- أحاديث رمضان / ٠14رمضان 1428هـ - القوانين والمقاصد
- /
- 2- رمضان 1428 هـ - مقاصد الشريعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية، وقد كنا في أركان الإسلام، وانتقلنا إلى أركان الإيمان، والموضوع اليوم النبوة والنبوات.
النبوة والنبوات:
1 – كمال الخَلق يدل على كمال التصرف:
أيها الإخوة، سبق أن ذكرت لكم أن كمال الخَلق يدل على كمال التصرف، والكون يشف عن خالق عظيم، ومربٍّ رحيم، ومسيّر حكيم، هذا الإله العظيم لا بد من أن يرسل للبشر رسولاً معه منهج، المنهج هو الكتاب.
2 – الرسول بشرٌ تجري عليه كل خصائص البشر:
والرسول هو الإنسان الذي تجري عليه كل خصائص البشر، ولولا أن النبي والرسول من بني البشر، وتجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، هو بشر فيه بشرية، وجميع الحظوظ والشهوات التي أودعها الله في بني البشر مودعة فيه أيضاً، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ ))
لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان قدوة للبشر، ولما كان سيداً للبشر.
أيها الإخوة، هذا الإنسان ينبغي أن يكون بشراً ليكون قدوة، وليقنعنا أن الإنسان أي إنسان قادر على تطبيق هذا المنهج، لو أن النبي كان ملِكًا لقال له الناس كل يوم مئات المرات: أنت ملِك، ونحن بشر، هو بشر، يخاف، ويجوع، ويشتهي المرأة، لكنه ضبط حركته في الحياة وفق منهج الله، فلذلك النبوة تعني أول ما تعني أن النبي بشر، وأن منهج الله عز وجل حينما طبقه تطبيقاً كاملاً معنى ذلك أن كل إنسان قادر على تطبيق منهج الله، عندئذ يقول الله عز وجل:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (286) ﴾
3 – الأنبياء معصومون:
الشيء الآخر أن النبي عليه الصلاة والسلام، وأن الأنبياء جميعاً يجب أن يكونوا معصومين، كيف ؟
لأن أفعاله تشريع، وأقواله تشريع، وإقراره تشريع، مجموعة أقواله وأفعاله وإقراراته تسمى المنهج النبوي، السنة النبوية، إذاً: لا بد من أن يكون معصوماً.
معنى العصمة:
ما معنى أنه معصوم ؟ أي أنه بلغ من كمال الاتصال بالله أنه مستنير بنور الله بشكل مستمر، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي ))
لكن المؤمنين:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))
فالنبي دائم الاتصال بالله، وهذا مقام بالله، ولأنه دائم الاتصال بالله فهو دائم الاستنارة بنور الله، تماماً كإنسان يمشي في غابة، لكن معه مصباح كشاف، هذا المصباح يريه كل شيء، فبحكم فطرته وحبه لسلامته، سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده يتقي الخطر بهذا المصباح، وللمؤمنين نصيب من هذا المعنى، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28)﴾
لا بد من نور يقذفه الله في قلب المؤمن حتى يرى به الخير خيراً، والشر شراً، والحق حقاً، والباطل باطلاً، والجميل جميلاً، والقبيح قبيحاً، هذا النور الإلهي عند الأنبياء مستمر، وعند المؤمنين ساعة وساعة.
مقام الألوهية لا يبلغ أحدٌ مهما علا شأنُه:
عصمته أتت من دوام اتصاله بالله عز وجل، لكن لئلا يلتبس على الناس مقام النبوة بمقام الألوهية المطلقة ترك الله للنبي الكريم هامش اجتهاد ضئيل، فإن أصاب النبي في اجتهاده أقره الوحي على ذلك، وإن لم يصب يصحح الوحي له ذلك، قال تعالى:
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) ﴾
﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ (43) ﴾
فإما أن يأتي اجتهاد النبي وفق ما ينبغي فيقره الوحي على ذلك، وإما أن يأتي اجتهاد النبي بخلاف الأولى فيصحح الوحي له ذلك، ومِن هنا افترق مقام النبوة عن مقام الألوهية المطلق، لئلا يُعبَد النبي من دون الله.
4 – النبي مبلِّغ:
أيها الإخوة، لكن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً جداً هو أن النبي مبلِّغ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (67) ﴾
بشكل أو بآخر أيّ إنسان طليق اللسان قوي الذاكرة بإمكانه أن يبلغ، إبلاغ العلم شيء، وتطبيقه شيء آخر.
5 – النبي قدوةٌ:
أنا أرى أن أعظم مهمة للنبي ليست التبليغ، ولكن القدوة، لذلك أذاق النبي عليه الصلاة والسلام الفقر، فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ:
(( يَا عَائِشَةُ، هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ... ))
هل هناك بيت من بيوت إخوتنا جميعاً ليس فيه شيء يؤكل ؟ مستحيل، والنبي يدخل إلى بيته فيسأل
(( يَا عَائِشَةُ، هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ... ))
النبي عليه الصلاة والسلام ذاق كل شيء:
أذاقه طعم الفقر لئلا يقول الفقراء: لو كان فقيرا ما قال هذا الكلام، ذاق طعم الفقر، وأذاقه طعم الغنى، فكان سخياً، إذاً: هو قدوة للفقراء حينما صبروا، وقدوة للأغنياء حينما بذلوا.
أذاقه القهر، إنسان يمشي على قدميه ثمانين كيلو مترا في طرقات جبلية وعرة ليصل إلى قوم يعلق آمالا على هدايتهم، فإذا هم يكذبونه أشد أنواع التكذيب، ويسخرون منه، ويستهزئون به، ويغرون صبيانهم أن ينالوه بالأذى، حتى ألجؤوه إلى حائط فقال:
(( إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
أذاقه القهر فصبر، وقال: يا رب إن كانت هذه الشدة تعني أنك غاضب علي فأنا أعتذر منك، أما إن لم يكن لها علاقة بغضبك ورضاك فأنا أقبلها.
وأذاقه النصر في فتح مكة، ومكة ناصبته العداء عشرين عاماً، نكلت بأصحابه، قتلت بعض أصحابه، لم تدع طريقة للنيل منه إلا وسلكتها، حاربته حروبا ثلاثا، في بدر، وأُحد، والخندق، ووصل إليهم فاتحاً، وعشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر إشارة من فمه، وبالمصطلح المعاصر بإمكانه أن يلغي وجودهم بكلمة واحدة، قال: ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، لذلك قال أبو سفيان: ما أعدلك ! وما أرحمك ! وما أوصلك ! وما أحلمك !.
كان قدوة التبليغ ليس بشيء أمام القدوة، هذا الدين العظيم، هذه المبادئ طبقها، النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، ونحن الآن لسنا بحاجة إلى محاضرات، ولا مؤتمرات، ولا مؤلفات، بحاجة إلى مسلم متحرك أمامنا، يتحمل كل الضغوط، وكل الإغراءات، وكل الصوارف، وكل العقبات، ويقيم منهج الله عز وجل، لا يقنعنا إنسان طليق اللسان، لا يقنعنا خطيب واسع البيان، يقنعنا إنسان يعيش هذه الظروف، يعيش هذه العقبات، وهذه الصوارف، وهذه المغريات، وهو مقيم على منهج الله عز وجل، لا تأخذه في الله لومة لائم.
كان قدوة، أذاقه الفقر فصبر، أذاقه الغنى فشكر، أذاقه القهر فاعتذر، أذاقه النصر فتواضع، دخل مكة فاتحاً، وكادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل.
أذاقه موت الولد، دمعت عينه، وقال:
(( إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ))
وذاق مصيبة تطليق ابنتيه فصبر، أذاقه بعض الخصومات الزوجية، فكان حكيماً، وزوجاً رحيماً.
أذاقه موت الزوجة، السيدة خديجة، كان وفياً لها أشد الوفاء، حتى حينما فتح مكة، وركز لواء النصر أمام قبرها ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر كانت شريكته في النصر، زوج من الطراز الأول، أب من الطراز الأول، أخ ن الطراز الأول، شريك من الطراز الأول، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (21) ﴾
نحتاج إلى القدوة فقط:
مهمته الأولى أن هذا المنهج الإلهي العظيم تمثل فيه، كان خلقه القرآن، بل هو قرآن يمشي، وهذا الذي يقنع الناس الآن.
كنت أقول: هناك بلد إسلامي فرضاً، أيّ بلد إسلامي إذا كان فيه نسب بطالة عالية جداً، ونسب أمية عالية جداً، ونسب عنوسة عالية جداً، وكل شيء يستورد، وكل شيء في هذا البلد الإسلامي يسبب متاعب، وبأسهم بينهم، وأمرهم ليس شورى بينهم، هذا الواقع لا يقنع أحداً بأهمية الإسلام، لأن الطرف الآخر لن يقرأ كتبنا، بل يرى واقعنا، بينما أنت حينما يكون لك واقع قوي متماسك عندئذ تقنع الناس بهذا الدين، لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام قرآنا يمشي، كان النبي عليه الصلاة والسلام ذا خلق عظيم، وكان خلقه القرآن الكريم.
أيها الإخوة، أذاق الله النبي أن يقتلع من جذوره لبلد آخر لا يعرفه، لجو آخر، لطبيعة أخرى، هذه هجرة لإنسان مكين في بيئته، له مكانة، مصالحه مؤمَّنة، حياته مستقرة هادئة، إذا به ينتقل إلى بلد لا يعرفه، هذه الهجرة من أعظم الأحداث بعد الدعوة إلى الله عز وجل.
إذاً: هو قدوة، أذاقه أشياء كثيرة، أذاقه شيئا لا يحتمله أحد منا، أذاقه أن تتهم زوجته بأثمن ما تملكه امرأة، وليس معه دليل إثبات، ولا دليل نفي، وتأخر الوحي أربعين يوماً، إنها محنة ما بعدها محنة، سيد الخلق، وحبيب الحق، تتهم زوجته بأخطر ما تملكه فتاة في الأرض، ويصبر إلى أن برّأها الله عز وجل، ومعنى هذا أن الوحي شيء مستقل عن كيان النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يملك له تصرفاً ولا جلباً ولا إلغاءً، لو أن الوحي من عنده بعد ثانية، بعد دقيقة تأتي آية بتبرئة السيدة عائشة، ولحكمة بالغة أخّر الله تبرئة السيدة عائشة أربعين يوماً، ليعلم العالم كله أن الوحي شيء لا يملكه، لا يملك له جلباً ولا صرفاً.
النبي وأصحابه قمة في القدوة:
أيها الإخوة، لماذا أحبه أصحابه ؟ لأنه كان قمة في الكمال، كان مع أصحابه في سفر أرادوا أن يعالجوا شاةً، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليها سلخها، وقال الثالث: وعليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، فقالوا: نكفيك ذلك، فقال: أعلم أنكم تكفونني ذلك، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
ما هذا التواضع ؟ في بدر الصحابة كانوا قلّةً، والرواحل أقلّ، فقال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، ركب الناقة، فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
(( كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا ))
لولا أنه كان قمة في الكمال، قمة في التواضع، قمة في الرحمة، قمة في الحنان والعطف لمَا التف أصحابه حوله، قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (159) ﴾
أي: بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) ﴾
أنت أَنت، على كلِّ ما عندك من خصائص، نبي، ورسول، وسيد الخلق، وحبيب الحق، أوتيت القرآن والمعجزات، والفصاحة والبيان، مع هذه الخصائص لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾
أعظم ما في هذه الرسالة أن النبي عليه الصلاة والسلام هو القدوة، والآن المبادئ لا تسقط إلا إذا ألغيت القدوة كأفكار صحيحة أحياناً، كأفكار متماسكة، كأفكار مقنعة، لكن هذه الأفكار في الكتب، لكن الواقع كذب ونفاق وتقصير، لذلك المجتمع المتخلف لو أنه يحمل أفكارا عالية جداً فلا قيمة لها إطلاقاً، لا قيمة إلا بالتطبيق.
صحابي جليل هاجر إليه، وفي الطريق ألقي القبض عليه، فقال للمشركين: عهد الله إن أطلقتموني فلن أحاربكم، أطلقوه، وذكر هذا للنبي، وفرح به فرحاً شديداً، لكن بعد حين جاءت غزوة، فانخرط فيها من شدة حبه للجهاد، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ارجع، ألم تعاهدهم.
أقسم لكم بالله لو أن الصحابة الكرام فهموا الإسلام كما نفهمه نحن اليوم لما خرج الإسلام من مكة ووصل إلى الصين شرقاً، وإلى مشارف باريس غرباً، بتطبيق لما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك أيها الإخوة الكرام:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ﴾
الاقتداء بالنبي يلزم الاطلاع على سيرته:
النقطة الدقيقة والأخيرة أن الله عز وجل حينما قال لنا دققوا:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
هذه الآية من لوازمها أن تطلع على ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، الله يأمرنا أن نأخذ ما آتانا، وأن ننتهي عما عنه نهانا، فكيف نأتمر بما أمرنا، وكيف ننتهي عما نهانا ؟ إن لم نعرف ما الذي أمرنا، وما الذي نهانا.
معرفة سنة رسول الله فرض عين على كل مسلم، لأنك إن لم تعرف سنته فكيف تطبق هذه الآية، مثلاً الصلاة فرض قطعاً والوضوء شرط من شروطها لا تصح صلاة من دون وضوء، ما دامت الصلاة فرض، وشرطها الأساسي الوضوء أصبح الوضوء فرضاً، لأنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا تتم لسنة إلا به فهو سنة، ما دام الله أمرنا أن نأخذ عن النبي، وأن ننتهي عما نهانا كيف نأخذ، وكيف ننتهي إن لم نعرف ما الذي أمرنا، وما الذي نهانا عنه ؟ إذاً: معرفة سنة النبي عليه الصلاة والسلام القولية فرض عين على كل مسلم، ولأن الله عز وجل يقول:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ﴾
إذاً: معرفة سيرة رسول الله فرض عين على كل مسلم، فالنبي قدوة بأقواله وأفعاله وإقراره، وهو الحجة البالغة على بني البشر، أن منهج الله قابل للتطبيق في كل الظروف والأحوال.