- محاضرات خارجية / ٠07رحلات - أمريكا
- /
- ٠1رحلة أمريكا -1
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الأكارم:
قال تعالى:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾
أخ كريم اقترح علي أن يكون موضوع محاضرة اليوم الشرك الخفي، لأن الله سبحانه وتعالى يبين أن المؤمن بالله قد يقع بالشرك الخفي ولم يدري، لو أردنا أن نضغط الدين كله في كلمتين لكانتا التوحيد والعبادة قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد والعبادة، قلة قليلة مما ركبوا رؤوسهم يلحدون، أما الكثيرون في العالم يؤمنون أن لهذا الكون خالق هذا الإيمان لا يحملهم على طاعته، لكن التوحيد هو الذي يحمل على طاعة الله.
لو أنك دخلت إلى دائرة وأنت في أمس الحاجة إلى موافقة وتعلم علم اليقين أن في هذه الدائرة المؤلفة من طوابق كثيرة ومن مئات الموظفين فيها واحد وهو المدير العام هو المخول بمنحك الموافقة، فهل تبذل ماء وجهك لغيره ؟ بالتأكيد أبداً.
أنت حينما تعتقد أن الأمر كله بيد الله قال تعالى:
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه، لا يعقل أن يأمرك أن تعبده وأوكل أمرك إلى غيره، عندئذ لك الحجة عليه.
الإنسان حينما يضعف توحيده ينافق، حينما يضعف توحيده يخاف، حينما يضعف توحيده يعصي خالقه ويرضي مخلوقه، حينما يضعف توحيده يصاب بالتشاؤم.
يا أيها الأخوة الكرام:
قالوا ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، وقالوا نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى، اقرأ القرآن الكريم مئات الآيات تبين أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره، التوحيد والعبادة.
ولكن كيف نوحد ؟
يا أيها الأخوة الكرام:
ربنا جل جلاله، هناك بخلقه وأنتم من علية القوم في العلم بخلقه، اختصاصاتكم متباينة، كلها في خلق الإنسان وهناك علماء في الفيزياء والكيمياء والفلك والتاريخ والجغرافية وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الجيولوجيا والكيمياء العضوية والفيزياء النووية، هذا علم بخلقه.
وهناك علم بأمره، الحلال والحرام والطلاق والزواج والوكالة والكفالة والشركة وأحكام الميراث وعلم التجويد... هذا علم بأمره.
العلم بأمره والعلم بخلقه يحتاجان إلى مدارسة، إلى محاضرة وإلى تسجيل نقاط أساسية وإلى امتحان وإلى نيل شهادة، هذا علم بأمره وذاك علم بخلقه، لكن العلم بذاته شيء آخر، العلم بذاته يحتاج إلى مجاهدة، إذا كان العلم بأمره وبخلقه يحتاجان إلى مدارسة فالعلم بذاته يحتاج إلى مجاهدة، وقد قال بعض العلماء جاهد تشاهد.
علم المجاهدة ثمنه باهظ، لكن نتائجه باهرة والثمن باهظ، يجب أن تضبط الجوارح وأن تضبط اللسان، وأن تضبط الدخل والإنفاق والعمل وعينك وسمعك ولسانك وقلبك، ثمن معرفة الله أن تجاهد نفسك وهواك من هنا ننتقل إلى كلمة الجهاد، كلما ذكرت هذه الكلمة قفز إلى الذهن معنىً لا ينطبق عليها كلياً الجهاد القتالي، مع أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نجاهد أنفسنا.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس والهوى ))
كيف تصل إلى الله دون أن تضبط قال رسول الله:
(( عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))
قد يتوهم الإنسان أن التكليف، يعني لا يحتاج إلى كلفة مع أنه ما سمي التكليف تكليفاً إلا لأنه فيه كلفة، شاءت حكمة الله جل جلاله أن يتناقض التكليف في ظاهره مع طبع الإنسان، طبع الإنسان يدعوه إلى أن يطلق البصر والتكليف يأمره أن يغض البصر، طبع الإنسان يقتضي أن تقبض المال والتكليف أن تنفق المال، لولا هذا التناقض بين الطبع والتكليف لما كان هناك جنة لزال هذا التناقض فيما يبدو لك بين التكليف والطبع لما كان هناك جنة، طبع الجسم يقتضي أن تبقى نائم في الفراش الوثير في أيام الشتاء الباردة والتكليف يأمرك أن تستيقظ وأن تصلي، لولا أن الجسم يميل إلى الراحة والعين إلى إطلاق البصر واللسان يميل إلى الخوض في مشكلات الناس ولولا أن الإنسان يميل إلى أخذ المال لما كان هناك جنة ولا نار.
من هذا التباعد بين التكليف وبين طبع الإنسان يكون ثمن الجنة، الآية الكريمة قال تعالى:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)﴾
أيها الأخوة:
لكن التكليف يتوافق مع الفطرة، أوضح مثل: نمت الساعة الثالثة والفجر الساعة الخامسة، سمعت آذان الفجر جسمك يميل إلى الراحة لكن التكليف يأمرك إلى أن تستيقظ وصليت الفجر وعدت إلى الفراش تشعر براحة، فالتكليف تناقض مع الجسم وتوافق مع النفس وهي تتوافق مع النفس لقول الله عز وجل:
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(30)﴾
أيها الأخ الكريم:
هذا الدين متوافق مع الفطرة، يعني مثلاً لو جئنا بخارطة مجسمة، الجبال مرتفعة والوديان منخفضة وصببنا فوقها جبصين سائل، وبعد أن جف الجبصين نزعنا الشيء المصبوب، هناك تطابق على مستوى الميلمترات بين الخارطة وبين قالبها، هذا التطابق يشبه تطابق الفطرة مع الدين، أنت حينما تبحث عن الحقيقة التي أرادها الله عز وجل تبحث عن نفسك حينما تستقيم على أمر الله تجد نفسك، إن الله يعطي الصحة والذكاء والجمال للكثيرين من خلقه لكنه يعطي السكينة بقدر إلى أصفيائه المؤمنين.
لذلك ننطلق بأن الإيمان بالله خالقاً لا يكفي كي نستقيم على أمره، يعني النقطة الدقيقة الآن لو أنك آمنت أن لهذا الكون خالقاً ماذا فعلت ؟ سماه العلماء تحصيل حاصل، ربنا خالق الكون فإذا آمنت أن لهذا الكون خالقاً ماذا فعلت ؟ ما فعلت شيئاً أقررت حقيقة صارخة كالشمس فإن قلت ليس لهذا الكون خالقاً أتهمت في عقلك، ولكن لا بد من أن تتحرك نحو الله قال تعالى:
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)﴾
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110)﴾
الإيمان لا يمكن أن يستقر في قلب إنسان دون أن يعبر عن ذاته بحركة نحو الخلق، لا يوجد في الإيمان حالة سكونية، الإيمان في حالة حركية لذلك الإنسان عندما يؤمن لا بد أن يتحرك قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)﴾
يأخذ موقف، إنسان عقيدته سليمة ومشاعره إسلامية ولا يتحرك لطاعة الله، لا يتحرك لفعل الخير هذا خارج الحسابات.
لذلك أريد أن أركز على أن الإيمان بالله خالقاً قاسماً مشتركاً بين كل الناس والدليل قال تعالى:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)﴾
أثبت الله لهم الكفر مع أنهم يصلون وينفقون، هذا المنهج منهج كامل من أكبر المصائب أن المسلمين ضغطوا هذا المنهج حتى أنهم فعلوه صلاة وصيام وحج وزكاة، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلااللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ))
الإسلام بناء، بناء أخلاقي، سيدنا جعفر قال:
" كنا قوم أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونسيء الجوار حتى بعث الله فينا رسولاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه فدعانا إلى الله نوحده ونخلع ما كان يعبد آباءنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء "
الإيمان حسن الخلق السبب: ربنا عز وجل حينما النبي عليه الصلاة والسلام وكان عليه الصلاة والسلام قائداً فذاً وكان قاضياً وكان مجتهداً وكان زوج رحيماً وكان أخاً صديقاً، السؤال لماذا لم يمدح بهذه الإمكانات التي أعطاه الله إياها ؟
لماذا لم يمدح بفطنته ولم يمدح باجتهاده وعلمه ؟ حينما أثنى الله عليه قال تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
السبب إنك إن أعطيت ابنك سيارة وتريد أن تثني عليه أمام جمع من الناس، هل تقول عنده سيارة ؟ يقولون لك أنت أعطيته إياها، أما حينما يغالب ابنك نزواته ليلتزم أمر أبيه هذه من كسبه وهذه بطولته.
ربنا عز وجل لم يمدح النبي لأنه أوتي الفطانة والذكاء والعلم والوحي والعصمة قال تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
الذي يرقى بك إلى الله أخلاقك، لأن الأخلاق في الأصل عملية ضبط يوجد رغبة في الطعام ورغبة في الصيام، يوجد رغبة في الكلام وفي أمر بضبط اللسان، في رغبة في ضبط المال ويوجد أمر بإنفاق المال، الأخلاق عملية ضبط، فالذي يضبط شهواته ونزواته وفق منهج الله عز وجل فهذا من كسبه وبه يستحق أن يرقى عند الله عز وجل فلذلك قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48)﴾
كيف ؟ أحياناً هذا مثل يوضح، أحياناً إنسان يريد أن يذهب إلى حلب وطبعاً الأكثرية منكم من سوريا، إنسان أراد أن يذهب إلى حلب وهناك مبلغ كبير كبير يريد أن يقبضه في الساعة الثانية عشر، وركب قطار حلب قد يرتكب عشرات الأخطاء، قد يشتري بطاقة درجة أولى ويجلس في الدرجة الثالثة هذا خطأ ولكنه في اتجاهه إلى حلب، قد يجلس مع شباب ليس في مستواه ويزعجونه في أثناء الطريق ومع ذلك فالقطار متجه إلى حلب، قد يتلوى من الجوع ولا يعلم أن في القطار مطعماً صغيراً هذا خطأ ثالث، و القطار متجه إلى حلب، قد يركب عكس اتجاه القطار فيصاب بالدوار ومع ذلك فالقطار متجه إلى حلب وسيأخذ هذا المبلغ، لكن هناك خطأ لا يغفر أن يركب قطار درعا.
أنت حينما تتجه إلى غير الله فقدت كل شيء، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48)﴾
قد ترتكب عشرات الأخطاء وأنت موحد لكن الله يغفرها لك ويتوب عليك أما حينما تتجه إلى غيره، غيره فقير وغيره ضعيف، لذلك موضوع التوحيد موضوع خطير جداً، مثلاً: لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، حينما تعلم أن أمرك كله بيد الله، كل طاقاتك منصبة في خط واحد، العدسة هذه إذا وضعتها فوق ورقة تحرقها، كيف تحرقها الأشعة تجتمع في نقطة تحدث احتراق أما من دون عدسة الورق لا يحترق في الشمس، وبالعدسة يحترق معنى ذلك الإنسان حينما يتوجه بجهوده كلها وبإمكاناته هذا هو التوحيد.
اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
مثلاً: إنسان أمام وحوش عديدة هذه الوحوش مربوطة بيد واحد وبشكل محكم، فأنت علاقتك مع الوحوش أم مع الواحد ؟ إن أغضبته أرخى الحبل فوصلوا إليك وإن أرضيته شد الأزمة فأبعدهم عنك، علاقتك مع الذي يملك هذه الوحوش.
دققوا في قوله تعالى:
﴿مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
أخوانا الكرام:
الموحد يدخل على قلبه من الطمأنينة و من الأمن و الله الذي لا إله إلا هو لو وزع على أهل بلد لكفاهم قال تعالى:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)﴾
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
المؤمن وحده و لا أحد سواه يتمتع بنعمة الأمن، فالسلامة: عدم حصول مشكلة، أما الأمن: عدم توقع المشكلة، و فرق بينهما كبير، السلامة ألا يصاب بمكروه و لكن أنت من خوف الفقر في فقر، و أنت من خوف المرض في مرض، الأمراض هناك أمراض قلب أسبابها الخوف من أمراض القلب أليس كذلك ؟ أنت من خوف المرض في مرض، أنت من خوف الفقر في فقر، توقع المصيبة مصيبة أكبر منها هذا ما يعانيه العالم، لذلك دع القلق و ابدأ الحياة أول طبعة خمسة ملايين نسخة لشدة القلق الذي يعاني منه العصر دققوا قال تعالى:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
أي أحد أكبر أسباب العذاب النفسي أن تشرك بالله لذلك قال تعالى:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾
و لكن هذا الكون مصمم على السببية، كل شيء له سبب، تريد الماء احفر البئر، تريد أن تأكل ازرع البذور من أجل أن تنبت، لحكمة بالغة بالغة صمم الله الكون على أساس السببية كل نتيجة لها سبب و لكن و عقلك مصر على مبدأ السببية، أنت إذا سافرت إلى بلد و أرتجت الأبواب و رجعت فرأيت الضوء منار تضطرب من دخل في غيابي تقول لك زوجتك: أطفئ المصباح، تقول ليس هذا هو الموضوع، من دخل في غيابي ؟ لأن عقلك لا يصدق بأن هذا المصباح تألق لذاته، عقلك مبني على مبدأ السببية و الكون مصمم على مبدأ السببية فلذلك ربنا عز وجل جعل لكل شيء سبباً و لكن إذا ألهت السبب و جعلت السبب سبباً لحصول النتيجة فقد أشركت و إذا ألغيته فقد عصيت كيف ؟ التوحيد طريق عن يمينه واد سحيق و عن يساره واد سحيق، إن أخذت بالأسباب و اعتمدت عليها فقد أشركت و إن لم تأخذ بها فقد عصيت، ما العمل ؟
أن تأخذ بالأسباب و تتوكل على رب العباد، عليه الصلاة و السلام في الهجرة ماذا فعل؟ سيدنا عمر هاجر جهاراً متحدياً المشركين قال:
من أراد أن تثكله أمه فليتبعني إلى هذا الوادي.
أيكون عمر أشجع من رسول الله ؟ ماذا فعل النبي ؟ ذهب مساحلاً و كلف إنساناً أن يمحو الآثار من بعده، كلف إنساناً يأتيه بالأخبار، كلف جهة ثالثة تأتيه بالزاد، استأجر خبير و غلب الخبرة على الولاء، فعل كل الأسباب، أيهما أشجع سيدنا عمر الذي تحدى المشركين؟ الجواب لا، سيدنا عمر ليس مشرعاً، لو فعل النبي ما فعله عمر لعد اقتحام الأخطار واجباً و لعد أخذ الحيطة حراماً لهلكت أمته من بعده، النبي مشرع أما عمر يمثل نفسه فقط فإن نجح نجح و إن لم ينجح لم ينجح، لذلك لا بد من أن تأخذ بالأسباب و لكن حينما تأخذ بالأسباب هناك مطب خطير أن تؤلهها أي أن تعتمد عليها، أن تتوهمها أنها سبب كاف للنتائج لذلك قال عليه الصلاة و السلام:
(( عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
إذاً في عقيدة التوحيد السبب ليس كافياً لإحداث النتيجة إلا أن يأذن الله له و الدليل ربنا عز وجل إنقاذاً للتوحيد قد يعطل الأسباب أو قد يلغيها يعطلها بعدم إحداث النتائج أو تأتي نتائج بلا أسباب هذه حالات نادرة من أجل أن تنتبه أيها الإنسان إلى أن السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة إلا أن يأذن الله فالتوحيد مبني على أن تأخذ بالأسباب و لكن على أن تعتمد على الله وحده، من أخذ بالأسباب و اعتمد عليها فقد أشرك، من لم يأخذ بها فقد عصى، النبي عليه الصلاة و السلام يقول في حديث المسلمون في أشد الحاجة إليه:
(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
عليك بالكيس أي عليك بالتدبير، عليك أن تأخذ بالأسباب، أما حينما تأخذ بها و لا تتحقق النتائج عندها تقول: حسبي الله و نعم الوكيل، ليس مطلوباً منك أن تحقق النتائج عليك أن تأخذ بالأسباب لذلك عليك بالكيس، عليك بالتدبير، المسلمون لسوء فهمهم لحقائق دينهم جعلوا التوكل محله الأعضاء مع أن التوكل محله القلب، بالأعضاء تسعى و بالقلب تتوكل، من الظاهر عمل، من الداخل توكل قال تعالى:
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10)﴾
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾
﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً(26)﴾
هذه آيات التوحيد و ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
أيها الأخوة الكرام:
قال تعالى:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾
لا معبود بحق إلا الله، هو الغافر، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو المعطي، هو المانع، هو القابض، هو الباسط، هو الرازق، هو الضار، هو النافع، لكن علماء العقيدة لهم ملاحظة فريدة كلمة الضار لا ينبغي أن تذكرها إلا مع النافع و كلمة الخافض لا ينبغي أن تذكرها إلا مع الرافع لأنه يضر لينفع و كلمة المذل لا ينبغي أن تذكرها إلا مع المعز لأنه يذل ليعز و يضر لينفع و يمنع ليعطي و ربما منعك فأعطاك، و ربما كان المنع عين العطاء.
أيها الأخوة الكرام:
الإنسان حينما يؤمن أن أمره بيد الله تستقيم وجهته و يستقيم إخلاصه و يجمع نفسه في هدف واحد و يرتاح، أي أنت بين أن تكون علاقتك مع ألف شخص و بين أن تكون علاقتك مع واحد أحد فرد صمد، شيء مريح جداً أن تتجه إلى الله وحده و أن تدع من سواه لأن الله سبحانه و تعالى لا يقبل عملاً من الذي يشرك مع الله أحداً، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، العمل المشترك لا أقبله، و القلب المشترك لا أقبل عليه، القلب المشترك الله جل جلاله لا يقبل عليه و العمل المشترك لا يقبله الله عز وجل و لكن كيف نوحد ؟ الحقيقة أكثركم يحمد على الشهادات، هل يوجد إنساناً نام ثم استيقظ و وجد معه دكتوراه، شيء مضحك، هل يوجد إنساناً نام ثم استيقظ فوجد نفسه يحمل بورد كم قطع من الكيلو مترات و كم تجشم المشقات و كم سهر الليالي، الإيمان أعلى مرتبه ينالها إنسان، الإيمان مرتبة علمية و أخلاقية و جمالية هذه الدرجة الراقية جداً بلا جهد، بلا وقت، قال تعالى:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)﴾
كان عليه الصلاة و السلام إذا مشى كأنه ينحط من صبب، يمشون هوناً أي يقتطعون من وقتهم وقتاً لمعرفة الله و لفهم كتاب الله و لمعرفة أحكام دينهم فالذي ليس عنده وقتاً ليتعلم حقائق التوحيد كيف يوحد ؟ التوحيد ككلمة سهلة، أما أن تعيش التوحيد شيء صعب، أمامك قوى تبدو لك أنها تفعل ما تريد قال تعالى:
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾
أتاها أمرنا، أنت أحياناً ترى قوى كبيرة في الحياة، تتوهم أنها تفعل ما تريد مع أن الله وحده هو فعال لما يريد، أما العبيد ليسوا يفعلون كما يشاؤون لأن الله سبحانه و تعالى قال:
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10)﴾
و الإنسان لا يستحق أن يحقق من خططه إلا ما توافق مع خطط الله عز وجل فإن خطة الله عز وجل تستوعب خطة الناس، فإذا فعل الإنسان شيئاً فقد أراده الله لذلك دققوا في هذه المقولة الرائعة جداً و تملأ القلب طمأنينة و راحة، إذا أراد الله شيئاً وقع و إذا وقع شيئاً فقد أراده الله لأنه لا يعقل أن يقع في ملك الله ما لا يريد، إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة و حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، فأنت إذا أمنت بهذا إيماناً يقينياً و تاماً كل شيء وقع أراده الله لذلك قالوا، لكل واقع حكمة لا لكل موقع حكمة، قد يكون الإنسان أحمقاً و قد يرتكب حماقة و طيشاً ما دام الشيء قد وقع فقد أراده الله إلا أنه إذا وقع شيء فيه أذى للإنسان الإنسان ينبغي أن يقاومه قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
ما دام وقع حديث الإفك السيدة عائشة و هي بريئة، طاهرة، مطهرة، حدث ملابسات سمح الله بها، لولا أن عقدها قد انفرط فذهبت لتبحث عنه لما كان حديث الإفك، لو أن الذين حملوا هودجها شعروا أنه فارغ لما كان حديث الإفك، لو أنها لم تبتعد عن مكانها كثيراً لما كان حديث الإفك، لو أن الذي نقلها إلى مقدمة الجيش لم يفعل لما كان حديث الإفك أي عشر حالات لو لم تقع لما وقع حديث الإفك و لكن الله أراده، إذا كل شيء وقع أراده الله و كل شيء أراده الله وقع، و إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة و حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق هذا هو التوحيد لذلك قلب الموحد في برد و سلام قال عليه الصلاة و السلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))
ولكن إيانا ثم إيانا ثم إيانا أن نعد التوحيد معفياً لنا من المسؤولية، قال تعالى:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
قبل قليل قال الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
إذاً التوحيد لا يعفي من المسؤولية، أنت مسؤول و لو أن الذي وقع أراده الله و سمح به و هناك حكمة مطلقة و بالغة منه إلا أنك محاسب و المأخذ الذي يؤخذ على المسلمين أن توحيدهم يعفيهم من المسؤولية، لا أبداً، التوحيد لا يعفي من المسؤولية.
أيها الأخوة الكرام:
مرة ثانية ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد و التوحيد نهاية العلم، و التقوى نهاية العمل، و فحوى دعوة الأنبياء جميعاً هو توحيد الله عز وجل و عبادته قال الله تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
قلب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، أنت أمام إنسان قد تعجب أحياناً يتساهل معك أو لا يتساهل، قلبه بيد الله، لذلك كل شيء وقع بعلم الله قال تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
إذاً التوحيد أن تعتقد أن شيئاً في الكون لا يقع إلا بإذن الله، من نتائج التوحيد: أن تتجه إلى الله وحده و أن تحكم الصلة به و أن تلغي من قاموسك كلمة لو، لا تقل لو أني فعلت كذا و كذا و قل قدر الله و ما شاء فعل فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان، إلا أن العلماء سمحوا بلو الإيجابية، الإنسان إذا ارتكب معصية و دفع ثمن هذه المعصية باهظاً و قال: لو لم أرتكب هذه المعصية لما أصابني ما أصابني هذا كلام طيب و الدليل قال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾
فلو الإيجابية مقبولة أما لو السلبية لا تقل لو أني فعلت كذا و كذا و قل قدر الله و ما شاء فعل فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان.
أيها الأخوة الكرام:
قد تأتي أفكار دقيقة جداً من خلال المداخلات و الأسئلة فأنا أنتظر منكم الأسئلة لعل الله سبحانه و تعالى ينفعنا بملاحظاتكم حول موضوع هذه المحاضرة.
س: جزاك الله خير جزاء و أثابكم إن شاء الله، ألا ترون أن هناك تشابهاً بشكل عام بين حال المسلمين هذه الأيام و بين حالتهم بعد القول...، طبعاً فتحت الدنيا علينا و اشتغلنا بها السؤال الأكثر دقة طالبين أن نفتكر فكرة نشأ ما يسمى عن السلوك أو التصوف إذا صح التعبير، سؤالي ليس المراد منه أن تشرح لنا التصوف هذا موضوع قائم بذاته لكن هناك مقولة بأن الأسباب التي أودت بالقوم و لكن العناية بعلم الشكوك الآن تزداد الحاجة أكثر من ذلك الوقت إلى هذا الأمر و لكن ليس شرط أساسي علم الشكوك الذي كان قبل أن يزاد عليه و قبل أن يحرف فما رأيك بهذا الكلام ؟
الحقيقة أن الإنسان وجد على هذه الأرض كي يعبد الله قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
لو عرفنا العبادة وجدناها الطاعة يسبقها معرفة تفضي إلى سعادة، إذاً هناك ثلاث كليات في الإسلام، كلية معرفية و كلية سلوكية و كلية جمالية فأي اكتفاء بكلية دون كليتين أو بكليتين دون كلية ثالثة فهذا انحراف و تطرف أما التفوق أن تتحرك في خطوطه الثلاثة معاً، أن تملك عقيدة صحيحة منضبطة منهجية و أن تلتزم لتطبيقها و أن تسعد بالقرب من الله عز وجل، فإذا تحركنا على الخطوط الثلاثة تفوقنا و إذا اكتفينا بواحدة مثلاً بعلم الظاهر أو بعلم القلب تطرفنا هذا الدين لا نفلح فيه إلا إذا أخذناه من كل جوانبه، في جانب عقيدي معرفي و جانب سلوكي و جانب جمالي، الجمالي هو الطمأنينة التي ذكرها الله عز وجل قال تعالى:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
هذا الجانب الجمالي، و السلوكي قال تعالى:
﴿رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11)﴾
و المعرفي: أصل الدين معرفة، هذا هو الجواب.
س: هل ممكن أن تعطينا أمثلة عن الشرك الخفي ؟
الإنسان أحياناً يعتمد على علمه أو على قوته أو على أتباعه أو على ماله، فمن اعتمد على ماله ضل، و من اعتمد على قواه الذاتية أيضاً ضل، و أوضح مثال الصحابة الكرام حينما قالوا و هم في أعلى درجات قوتهم بعد أن دانت لهم الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها قالوا: لن نغلب من قلة، قال تعالى:
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾
فيهم رسول الله، و هم على ما هم عليه من الطهر و الرقي و مع ذلك تخلى الله عنهم، أما في بدر قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾
الملخص: من أي مكان أنت في العالم و بأي يوم إذا قلت الله تولاك و إذا قلت أنه تخلى عنك، أنت بين التولي و التخلي، و الله أنا لو مختص، أنا خبراتي متراكمة، أنا حركتي نشيطة، أنا إدراكي فطن، هذا الذي يقول أنا، قال أنا و نحن و لي و عندي خمس كلمات مهلكات قال تعالى حيث قال إبليس:
﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)﴾
فأهلكه الله، و قال:
﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)﴾
أهلكه الله، و قال:
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)﴾
أهلكه الله، و قالت بلقيس:
﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)﴾
فهذه كلمات مهلكات، إذا قلت الله تولاك، قلت أنا تخلى عنك، و هذا يعانيه المسلمون يومياً، إذا عزوت نجاحك إليك تخلى الله عنك، فإذا قلت الله وفقني قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)﴾
و قال:
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
س: العلماء قسموا النفاق إلى نفاق كفر و هو الذي قال عنه الله سبحانه و تعالى في الدرك الأسفل من النار، و نفاق عملي و الرياء من باب النفاق العملي و هو أنه يحب أن يرى الناس عمل هذا الشخص و السمعة و الشهرة هي كما أتصور جزء من الرياء و لكن الإنسان بطبيعته يحب أن يسعى إلى الشهرة فهل من الممكن أن تكون السمعة أي خاصة الشهادات أو الأشياء أي يحب الناس أن يعرف حقيقة هذا الشخص فهل ممكن أن يكون هذا الأمر مسموح به أم هذا دوماً من الرياء و النفاق العملي ؟
الإنسان عنده دوافع أساسية، دافع إلى الطعام و الشراب لبقاء الفرد، و دافع إلى الطرف الآخر إلى الجنس لبقاء النوع، و دافع إلى بقاء الذكر يسميه علماء النفس تأكيد الذات، فكل إنسان يرغب أن يكون ذا أهمية، أن يكون لامعاً، متألقاً، متفوقاً، هذه الدوافع الثلاث حيادية إما أن تروى وفق منهج الله و إما أن تروى بالبعد عن الله، فإذا أكلت و شربت من أجل أن تتقوى على طاعة الله فهذه طاعة، و إذا تزوجت من أجل أن تنجب أولاداً صالحين فهذه طاعة، و إذا تعلمت العلم و خدمت الخلق تألقت هذا شيء طبيعي، أما حينما تريد أن تعلو على الناس بعلمك، أن تتيه عليهم، أن تتغطرس عليهم هنا المعصية، الله عز وجل قال:
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
و لا يوجد إنساناً أعزه الله كرسول الله، فهذا الذي يأتيك من الله هذا نعمة، قد يثني الناس عليك، ما أخلص عبد لله إلا جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة و الرحمة.
فهذه:
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
الآية المتعلقة برسول الله، لكل مؤمن منها نصيب بقدر، و لقومك، فإذا الإنسان نال شهادة عليا و كان متواضعاً لله و عزا هذا إلى فضل الله و الناس احترموه و بجلوه و رفعوا مكانته يجب أن يذوب لله شكراً.
س: هلا ذكرت لنا بعضاً من النصائح العملية حول موضوع التوحيد ؟
قلت قبل قليل، لا بد من أن نعرف الله، قد نعرف أمره و لا نعرفه، و قد نعرف خلقه و لا نعرفه، كيف نعرفه ؟
ثلث القرآن آيات كونية تتحدث عن عظمة الله قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
التفكر في خلق السماوات و الأرض يعد عظيماً، مرنة أي لها عضلات هدبية فالشيء الذي أمامك يتحرك و ينطبع خياله على الشبكية دائماً فهذه العضلات تضغط لتزيد احتداد العدسة أو تبتعد لتقلل ذلك، يد من تعمل في العين ؟ المطابقة عملية معقدة، إذا فكرت في المطابقة، فكرت في العين مائة ثلاثين مليون العصية و المخروط، مائة و أربعين مليار خلية في الدماغ لم تعرف وظيفتها بعد، ثلاثمائة ألف شعرة لكل شعرة وريد و شريان و عضلة و عصب و غدة دهنية و غدة صبغية، عشرين مليون مستقبل للشم ولكل مستقبل للشم ولكل مستقبل سبع أهداب، والأهداب لزجة مخاطية مذيبة، والرائحة تتفاعل معها وينشأ شكل هندسي وينتقل إلى الدماغ ويستعرض عشرة آلاف ذاكرة شمية ونعرف عندئذ أن هذه الرائحة ياسمين.
إذا فكرت في خلق السموات والأرض، هذا القلب ودساماته، وكل الشرايين، في أشياء أنتم خبراء بها أكثر مني بآلاف المرات، جسم الإنسان وحده ينطق بعظمة الله، فكلما فكرت في خلق السموات والأرض عرفت أن الله معك وأن يده تعمل في الخفاء وأن أمرك بيده، فلذلك سؤال الأخ الكريم هنا، لابد من أن نتفكر في السموات والأرض وهي أرقى أنواع العبادات، ومن لم يتفكر عطل ثلث القرآن.
س: هل تعتقد أن حب الظهور وهو السلطان وحب المال وغير هذا من الميول هو نوع من الشرك الخفي ؟
لأنك مخير كل شيء في الحياة حيادي، المال حيادي سلم ترقى به أو دركات تهوي بها، حب المرأة حيادي إن تزوجت ارتقيت إلى الله، إن زلت عن طريق الحق كانت دركات تهوي بها، طلاقة لسانك، علمك، اختصاصك، شهاداتك، فهذه كلها في الدنيا حظوظ والحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء وهي سلم ترقى بها أو دركات تهوي بها، فلذلك الإنسان إذا تعلم ورفع الله شأنه كما قلت قبل قليل لا شيء عليه، أما إذا اتخذ هذا العلم وخان الأمانة وابتز أموال الناس، كلكم يعلم أن الطبيب موثوق وأن المريض بين يديه لا يستطيع أن يقيمه فإما أن تنصح الناس فترقى ويرفع الله شأنك وإما أن تبتز أموالهم فتسقط من عين الله، وكل شيء حيادي، كل شيء يمكن أن يكون لك طريق إلى الله عز وجل، ويمكن أن يكون لك حجاب عن الله عز وجل.
س: إن الله خلق الشر ولم يرض ما معنى هذا ؟
الحقيقة كلمة شر تحتاج إلى تفصيل، أولاً الشر المطلق ليس له وجود وجود الشر المطلق يتناقض مع وجود الله عز وجل، المطلق، أما الشر الموظف للخير هذا أداة تربية بيد الله عز وجل، فنحن الشر بالنسبة إلينا، إنسان فقد ماله، فقد جزء من صحته هذا شر نسبي، فربنا عز وجل في القرآن الكريم قال:
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾
هناك تعلقيات لطيفة، النوع الأول:
أحد أنواع الشر استخدام الشيء لغير ما خلق له، مثلاً ضع السكر في الطبخ، السكر مادة أساسية ومهمة لكن مكانها في الحلويات، ضع الملح في الحلويات لا تأكلها، أحد أنواع الشر أن تضع الملح في الحلويات والسكر في الطبخ وهذه المواد ثمينة وأساسية، فعدم استعمال الشيء، لأن كل شهوة أودعها الله في الإنسان جعل لها قناة نظيفة تتحرك من خلالها فإذا غيرت المجرى الصحيح، وقود المركبة السائل، البنزين إن وضع في مكانه المحكم وسال في الأنبوب المحكم وانفجر في المكان المحكم في الوقت المناسب والمكان المناسب ولد حركة نافعة، فإذا خرج عن مساره حرق المركبة ومن فيها إذاً أحد أنواع الشر عدم استعمال الشيء أو استعماله لغير ما خلق له.
النوع الثاني:
قد يكون الشر نسبياً وتأديبياً، أما الشر لا يحتاج إلى خالق مثلاً: كمن يأتي بمركبة جميلة وجديدة ويقودها وهو سكران فتنزل في الوادي، لها شكل آخر، نقول هذا الشكل من صنعه؟ هذا الشكل لا يحتاج إلى مص