- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (011) سورة هود
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
استخدام الأسلوب القصصي في التربية و التوجيه :
أيها الأخوة الكرام ؛ الآيات الأخيرة ولا سيما الآية العشرون بعد المئة ، والآية الثالثة والعشرون بعد المئة من سورة هود ، وهي قوله تعالى :
﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ﴾
أيها الأخوة ؛ هذه الآية أولاً تدل على أن أنجع وسيلة في التربية القصة ، القصة الواقعية ، والقصة المتعلقة بالبطولات والإيجابيات ، قد تقرأ قصةً لكاتب معاصر ، يصور لك فيها الإنسان في أحط مستوياته ، في نوازعه الدنيا ، في مشاعره الرخيصة ، في دناءته ، يصور لك المجتمع في تفككه ، يقول لك : هذه قصة واقعية ، تماماً كمن ينقب في القمامة ، ماذا سيجد ؟ كل شيء يدعو إلى الاشمئزاز .لكن إذا رويت للناس قصص الصلحاء ، الصالحين ، الأبطال القادة ، الفاتحين ، المؤمنين ، الصادقين ، الصّدّقين ، هؤلاء يرفعون في نفسك معنويات عالية .
﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ﴾
أنت كأب إذا أردت أن توجه أبناءك التوجيه الصحيح ، احرص على أن تسمعهم قصةً واقعيةً ترتبط فيها النتيجة بالمقدمة ، أن هذا الإنسان فعل كذا وهذه هي النتيجة ، اغتصب أموال الناس بالباطل دمر الله أمواله ، استقام على أمر الله أكرمه الله ، كلما ربط المقدمة بالنتيجة ربطاً منطقياً ، وكان هناك عدالة ورحمة ، تكون هذه القصة أسعد في نفس المستمع ، لذلك كأب، وكمرب ، وكمعلم ، وكداعية ، يجب أن تستخدم الأسلوب التربوي الذي استخدمه القرآن الكريم مع النبي ، أراد الله سبحانه وتعالى أن يثبت قلب النبي ماذا قال له ؟﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ﴾
فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يثبت فؤاده بقصص الأنبياء ، والصالحين ، فنحن من باب أولى أننا إذا قرأنا قصة النبي عليه الصلاة والسلام تزكو نفوسنا ، وتشرئب أعناقنا إلى هذا المقام الرفيع .ضرورة معرفة الرسول لأنه قدوة لنا :
لذلك أيها الأخوة ؛ تعد هذه الآية أحد الأدلة الكافية على أن تحتفل بعيد مولد النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ﴾
أي ماذا فعلت إذا جمعت الناس في بيتك وأسمعتهم شيئاً من شمائل النبي وأخلاقه وسيرته ومواقفه ثم أطعمتهم الطعام ؟ هذا الاحتفال عند هذا الحد لا شيء عليه أبداً ، بل هو محض طاعة الله عز وجل ، محض الائتمار بأمر الله ، محض الانسجام مع توجيهات الله عز وجل ، ماذا قال عز وجل :﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)﴾
حض على أن نعرف رسولنا لأنه قدوة لنا .الأسلوب التربوي أنجع أسلوب في تعليم الأبناء والدعوة إلى الله :
شيء آخر :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) ﴾
اسمعوا الآية :﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) ﴾
أن تفعلوا هذا الشيء .﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) ﴾
أي أنت مفروض عليك كمسلم أن تتفحص هذا الدين ، تقرأ القرآن ، تقرأ السنة ، تدلي برأيك بهذا الدين ، إما أنه حق تتبناه ، أو فيه أخطاء ترفضه ، أما ليس لك علاقة لا سلباً ولا إيجاباً فهذا موقف فيه غباء .إنسان جاءته رسالة أيها الأخوة بربكم ماذا تحكمون عليه لو أنه مزقها قبل أن يقرأها؟ اقرأها وبعد ذلك مزقها ، فالإنسان له حق أن يرفض شيئاً قبل أن يطلع عليه ؟
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) ﴾
إذاً ممكن أن يكون الأسلوب التربوي أنجع أسلوب في تعليم الأبناء ، وفي تعليم الكبار ، وفي الدعوة إلى الله ، وفي إرشاد الناس ، وفي تربية الطلاب ، يقوم به المعلم ، والأب ، والمربي ، والداعية ، والخطيب ، وأي إنسان آخر .القصة شيء ثمين ، ببساطة لأنها حقيقة مع البرهان عليها ، لو حدثتنا بالمثل المجردة ، ماذا يقال لك ؟ أخي هذه كلها مثاليات ، أما إذا جئت بقصة فيها بطولة ، هي مثالية لكنها واقعة ، هذا ما يسمى بالمثالية الواقعية ، هذه الآية الأولى .
الأمر كله بيد الله عز وجل :
الآية الأخيرة :
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
وهذه الآية من أدق الآيات في كتاب الله .﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123(﴾
أي ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن أمرك كله بيده ، لو أن أمرك بيد غير الله عز وجل كيف يأمرك أن تعبده ؟ معك الحجة ، يا رب أنا أريد أن أعبد فلاناً لأنه مصيري بيده ، حياتي بيده ، رزقي بيده ، إذا غضب عليّ يقطع رزقي ، إذا غضب عليّ يقتلني ، كيف أعبدك يا رب وحدك ؟ لكن الله طمأنك .﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
ولو قال لك : إليه يرجع الأمر أي كل الأمر ، لكن كل توكيد .﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
المعنى واضح كله ، كل أنواع الأمر ، أمر صحتك ، أمر أعدائك ، أمر أقوى منك ، أمر أضعف منك ، أمر دخلك ، رزقك ، أمر من حولك ، من فوقك ، من دونك .﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
ولو أن الله ملكك إلى أحد خلقه لا يستحق أن يعبد ، ولو أن الله ملكك إلى أحد خلقه ، قال لك :﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
لذلك الإنسان لا يرتاح حتى يوحد ، إذا وحد علاقته مع جهة واحدة ، اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها ، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها .﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾
ضع هذه الحقيقة بذهنك ، ربنا عز وجل عندما يجعل أمرك بيد غير ذاته ، كيف يقول لك : اعبدني يا عبدي ؟ الله قال لك :﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
إذاً نحن نعبده لأننا بيده ، ولأننا بقبضته ، ولأن أمرنا كله بيده ، ولأن مصيرنا إليه ، ولأننا راجعون إليه ، ولأن حياتنا بيده ، وأعضاءنا بيده ، وحواسنا بيده ، وعقلنا بيده ، وزوجتنا بيده ، وأولادنا بيده، ورزقنا بيده ، ونجاحنا في الدنيا بيده ، وإخفاقنا بيده ، هو المعز وهو المذل ، وهو الرافع وهو الخافض ، وهو القابض وهو الباسط ، وهو بكل شيء عليم .﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
كلما واجهت مشكلة في قضية شخص أقوى منك يهددك ، طريق مسدود ، تذكر هذه الآية :﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله .﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ﴾