- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (011) سورة هود
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
باب التوبة مفتوح على مصراعيه لكل إنسان :
أيها الأخوة الكرام ؛ الآية الرابعة عشرة بعد المئة من سورة هود وهي قوله تعالى :
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) ﴾
النقطة الأول في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة على مصراعيه لعباده المؤمنين ، لو تصورنا أن باب التوبة مغلق ، والإنسان ارتكب ذنباً ، ويئس من توبة الله عليه ، ورحمة الله ، ما الذي يحصل ؟ يفجر ، يعربد ، مادام لا يوجد توبة ، ولا قبول لتوبة ، ولن يسمح عنه ، ينحرف أشد الانحراف .لكن ربنا عز وجل برحمته لعباده فتح باب التوبة على مصراعيه ، فكل إنسان وقع بذنب يتوب إلى الله ، وفي الحديث الصحيح :
(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))
. لكن أحياناً الإنسان إذا فعل الذنب ، وتاب منه ، رأى رحمة الله قريبةً منه ، وشعر أن هذا الذنب محي ، وعفي عنه ، وكأنه لم يفعله ، لكن لو وقع بالذنب مرة ثانية ، الآن يتضعضع ، يشعر كالمستهزئ بربه .الإنسان إذا شعر أن هناك قوةً نشأت بينه وبين الله ، وأن هناك ثلمةً لحقت إيمانه ، وأن هناك حجاباً كفيفاً حال بينه وبين ربه ، ماذا يفعل ؟
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) ﴾
فكل إنسان يجب أن يتعامل مع ربه تعاملاً صادقاً ، لو أنه زلت قدمه ، أو ارتكب خطيئة عن غير قصد ، وشعر بحجاب ، عنده حل واحد هي الحسنات ، سآتيكم ببعض الأحاديث . ورد في الحديث الصحيح :(( صدقة السر تطفئ غضب الرب ))
(( الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير ))
(( باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ))
فالإنسان إذا شعر أنه صار هناك حجاب وتاب سابقاً من هذا الذنب ، ثم عاد الكرة مرة ثانية ، فلئلا يقع في اليأس ، واليأس كفر ، لا ييئس إلا الكافر ، ولا يقنط إلا الكافر ، لئلا يقع في اليأس ، ولئلا يقع في القنوط ، عليه أن يفعل الأعمال الصالحة ، وفي مقدمة الأعمال الصالحة إنفاق المال ، والذي لا يملك إنفاق المال ، أي عمل صالح آخر كالصوم ، الصوم تكفير لما وقع منه من ذنوب ، إنفاق المال ، خدمة الخلق ، خدمة مسجد ، خدمة الأهل ، على كل العمل الصالح معروف بالفطرة ، ربنا عز وجل قال :﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾
أخطر شيء تراكم المعاصي والإصرار عليها :
بالمناسبة أخواننا الكرام ؛ هذه النفس هي حركية شديدة ، معنى الحركية : أنك إذا فعلت سيئةً ، ولم تتب منها ، دفعتك هذه السيئة إلى سيئةٍ أكبر ، وإن فعلت الأكبر ، ولم تتب منها ، دفعتك إلى أكبر ، وهكذا ينتقل الإنسان من سيئة إلى أكبر ، إلى أن يقع في الفاحشة الكبيرة ، إلى أن يقع فيما يوجب الحد ، فالنفس طابعها حركي ، أو ديناميكي ، إن فعلت حسنة قادتك إلى حسنة أكبر منها ، وأن فعلت سيئة قادتك إلى سيئة أكبر منها ، لا يوجد حالة سكونية بالنفس ، إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر .
إذاً من خطورة حركية النفس إذا أنت أهملت نفسك ، عملت بعض السيئات ، ولم تبادر بالتوبة ، بادرت إلى التوبة لقيت هناك حجاباً ، هذا الذنب عملته مرة ثانية ، إذاً تحتاج الآن إلى عمل صالح ، تحتاج إلى ترميم ، إلى إنفاق ، فإذا الإنسان أهمل نفسه ، لا تاب من الذنب ، ولا رمم الثلمة التي في نفسه ، بشكل أكيد ينتقل من معصية إلى أكبر ، من معصية إلى أكبر ، إلى أن يقع في الحجاب السميك الذي لا يخرق ، هذا هو الران .
﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) ﴾
أخطر شيء تتراكم المعاصي ، ويتراكم الإصرار عليها ، إلى أن تصبح هذه المعاصي حجاباً كثيفاً بينك وبين الله .الإكثار من الأعمال الصالحة عند إعادة الذنوب :
لذلك سيدنا عمر قال : "تعاهد قلبك" ، الإنسان شعر بفتور يعمل عملاً صالحاً .
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾
يوجد عمل صالح ، إنفاق مال ، صيام ، يوجد عبادة استثنائية ، صلاة ليل ، تهجد ، خدمة الخلق ، خدمة المسجد ، ممكن أن تبحث عن عمل يرمم هذه الثلمة ، ممكن أن تتوب أولاً، إذا الذنب عملته مرة واحدة ، يا ربي لن أعود إليه ، الله قبل منك التوبة ، أما إذا عملته مرة ثانية تشعر أن حجاباً صار بينك وبين ربك ، لو قلت : يا ربي تبت ، غير مقبول ، تحتاج إلى ترميم ، إلى حسنة كي تذهب السيئة ، وإذا الإنسان أهمل نفسه ، نفسه طابعها حركي ، ديناميكي ، أي كل حسنة تقود إلى أكبر ، وكل سيئة تقود إلى أكبر ، فإذا تفاقمت الذنوب ، واشتد الحجاب ، أصبح لا يعي على خير ، صار ميتاً ، الله عز وجل قال :﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
ميت انتهى ، هذا لا يصحو إلا عند الموت ، هذه الحالة خطيرة جداً . فالإنسان يتعاهد قلبه .يقول لك أحدهم : أنا أخطأت لن آتي إلى المسجد ، فإذا الإنسان وقع بغلطة لا يبتعد عن مجالس العلم ، يتفاقم الغلط ، الإنسان عندما يقع بغلط يرتاد المساجد أكثر ، الله يستقبله ، إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر .
إذا قال لك : عندما تصلح نفسي آتي إلى الدروس ، هذا غلط كبير كمن يقول لك تماماً : أنا حينما أشفى تماماً آتي المستشفى ، عندئذٍ لا حاجة لك بها ، المستشفى الآن أنت بحاجة لها .
فحينما تقع في مشكلة ، أو تقع في حجاب ، اقصد بيت الله ، الله عز وجل يقبلك في بيته ، هو المضيف وأنت الزائر ، ومن تمام الزيارة ، من لوازم الزيارة إكرام الزائر ، وحق على المزور أن يكرم الزائر ، لذلك الآية اليوم :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾
أي هذه ممحاة ، إذا أنت كنت تكتب بالرصاص ، ومعك ممحاة القضية سهلة ، فالحسنة هي الممحاة .﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾
.الله تعالى يسترضى بالصدقة والصيام وخدمة الخلق :
بقي :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾
الحقيقة الصلاة ، صلاة الفجر ، النبي الكريم قال :((من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله ))
أنت آخذ أماناً من الله عز وجل ، طوال هذا اليوم يكفيك الله ما فيه من شر ، من مطبات ، من ورطات ، من مصائب ، من افتراءات ، من ابتلاء ، من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله ، لا تعجز عن ركعتين قبل الفجر أكفك النهار كله .حدثني أخ أنا والله أكبرته كثيراً ، قال لي : أنا أستيقظ قبل الفجر ، وأصلي الليل ، وأصلي الفجر ، ولي أذكاري ، وأورادي ، ولا أجرؤ أن أخرج من البيت إن لم أفعل هذا ، إن فعلت هذا وخرجت من البيت أشعر بثقة كبيرة جداً أن الله يحفظني ، وأن الله يوفقني ، وأن الله معي ، وأن الله يؤيدني ، وأن الله ينصرني ، وأن الله يرزقني ، والله أنا أعجبت بهذا الإنسان ، قال لي : استيقظت مرة بعد الشمس لم أذهب إلى الدائرة خفت ، خفت أن أقع بورطات كبيرة جداً ، هو محصن .
من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله ، ولو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً - زحفاً - .
وكلما قال لي إنسان : أنا أعاني من مشكلة ، أقول له الحل كما يلي : حديث صحيح .
يقول عليه الصلاة والسلام : إذا كان ثلث الليل الأخير ، شخص يعاني من مرض لا سمح الله ، له عدو كبير ، قوي ، يتربص به يريد أن يسحقه سحقاً ، له مشكلة لا تحل ، لم يجد بيتاً ، لم يجد زوجة مناسبة ، بلا عمل ، عنده مشكلة ، مشكلة مؤلمة جداً ، النبي الكريم قال:
((إذا كان ثلث الليل الأخير - هذا وقت السحر - نزل ربكم إلى السماء الدنيا ، فيقول : هل من تائبٍ فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟ هل من طالب حاجةٍ فأقضيها له ؟ حتى ينفجر الفجر ))
أنا والله الذي لا إله إلا هو كلما قال لي أخ : أنا أعاني من مشكلة كبيرة جداً ماذا أفعل ؟ أقول له : صلِّ قيام الليل واسجد واسأل ربك عز وجل أن يزيح عنك هذه المشكلة ، هذه ثقة بالله كبيرة جداً .أخ من أخواننا الكرام ابنه معه مرض ، يبدو أنه عضال ، تفاقم المرض عنده لم يعد يستطيع أن ينام إطلاقاً ، طوال الليل يبكي ، قال لي : والله ذبحت خروفاً ووزعته ، أقسم بالله قال لي : بعد يومين صار ينام ، لكنه عانى ثمانية أشهر ، ثمانية أشهر ما نام بالليل ، كل الليل بكاء، لم يترك طبيباً حتى يئس ، توجه إلى الله بالدعاء ، وبذل هذه الصدقة ، وزعها على فقراء محتاجين ، فشعر أن المرض بدأ يتراجع .
الله يسترضى أخواننا ، اللئيم لا يسترضى ، الله يسترضى بالصدقة ، بالصيام ، بخدمة الخلق .
تلخيص لما سبق :
القصد من هذا الدرس تراقب نفسك ، لا تهمل قلبك ، فتعاهد قلبك ، قمت للصلاة شعرت أن هناك حجاباً معنى هذا يوجد مشكلة ، معصية قائم عليها ، شعرت أن هذا الذنب وقعت فيه مرة ثانية ، إذاً تحتاج إلى صدقة ، نظرت نظرة ثانية ، الأولى لك ، والثانية عليك ، عملت الثانية ، هذه تحتاج إلى مبلغ حتى تبقى مع الله مستقيماً ، لا تهمل نفسك ، نفسك حركية ، معنى حركية أي لا تبقى بحالة واحدة ، إن كنت نازلاً فأنت تنزل باستمرار ، وإن كنت صاعداً فأنت تصعد باستمرار ، هذا مبدأ العطالة مبدأ معروف ، الجسم يحافظ على حركته إذا كان متحركاً ، وعلى سكونه إن كان ساكناً .
إذاً الإنسان إذا عمل أعمالاً صالحة هذه تقوده إلى الاتصال بالله ، الاتصال بالله يقوده إلى عمل صالح أكثر ، تكبر معه الأمور ، وإذا عمل عملاً سيئاً يقوده إلى عمل أسوأ ، والأسوأ حجاب ، والحجاب إلى أسوأ ، والأسوأ حجاب ، تتفاقم الأمور ، فلاحظ نفسك وأنت في حالة الغفلة أو اليأس ، اذهب إلى بيوت الله ، واستمع إلى مجالس العلم ، حتى الله يتجلى على قلبك ، ويفتح لك شيئاً من رحمته ، ويتنزل عليك بسكينته .