- أحاديث رمضان
- /
- ٠07رمضان 1421 هـ - دراسات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الأعمال الصالحة فقط لها أثر مستقبلي
يقول الله عز وجل :
﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾
أي كل المتع التي قد تأتي للإنسان من شهواته الحسية ليس لها مفعول مستقبلي أبداً ، مفعولها آني ، وقد سماها الله متاع الحياة الدنيا ، أو متاع الغرور ، أي أكلة أكلتها ، أكلتها وانتهت ، هذه اللذة التي قد حصلتها ليس لها أثر مستقبلي أبداً ، تنقضي بانقضائها ، فهؤلاء الذين عصوا ربهم ، واستمتعوا بالدنيا وتفلتوا من منهج الله حينما يأتيهم الموت انتهت لذائذهم ، وبقيت مسؤولياتهم ، اللذائذ الحسية ليس لها أثر مستقبلي ، بينما الأعمال الصالحة تسعد بها إلى أبد الآبدين ، فقد يغتني الإنسان وقد يأكل ما يشتهي ، وقد يمارس ما يشتهي ، وقد يقول ما يشتهي ، وقد يلتقي مع من يشتهي ، وقد يملأ عينيه ممن يشتهي ، ويأتي الموت فحيل بينهم وبين ما يشتهون ، كما فعل بأشيائهم من قبل ، بقيت المسؤولية ، هؤلاء الذين يسرقون مثلاً ، يقضون ليالي معدودة حمراء ، ثم يقبض عليهم ويلقون بالسجون إلى أمد طويل ، القضية قضية عقل ، فحينما تحكم عقلك بما أنت فيه تجد أن كل شيء يدعوك إلى الآخرة ، لذلك :
﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾
بقيت المسؤولية ، تصور إنسان له دخل محدود اقترض مبلغاً كبيراً من المال ، ليؤديه كل شهرٍ على أقساط ، المبلغ ضاع منه أو سرق ، بقي أداء الأقساط ، هذه الخسارة ، يزول النعيم وتبقى المسؤولية ، أما المؤمن مشاهدته لنفسه وهواه تنتهي عند الموت وتبقى الجنة ، أي الأعمال الصالحة لها أثر مستقبلي ، هذا معنى قوله تعالى :
﴿ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾
تنتهي مهمة المؤمن بعبادة الله
هنالك شيء آخر ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾
أفهم على الله ، كل أنواع السراء والضراء ، الشدائد المادية والنفسية ، من أجل أن تتضرع إلى الله ، فإن لم تتضرع قال :
﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾
حتى عفوت ، حتى ظن أن هذه الحسنات شيء طبيعي ، وهكذا الدنيا ، يوم لك ويوم عليك .
﴿وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾
كما قلت قبل يومين ، دعوة بيانية ، بأساء وضراء .
﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
أربعة مراحل ، واضحة جداً في هذه الآية ، أحياناً الإنسان يحتار ، يرى حوادث يصعب تفسيرها ، يرى أهل الحق ضعفاء ، وأهل الكفر أقوياء ، وأن هؤلاء الأقوياء يفعلون ما يريدون ، وكأنهم آلهة العصر ، فحينما تضطرب الأمور ! وحينما تشعر أن هناك رؤية غير صحيحة ! عليك بهذه الآية :
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
أي أنت كعبد تنتهي مهمتك في أن تطيع الله عز وجل ، وأن تشكره على نعمه المتناهية ، الأمر واضح واضح ، إن لم يتضح لك ! أنت عبد كل هذا الكون يشهد بكمال الله عز وجل ، وكمال الخلق يدل على كمال التصرف ، قد لا تتضح لك الحكمة ، قد ينشأ عندك أسئلة كثيرة ، كيف تجيب عنها ؟ أنا عبد ، أفوض الأمر إلى الله ، هو الرحيم ، هو الحكيم ، هو العليم ، ما من شيء يقع إلا أراده الله ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، إذاً أنا علي أن أطيعه ، فإذا أطعته جاءتني الخيرات ، علي أن أشكر ، أي حل رائع ، إذا اختلطت الأمور وأصبحت الرؤيا ضبابية ولم تفسير الحوادث عليك بهذه الآية :
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
عليك أن تعبده ، فإن عبدته جاءتك الخيرات عليك أن تشكره ، وانتهى الأمر ، بالمناسبة لن أقول ، لن تستطيع أن تثبت عدل الله بعقلك ، إلا في حالة واحدة ، أن يكون لك علمٌ كعلم الله ، ومادمت لا تملك علماً كعلم الله ينبغي أن تصدق الله ، أنه لا يظلم مثقال ذرة ، فعدالة الله تقنع بها من النص :
﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾
﴿وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً﴾
﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾
﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾
﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾
كم عدد هذه الآيات ؟
﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾
نفي الشأن أبلغ من نفي الحدث ، أي يستحيل أن يظلمهم ، أو أن يريد ظلمهم ، أو أن يرضى بظلمهم ، و أن يسمح لأحد أن يظلمهم ، كل هذه الأفعال منفية بهذه الآية ، إذاً عدل الله لا تحاول أن تكتشفه بعقلك ، لأن عقلك لا يملك علم الله عز وجل ، قد تجد شيئاً مزعجاً ينتج منه خير كثير، وقد تجد إنسان في ظاهره برئ ، وهو في الحقيقة ليس كذلك ، فأنت لا تعتب على الله إن لم تفهم الأمور ، أنا مهمتي أن أطيع الله وأن أشكره .
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
والآية الثانية :
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
يوجد نقطة دقيقة أن هذا الذي أراد الدنيا وأصر عليها ، وتمسك بشهواته ، هذا الإنسان لم ير في الكون آية ، لأن حبك الشيء يعمي ويصم ، حبك الشيء يعميك عن الحقيقة لذلك هذا سموه تحصيل حاصل .
﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾
المتكبر لن ير شيئاً ، لأنه ما أراد الحق ، أراد الدنيا ، أراد الشهوة ، قد يمر إنسان أمام مسجد صدقوني يستخف من في المسجد ، لأنه بعيد ، غارق في شهواته ، غارق في دنياه ، وهؤلاء الذين في المسجد في أعلى درجة من السعادة ، لو أطلع عليهم لشك في نفسه .
يوجد قول دقيق جداً ، قاله شخص واحد أصدقه ، إبراهيم بن الأدهم ، كان ملكاً ، كان ملك فترك الملك ، واتجه إلى الله عز وجل ، وأصبح من كبار العارفين بالله ، هو مدفون الآن في جبلة وله مسجد ، قال هذا العارف بالله : لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف .
لأنه كان ملكاً ويعرف ما الملك هو في كلامه مصدق ، يوجد ومضة من ومضات هذه السورة :
﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾
أي محرم عليهم صيد الحيتان يوم السبت ، فأنشئوا مزارع للأسماك ، ودخلت قبل يوم السبت ، ويوم السبت أغلقوا المنافذ ، واصطادوها يوم الأحد ، هذه حيلة من حيل بني إسرائيل ، فلذلك أيها الأخوة عندما نستخدم مثل هذه الحيل نكون لا نعرف الله أبداً .
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾
هناك معنيان لهذه الآية ، المعنى الأول ينبغي أن تدعو الله بأسمائه الحسنى ، يا كريم ، يا رحيم ، يا عليم ، ويوجد معنى أعمق من ذلك ، هو أنك لن تستطيع أن تقبل على الله عز وجل إلا في حالة واحدة ، أن تشتق منه كمالاً تدعوه به ، أي إن أردت أن تقبل على الرحيم كن رحيماً بالخلق ، إن أردت أن تقبل على العليم ، أطلب العلم ، تعرف إلى الله عز وجل ، قدره حق قدره ، إن أردت أن تقبل على الكريم كن كريماً ، فحينما تتخلق بكمالات مشتقة من الله عز وجل يمكن أن تقبل عليه .
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾
أما قوله تعالى :
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾
أي كيد الله تدبيره متين ، فأنت في قبضة الله دائماً ، ولكن قد لا تدري ، الحبل مرخى ، مرخى كثيراً لدرجة أنك قد تتوهم أنك حر طليق ، لكن في أي لحظة يشد الحبل فإذا أنت في قبضة الله .
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾
بالمناسبة المتانة مقاومة قوى الشد ، والقسوة مقاومة قوى الضغط ، فكأنك مربوطٌ بحبلٍ متين ، فمهما كنت قوياً في ثانية أنت في قبضة الله عز وجل .
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾
يوجد نقطة أن الإنسان حينما يبتعد عن الله عز وجل قد يستدرج ، وهو في قمة ذكاءه ، وقمة خبرته يستدرج ، إذا أراد ربك إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لب لبه ، فيفعل شيئاً يعود عليه بوبال كبير ، ماذا فعل فرعون ؟ هكذا يروى : أنه رأى في منامه أن طفلاً من بني إسرائيل سيقضي على ملكه ماذا فعل ؟ قام بقتل أبناء بني إسرائيل كلياً ، وأي قابلة لا تخبر عن مولود ذكر تقتل مكانه وانتهى الأمر ، أما هذا الذي سيقضي على ملكه رباه في قصره .
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾
أي إذا أراد ربك إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لب لبه ، تجمع وتطرح وتقسم وتضرب وتخطط ، في النهاية تأتي على رأسك !! أي نحن في قبضة الله ، حتى هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم سفهاء قال :
﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾
هم سفهاء ، لو أنهم فكروا وسكتوا لأبطلوا القرآن ، قال عنهم قبل أن يقولوا .
﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾
أبو لهب لو توجه إلى النبي وأعلن الشهادة أبطل الآية ، نحن في قبضة الله .
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾
فأنت ما عليك إلا أن تطيعه وأن تشكره .
الفتوى الخاطئة لا ينجو صاحبها من عذاب الله
آخر شيء في الدرس
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو قمة المجتمع البشري ، هو أول الأنبياء والمرسلين ، سـيد ولد آدم ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، فلأن لا يملك لنا نفعاً ولا ضراً من باب أولى ، فلأن لا يملك أي إنسان كائناً من كان لنفسه نفعاً ولا ضراً من باب أولى وأولى ، فالأمر بيد الله ، أحياناً الإنسان يتعلق بفتوى لعالم ، أنا معي فتوى ، حسناً لو أن النبي أفتى لك ولم يكن محقاً لا تنجو من عذاب الله .
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ، فَلا يَأْخُذْهَا ))
لو أن النبي بذاته أفتى لك بشيء ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله ، أي علاقتك مع الله وحده ، لذلك البطولة أن تكون عند الله في مقعد صدق ، أن تكون عند الله مرضياً ، أن تكون عند الله مقبولاً ، أما هذا الذي يسعى ليكون عند الله مقبولاً هذا السعي لا يقدم ولا يؤخر .
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضى عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم