- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
البشر من خلال القرآن الكريم مؤمنون وكافرون ومنافقون :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والخمسين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الخامسة والسبعين وهي قوله تعالى:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ(75) ﴾
أيها الإخوة، لا زلنا في سياق الآيات التي تتحدث عن المنافقين، وشيء لا يغيب عنكم أن البشر من خلال القرآن الكريم مؤمنون، وكافرون، ومنافقون، المؤمن هو الذي عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلِمَ وسعِدَ في الدنيا والآخرة، بينما الكافر هو الذي غفل عن الله، بل أنكر وجوده أحياناً، وتفلت من منهجه فعلاً، ثم أساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، هذا هو أصل التقسيم، إنسان عرف الله، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، وإنسان غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، هذا أصل التقسيم.
ولكن فئة من الناس أرادت أن تجمع بين التفلت وبين مكاسب المؤمنين، فأظهرت الإيمان، وأخفت الكفر والنفاق، هذا الذي أظهر الإيمان وأخفى الكفر هو منافق، له ظاهر وله باطن، له موقف معلن وله موقف حقيقي، له سر يناقض علانيته وله باطن يناقض ظاهره، فهذا الإنسان ازدواجي، له شخصيتان، موقفان، منطلقان، هذا الإنسان سماه الله منافقاً.
المنافق في الدرك الأسفل من النار لأنه جمع بين التفلت وبين مكاسب المؤمن :
أيضاً لا يغيب عنكم أن الله -عز وجل- يقول:
﴿
ذلك أن الكافر واضح، فأنت أخذت منه احتياطاً، أعلن لك كفره، لن تصغي إليه، لن تأخذ بإرشاداته، لن تلتقي معه، أما المنافق أظهر الإيمان، وأنت بشر، لا تعلم الحقائق الباطنة فصدقته، فإذا به يغدر بك. إذاً: الله -عز وجل- حينما قال:
﴿
المؤمن إذا عاهد الله فهو عند هذا العهد :
فبطولتك أنك إذا عاهدت الله -عز وجل- أن تكون عند هذا العهد، فالمؤمن إذا عاهد الله هو عند هذا العهد، لذلك قال تعالى:
﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى(37) ﴾
أدى ما عليه، فحينما تشعر أنك عاهدت الله، وأنت عند عهدك، هذه مرتبة عالية في الإيمان، وكان إبراهيم -عليه السلام- قدوة في هذا الموضوع،
﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ
شيء رائع جداً، خضوع لمنهج الله مئة بالمئة.
لذلك هؤلاء المنافقون الحديث عنهم في هذه السورة:
الحقيقة الآية الكريمة:
أنواع النصر :
بالمناسبة كما يقال دائماً: الشيء بالشيء يُذكر، أن الله -عز وجل- حينما تحدث عن النصر قال: هناك نصر استحقاقي، وهناك نصر تفضُّلي، وهناك نصر كوني، أما الاستحقاقي: هؤلاء الصحابة الكرام في بدر حينما أخلصوا لله -عز وجل-، واصطلحوا مع الله، وواجهوا جيشاً كبيراً مُسلَّحاً مع صناديد قريش، وهم يريدون أن يلغوا الإسلام أصلاً، الله -عز وجل- نصرهم قال تعالى:
﴿
قال العلماء: هذا هو النصر الاستحقاقي، لكن الله تعالى قال:
﴿
هذا النصر الثاني ليس استحقاقياً ولكنه نصر تفضُّلي، وأحياناً الطرفان المتقاتلان بعيدان عن الدين بُعدَ الأرض عن السماء، من الذي ينتصر؟ الأقوى، الذي يملك سلاحاً متطوراً أكثر، مداه المجدي أكبر، فهناك نصر كوني لا علاقة للإيمان والكفر بهذا النصر، قضية أسلحة، قضية إعداد، قضية خطط، قضية إستراتيجية دقيقة، قضية تخطيط محكم، فهناك نصر كوني، وهذا يكون بين الطرفين البعيدين عن الله -عز وجل-، أما أحياناً فالله -عز وجل- ينصر المؤمنين لا نصراً استحقاقياً لكنه نصر تفضلي لحكمة بالغة، وهناك نصر بالأساس استحقاقي.
من اصطلح مع الله عز وجل تولى الله حياته بالتوفيق والسداد :
لذلك أيضاً يوجد رزق عن طريق الأسباب، لكن أحياناً الإنسان بطريقة أو بأخرى يأتيه رزق وفير عن طريق التفضُّل.
فلذلك:
فالإنسان علاقته بالله سبب سعادته وشقائه، هناك مصطلح معاصر يُقال: هذا شيء مصيري، يوجد أشياء كثيرة جداً ليست مصيرية، لكن هناك أشياء في الحياة مصيرية.
وأوضح مثل الطالب عندما ينجح من الصف السابع إلى الثامن، من الثامن إلى التاسع، من التاسع إلى العاشر، أما إذا وصل إلى الشهادة الثانوية فعلامات نجاحه تحدّد مصيره في الحياة إما طبيب، أو مهندس، أو، أو، بحسب الأنظمة في بعض البلاد، حينما ينال علامات عالية جداً يدخل كلية الطب، إذاً النجاح في هذه السنة نجاح مصيري، يحدد مصير الطالب، هذا للتقريب.
وبحياة الإنسان أشياء مصيرية، فإذا استقام على أمر الله حفظه الله -عز وجل-:
(( احفظ الله يَحْفَظْك ))
إذا اصطلح مع الله -عز وجل- تولى الله حياته بالتوفيق، والسداد.
سعادة الإنسان وسلامته ومستقبله منوط بطاعة الله عز وجل :
هذا ينقلنا إلى قضية دقيقة جداً سماها بعض المفسرين معية الله، الله -عز وجل- قال:
﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ
قال العلماء: معكم بعلمه، أية حركة، أو سكنة، أو تقدم، أو تأخر، هو بعلم الله -عز وجل-، هو معكم بعلمه، لكن إذا قرأت القرآن فإذا بالقرآن آية:
﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ
﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ
مع الصادقين، هذه المعية ليست معية عامة، لكنها معية خاصة، قال العلماء: معكم بالتوفيق، معكم بالنصر، معكم بالتأييد، معكم بالحفظ، والمقولة التي أرددها كثيراً: إذ كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ وأقول مرة ثانية: يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
فلذلك سعادتك، وسلامتك، ومستقبلك منوط بطاعتك لله، من هنا جاء قوله تعالى:
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ
مقاييس الفوز عند الله عز وجل :
الحقيقة: هناك مقاييس للفوز، مقاييس أرضية، وهناك مقاييس سماوية، الأرضية أن تكون غنياً، الأرضية أن تكون صحيحاً، أن تكون وسيماً أحياناً، أن تكون قوياً، هذه مقاييس الفوز الأرضية، لكنك إذا بحثت عن مقاييس الفوز السماوية أن تكون عند الله فائزاً، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
يبدو من خلال هذه الآية أنك إذا عرفت الله عرفت كل شيء، أنك إذا اتقيت الله وصلت إلى كل شيء، أنك إذا أحببت الله أحبك كل شيء، العلاقة مع الله علاقة أساسية في حياة الإنسان، لذلك الله -عز وجل- خالق السموات والأرض، يحيي ويميت، بيده مقاليد الأمور، فإذا كنت معه كان الله معك، لذلك قال بعض العارفين:
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـا فـــإنا منحنا بالرضا من أحبنا
ولـــذ بحمانا واحتمِ بجنابنا لــنحميك مما فيه أشرار خلقنا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل وأخـلص لنا تلقى المسرة والهنا
وسلم إلينــا الأمر فيما يكن فــما القرب والإبعاد إلا بأمرنا
* * *
الناجح و الفالح :
لذلك أيها الإخوة، أنت إذا عاهدت الله وكنت عند عهدك فأنت ناجح نجاحاً حقيقياً، بل إنك فالح، والفرق دقيق جداً بين الناجح والفالح، الناجح هو الذي حقق نجاحاً محدوداً في الدنيا، نجح في جمع المال، نجح في اعتلاء منصب رفيع، نجح في تربية أولاده، لكن الفالح هو الذي حقق سر وجوده، وغاية وجوده، نجح في معرفة ربه، لذلك آيات كثيرة:
﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ
نجح في الدنيا والآخرة معاً، والنجاح مُحبَّب، والإنسان حينما ينجح يسعد بنجاحه أيّما سعادة، حتى لو نجح في دراسته، أو في نيل شهادة عليا، أو في تجارته، النجاح مُحبَّب، فكيف إذا كان نجاحاً في معرفة الله؟ فكيف إذا كان نجاحاً في دخول الجنة؟ فذلك:
أعظم عطاء على الإطلاق معرفة الله عز وجل :
إذا قال الله -عز وجل- ودققوا في هذه الآية:
﴿
مال من دون بنين شيء مؤلم جداً، بنون كُثُر من دون مال شيء مؤلم جداً
ملك سأل وزيره قال له: قل لي كلمة إن كنت سعيداً أحزن، وإن كنت حزيناً أفرح، قال له: كل حال يزول، لا يوجد شيء يدوم.
النفس لا تموت لكنها تذوق الموت :
لذلك المؤمن إذا جاء إلى الدنيا، وعرف الله في هذه الدنيا، واستقام على أمره، وأحسن إلى خلقه، هذه الدنيا تقوده إلى الآخرة، الآن أحياناً نستخدم الخط البياني، طريقة حديثة في التعبير عن التطورات أحياناً، فإذا كان خط المؤمن البياني صاعداً هذا الصعود مستمر، ويبقى مستمراً حتى ما بعد الموت، والموت نقطة على هذا الخط الصاعد، لكن الإنسان الذي ما عرف الله، واشتغل بدنياه، وانغمس بشهواته المحرمة، قد يكون خط بيانه صاعداً صعوداً عجيباً، لكن هناك نقطة من هذا الصعود سوف يهوي إلى أسفل سافلين، فالبطولة أن يكون الخط البياني صاعداً صعوداً مستمراً.
لذلك أيها الإخوة، الآية الكريمة تذكرنا بهذا المعنى قال:
﴿
النفس لا تموت لكنها تذوق الموت، معنى الموت أن ينفصل الجسد عن النفس، وأن تتوقف الروح، الإنسان ذاته نفسه، النفس هي التي تؤمن.
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27)﴾
أو:
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2)﴾
فنفس الإنسان ذاته، ذاته نفسه، تؤمن أو تكفر، ترقى أو تسقط، تسعد أو تشقى، هذه النفس، هذه النفس ضمن جسد، هذه النفس ترى من خلال العينين، تسمع من خلال الأذنين، تتحرك من خلال الأرجل، تبطش عن طريق اليد، فهذه النفس هي الآمرة، هي الناهية، هي السعيدة، هي الشقية، هي المحاسَبة، هي المُكلَّفة، هي المؤمنة، هي الكافرة، هذه هي النفس، هناك وعاء للنفس هو الجسد، عند الموت ينفصل الجسد عن النفس، أما القوة التي تحرك هذا الجسد فأنت بالروح ترى، بالروح تسمع، بالروح تمشي، ما دام الروح بالجسد فهناك حركة، وسمع، و بصر، وإدراك، ومحاكمة، وتكلم، ونطق.
من يتحرك بلا منهج ولا مبدأ فحركته خاسرة :
الموت انفصال النفس عن الجسد، وانقطاع الإمداد الإلهي عن طريق الروح، لذلك:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ
هذا الذي يتحرك بلا منهج، بلا مبدأ، بلا قيم، بلا هدف، حركة عشوائية أساسها مصلحته، أساسها شهواته، أساسها ولاءاته، هذه الحركة العشوائية حركة خطيرة جداً.
نموذج الإنسان قبل أن يعرف الله في القرآن الكريم :
لذلك أيها الإخوة، الشيء الدقيق أن القرآن الكريم قدم نماذج بشرية، مثلاً قال:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) ﴾
الإنسان قبل أن يعرف الله هلوع، شديد الخوف، شديد الجزع، شديد الحرص.
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(20) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(21)﴾
القرآن قدم لك نموذج الإنسان قبل أن يعرف الله:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) ﴾
لأن مضي الزمن يستهلكه، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، فالقرآن قدم لك نماذج بشرية، مثلاً:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى(6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى(7) ﴾
الهدف من تقديم نماذج عن الإنسان المؤمن و الكافر و المنافق في القرآن الكريم :
قال بعض العلماء: كلمة الإنسان إذا جاءت معرفة بال تعني الإنسان قبل أن يعرف الله، فالله -عز وجل- قدم لك نماذج الإنسان المؤمن.
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
قدم لك نماذج إنسان مؤمن، إنسان كافر، إنسان منافق، وهذا حديثنا عن المنافقين، قال العلماء: هذه النماذج التي وردت في كتاب الله عن أهل الإيمان، وعن أهل الكفر والعصيان، وعن أهل النفاق والبهتان، هذه النماذج ما هدفها؟ الحقيقة هدفها خطير جداً، أنت إذا قرأت القرآن ورأيت صفات المؤمنين تنطبق عليك، فهذه نعمة لا تعدلها نعمة، تطمئن إلى عطاء الله، تطمئن إلى عدل الله، تطمئن إلى رحمة الله، إذا قرأت آيات المؤمنين ورأيتها تنطبق عليك:
﴿
أي آمن بالآخرة، ولم يرَ الآخرة، آمن بالله عن طريق مخلوقاته،
الأخلاق التي يتحلى بها المؤمن إنما اشتقها من خلال اتصاله بالله تعالى :
(( لا خير في دين لا صلاة فيه. ))
انعقدت صلته بالله -عز وجل-، اشتق من الله -عز وجل- من خلال هذه الصلاة مكارم الأخلاق، صار رحيماً لأنه اتصل بالرحيم، صار عدلاً لأنه اتصل بالعدل، صار لطيفاً لأنه اتصل باللطيف، كل مكارم الأخلاق التي يتحلى بها المؤمن إنما اشتقها من خلال اتصاله بالله، والدليل:
﴿
أي بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً معهم:
الله سبحانه وتعالى قدم لنا في كتابه الكريم نماذج عن الأمم الطاغية أيضاً :
الآن فضلاً عن أن الله -سبحانه وتعالى- قدّم لنا في كتابه الكريم نماذج بشرية، قدم لنا أيضاً نماذج عن الأمة الطاغية، فقال تعالى عن قوم عاد:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ(8)﴾
معنى:
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(128) ﴾
تفوق عمراني.
﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129) ﴾
تفوق صناعي.
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) ﴾
تفوق عسكري، وهناك تفوق علمي:
﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
تفوق عمراني، تفوق صناعي، تفوق عسكري، تفوق علمي.
عاد مثال للأمة الطاغية الباغية التي تسخر طاقتها لاستغلال ما عند الآخرين :
ماذا فعلت عاد؟ قال:
﴿ ٱلَّذِينَ
ما قال طغوا في بلدهم، قال:
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14) ﴾
مع هذا التفوق العمراني، والصناعي، والعسكري، والعلمي، غطرسة:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
باب التوبة مفتوح على مصارعه ما دام القلب ينبض :
الآن الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً جداً أن هذه الخصائص التي ترد في القرآن عن المؤمنين مقياس لك أيها المؤمن، هل تنطبق عليك؟ إن لم تنطبق عليك، أو إن لم ينطبق بعضها عليك، فالباب مفتوح، والإصلاح سهل، ما دام القلب ينبض كل شيء يُحَل، باب التوبة مفتوح على مصراعيه، لذلك لما أدرك فرعون الغرق قال:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ
فجاء الرد الإلهي:
﴿
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
الحقيقة هناك نقطة دقيقة جداً: أنت مخير بملايين الموضوعات، لكن اختيار قبول أو رفض، أردت الزواج عُرضوا عليك فتاة دينها ليس كما ينبغي، رفضتها، عرضوا عليك بيتاً صغيراً وسعره غالٍ، رفضته، لك أن ترفض آلاف الأشياء هذا خيار قَبول أو رفض، إلا أنك مع الإيمان لا تملك خيار قبول أو رفض، تملك خيار وقت فقط، خيار وقت إما أن تؤمن في الوقت المناسب، أو أن تؤمن بعد فوات الأوان، فلذلك الآية الكريمة:
الآية التالية لا تعني واحداً إنما تعني عدداً كبيراً ممن عاهدوا الله وأخلفوا عهدهم معه:
﴿
أحجموا عن الإنفاق، طبعاً جاءت العبارة بصيغة الجمع، هذه الآية لا تعني واحداً كثعلبة تعني عدداً كبيراً ممن عاهدوا الله، وأخلفوا عهدهم معه،
﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(77)﴾
وإذا رجعتم إلى كتب السيرة ترون أن هذه الآية تنطبق على ثعلبة وعلى أشخاص كثر، هؤلاء جميعاً- عكرمة أيضاً- هناك أشخاص ورد ذكرهم في السيرة النبوية عاهدوا الله، ثم أخلفوا ما وعدوه، وكيف نستنبط هذا؟ من قوله تعالى:
إذاً هؤلاء:
بطولة الإنسان أن يحتل مكانة رفيعة عند الله عز وجل :
مرة ثانية: لأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، قد تكون فقيراً لكنك عند الله كبير، قد تكون بمنصب متواضع جداً –كاتب- لكنك مؤمن، مستقيم لك مكانة عند الله، قد تكون ذا دخل قليل فالحياة خشنة في بيتك لكنك عند الله كبير، لكن المشكلة أن هؤلاء الذين:
(( اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك وسنة نبيك، وعهداً على طاعتك ))
فالإنسان إذا أدى الحج أو العمرة وقال عند الحجر الأسود: وعهداً على طاعتك، ينبغي ألا ينسى هذا العهد أبداً، وبطولته أن يكون عند عهده، فإذا عاهدته على الطاعة ينبغي أن تكون مطيعاً لكن الله -عز وجل- يقول مع الأسف الشديد:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.