- أحاديث رمضان / ٠14رمضان 1428هـ - القوانين والمقاصد
- /
- 2- رمضان 1428 هـ - مقاصد الشريعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
مقاصد الدين: الصلاة:
1 – الصلاة فرض لا يسقط بحال:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة، وننتقل اليوم إلى الفريضة الأولى الصلاة، إلى الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، الحج يسقط عن الفقير والمريض، والصيام يسقط عن المسافر والمريض، والزكاة تسقط عن الفقير، والنطق بالشهادة مرة واحدة، أما الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، فهو فرض الصلاة.
2 – الصلاة شطرُ الدين:
ويمكن أن تقول: إن الصلاة شطر الدين، أي نصف الدين، استنباطاً من قوله تعالى:
﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ (31) ﴾
الإنسان كائن متحرك، له حركة إلى الله صلاة، وله حركة إلى الخلق إحساناً، فكأن هذه الآية ضغطت الدين كله في كلمتين:
﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)﴾
الفرق بين الطقوس في الأديان الوضعية والعبادات في الإسلام:
لا بد أيها الإخوة من توضيح الفرق الكبير بين الطقوس في الأديان الوضعية والعبادات في الإسلام، الطقوس حركات وسكنات وإيماءات وتمتمات لا معنى لها إطلاقاً، بينما العبادات في الإسلام كما قال الإمام الشافعي فهي معللة بمصالح الخلق، والله عز وجل هو الخالق، هو المربي، هو المسير، هو الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون، وكان من الممكن أن يقول لك: صل، شأن أي رتبة عسكرية في قطعة عسكرية، يعطي الأمر فقط، والآمر ليس مضطراً أن يبين الحكمة، لكن خالق السماوات والأرض حينما أمرنا أعطانا الحكمة، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45) ﴾
تنهى عن الفحشاء والمنكر.
أيها الإخوة الكرام، لو أن مؤسسة عملاقة، وعلى رأسها مدير يحمل أعلى شهادة أعطى أمر للموظفين أن يقوموا بحركات وسكنات وتمتمات لا معنى لها إطلاقاً، ولا ثمرة لها، ألا نشك في عقل هذا المدير ؟ قف ودُر أربع دورات، لماذا ؟
هكذا بلا سبب، بلا حكمة، بلا غاية، بلا فهم، بلا قصد، هل ترضى من إنسان مخلوق أن يعطي أمراً شكلياً لا يقدم ولا يؤخر، ولا علاقة له بالسلوك، ولا بالإنتاج من مدير مؤسسة، ولا علاقة له بالسلوك، ولا بالخبرة، ولا بالإنتاج، ولا بتحسين العمل، ولا بتسريع العمل، أمر لا معنى له، عندئذ تشك في عقل هذا الذي يقع على رأس هذه المؤسسة، خالق السماوات والأرض يأمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يصلوا في اليوم خمس مرات، وليس هناك أي علاقة بين الصلاة والسلوك عند المسلمين اليوم، فقد يصلي أحدُهم ويكذب ! يصلي ويغش المسلمين ! حينما فرغت الصلاة من مضمونها أصبحنا كما ترون، لذلك قال تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ (59) ﴾
معنى إضاعة الصلاة:
أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا تعني تركها أبداً، بل تعني تفريغها من مضمونها، أجمع العلماء بناء على قوله تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
وقد لقي المسلمين ذلك الغي، هناك شاهد أقوى، قال تعالى:
﴿ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ (54) ﴾
نتابع الآية:
﴿ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ﴾
لذلك الوضع الإسلامي اليوم وضعٌ سيئ، مجتمع فيه انحراف، فيه تقصير، فيه عدوان، فيه غش، فيه ابتزاز أموال، فيه كبر، فيه خيانة، فيه كذب، فيه دجل، فيه نفاق، والصلاة قائمة، ليست هذه العبادة التي أرادها الله، قال تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
وقد لقينا ذلك الغي.
لذلك أيها الإخوة، الصلاة عماد الدين، وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، وأول ما يحاسب المرء يوم القيامة عن صلاته، فإن صحت سلم ونجا، وإلا خاب وخسر.
ليست هذه هي الصلاة المطلوبة شرعًا:
يا أيها الإخوة، الصلاة إذاً لا يمكن أن تكون كهذه الصلاة التي نراها عند الناس، لا أي علاقة بين صلاته وأكله المال الحرام، بين صلاته وغش المسلمين ,
والله بلغني أن إنسانا حرفته أن يبيع أقراصا مدمجة إباحية، ويقيم الصلاة في المسجد، كيف يتوازن ؟ يبيع أقراصا مدمجة يمكن أن تفسد أسرا وشبابا، يمكن أن تحملهم على أن ينحرفوا، أو على أن يرتكبوا الفواحش، وأنت تصلي ! أخطر شيء في حياتنا حينما فصلت العبادات عن المعاملات، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
لا قيمة لصلاتهم.
هناك حديث هو الأصل في هذا الدرس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
(( قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ ))
نحن أمام نصوص في الصحاح، ونصوص من كتاب الله، قال تعالى:
﴿ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)﴾
يا أيها الإخوة، تأكدوا يقيناً أن الإنسان الذي يأكل المال الحرام، ويغش المسلمين، ويكذب، ويعتدي على حرماتهم، ويصلي، تأكدوا أن هذه الصلاة التي يؤديها ليست هي الصلاة التي أرادها الله.
ليس كل مصلٍّ يصلي، مليار وخمسمئة مليون مسلم يصلون، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، كيف يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) ﴾
لهم على المسلمين ألف سبيل وسبيل.
يا أيها الإخوة الكرام، الصلاة التي أرادها الله شيء آخر، وهي إحدى أكبر سعادتك،
(( يَا بِلَالُ، أَقِمْ الصَّلَاةَ، أَرِحْنَا بِهَا ))
من فوائد الصلاة:
الصلاة مِن أكبر أسباب رؤيتك الصحيحة، الصلاة نور، وهي من أكبر أسباب طهارة نفسك، الصلاة طهور، وهي نور، و هي حبور، والصلاة ميزان، من القلب إلى القلب.
لا سمح الله ولا قدر حينما تأكل مالاً حراماً حاسب نفسك، أتستطيع في الصلاة أن تخشع ؟ أو أن تتصل بالله ؟ أو أن تناجي ربك ؟
تؤدي صلاة شكلية لا معنى لها إطلاقاً، لأن الذنب حجبك عن الله عز وجل، فلابد أن تضع يديك على هذه الحقيقة ؛ أن الذنب يحجب عن الله، لذلك من معاني إقامة الصلاة أنه بين الصلاتين ينبغي أن تكون مستقيماً على أمر الله، وقافاً عند حدوده، مؤدياً ما عليك، تكف نفسك عما لا يجوز.
حقيقة الصلاة أن تستقيم بين الصلاتين، حتى إذا دخل وقت الصلاة فأنت مستعد للاتصال بالله، وما مِن إنسان على وجه الأرض يرتكب غلطا أو ذنبا، أو يأكل ما ليس له، أو يفتري، أو يغش، أو يدلس، أو يحتال، أو يكذب، وبإمكانه أن يصلي، بإمكانه أن يتوضأ، بإمكانه أن يقف منتصب القامة، بإمكانه أن يكبر تكبيرة الإحرام، وأن يقرأ الدعاء، ثم الفاتحة، ثم سورة، ويركع مطمئناً، ويسجد
لكن التحدي أن تتصل بالله، يمكن أن تقوم بحركات الصلاة، وأن تقول ما ينبغي أن يقال في الصلاة، لكن لن تستطيع أن تتصل بالله، هذه أكبر حقيقة في هذا الدرس، لذلك:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ (45) ﴾
( إن ) حرف مشبه بالفعل يفيد التوكيد.
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى (45) ﴾
نهي ذاتي، نهي داخلي، لأن القوانين تنهى، لكن لو انقطعت الكهرباء في مدينة في بلد تحكمه القوانين فقط لكانت الكارثة، وفي إحدى المرات قطعت الكهرباء في بلد تحكمه القوانين فقط فارتكبت في ليلة واحدة مئتا ألف سرقة بثلاثة مليارات دولار، الصلاة تنهى نهيا داخليا.
بين الوازع والرادع:
هذا يقودنا إلى موضوع دقيق، الوازع والرادع، أنظمة الأرض تقوم على الرادع الخارجي، هناك سرعات زائدة بالسيارات، فاخترعوا جهازا يوضع على الطرقات العامة، فأيّة سيارة ترفع سرعتها تضبط بمخالفة، واضع هذا القانون إنسان ذكي، واخترع جهازا يكشف السرعات الزائدة، والمواطن إنسان ذكي أيضاً، اخترع جهازا في السيارة، فإذا اقترب من الجهاز الكاشف نبهك فتنزل السرعة، وقد كنت في أمريكة بسيارة فسمعت صوتا لم يكن، سألت عن هذا الصوت، فقال لي صديقي: هناك جهاز مراقبة سرعة بعد قليل، فخفض السرعة، فواضع القانون ذكي، والمواطن أذكى، لذلك فرغت القوانين من مضامينها
ذلك الأعرابي الذي كان يرعى غنماً التقى به سيدنا ابن عمر، قال له: بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، يقول له الراعي: ليست لي، يقول: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، يقول الراعي: ليست لي، يقول له: خذ ثمنها، يقول له الراعي: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ أعظم ما في الدين أنه يقوم على الوازع الداخلي.
والله في هذه البلدة الطيبة سائق وجد في مركبته كيسا أسود فيه عشرون مليون ليرة، القصة طويلة، صاحب هذه المركبة مؤمن مستقيم، بقي أربعة أيام يبحث عن صاحب هذا المبلغ، يحوم حول مكان ركوبه في المركبة، إلى أن عثر عليه بعد أربعة أيام، وأعطاه المبلغ، هذا الإيمان، من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يقطف من ثمار الصلاة شيئًا، فلذلك الحديث القدسي: ليس كل مصلٍ يصلي، لو أن كل مصل يصلي لكنا في قمة المجتمعات الدولية، لكنا قادة الأمم، قال تعالى:
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) ﴾
أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى (45) ﴾
هنا الوازع، أعظم ما في هذا الدين أن الصلاة تنهى نهياً ذاتياً عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، أي أكبر ما في الصلاة ذكر الله، والدليل:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾
الصلاة ذكرٌ:
الصلاة ذكر، لكن بعضهم قال: إنك إذا صليت تذكر الله، لكن الله يذكرك، قال تعالى:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (152) ﴾
إنك إن اتصلت بالله فقد ذكرته، فإذا ذكرته ذكرك، أما إذا ذكرك منحك نعماً لا تقدر بثمن، منحك نعمة الأمن، منحك نعمة الأمان، منحك الرضى، منحك الحكمة، منحك التفاؤل، منحك قوة الشخصية، منحك التماسك.
أيها الإخوة، قال تعالى:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ (45) ﴾
الصلاة عقلٌ:
وقد ورد في بعض الآثار:
(( ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ))
الدليل:
﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (43)﴾
إذاً: من هذه الآية يستنبط أنك إذا صليت وقلت:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾
أنت سألته: اهدنا الصراط المستقيم، فيأتي الجواب:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) ﴾
حقيقة الصلاة أن تسأله أن يهديك إلى الصراط المستقيم، وتقرأ الآية التي فيها الصراط المستقيم، وتركع خضوعاً، وتسجد استعانة، ولكل صلاة حظها من الركوع والسجود، سألت الله عز وجل أن يهديك الصراط المستقيم، فتلوت آية هي كلام الله عز وجل ، وقد قيل: إذا أردت أن تناجي ربك فادعه، لأن الدعاء مناجاة، وإذا أردت أن يناجيك الله فصلِّ، حينما تقرأ صفحة من كتاب الله كأن الله يناجيك.
أيها الإخوة الكرام، قضية الصلاة هي المركز الأول، وهي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، والصلاة عقل، والصلاة ذكر، والصلاة قرب، واسجد واقترب، والصلاة نور، والصلاة طهور، والصلاة حبور رؤية صحيحة مع تزكية نفس مع سعادة، مع عقل، مع قرب، مع ذكر.
أيها الإخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ ؟ قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ))
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
بشكل دقيق جداً الصلاة تماماً كالشحن للهاتف المحمول، إن لم تشحنه انطفأت الشاشة، وسكت، وانتهى كهاتف، وأنت كإنسان إن لم تشحن نفسك شحنات يومية بالصلاة تفقد النور، تفقد طلاقة اللسان، تفقد الحكمة، تفقد الأمن وتدخل في القلق، والخوف، والحمق أحياناً، أنت بالصلاة تكون حكيماً، وبالصلاة تكون حليماً، والقصة كلها أن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً، هناك دليل قوي جداً:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (159) ﴾
هذه الباء باء السبب، أي بسبب رحمة استقرت بقلبك يا محمد عن طريق اتصالك بنا لنت لهم، فهناك اتصال ورحمة، الرحمة انعكست لينا، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك، ولو كنت مقطوعاً عنا لامتلأ القلب قسوة، ولانعكست القسوة غلظة وفظاظة، فانفضوا من حولك، هذه معادلة رياضية، تتصل فيمتلأ القلب رحمة، فتنعكس الرحمة ليناً، فيلتف الناس حولك، تنقطع فيمتلأ القلب قسوة، فتنعكس القسوة غلظة وفظاظة، فينفض الناس من حولك.
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (159) ﴾
أكبر علامة لمن يصلي أن قلبه رحيم، ما عنده عنف، في قلبه رحمة، رحمة على أولاده، على زوجته، على أقربائه، على جيرانه، على مَن حوله، على إخوانه، على البشر جميعاً، على المخلوقات جميعاً.
كان أحد المغنّين يقلق ويزعج أبا حنيفة النعمان ـ رحمه الله تعالى ـ وكان طوال الليل يصدح بهذه الأغنية:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ثم فقَد أبو حنيفة هذا الصوت، فعلم أن به مكروهاً، فبحث عنه في السجن، فذهب إلى القائم على هذا الأمر، ورجاه أن يطلق سراحه، أطلق سراحه، فأركبه خلفه على الدابة، وقال: يا فتى، هل أضعناك ؟
صدق أيها الأخ الكريم أن علامة اتصالك بالله رحمة، المؤمن كتلة رحمة، كتلة أدب، وتواضع، ومحبة، هكذا فالصلاة، ليس هناك مصلٍّ غليظ، مصل وقح، مستحيل، مصل يأكل المال الحرام، مستحيل، مصل غشاش مستحيل، مصل متكبر مستحيل، وألف ألف مستحيل، اتصلت بالله، اشتققت منه الرحمة واللطف والعدل والإنصاف والتواضع، لذلك المؤمن المتصل بالله له أثر كبير، لذلك قالوا: حال واحد في ألف متصل خير من قول ألف في واحد، ألف متكلم فصيح اللسان، معه النص، معه التحليل، لا يؤثّرون في واحد، وإنسان واحد موصول بالله يؤثر في ألف.
أيها الإخوة الكرام، هذه من مقاصد الصلاة.