٌ متين، وإرادةُ صُلبة، هدفهُ أكبرُ من حاجاتِهِ، رسالتهُ أسمى من رغباتِهِ، يملِكُ نفسَهُ ولا تملِكُهُ، يقودُ هواهُ ولا ينقادُ لهُ، تحكُمُهُ القيم ويحتكمُ إليها، من دون أن يُسخِّرها أو يسخَرَ منها، سما حتى اشرأبت إليهِ الأعناق، وصفا حتى مالت إليه القلوب.

الصّحة :

 موضوع الدرس: الصحة.
 أخواننا الكِرام؛ صحة الجسد مرتكزٌ لسلامة النفس، شيء أدهشني في بلاد الغرب، الإنسان إذا سافر يجب أن يرى المحاسن والمساوئ، عندهم عِنايةٌ تفوقُ حدَّ الخيال بصحتِهم، في أي مكان تذهب ترى أُناساً يركضون ضماناً لصحتِهم، وصحة قلوبِهم، ولياقة أجسامِهم، والحقيقة الأجل لا يتعلّق بالعناية الصحيّة، ولكنَّ العناية الصحية بين أن تُمضي حياتك هكذا.. أي واقفاً.. أو هكذا، من دون مبالغة أثمن شيء بعد الإيمان الصحة، والصحة تحتاج إلى وعي، وإلى جُهد، وإلى عناية، لذلك صحة الجسد مرتكزٌ لسلامة النفس، ومنطلقٌ لسلامة العقل، العقل السليم في الجسم السليم، وكُلما تقدّمَ الطب اكتشف أنَّ صحة تفكير الإنسان من صحة جسمِهِ، نشاطُهُ من نظام غِذائِهِ، معنوياتِهِ من لياقة جسمِهِ أحياناً، وطبعاً لابُدَّ من الدليل:

﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة البقرة:247]

 أي استحق أن يكونَ ملِكاُ عِندَ اللهِ مُقرّباً لأنهُ زادَ عليهم بسطة في العلمِ وفي الجسمِ:

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[سورة القصص:26]

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلَا تَعْجِزْ، فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))

[سنن ابن ماجة عن أبي هريرة]

 لكن النبي جبّار الخواطر قال: " وفي كُلٍ خير "، والضعيف على العين والرأس، لكن إذا كُنتَ قوياً فخيرُكَ أكبر، إذا كُنت قوياً فأمامُكَ خيارات كثيرة جداً، إذا كُنتَ قوياً تكونُ أُمةً.
 سيدنا علي كما قُلتُ قبلَ قليل يقول: ألا وإنَّ من البلاءِ الفاقة، من البلاء الفقر، وأشدُ من الفاقةِ مرضُ البدن، وأشدُ من مرضِ البدن مرضُ القلب، ألا وإنَّ من النعمِ سعةُ المال، وأفضلُ من سعةِ المال صِحة البدن، وأفضل من صحةُ البدن تقوى القلب، سيدنا علي بحكمتِهِ البالغة رتّب النعم: الكِفاية، الصحة، الهِداية، لا معنى للكِفاية من دونِ صِحة، ولا معنى للهِداية من دونِ صِحة أيضاً، فقام بترتيب النِعم: هداية، صِحة، كِفاية.

أنواع الطّب :

1 ـ الطّب الطّبيعي :

أخواننا الكِرام؛ أول شيء الطب أربعة أنواع؛ هناك طب طبيعي، وطب نفسي، وطب وقائي، وطب علاجي.
 الطب الطبيعي أن تبذل الجُهد لا أن تستهلِك جُهدَ الآخرين، وهناك طبيب كريم حدثني أنَّ الإنسان إذا خَدَمَ نفسَهُ في بيتِهِ فهذا هوَ الحدُ الأدنى من الرياضة.. الحد الأدنى أن تخدُم نفسَكَ في بيتِك.. فالنبي الكريم كان مع أصحابِهِ الكِرام وهوَ سيّد الخلق وحبيب الحق، أرادوا أن يُعالجوا شاةً قال أحدُهم: عليَّ ذبحُها، وقال الثاني: عليَّ سلخُها، وقال الثالث: عليَّ طبخُها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليَّ جمعُ الحطب، وقد سمعت أنَّ أصعب شيء جمعُ الحطب: قالوا نكفيكَ ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني ولكنَّ الله يكرهُ أن يرى عبده متميزاً على أقرانِهِ، أي بذل الجُهدِ صِحة، واستهلاك جُهد الآخرين مرض، كلام دقيق: بذل الجُهدِ صِحة، واستهلاك جُهد الآخرين مرض، قد تسأل: لماذا كان أجدادنُا أصحاء؟ لهم صِفتان؛ عِندهم جهدٌ عضليٌّ كبير، وراحةٌ نفسيةٌ كبيرة، وبذل الجهُد والراحة النفسية سرّ الصحة الطيبة.
 نسمع الإنسان يحدث معه جلطة فرضاً في الخامسة والخمسين أوالستين أو السبعين، الآن في الخامسة والعشرين جلطة، أو بالثلاثين، لا نرى إلا وسِن الجلطة والأزمات القلبية ينزل، لوجود كسل عضلي، كله أوتوماتيك، ولوجود شِدة نفسية، أكبر أسباب المرض الكسل العضلي والشِدّة النفسية، أهم أسباب الصحة الجُهد العضلي والراحة النفسية، فبذل الجُهد طب طبيعي، الإنسان إذا تحرّك، إذا خدم، إذا صعد أو نزل، إذا ساعد أهله، قام بالترتيب أو ذهب ومشى.... مادُمت تبذل جُهداً طبيعياً فأنت صحيح، هذا أول طب.

2 ـ الطّب النفسي :

 الطب الثاني هو النفسي؛ الطب النفسي أي التوحيد هوَ الشِفاء:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة آل عمران:151]

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء:213]

 أحد أكبر أسباب العذاب الإشراك، اكتشفوا أنَّ جهاز المناعة هذا الجهاز أخطر جهاز في الجسم، وهو شُغلُ العالم الشاغل، فيهِ أربع فِرق فيه: فرقة استطلاعية؛ إذا دخل الجرثوم للجسم تذهبُ إليه وتأخذُ شيفرتهُ الكيماوية ولا تقاتِلُهُ، استطلاعية، تأخذ هذه الشيفرة وتعود إلى مراكز تصنيع السلاح في الغدد اللمفاوية، تُعطي الشيفرة إلى خلايا أُخرى مهمتُها تصنيعُ السلاح المُضاد.
 الفرقة الثانية معامل الدفاع خلايا مُصنِّعة تصنعُ مصلاً لِهذا الجسم، لكنها تتمتّع بذاكرة تفوقُ حدَّ الخيال، الجرثوم صُنِّعَ له مصل مُضاد، وشُفيَ الإنسان، عاد الجرثوم بعد سبعين سنة، هناك ملف عِندَ هذه الخلايا المُصنِّعة لِكُل مصل مُصنّع لمجرّد أن يعود تصنعُ له السِلاحَ المُضاد، ولا معنى لجهاز المناعة المُكتسب من دونِ هذهِ الذاكرة العجيبة.
 الفرقة الثالثة فرقة مقاتلة سلاح المُشاة تحملُ هذا السلام وتُقاتل الجرثوم.
 الفرقة الرابعة خدمات تُنظّف أرضَ المعركة مما عَلِقَ بِها من جُثث القتلى.
 في عام ألف و تسعمئة و ثمانين اكتشفت فرقة الكوماندوس، هذه تُصنّع في نقي العظام، ويتم تدريبُها في الغُدة الصعترية، هذهِ الآن شُغلُ العالم الشاغل، أنا كُنت في أمريكا والتقيت مع طبيب من أخواننا الكِرام مُختص في أمراض السرطان، قال لي: مع كُل إنسان مورِّثة سرطان، لها قامع منع حركتها، ما الذي يفُكُ هذا القامع عن هذهِ المُورِّثة؟ قال: ذرّةُ البلاستيك، نحنُ نأخُذ كيلو فول ساخن يغلي في كيس نايلون، فلابُدَّ من أن يذوب جزء من النايلون في الفول، أو نشتري لبناً مُصفّى بالكيس ونُحضر السكين ونُزيل بواسِطتها بقايا اللبن فلم ننتبه أننا أخذنا قسماً من الكيس مع اللبن، إمّا ميكانيكياً أو حراريّاً أو حمضيّاً نستخدم مثلاً طبقاً فيه حمض بلاستيكي، أو نشتري طنجرة مطلية من الداخل بمادة بلاستيكية لكيلا يلتصق الطعام فيها، ونرى بأنفسنا بأننا حضاريون، وبعد سنتين يذهب البلاستيك وتبقى على الحديد، ونكون قد أكلنا البلاستيك، فالعامل من عوامل السرطان الذي فك القامع عن المورّث هو ذرّة البلاستيك.
ثاني عامل هو البترول؛ كُل أخ يعمل في السيارات وبفك المحركات إذا لم يُغسّل جيّداً جداً ما بقي تحت أظافِرِهِ من ذرّات بترول هذهِ تُسبب له أوراماً خبيثة، والعامل الثالث: الأشعة، والعامل الرابع: الشدّة النفسيّة... هذه أربعة عوامل الآن ثابتة لإحداث السرطان، ونِسب السرطان مرتفعة جداً بسبب هذهِ العوامل الأربعة...
 فهذه فرقة الكوماندوس شيء رائع، هي فرقة تكتشف انحراف الخليّة نحو السرطان في وقتٍ مُبكّرٍ جداً فتلتهِمُها.

ما يقوي و يضعف جهاز المناعة المكتسب :

 الآن السؤال القوي: ما الذي يُقوّي هذا الجهاز جهاز المناعة المُكتسب؟ فقال: الحُب والراحة النفسية والطُمأنينة والأمن، وما الذي يُضعِفُ هذا الجِهاز؟ القلق والخوف والحقد، ما الذي يجعلُكَ مطمئناً مرتاحاً آمناً:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 81]

 قال:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 82]

 معنى هذا أن التوحيد صار صِحة، صحة ماديّة بالمعنى الدقيق، حينما تُوّحد يكون جهاز مناعتك قوياً جداً، وإذا كان جهاز المناعة قوياً يلتهمُ الأمراضَ كُلَها، والنبي الكريم قال:" حدثنا عن الشونيز عن حبة البركة " قال:

(( فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلا السَّامَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 هناك علماء حيّرهُم هذا الحديث، غير معقول حبة البركة شِفاء من كُلِّ داء، بعضُهم شكَّ في الحديث مع أنهُ صحيح، عُقِد مؤتمر في مِصر لحبة البركة فإذا هي تُقوّي جهاز المناعة، معنى هذا كما قال النبي فيها شِفاءٌ من كُلِّ داء، تُقوّي جهاز المناعة، الذي وصلنا إليه أنَّ التوحيد أساسُ الطِب النفسي.

3 ـ الطّب الوقائي :

 الآن الطِب الوقائي؛ أي أن تمنعَ أسباب المرض أهونُ ألفَ مرة من أن تُزيلَ أعراضَ المرض، يقعُ في رأس الطِب الوقائي النظافة، والإسلامُ نظيف، والحديثُ عن النظافة يطول، ديننا نظيف، ثلاثمئة مليون إنسان في العالم مُصابون بأمراض القذارة، بينما العالم الإسلامي مُعافى من هذه الأمراض بسبب الوضوء، أي قارة بأكملِها في أمريكا لا يوجد مرحاض فيه ماء كُلُهُ ورق... القارة بأكملِها لا يوجد ماء، ورق فقط... نحنُ والحمدُ لله عندنا في ديننا أساليب للتنظيف الراقي، ثلاثمئة مليون إنسان مصاب في العالم بأمراض القذارة، فلذلك يقعُ في رأس الطب الوقائي النظافة، والاعتدال في الطعام والشراب، وأداءُ الصلوات الخمس، طبعاً موضوعات اختيارية أمّا هذه فهي موضوعات أساسية في الطب الوقائي.
 هناك نقطة دقيقة جداً حولَ الصلاة دققوا؛ أكّدَ علماء التربية الرياضية أنَّ أحسنَ أنواع الرياضة ما كانَ يوميّاً ومتكرراً وموزّعاً على كُلِّ أوقات اليوم، وغيرَ مُجهِدٍ، ويستطيعُ أن يؤديّها كُل إنسان من كُلِ جنسٍ، ومن كُلِّ عُمر، وفي كُلِّ ظرفٍ وبيئة، وهذا متوافِرٌ في الصلاة، بل إنَّ الذي يسجُد في اليوم مئتي مرة تتقوّى أوعيةُ دماغِهِ، تتقوّى من ارتفاع الضغط ونزول الضغط، فشريان دماغ المُصلّي يتحمّل ضغطاً حتى الثلاث و العشرين، أمّا إنسان آخر فيصعد ضغطهُ إلى الثماني عشرة فتحدث معه خثرة في الدماغ فيُشلّ، شيء يُحيّر شخص على الثماني عشرة صار معه خثرة، وآخر على الـثلاث و العشرين لم يحدُث معه شيء، السجود والركوع مئتا مرة في اليوم يجعل الأوعية الدماغية مرنة، لذلك طبيب في رومانيا مُلحد جاءته مريضة من دمشق معها شقيقة، فسألَها سؤالاً أزعجها قال لها: هل تُصلين؟ فقالت: ما علاقة الصلاة بمرضي؟ فقال لها: صلّي يذهب ما بِكِ، فغضِبت أشدَّ الغضب، فأعلمها أنَّ الإنسان حينما يُصلي فبُحُكم الجاذبية الدِماغ يهجم إلى الرأس فصار هناك تروية، وأحد أسباب الشقيقة ضعف التروية، قال لها: صلّي يذهب ما بِكِ، النظافة والاعتدال في كُلِّ شيء والصلاة والوضوء، الآن أكبر الذين يُصلون قلّما يُصابون بالغرغرين، لأن غسيل للأرجل وتدليك الأصابع يُنشّط الدورة الدموية من أقصى مكان للجسم، أمّا الذي لا يُصلي فهو يرتدي حذاءه عشر ساعات، والدم قد لا يصل إلى نهاية الأصابع فتسّود الأصابع، ويُصاب الإنسان بالغرغرين.

4 ـ الطّب العلاجي :

 بقي شيء أنَّ الطب العلاجي تعاطي الدواء، والأخذ بأسباب الشِفاء موافِقٌ للعقل، واجبٌ شرعاً، فأخذُ الدواء المُتيقّن من صوابِهِ، وصحة وصفِهِ واجبٌ شرعاً وواجبٌ عقلاً، والنبي الكريم يقول:

((عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ))

[أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ]

 وإنَّ استعمال الدواء المقطوع بفائِدتِهِ بإخبار الطبيب المُسلم الحاذق الورع لِعلاجِ مرضٍ يُقعِد المريض عن القيام تجاهَ اللهِ، وتِجاه الناس، أو مرضٍ يُودي بحياتِهِ، أو بعضوٍ من أعضائِهِ واجبٌ دينيٌّ يرقى إلى مستوى الفرض.. وهذه تركتُها لله لن أذهب إلى الطبيب لأعالج، هذا كلام غير علمي، أنا على الله متوكّل .. اللهُ أمركَ أن تأخُذ بالأسباب وبعدئذٍ توكل على الله.
 آخر شيء:

(( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ ))

[ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عمرو بن شعيب]

 مسؤول، أنتَ قد قصّرت والمريض مات، أخي مات بأجله، وهذا ترتيب سيدك، والله أنهى أجله.. لا.. يُحاسب الطبيب حساباً عسيراً لأنهُ من طبب ولم يُعهد منهُ طِبٌ أو يُعهد منُ طِبٌ لكنهُ أهمل فهو ضامن.