- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الدعوة إلى الله أفضل عمل على الإطلاق :
أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس الثامن والستين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثانية والعشرين بعد المئة وهي قوله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(122)﴾
أيها الإخوة الكرام، لعل هذه الآية تنضوي تحت موضوع كبير هو الدعوة إلى الله، والله سبحانه وتعالى حينما وصف النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، من أدق أوصافه أنه داعٍ إلى الله، لذلك ليس من عمل أفضل عند الله على الإطلاق من الدعوة إلى الله، لأن الدعوة إلى الله تعرف الإنسان بحقيقة إنسانيته، تُعرّف الإنسان بأنه المخلوق الأول رتبة، تُعرّف الإنسان بأنه المخلوق المُكرَّم، تعرف الإنسان بأنه المخلوق المُكلَّف، تعرف الإنسان بأن حياته الدنيا ذات مهمة خطيرة جداً، إنها العمل الصالح، فالطريقة المجدية الوحيدة التي تنقل الإنسان من الجهل إلى العلم، من البعد عن الله إلى القرب، من دنس الشهوة إلى قُدس الطاعة، العبادة التي تؤهل الإنسان أن يكون مؤمناً، وأن يحقق الهدف من وجوده، بل أن يحقق الهدف الذي أراده الله له.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾
الدعوة إلى الله دعوتان :
هذه العبادة إن صحت التسمية هي الدعوة إلى الله -عز وجل-، وليس على وجه الأرض إنسان أفضل عند الله:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً
لكن هنا محل الإشارة إلى أن الدعوة إلى الله دعوتان، دعوة إلى الله خالصة، ودعوة إلى الذات مُغلَّفة بدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع، أما الدعوة إلى الذات من خصائصها الابتداع، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها التعاون، أما الدعوة إلى الذات من خصائصها التنافس، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاعتراف بالآخر، أما الدعوة إلى الذات من خصائصها إلغاء الآخر، فلذلك ما كل من دعا إلى الله دعا إلى الله، كما ورد في الأثر القدسي:
(( ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ولم يصر على معصيتي، وكف شهواته عن محارمي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، يسألني فأعطيه، يقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها ))
حاجة الدعوة إلى الله إلى العلم و الإخلاص :
حينما قال الله -عز وجل-:
فلذلك هذا الذي سُمِح له أن يدعو إلى الله، يجب أن يذوب محبة لله -عز وجل- على هذا الفضل العظيم الذي سمح الله له به.
إذاً:
(( كن لي كما أريد، أكن لك كما تريد. ))
فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- من أوصافه الأساسية أنه داعية إلى الله -عز وجل- إذاً حينما تقرأ قوله تعالى:
﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ
قال علماء التفسير: الله -عز وجل- يقبل العمل الصالح إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، فإذا كان خالصاً ولم يكن موافقاً للسنة لا يعد عملاً صالحاً، إذا كان وفق السنة ولم يكن خالصاً لا يعد عملاً صالحاً، فالإخلاص ومطابقة السنة كلاهما شرط لازم غير كافٍ".
ما من عمل أعظم عند الله من الدعوة إلى الله بعلم وبإخلاص وبحكمة :
إذاً قوله تعالى:
(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))
هذه في اللغة اسم تفضيل، خيركم على الإطلاق من تعلم القرآن وعلمه، لأن هذا القرآن تعليمات الصانع، هذا القرآن فيه أسباب نجاحنا، أسباب تألقنا، أسباب سعادتنا، أسباب حفظنا، أسباب رقينا، إذاً ما من عمل أعظم عند الله من الدعوة إلى الله بعلم، وبإخلاص، وبحكمة
أي مؤمن على الإطلاق مكلف أن يدعو إلى الله :
طبعاً قد يتوهم متوهم أن الداعي إلى الله يجب أن يكون خطيب مسجد حصراً، أو له مكانة كبيرة، لا، أي مؤمن على الإطلاق، بأي حجم، مكلف أن يدعو إلى الله، والنبي قال:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
أنت استمعت في خطبة الجمعة إلى تفسير آية، تأثرت بها كثيراً، هذه الآية مع تفسيرها انقلها إلى زوجتك، إلى أولادك، إلى جيرانك، إلى من حولك، إلى إخوانك بلقاء خلال الأسبوع هذا:
﴿
فالذي لا يدعو إلى الله أصلاً هذا ليس متبعاً لرسول الله، حتى إنه ورد في الأحاديث:
(( مَن ماتَ ولم يغزُ ولم يحدِّث نَفسَهُ بالغَزوِ ماتَ علَى شُعبةٍ من نفاقٍ ))
لابد من أن تدعو إلى الله، والآية الصريحة الدقيقة الواضحة:
﴿
فالتواصي بالحق ربع النجاة، بل أحد أركان النجاة، والآية الثانية:
﴿
فالآية هنا:
التجارة الرابحة هي التجارة مع الله عز وجل :
النقطة الدقيقة جداً هذا الذي دعوته إلى الله، إذا استجاب لك، والتزم الأمر والنهي، وتألق عند الله، أعماله كلها في صحيفتك، من دعاهم إلى الله أعمالهم كلها في صحيفتك أيها الأخ الداعية الأول، إلى يوم القيامة، التجارة مع الله مربحة كثيراً:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(10)﴾
الله سمّى العمل الصالح تجارة مع الله، أنت بالتجارة العادية تربح بالمئة عشرة، فكيف مع الله تربح بالمئة مليار؟ هذه تجارة رابحة.
الدعوة إلى الله فرض عين و فرض كفاية :
إذاً:
﴿
علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
إخوتنا الكرام، ألم تقرؤوا قول الله عز وجل:
﴿
هذه الخيرية التي وصفها الله تعالى أمة النبي بها ما علتها؟ الخيرية،
إذاً:
إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله فيجب على الإنسان أن يكون قوياً :
أيها الإخوة، ثم يقول الله عز وجل:
﴿
الحقيقة الإسلام فضلاً عن أنه وحي السماء، ومنهج الله في الأرض، لكن يحتاج إلى قوة، عند الآخرين القوة هي الحق، وهذا خطأ كبير، وهذا خطأ فاحش، الحق ما جاء به وحي السماء، ولكن يحتاج إلى قوة، بين أن تقول: القوي على حق، في الغرب هكذا يعتقدون، ما دمت قوياً فأنت على حق، ولو كنت ظالماً، ولو أخذت ما ليس لك، ولو احتللت أرضاً ليست لك، ما دمت قوياً فأنت على حق، لكن الحق ما جاء به وحي السماء والحق يحتاج إلى قوة، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
أقول لكم: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لماذا؟ أولاً لأن النبي قال هذا:
من اختار طريق الله رفع الله له ذكره :
إذاً الذي ينبغي أن يكون واضحاً أن الإيمان وحي السماء، والله عز وجل أعطانا الخيار، قال:
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3)﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)﴾
هذه الحقيقة أيها الإخوة، أن الإنسان مع أن الله -عز وجل- أعطاه الخيار، لكنه إذا اختار طريق الحق رفع الله ذكره، بل ألم يقل الله -عز وجل-:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)﴾
قال بعض العلماء: كل الصفات التي أثنى الله بها على نبيه الكريم لكل مؤمن منها نصيب، بقدر إيمانه، واستقامته، وإخلاصه.
إذاً: الحق مع أنه من عند الله، لكن يحتاج إلى قوة، فإذا كان طريق الحق سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً لأن خيارات العمل الصالح المتاحة أمام القوي ليست متاحة أمام الضعيف، فالغني بماله، والقوي بسلطته، والثري بثرائه.
عبادة الهوية :
لذلك النقطة الدقيقة هنا أن العبادة كُلِّف بها كل البشر، لكن هناك ما يسمى بعبادة الهوية، أنت من؟ أنت غني؛ العبادة الأولى في إنفاق المال، أنت من؟ أنت قوي؛ العبادة الأولى في إحقاق الحق، أنت عالم؟ العبادة الأولى في إلقاء العلم، والدليل:
﴿
هذا الذي يدعو إلى الله، لو خشي غير الله، فسكت عن الحق خوفاً، أو نطق بالباطل نفاقاً، انتهت دعوته، الآية دقيقة:
﴿
أما إذا منعك القوي أن تنقل هذا الدين للآخرين تقاتله، أنت لا تقاتل الإنسان ليؤمن، لأن الله -عز وجل- يقول:
الإسلام لا ينتشر بالإكراه ينتشر بالاختيار :
الله -عز وجل- يقول:
مرة ثانية: الإسلام لا ينتشر بالإكراه، ينتشر بالاختيار، والإنسان مخير وليس مسيراً، و
اختلاف أخلاق المؤمن في السلم عن أخلاقه في الحرب :
لكن الذي يلفت النظر:
﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إنسان يعاديك، يتطاول عليك، وأنت تحتمله، وتسمح له أن يتحرك معك، ما هذه الأخلاق؟! هذه أخلاق السِّلم، فأنت في الحياة المدنية،
﴿
الغلظة في الحرب مطلوبة، وإلا لا معنى للحرب إطلاقاً، فهنا الآية:
دائماً وأبداً كان سيدنا عمر كما يقال، تروي عنه السيدة عائشة: "كان إذا قال أسمع -جهوري الصوت- وإذا سار أسرع، وإذا ضرب أوجع".
فهنا:
الله مع المؤمنين بالحفظ و التأييد و النصر و التوفيق :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ
هذه معية عامة، قال علماء التفسير: هو معكم بعلمه، لكن حينما يقول الله -عز وجل-:
﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ
أي معهم بالتوفيق، معهم بالحفظ، معهم بالتأييد، معهم بالنصر، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟.
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـا فــــإنا منحنا بالرضا من أحبنا
ولـــذ بحمانا واحتمِ بجنابنا لـــنحميك مما فيه أشرار خلقنا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل وأخـلص لنا تلقى المسرة والهنا
* * *
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــــا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنـا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا
ولــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا
* * *
ولــو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غريباً واشتياقاً لقربنــــا
فــــما حبنا سهل وكل ادعى سهولــــته قلنا له قد جهلتنا
فأيسر ما في الحب بالصد قتلــه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
* * *
إذاً أيها الإخوة، الله عز وجل يقول:
هنا:
الدين لا يحتمل الإضافة أو الحذف :
أيها الإخوة، الذي وقع في عالم الإسلام نحن حينما أضفنا على الدين ما ليس منه ظهرت الفرق، والطوائف، وتشتتت الأمة، هذا الإسلام ينبغي أن نأخذه كله كما أُنزل، وكما قال النبي:
(( كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة ))
أنا أقول- وهذا اجتهاد شخصي- : إنك إذا أضفت على الإسلام ما ليس منه تشرذمنا، وتفرقنا، وتشتتنا، وأصبحنا فرقاً وطوائف، أما إذا حذفت منه ما عرف منه بالضرورة ضعفنا، نضيف نتفرق، تحذف نضعف، فالذي يفسر ضعف المسلمين أننا أضفنا على الدين ما ليس منه هذا الدين لا يحتمل الإضافة، لأنه من عند الله عز وجل، كماله مطلق.
القضايا التي عالجها الدين تامة عدداً كاملة نوعاً :
والله عز وجل قال:
﴿
من هم أولي الأمر؟ كما قال الإمام الشافعي: هم الأمراء والعلماء، العلماء يعرفون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر،
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ
قال العلماء: التمام عددي والكمال نوعي، أي عدد القضايا التي عالجها الإسلام تامٌّ عدداً، وطريقة المعالجة كاملةٌ نوعاً
حاجة الإسلام إلى العلم و القوة :
إذاً الآية الأولى: دعوة المؤمنين للتفقه في الدين، ثم لنشر هذا الدين، إذاً أعظم عمل على الإطلاق الدعوة إلى الله.
الآن: والقوة، نحن بحاجة إلى علم، وإلى قوة، بالعلم نرقى، وبالقوة نقدم مثلاً يُحترم.
مرة أحد ملوك الغساسنة، اسمه جبلة بن الأيهم، جاء المدينة مسلماً، في عهد سيدنا عمر، هذا ملك، فلما جاء مسلماً رحب به أشد الترحيب، هذا الملك جبلة في أثناء طوافه حول الكعبة بدوي من فزارة داس طرف ردائه، فانخلع الرداء من على كتفه، ولأنه حديث عهد بالملك التفت إلى هذا الأعرابي وضربه ضربة هشّمت أنفه، هذا الأعرابي ذهب إلى عمر ليشكوه، سيدنا عمر استدعى جبلة، تصور أحد المتخاصمين ملك، اسمه جَبَلة بن الأيهم، وخصمه أعرابي من الطبقة الدنيا في المجتمع، الآن يقال: من رعاع الناس، من دهماء الناس وسُوقتهم، فجاء شاعر صاغ هذا الحوار شعراً.
فقال عمر: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟
فقال جبلة: لست ممن ينكر شيا
أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي،
فقال عمر لجبلة: أرضِ الفتى لابد من إرضائه
ما زال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يُهشَمنَّ الآن أنفك
وتنال ما فعلته كفك
قال: كيف ذاك يا أمير! –صُعق-
هو سوقة وأنا عرش وتاج،
كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً
قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها
أقمنا فوقها صرحاً جديداً
وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً
فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز
أنا مرتد إن أكرهتني
قال له: عنق المرتد بالسيف تحز
عالم نبنيه، كل صدع فيه يُداوى
وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا هو الإسلام، فيه تساو.
إذاً الله -عز وجل- يقول:
الغلظة في الحرب :
ولكن:
البيئة تختلف، هنا بيئة حرب، هنا بيئة استجمام، فأخلاق الحرب غير أخلاق السلم، فأخلاق السلم:
الحق واحد لا يتعدد :
لذلك:
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ
إخواننا الكرام، مقولة دقيقة: الحرب بين حقين لا تكون، لماذا؟ لأن الحق لا يتعدد، الحق واحد، كما أنه بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد، الحرب بين حقين لا تكون، الآن الحرب بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، الثالثة: وبين باطلين لا تنتهي، فالآية أخيراً:
الصبر طريق النصر :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا
أيضاً إذا كان عدوك صابراً كن أنت أشد صبراً منه
وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذه الآيات في سورة التوبة.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين