وضع داكن
23-11-2024
Logo
فوائد السلوك إلى الله : الفائدة 3 - عن الصبر وعن الشَّهوة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

 أيها الإخوة المؤمنون ، إنّ مِن أدَقِّ الموضوعات التي يهْتَمُّ لها المؤمن هذا الصِّراع المُسْتمرّ بين أن يُلَبِّي حاجَةً ، وبين أن يُطَبِّقَ أمْراً ، ما مِن يومٍ وما من ساعةٍ ، وما من دقيقة إلا وأنت بين شيئين : بين أن تُطيع وبين أن تسْتجيب لِنَزْعة أو رغْبة أو مَيْلٍ أو هوى .
 هناك موضوع حوْل ما إذا كان الصبْر عن الشَّهْوة أسْهل ألف مرَّة من الصبْر على ما توجبه الشَّهْوة ، فَبَعْض الأئمَّة الكرام يُفَصِّل في هذا الموضوع يقول : الشَّهْوة إما أن توجب ألَماً أو عُقوبةً
 ألا يا ربّ شَهْوة ساعة أورَثَتْ حزْناً طويلا
 إنسان سافر إلى بلد آخر ، وعنده في بلده زوْجة وأولاد وهو مُحْترم اجتماعياً ، وله مكانة فَزَلَّتْ قَدَمُه هناك ، فأُصيب بِمَرض ولا يجْرؤ أن يذكر هذا المرَض خوْفاً من أن يسْقط من عيو ن الناس ، يقول مرَّةً : والله عانَيْتُ منه ستَّةَ عَشَر عاماً وأنا أتَألَّم وكُلُّ هذا الغلط والألم وهذا الحزْن وهذا الخوْف من شَهْوة ساعة
 ألا يا ربّ شَهْوة ساعة أورَثَتْ حزْناً طويلا
 فقال : الصبر عن الشَّهْوة أسْهل من الصبْر على ما توجبه الشَّهْوة ، ماذا توجب الشَّهْوة ؟ طبْعاً الشَّهْوة المُحَرَّمة ، قال تعالى :

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة القصص]

 المعنى أنّ المُخالف الذي يتَّبِعُ هواه وَفْق هُدى الله لا شيء عليه ؛ اِشْتهى المرأة فَتَزَوَّج، واشْتهى المال فَعَمِلَ عمَلاً شريفاً ، واشْتهى أن يكون ذا سُمْعةِ طيِّبَة فأطاع الله عز وجل فهُوَ حَقَّقَ كُلَّ هذه الشَّهوات وِفْق منْهج الله تعالى ، فالإسْلام لا حِرْمان فيه ، هناك تنْظيم، وطهارة ونِظام وراحة نفْسِيَّة عَقِبَ كُلِّ شَهْوة يفْعلها الإنسان وَفْق منهج الله ، وأنا أُكَرِّر هذا المَثَل ؛ وهو أنَّ الإنسان قد يُقارب زوْجته ويصلي قيام الليل ، ويبْكي في قِيام الليل لأنَّهُ ما فعلَ شيئاً خِلاف منهج الله ، أما إنْ ملأ عَيْنَيْه مِن مَحاسِن امْرأة أجْنَبِيَّة لا تَحِلُّ له يُحْجَبُ عن الله ، نظْرَةٌ فقط تحْجب وعلاقة كاملة لا تحْجب ! هذه وفق منهج الله ، وتلك على خلاف منهج الله ، فالصبر عن الشَّهْوة أسْهل من الصبر على ما توجِبُه الشَّهْوة .
 هذه الشَّهْوة إما أنْ توجب ألماً وعُقوبَةً ، وإما أن تقْطَعَ لذَّةً أكْمَل منها ، فلو أنَّ إنساناً زَلَّتْ قَدَمُه لَحُرِمَ لَذَّةً مَشْروعة أكْمل منها ، فهاتان امرأتان مثلاً إحداهما امْرأة مُنْحَرِفة ترى امْرأة مُلْتَزِمَة تحْمِلُ ابناً على يَدَيْها وتَرْعاه ولها زَوْج ومُحْتَرَمة اجْتِماعِياً ، ومُعَزَّزة ومُكَرَّمة ، وتأتيها حاجاتها إلى البيت ولا يجرؤ أحدٌ أن يُكَلِّمها كلمة ، لها زوْج مُحْتَرم ، فهذه أشْبَعَت رَغْبتها من الرِّجال ولكن وَفْق طريقٍ مَشْروع ، والثانِيَة تتألَّم وتتلَوَّى حَسْرَةً على ما هي فيه فالشهوة إذاً إما أن تُوجب ألماً وعُقوبَةً ، وإما أن تقْطع لَذَّةً أكْمل منها .
 ذكر لي أحدهم ، وكان مُوَظفاً في التَّعْليم ، فقال : أنا لي جاهِلِيَّة ثمَّ تبْتُ إلى الله عز وجل ثم قال : والله ، ساعَةٌ مع زَوْجة طاهِرَة مُخْلِصَة عفيفة ومُحِبَّة أفْضل من مليون ساعة مع امْرأة مُنْحَرِفة .
 إذاً : إما أنْ تُضَيِّعَ وَقْتاً إضاعَتُهُ حَسْرة وندامة ، وإما أن تثْلِمَ عِرْضاً توْفيرُه أنفع للعَبْد من ثلمه عِرْض الإنسان سُمْعَتُه ، وكلمة عِرْض يفْهمها الناس للنساء فقط ! بل العِرْض للنِّساء والرِّجال، العِرْض موْضِعُ المَدْح والذَمِّ في الإنسان ومن باب الدُّعابة أقول : عِرْض التاجِر دَفْعُه ما عليه فإذا لم يدْفع ما عليه انْتُهِكَ عِرْضُه ، وعِرْضُ المُدَرِّس أن تكون الأسْئِلة سِرِيَّة ، فإذا تَسَرَّبَتْ انْتُهِك عِرْضُه ، عِرْض الإنسان صِدْقُهُ فإذا كَذَب انتُهك عرضه كذلك ، فالعِرْض موضِعُ المَدْح والذَمِّ في الإنسان .
 قال : وإما أن تثْلِمَ عِرْضاً توْفيرُه أنفع للعَبْد من ثلمِه ، وإما أن تذهِب مالاً بقاؤُه خيرٌ له من ذَهابه ، أحْياناً الشَّهْوة المُحَرَّمة تُتْلف الأمْوال والحلال رخيص ، أما الحرام فغالٍ جداً ، إذْ يمْكن للواحد أن يدْفع مئات الآلاف على الحرام ، أما زوْجة طاهِرَة عفيفة ، يدْفعُ المَهْر مَرَّةً واحدة طوال حياته ، هي وما آتاها الله تعالى من جمال وخِدْمتها وخِبْرتها وتُنْجِبُ له الأوْلاد ، إذا أكَلْتَ الطعام مع أهْلك مهما كان غالٍ فَهُوَ رخيص ولكن بِأيِّ مطْعم بِعَشرة أمْثال ما تدْفع في البيت ، فالإنسان إذا فعل شيئاً مُحَرَّما ربَّما أتلَفَ مالاً بقاؤُه خيرٌ له من ذهابه .
 وإما أن تضَعَ قَدْراً وجاهاً قِيامُه خيرٌ من وَضْعِهِ ، أكبر دوْلة وأعظمها في العالم ذهب حاكِمُها إلى المَحْكمة لِيُدْلي بِإفادَتِه حول تَحَرُّشِهِ بِفَتاة كانت تعْمل عنده ! أما الإنسان المُسْتقيم فَيَكون دائِماً مَرْفوع الرأس ، وطالَبَتْه تلك الفتاةُ بِثَلاثة ملايين دولار تعويضاً لها !! معنى هذا أنَّ كُلّ تَحَرُّش بِمَلْيون ، شيءٌ غالٍ !!
 والإنسان يبْقى عزيز النفْس ورافِعَ الرأس ولو كان فقيراً ، ولو كان ضَعيفاً ، فالعِزَّة والكرامة، لا علاقة لها بالمال والقوَّة ، فقد تكون أضْعف إنسان بِهذه الدائِرة إلا أنَّك مُسْتقيم ، واسْتِقامَتُك تَحْمِلُكَ على أن ترْفع رأسَكَ نظيف اللِّسان والشَّخْصِيَّة واليد والخَلْفِيَّة ، هدفك واضِح، ولا شيء عندك تسْتحي به أبداً ، سِرُّكَ كَعَلانِيَّتِك ، وعلانِيَّتُك كَسِرِّك ، خَلْوَتُكَ كَجَلْوَتِك أرْوَع ما في حياة المؤمن أنه لا شيء عندهُ مُسْتحيل ! مرَة َّسمعنا عن إنسان له مكانة وكان له عمل ثانٍ خسيس ووضيع ، فَرَجُلٌ اسْتطاع أن يلْتَقِط له تسْجيلاً في أثْناء خَلْوَتِه الوَضيعة ، ونُشَر هذا التَّسْجيل ! فأصْبَحَ بِالوَحْل فمَن أسَرَّ سريرةً ألْبَسَهُ الله إياها ، هناك سَتْرٌ للإنسان فيما بينه وبين الله وسَتْرٌ فيما بينه وبين الناس ، فإذا خرق الإنسان سَتْرَهُ الذي مع الله خرَقَ الله له سَتْرَهُ مع الناس ، مهما كان الإنسان ذَكِياً ، فهذا إنسان معهُ إزْدِواج شَخْصِيَّة ، له حالة أمام الناس مَرَضِيَّة مَقْبولة ومُحْتَرَمة يُحافِظ عليها ، وله خَلْوات لا تُرْضي الله عز وجل ، فهذه الأخيرة أحْياناً تَتَسَرَّب لِحِكْمة إلهيَّة ، فإذا لم يَسْتحِ من الله تعالى في خَلْوته وأخْفاها عن الناس، خرقَ الله له هذا السِّتْر الذي بينه وبين الناس .
 وإما أن تضَعَ قَدْراً وجاهاً قِيامُه خيرٌ من وَضْعِهِ ، وإما أنْ تسْلب نِعْمَةً بقاؤُها ألَذُّ وأطْيَبُ من قضاء الشَّهْوة ، لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام قال : ألا يا رب شهوة ساعة أورثَت حُزْناً طويلاً " .
 وإما أن تجْلب هَمًّا وغَمًّا وحُزْناً وخَوْفاً لا يُقارب لَذَّةَ الشَّهْوة ، فممكن للإنسان أن يغلط إلا أنّهَ بعد هذا ستكون فضيحة وانْهيار نفْسي ، فأنت يمكن أنْ تظنَّ الأمرً سَهْلاً إلا أنَّهُ في النتيجة صَعْب جداً .
 وإما أن تُطَرِّقَ لِوَضيعٍ طريقاً إليك لم يكن يجدها قبل ذلك ؛ قد تكون إنساناً مُحْترماً وغلطْت وزلت قدمك ، فإذا بإنسان وضيع يأتي لِيُحقِّقَ معك ، ويُخَوِّفُك ويُهَدِّدُك ! فَغَلَطُكَ هذا جعل لإنسان وضيع طريقاً إليك ، ويُهَيْمِن عليك وصارت له سُلْطة ، فالمُسْتقيم لا يسْتطيع أحد أن ينال من كرامته ، أما المُنْحرف يَضْعفُ مَرْكزه .
 إذاً إما أن تجْلب هَمًّا وغَمًّا وحُزْناً وخَوْفاً لا يُقارب لَذَّةَ الشَّهْوة ، وإما أن تُنْسي عِلْماً ذِكْرهُ ألذّ من نيل الشهوة ، قد ينسى المرء بعض العِلْم بالمعْصِيَة ، فالإنسان العاصي سميك الذِّهْن لأن الشَّهْوة حِجاب ، والله عز وجل يُعاقب المُنْحرف بأن يحْجب عنه علمه .
 وإما أن تُشْمِتَ عَدُوًّا وتُحْزنَ ولِياً ؛ فإذا قَصَّر شخص مستقيم واسْتَحَقَّ العِقاب من الله ، فإنّ الكافر يشْمت به أشَدَّ الشماتة ، أما المؤمن فَيَحْزن عليه فعلى الإنسان قبل أن يعْصي الله أن يَعُدّ للملْيون ، فالشيطان يُزَيِّن له المعْصِيَة ويُهَوِّن عليه الأمور ، ثمَّ الأمْر ينْفجر ويتفاقَم .
 وإما أن تقْطع الطريق على نِعْمة مُقْبلة ؛ فقد كان فلان مُوَفَّقاً ثمَّ أصْبح عديم التوفيق ، كان لديْك زوْجة ترْضى بك وهي مُمْتازة فلما سَمِعَتْ عنك هذه القِصَّة رَفَضَتْك ورفْضُها أوجعك.
 وإما أن تُحْدِث عيْباً يُبقى صِفَةً لا تزول ، فإنَّ الأعمال تورث الصِّفات والأخلاق ، فهذه فقْرَةٌ مُوَفَّقَة جداً لِمُؤَلِّف هذا الكتاب ؛ الصبْر عن الشَّهْوة أسْهل ألْف مَرَّة من الصبْر على ما توجبه الشَّهْوة ! فهي إماً أن توجبَ ألماً وعُقوبةً ؛ هذا أوَّل شيء ، وإما أن تقْطع لذَّةً أكْمل منها ثانياً، وإما أن تقْطعَ وقْتاً إضاعَتُهُ حَسْرةٌ وندامة وهو الأمْر الثالث ، وإما أن تثلِمَ عِرْضاً توفيرُهُ أنفع للعبْد من ثلْمِه ، وإما أن تُذْهب مالاً بقاؤُه خيرٌ من ذهابه ، وإما أن تضع قدْراً وجاهاً قِيامهُ خيرٌ من وَضْعِهِ ، وإما أن تسلب نِعْمَةً بقاؤُها خيرٌ وألذُّ من قضاء الشَّهْوة ، وإما أن تُطَرِّقَ لِوَضيعٍ إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما أن تجْلب هما وغماً وحُزْناً وخَوْفاً لا يُقاربُ لَذَّةَ الشَّهْوة ، وإما تنسي علماً ذكْره ألَذُّ من نَيْل الشَّهْوة ، وإما أن تُشْمِتَ عَدُوًّا ، وتُحْزِنَ وَلِياً ، وإما أن تقْطع الطريق على نِعْمَةٍ مُقْبِلَة وإما أن تُحْدِثَ عيْباً يبْقى صِفَةً لا تزول، فإنَّ الأعمال تورث الصِّفات والأخْلاق ، لذلك مُلَخَّصُ هذا الكلام كُلِّه قوله تعالى :

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾

[سورة الأحزاب]

 وبعدُ ، فانْطِلاقاً من حُبِّكَ لِنَفْسِك وحِرْصاً على سَلامتها وعلى سعادتها وسُمعتِها وعلى توفيقها وعلى فلاحها :

أطِعْ أمْرَنا نرْفع لأجْلك حُجْبنا  فإنا منَحْنا بالرِّضى من أحبَّنا
ولُذْ بِحِمانا واحْتَمِ بِجَنابِنــا  لِنَحْميك مما فيه أشْرار خلقنا
وعن ذِكْرنا لا يشْغلَنَّكَ شاغِلٌ  وأخْلِص لنا تلقَ المَسَرَّة والهنا
وسَلِّمْ إلينا الأمْر في كلِّ ما يكن  فما القرب والإبْعاد إلا بِأمْرنا

 أيها الإخوة ، هذا الأمر يقتضي موضوعاً آخر أساسه آيةٌ كريمة وهي قوله تعالى :

 

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْر ٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة البقرة 216]

 والله أيها الإخوة هذه الآية وحْدها تكْفي المؤمن ، إذْ تُلْقي في قلبه طُمأنينةً ورِضىً بما قدَّر الله له ! قال تعالى :

 

فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً

 

[سورة النساء]

 فالآية الأولى في الجهاد وهو كمال القوَّة ، والآية الثانية في النِّكاح وهو كمال الشَّهْوة، فالإنسان يعْتزّ بِقُوَّتِه وشَهْوَته ، والعبد يكْرهُ أن يُواجه العدوّ بِقوته خشيةً على نفْسِه ، وهذا المكْروهُ خيرٌ له في معاشِهِ ومعاده ويُحِبُّ الموادعة والمتاركة ، وهذا المحْبوب شرّ له في معاده ومعاشِه .
 الآن بالتاريخ البشَري ، الأُمَم التي قاوَمت أعْداءَها وضَحَّت وبذَلت الغالي والرخيص والنفْس والنفيس تَمَتَّعَتْ باستقلالها بعِزَّتِها وكرامتها ، ليس بعيداً عنكم هؤلاء الذين في الشمال ، قاوموا ثاني أكبر قُوَّة في العالم وانتَصروا عليها والشيء الآخر أنَّ العبْد قد يكْرهُ المرأة لِوَصْفٍ من أوْصافها ، وله في إمْساكِها خيرٌ كثير إلا أنَّهُ لا يعْرفُه ، ويُحِبُّ المرأة لِوَصْفٍ من أوْصافِها وله في إمْساكها شرٌّ كبير ، فالله تعالى يعْلم وأنت لا تعلم ! والقِصَّة التي تعْرفونها جميعاً أنّ رجلاً في المدينة تَزَوَّج امْرأةً فلما دَخَل بها لم تُعْجِبْهُ إطْلاقاً فتألَّمَ ألَماً شديداً وهام في اليوم الثاني على وجْهه ، وغاب عن المدينة عشرين عاماً ، قالتْ له كلمة حينما رأتْ أنَّهُ أعْرض عنها ولم تُعْجِبْهُ : قد يكون الخير كامناً في الشرّ ، قالوا: هذا الإنسان عاد بعْد عشرين سنة فَدَخَل إلى المسْجد فإذا به يطالعُهُ عالمٌ شابٌ جليل حَوْله أُلوفٌ مٌؤَلَّفة يُلْقي دَرْساً فإذا هو ابنه ! فقال : يا بُنَيّ قُلْ لأُمِّك :إنّ في الباب رجلاً يقول لك : قد يكون الخير كامنا في الشرّ ! قالتْ : يا بنَيّ إنَّهُ أبوك أحْياناً لا تهرب من بعْض صِفات زوْجتك ، وفيها كُلُّ الخيْر ، وأحْياناً تتَّجِه نحْو امْرأة فيها رِقَّة ، في دينها وبالنهاية كُلُّ الشَّرّ فيها ، لذلك من تَزَوَّج امْرأة لِجَمالها أذَلَّهُ الله ، ومن تزَوَّجها لِمالها أفْقَرَهُ الله ، ومن تَزَوَّجَها لِحَسَبِها زادَهُ الله دناءَةً ، فَعَليك بِذات الدِّين تَرِبَتْ يداك !
 أخْطر فِكْرة بالدَّرْس ، قوله رحمه الله : لا ينبغي أن تجعل أيها الإنسان المعيار على ما يَضُرُّكَ وينْفعُك مَيْلُكَ وحُبُّك ، ونَفْرَتُكَ وبُغْضُك ، بل المِعْيار على ذلك ما اخْتارَهُ الله لك ، لذلك أجْمَل ما قيل في هذا المَعْنى قَوْل الإمام الغزالي : ليس في الإمكان أبْدع مما كان ، أنا أقول كلمة دائِماً: إذا كان الإنسان المؤمن عنده مُشْكلة ، وكنت لا أعلم تفْصيلها وإنما أعرف فقط مبْدأ المشْكلة ، أقول له : والله ، لو أنَّ الله سبحانه وتعالى كَشَفَ لك عن حِكْمهِ ماساقهُ إليك مِن مرضٍ أو من خوفٍ أو من فقْرٍ أو من مُشْكلةٍ أُسَرِيَّة أو من مشْكلة في العمل لَذابَتْ نَفْسُكَ كالشَّمْعة حُباً منك له سبحانه وتعالى ! لذلك مُلَخَّصُ علاقتك بالله يوم القِيامة قوله تعالى :

 

﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

[سورة يونس]

 لما انتهى أحد الدروس تَبِعَني أخٌ كريم وقال لديّ قِصَّة أتَمَنَّى أن أضَعَها بين يَدَيْك ، فقلْتُ تَفَضَّلْ ! وذَهَبْت به إلى البيت فقال : أنا مُلْتَزِم عندك بالمسْجد منذ عِدَّة سنوات ، لكِنَّك لا تعْرِفُني ، أنا رجُلٌّ دَرسْتُ بِفرنسا ، وأحمل شهادة عالية جداً بالكمبيوتر وبعيد عن الدِّين بِشَكْل كبير ، فما صلَّيْتُ ولا صُمْتُ إطْلاقاً ! وما من معْصِيَة تخْطر بالبال إلا فعلْتُها عدا القَتْل ، وعِشْتُ حياةً مُتَفَلِّتَة وأنْهَيْتُ الدِّراسة وعُدْتُ إلى الشام ، وعُيِّنْتُ بِمَرْكز جيِّد ، وله زوْجة مُتَفَلِّتَة مثله ، وجعلتُ من بيتي باراً- كلمة فرنسيَّة تعني خمارة - وحتى في أيام العيد أذهب أنا وزوْجتي إلى الفنادق ، وفجْأةً أُصِبْتُ بِمَرض نادر فالصورة أمامي تهْتزّ عشرين سنتمتراً ، وفقَدْتُ التوازن العضلي والحركي ، وعَرَضْتُ مرضي على أكثر من ثلاثين طبيباً بالشام فلا أحد منهم فَهِم نوع المرض ، فَذَهَبْتُ إلى فرنسا ؛ أوَّل ما وَصَلْتُ عَرَفوا أنَّ هذا المرض من أنْدر الأمراض بالعالم ونسبة حدوثه واحد بالثلاثة عشر مليوناً !! هكذا قال له الطبيب وهو من المختصين فيه ، والذي آلمني أنّه قال لي : سفرك إلينا وإقامتك في بلدك وعودتك إلى بلدك على حِساب فرنسا ؛ جعلوه حَقْل تجارب وبعد مُعالجة دامتْ سِتَّة أشْهر قال له الطبيب بالحَرْف الواحد : مرضك لا شِفاء له ، إلا أن تذهب إلى الهند واجْلس مع أصحاب اليوجا !! فعاد إلى الشام ، وكان له قريب يحْضر دُروس الجمعة والأحد فَحَمَلَهُ على أن يحْضر درْساً ، وكنت قد حَضَرْتُ لك درْساً قبل أن أُصاب بالمرض فَكُنْتَ أنت في واد وأنا في وادٍ آخر ! إذْ لا شيء يجْمعني معك ، فأنت تُفَسِّرُ القرآن وأنا أُفَكِّرُ في المعاصي ، هذا قبل المرض أما بعد المرض أصْغى قليلاً . هكذا قال : وأنَّهُ بعد ما سَمِعَ الدرْس وهو مريض دعا الله تعالى فقال : يا رب ، إذا شَفَيْتني أُصَلي ! وكانت هذه أوَّل حركة مني إلى الله ، في الدرْس الثاني قال لي قلتَ أنت : إنَّ الله تعالى لا يُشْترط عليه ولا يُجرب فعاد إلى البيت وصلى أوَّل صلاةٍ بِحَياته! ويقْسِم بالله وهو صادِق أنَّهُ بعد ساعة صَحَّتْ حركته وصَحَّ توافقه الحركي وشفاه الله عز وجل والْتَزَمَ واسْتقام وتاب ، بِرَبِّكم هذا المرض خيرٌ أم شرّ ؟! خيرٌ مطلق لولاه لما عرف الله ولا اسْتجاب له ، قِصَصٌ كثيرة على هذا المنوال إلا أنَّهُ يجب أن تعلم أنَّهُ ما من مصيبة على وجْه الأرْض إلا ولها حكمة بالغة بالغة ، لكن لا تجد من يعرف حِكَم المصائب ، ولكنْ هناك مبْدأ عام : كُلُّ شيء يقع أراده الله ، وكُلّ شيء أراده الله تعالى وقع ، وإرادته مُتَعلِّقَة بِحكمته المطلقة ، وحكمته المطلقة مُتَعَلِّقَة بالخير المُطْلق ، فالله عز وجل وَصَفَ أصْحاب الجنَّة في سورة القلم فقال :

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة القلم]

 أيْ أيُّ عذابٍ يُساق للبشر من هذا القبيل ، لذلك لا ينبغي أن يجْعل الإنسان المِعْيار على ما يَضُرُّه وما ينفعُهُ مَيْلَهُ وحُبَّه ! لا أبداً ، إنما المِعْيار ما اخْتاره الله إليه ، اِخْتار لك دَخْلاً مَحْدوداً فالحمد لله رب العالمين ودَخْلاً غير مَحْدود فالحمد لله ، اخْتار لك مِهْنة صَعْبة فالحمد لله، وأخْرى سَهْلة فالحمد لله ، اخْتار لك بناتٍ فقط الحمد لله أو ذُكوراً فقط فالحمد لله ، واخْتار لك الاثنين فالحمد لله ، وأولاد نُجباء فالحمد لله. فهؤلاء الأنبياء وابتلوا بأبناء غير مُلتزمين ، واخْتار لك زوجة سيِّئة الحمد لله ، واخْتار لك بيْتاً ضيِّقاً الحمد لله ، وليس المعنى ألّا يُغَيِّرَ بيْته، فإذا استطاع التوسيع فليفعل ، أما إذا انتهى سَعْيُه هنا فلا ينتحر ، إنما عليه أن يرْضى بِقَضاء الله تعالى وقَدَرِه ، وهذه نقْطة دقيقة مَسْموحٌ لك بِرَفْع دَخْلك وتحْسين دَخْلك ، وتوسيع بيْتك ، وتحْسين مُستوى معيشتك إلا أنَّهُ لا يُسْمح لك أن تعْتَرِضَ على الله عز وجل حينما تنقطِع أمامك الوسائِل ، إذا غلبك أمْرٌ فقُل : حَسْبِيَ الله ونِعْم الوكيل ، أوْضَح مَثل: طالبٌ لا يدْرس ورَسَبَ فقال : حسبي الله ونعم الوكيل هذه زعبرة ، أما إذا درس دِراسة جيِّدة وأُصيب بِمَرض أيام الإمتحان حال بينه وبين الإمتحان فهنا يقول : حسبي الله ونِعْم والوكيل ، إذا غلبك أمْرٌ وقَهَرك شيءٌ طارئ فقل حسبي الله ونعم الوكيل ، أما من دون ذلك فاعْمَل لِآخرتك وأصْلح دُنْياك .
 شرْحٌ لطيفٌ جداً ، قال : أنْفعُ الأشياء له على الإطْلاق طاعة ربِّه بِظَاهِرِه وباطنه ، من دون تَرَدُّد أوتريُّث أوتوقّف أطع الله ، ومُقابلها أسْعد شُعور وأعلى درجة نفْسِيَّة أن تشْعر أنَّك في طاعة الله تعالى ، فمن صَحَّتْ معْرفته بِرَبِّه وتَمَكَن من التفَقُّه في أسْمائِه وصِفاته عَلِمَ يقيناً أنّ المكْروهات التي تُصيبهُ والمِحَن التي تنْزل به فيها ضُروب مصالحه ومنافعه التي لا يُحْصيها، بل مصْلحة العبْد فيما يكْره أعْظم فيها مما يُحِبّ ، مَثَلاً من أمثلة الدنيا : تجد شخْصاً يتَحَرَّك حركتين فقط فإذا بِدَخْلِه اليومي ثلاثين ألفاً ، فهذا متى أصْبح حاله كذلك : لقد درس الطب ثلاثين سنة وتعِبَ وسَهِر حتى حصل على شهادة الاختصاص العليا وحُقَّ له الآن أن يمارس مهنته ويأخذ الآلاف من الدراهم أما لو أنَّهُ أمْضى سنوات شبابه بالنوم واللَّعِب فإنَّهُ لا يجد نفسه كذلك ، لذا الحياة مُتوازنة بِقَدْر ما تسْعى تنال ، وطَبِّق هذا على الآخرة : بِقَدْر ما تُجاهِد نفْسَكَ وهواك فلك عند الله مكانة عالية ، فعامَّة مصالِحِ النفوس في مكْروهاتها ، كما أنَّ عامَّة مضارِّها وأسْباب هَلَكَتِها في مَحْبوباتها ، والآن أنت في المسْجد جالسٌ على الأرض دون كُرسيّ ولا كأس شاي فقط هناك كلام ، أما بالبيْت تجْلس جلْسة مُريحة وتطلب كأس شاي وتمْزح وتضْحك دون أيَّة قُيود ، ثمَّ يأتي الإنسان إلى المسْجد ويترك البيت كي يطلب العِلْم ، والعِلْم يتراكم ، وتراكمه والعمل به يورث الاسْتِقامة ، والاسْتقامة عَيْن الكرامة ، أحد أكْبر أسباب التوفيق اسْتِقامتك ، وأحد أكْبر أسباب مكانتك ، أحد أكْبر أسباب تألّقك استقامتك ، أحد أكْبر أسباب رضاك بالله استقامتك قال : إنَّ عامَّة مصالِحِ النفوس في مكْروهاتها ، كما أنَّ عامَّة مضارِّها وأسْباب هَلَكَتِها في مَحْبوباتها ، مثَلاً ، لدينا بالبلاغة باب اسمه التَّشْبيه الضِّمْني، وهو أنّ فِكْرة مُجرَّدة غير واضِحَة تُشَبَّه بِمَثل حِسِّي

وإذا أراد الله نشْر فضيلةٍ طُوِيَتْ  أتاح لها لِســـان حســود
لولا اشْتِعال النار فيما جاوَرَتْ  ما كان يُعْرف طيبُ عُرْف العود

 فإذا أراد إنسان أن ينشر فضْله بين الناس ، هَيَّأ الله تعالى له عَدُواً يَذُمُّه فإذا ذَمَّه انبرى الناس إلى مديحه فصارت له سُمْعة طيِّبة ، أين السبب ؟ الحسود ، فقطعة البخور لو لم تُشْعلها لما ظَهَر طيبها !
 محمَّدٌ بشرٌ وليس كالبشر فهو جَوْهرة والناس كالحجر
 فالجَوْهرة أساسها حجر ولكن ليس كالحجر العادي ، رأيْتُ جَوْهرة بإستنبول ثَمَنها مئة وخمسون مليون دولار ، وهي أكبر جَوْهرة بالعالم بِحَجْم البيْضة ، مَوْضوعة بِمَكان وإضاءة شديدة وكأنَّها الشَّمْس ، فالجَوْهر أصله حجر ، وهو فَحْم جاءهُ ضَغْطٌ شديد وحرٌّ شديد فأصبح ألْماساً ، الحُزْن خلاق أما النعيم فلا يخْلق شيئاً في الإنسان ، أحْياناً الخوف يقرِّبُك من الله ، وأحياناً الفقْر يجْعلك تبْكي من أجل أن تنفق شيئاً في سبيل الله قال تعالى :

 

﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾

[سورة التوبة]

 أحياناً يضعُكَ الله في ظَرْفٍ صَعْب يظْهر كمالك فيه ، فالحُزْن خلاق والضَّغْط الشديد يجْعلك ألْماساً كما أنَّ الحرارة تجعلك كذلك ، فالحرارة العالية والضَّغْط الشديد يحولان الحجر إلى ألماس والآن هناك ألْماس صِناعي يُسَمُّونه الزركون يأتون بالفحْم العادي يضغطونه ويجعلونه تحت الحرارة العالية فيُصبح ألْماساً إلا أنَّه عند الاسْتعمال يطفؤ أما الأصلي فلا، فهذا هو التشْبيه الضِّمني

محمَّدٌ بشرٌ وليس كالبشر  فهو جَوْهرة والناس كالحجر
فإن تفُقِ الأنام فأنت منهم  فإنّ المِسْك بعض دَمِ الغزال
من يَهُن يسْهُل الهوان علي ه ما لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيـــلام

 وبعدُ فهناك مَثَل جميلٌ جداً يُوَضِّح هذه الآية ، قوله تعالى :

 

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[ سورة البقرة ]

 انْظر إلى غارس جنَّةٍ من الجنات وهو البسْتان ، خبيرٍ بالفِلاحة ، غَرَسَ أشْجاراً وتعاهَدَها بالسّقْيِ والإصْلاح حتى أثْمَرَتْ أشْجارُها ، فأقْبَلَ عليها يفْصِل أوْصالها ، ويقطع أغْصانها لِعِلْمِه أنَّها لو تركتْ على حالها لم تطب ثِمارها ، والتَّقْليم بتْر بعض أغصانها الضعيفة وهو الذي يجْعل ثِمارَها يانِعَة ، فَيُطَعِّمُها من شَجَرة طيِّبَة الثَّمْرة حتى إذا الْتَحَمَتْ بها واتَّحَدَت وأعْطَتْ ثَمَرَتها ، أقْبل يُقَلِّمُها ويقْطع أغْصانها الضعيفة التي تُذْهبُ قُوَّتها ، ويُذيقها ألَمَ القطْع والحديد لِمَصْلَحَتِها وكمالها لِتَصْلُحَ ثَمَرَتها أن تكون بِحَضْرة المُلوك ، ثمَّ لا يدعُها ودواعي طبعها الشرب كلّ وقْتٍ بل يُعَطِّشُها وقْتاً ، ويسْقيها وَقْتاً ، والإخوة المُزارِعون يعْرِفون هذا الأمْر ، هناك شيء إذا عَطَّشْتهُ يجود ثَمَرُه ، ولا يتْرك لها الماء دائِماً وإن كان ذلك أنْضر لِوَرَقِها ، وأسْرع لنباتها بل يعْمد لِتِلْك الزِّينة التي زُيِّنَت بها من الأوْراق فَيُلْقي عنها كثيراً منها، ويساقط الأوراق حتى لا تسْتهلك الغِذاء وينقلب الغِذاء للثَّمْرة ، لأنّ تلك الزينة تَحول بين ثَمَرِها وبين نُضْجِها واسْتِوائِها كما في شَجَر العِنَب ونحْوِه فَهُوَ يقطع بعض أعضائها بالحديد ، ويُلْقي عنها كثيراً من زينتها ، وذلك عَيْنُ مَصْلحتها ، فلو أنَّها ذات تمْييز كالحيوان لَتَوَهَّمَتْ أنَّ ذلك إفْسادٌ لها ، وإضْرارٌ بها ، وإنَّما هو عين مصْلَحَتِها .
 فالمُصيبة هذه هي مُشْكِلَتُها ؛ أنّ المؤمن يفْهَمُها وغيره لا يفْهَمُها ويشْقى بها أما المؤمن فَيَسْعَدُ بها .
 قال : أحكم الحاكمين ، وأعلم العالمين ، وأرحم الراحمين ، وهو الذي أرْحم بِعِباده منهم من أنفسِهِم ، ومن آبائِهم وأُمَّهاتهم إذا أنْزل بهم ما يكْرهون كان لهم خيراً من ألّا يُنْزِلُه بهم ، نَظَراً منه لهم وإحْساناً إليهم ولُطْفاً بهم ، والدعاء النبوي الشَّهير:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا *

[ رواه أحمد ]

 أيها الإخوة ، مِحْوَرُ هذا الدرْس قوله عليه الصلاة والسلام : والذي نفس محمد بيده - هذه بشارة لنا جميعاً إن شاء الله - لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له وليس ذلك لغيرالمؤمن.

 

عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلمَ عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ *

 

[ رواه مسلم ]

 فالله هو رب العالمين وهو المُرَبِّي وما عليك إلا أن تفْهم ترْبِيَتَهُ لك ، وأنا لي كلمة باللُّغة الدارجة : إذا فهِمْت على الله تكون قد قطعت أربع أخْماس الطريق إليه ، لماذا فعل بك هكذا ؟ ابْحث عن السبب ، فإذا بحثْتَ عنه بطل العجب .

 

حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ قَالَتِ الْحُمَّى لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا فَقَالَ لَا تَسُبِّي الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ *

 

[ رواه مسلم ]

 إذا آمنت بالله واستَقَمْتَ على أمْره كان هذا كُلُّه خير ، وقد تجد أنَّ المَنْع عَينُ العطاء ، ربما منعَكَ فأعْطاك وربَّما أعْطاك فَمَنَعك ، ومِحْوَر الدرْس قوله تعالى

 

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[ سورة البقرة ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور