- الفقه الإسلامي
- /
- ٠3موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإنسان كائن اجتماعي مفطور على حبّ الجماعة :
أيها الأخوة الكرام : الإنسان كما تعلمون كائن اجتماعي ، ومعنى أنه اجتماعي أي مفطور على حبّ الجماعة ، مفطور على حب اللقاء مع أخيه الإنسان ، والعوام لهم كلمات كثيرة تؤكد هذا المعنى ، المكان مهما كان جميلاً من دون إنسان يؤنسك وتؤنسه لا قيمة لهذا المكان الجميل .
وما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
***
فهذه الطبيعة الاجتماعية في الإنسان ، النبي عليه الصلاة والسلام رسخها ترسيخاً دقيقاً في أحاديثه الشريفة فيقول عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
يمكن أن يكون هذا الحديث الشريف نوعاً من التكافل الاجتماعي ، المجتمع كما تعلمون له خلايا ، وخلية المجتمع هي الأسرة ، والأسرة لها معنيان ؛ لها معنى واسع ومعنى ضيق ، من هم في بيت واحد هذا المعنى الضيق ، أما هذه الأسرة فلها جد كبير ، ولهذا الجد أولاد كثر ولكل ولد زوجة وأولاد ، فهذه الأسرة بمعناها الواسع أسرة الأب ، أو أسرة الأم ، هي التي عناها النبي عليه الصلاة والسلام بالرحم ، لو سألت العلماء عن معنى كلمة رحم يقولون: الأقرباء إما من جهة الأب وإما من جهة الأم ، الأعمام وأولاد الأعمام وأولاد أولاد الأعمام هؤلاء رحم من جهة الأب ، والأخوال وأولاد الأخوال والخالات رحم من جهة الأم ، أي كل أقربائك من جهة أمك ومن جهة أبيك هم رحمك ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
من معاني صلة الرحم تفقد الأحوال :
الحقيقة من بعض أحكام الزكاة أن الزكاة لا تقبل من الإنسان وفي أقربائه محاويج، لأن الأقربين أولى بالمعروف ، تصور كل مسلم تفقد أقرباءه ، أعمامه ، أولاد أعمامه ، عماته، أولاد عماته ، بنات عمه ، عماته ، بنات عماته ، تفقد هؤلاء الأقرباء ووصلهم ، ما معنى وصلهم ؟
من السذاجة أن نتصور معنى وصلهم أي زارهم فقط ، وصلهم لها معاني كثيرة من هذه المعاني أنه زارهم ، وأحياناً والله تأتي الزيارة مثلاً فتاة متزوجة يأتيها أخوها ليزورها فينعشها بهذه الزيارة ، يجبر خاطرها بهذه الزيارة ، تعتز بهذه الزيارة ، تفخر به أمام زوجها بهذه الزيارة ، لا تقللوا من قيمة الزيارة ، والله الزيارة تفعل فعلاً سحرياً بين الأقارب ، من معاني صلة الرحم هذه الزيارة ، من معاني صلة الرحم تفقد الأحوال ، القرآن الكريم حينما وصف المحتاجين المؤمنين الصادقين بأنهم ، قال تعالى :
﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
الإنسان الذي يمكن أن تساعده تحسبه غنياً من شدة التعفف ، ولن يسألك ، لا يسأل وتحسبه غنياً ، فأنت إذا زرت أقرباءك ، سألت عن أحوالهم ، تفقدت شؤونهم ، سألت عن أوضاعهم وكنت أنت من أهل اليسار ، كنت أغنى منهم ومددتهم بطريقةٍ أو بأخرى ، بأسلوب أو بآخر ، إما على شكل هدية ، أو على شكل معاونة ، أو على شكل قرض ، إذا تفقدت أحوالهم عشنا فيما يسمى بالعصر الحديث بالضمان الاجتماعي ، أي الإنسان في بلدة فيها خمسة ملايين من يعرف ؟ لا يعرف أحداً ، من الصادق ؟ لا يعرف ، من الكاذب ؟ لا يعرف، لكن أقرباءه يعرفهم معرفةً دقيقة ، يعرف البئر وما تحت البئر وما فوق البئر لا يغتر بالمظاهر، يوجد أشخاص لهم مظاهر مقبولة ، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الحديث الشريف رسخ المعنى الاجتماعي في الإنسان .
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
عوامل زيادة الرزق :
نحن مرة قلنا : إنه لا يوجد إنسان لا يتمنى رزقاً وفيراً على الإطلاق من دون استثناء ، يا ترى الرزق مقسوم أم غير مقسوم ؟ الحقيقة مقسوم في حده الأدنى ، لكن الرزق يتبدل ، يزيد وينقص وذكرنا في حينه أن من عوامل الزيادة الاستقامة ، قال تعالى :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
من عوامل الزيادة الأمانة :
(( الأمانة غنىً ))
من عوامل الزيادة إتقان العمل :
(( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ))
من عوامل الزيادة أن تتصدق :
(( صدقة السر تطفئ غضب الرب))
(( استمطروا الرزق بالصدقة))
إذاً الرزق يزداد بالصدقة ، ويزداد بالإتقان ، ويزداد بالاستقامة ، ويزداد بصلة الرحم، أحياناً لا من قبيل الجزم بل من قبيل التكهن ، تجد في أسرة ما رجل من أهل الغنى يتفقد كل أفراد أسرته الأباعد ، هذا الشاب يدعمه ، وهذا يؤمن له عملاً ، وهذا يقرضه ، وهذا يبحث له عن بيت ، هذه الأخت يقدم لها ما تحتاج في فصل الشتاء ، فهذا الشخص الذي يرعى أفراد أسرته بالمعنى الواسع قد تجده غنياً ، والغنى بسبب هذه الأعمال الطيبة ، فهذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، والنبي لا ينطق عن الهوى ، وإذا كان كلامه لا ينطق عن الهوى إذاً من عند الله .
أحد أسباب زيادة الرزق أن يصل المؤمن رحمه:
إذاً :
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
بعض شارحي الحديث فهموا هذا الكلام فهماً تفصيلاً ، إنسان له أخ لزوجته فهذا الأخ للزوجة قريب من أقرب الناس له ، وضعه مكانه في المحل التجاري ، هذا الإنسان لما وجد صهره أمن له عملاً وأكرمه أخلص له ، وأنت إذا كان عندك شخص غريب لا تعرف عن أمانته شيئاً ربما سرقك هذا الشخص الغريب ، أما هذا القريب فيوجد علاقات رحم ، علاقات قرابة ، فلو أمنت له عملاً عندك اطمأن قلبك لأمانته ولإخلاصه ، فهو يزيد لك إخلاصاً ونشاطاً ، وأنت تزيده مكافأةً وتشجيعاً ، فأحد أسباب توفيق الإنسان في أعماله أن يكون عنده مساعدون مخلصون أمناء ، وأقرب شيء القريب ، أنسب إنسان للعمل معك أقرباؤك ، فأنت إذا أمنت لهم أعمالاً وأغدقت عليهم من فضلك ومما أفاء الله عليك هذا العمل أغلب الظن ينجح .
إذاً إما أن نفهم الحديث بالمعنى أن الله سبحانه وتعالى بعنايةٍ إلهيةٍ مباشرةٍ يزيد في رزق هذا الواصل ، وإما أن طبيعة الصلة نفسها من لوازمها أنها تحيطك بأعوان مخلصين أمناء، لأنه يوجد موضوع دقيق تحدثت عنه من قبل كثيراً أن الزكاة سميت زكاةً لأنها تزكي نفس الغني ، وتزكي نفس الفقير ، وتزكي المال ، ومعنى تزكي أي تنمي ، أما نماء نفس الفقير فحينما يتفقده قريبه الغني بمساعدة ، بعمل طيب ، يشعر شعوراً غريباً إنه ليس هيناً على مجتمعه ، مجتمعه لن ينساه ، مجتمعه حريص عليه ، حريص على حاجاته ، بهذه الطريقة تنمو نفس الفقير ، والغني إذا شعر أنه سبب لإدخال السرور على قلوب مئات الأسر ، وإنه في قلوب المئات ، وأن أسراً كثيرةً سعدت بعطائه تنمو نفسه ، نفس الغني تنمو ونفس الفقير تنمو والمال ينمو .
ومن معاني الزكاة أنها تطهر ، تطهر مال الغني من تعلق حق الغير به ، هناك قول معروف ثابت أن الحجر المغصوبةَ في دارٍ رهن بخرابها ، دار فيها مئة ألف حجر وحجر من هذه الحجارة مغتصبة ربما كان هذا الحجر سبباً في خراب هذه الدار كلها ، أي أنه إذا كان في هذا المال حق لفقير ، تعلق حق الغير به ربما كان سبباً لإتلاف المال ، فالزكاة من معانيها أنها تطهر المال من تعلق حق الغير به ، تطهر الفقير من الحقد ، وتطهر الغني من الشح ، ما الذي حدث ؟ صارت الزكاة تطهر وتنمي ، تطهر المال وتنميه ، وتطهر نفس الغني وتنمو بها، تطهر نفس الفقير وتسمو به ، هذه كلمة :
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
هنا المعنى إما أن الله بطريقةٍ مباشرةٍ لا نعلمها يزيد رزقك ، وإما أن صلة الرحم نفسها ، أولاً الذي يصل رحمه ينفي عنه الأحقاد ، والذين وصلهم وأمدهم مما أمده الله به هؤلاء يحبونه ويحرصون على ماله هذا هو المعنى ، فالمعنى الأول أحد أسباب زيادة
الرزق أن يصل المؤمن رحمه .
صلة الرحم لا تعني الزيارة فقط بل تفقد الأحوال أيضاً :
وتحدثنا قبل قليل أن الصلة لا تعني الزيارة فقط تعني تفقد الأحوال ، لو فرضنا هذا القريب غني وأنت زرته يوجد صلة من نوع آخر تعني أن تدله على الله ، إذا الله عز وجل علمك أكرمك بالهدى ، علمك شيئاً من كتابه ، علمك شيئاً من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أعطاك منطقاً وقدرة على التوضيح والبيان ، فأنت في صلة الرحم تارةً عليك أن تزوره ، وتارةً عليك أن تمده مما أفاء الله عليك ، وتارةً عليك أن تقدم له نصيحةً ثمينةً مخلصةً . فإما أن تصله زيارةً ، وإما أن تتفقد أحواله المعشية ، وإما أن تدعوه إلى الله عز وجل ، هذه هي صلة الرحم ، وأنا أقترح على أخواننا الكرام أن يعملوا قوائم ، أولاد عمه ، أولاد عمه الأول ، الثاني ، هؤلاء أقرب الناس إليه ، أولاد خاله ، أولاد خالته ، أقرباؤك سجلهم في قائمة وحاول أن تتفقدهم مرة بالهاتف ، مرة بالزيارة ، مرة بالسؤال عن صحتهم لعلهم مرضى لا سمح الله ، مرة بالإنفاق عليهم بشكل هدية ، أو بشكل معونة ، أو قرض ، ومرة بدعوتهم إلى الله عز وجل ، تصوروا لو كل مؤمن تعهد أقرباءه ، هذه شبكة متداخلة ، أي كل هذا المجتمع ينهض ، أما هذا الانتماء الفردي ، وتلك الروح الفردية ، هذه لا تليق بالمؤمن ، يقول : دعهم وشأنهم لا يوجد فيهم خير ، نقول له : أنت حاولت ؟ هل زرتهم ؟ تلطفت معهم ؟ دعوتهم إلى درس ؟ أعطيتهم شريطاً مثلاً؟ ذكرتهم بآية ؟ ذكرتهم بحديث ؟ خدمتهم خدمة ؟ أي كل إنسان يتصور أنه من الممكن أن يكون داعية من دون أن يبذل جهداً ولاسيما في خدمة الخلق فهذا توهم خاطئ .
إطالة العمر لا تعني إطالته زمنياً بل غناه بالعمل الصالح :
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
الأثر برأي شراح الحديث هو الأجل ، معنى ينسأ له في أجله ، هذا الكلام يتناقض مع قوله تعالى :
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾
﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
أكثر العلماء قالوا : إن إطالة العمر لا تعني إطالته زمنياً ، بل تعني إطالته بأنه يغتني بالعمل الصالح .
يا أيها الأخوان : يوجد عمر تافه ويوجد عمر غني ، يوجد إنسان كل يوم عنده عشرات الأعمال الصالحة ، مئات الأعمال الصالحة ، كل يوم يرقى آلاف الدرجات عند الله عز وجل ، ويوجد إنسان يعيش ستين أو أربعين سنة لو جمعت كل أعماله لا تعادل جناح بعوضة ، عاش لذاته ، لمصالحه ، لشهواته ، لمتعه ، فالعمر الحقيقة لا يقاس بمدته يقاس بما يغني به من عمل صالح ، وكلكم تعرفون وهذا الشيء أنا أقوله كثيراً أنه يوجد علماء أسماؤهم على كل لسان ، كل يوم وفي كل مكان في العالم الإسلامي ، وعاشوا أقل من خمسين سنة ، عاشوا عمراً قصيراً ، ويوجد أشخاص عاشوا مئة وثلاثين سنة ، ولا أحد يعلم عنهم شيئاً ، لذلك اتفق أكثر العلماء في هذا الحديث على أن طول العمر لمن يصل رحمه متعلقة باغتناء هذا العمل في العمل الصالح .
التفاعل مع القرآن الكريم عند قراءته :
نحن دائماً كنا نتمنى على أخوتنا أن يعيشوا الإسلام لا أن يدرسوه ، أن تعيشه شيئاً آخر ، الإنسان أحياناً يمسك جريدة ويقرأ ، هذه يقرؤها وهذه لا يقرؤها ، لو فرضنا ينوي أن يشتري مركبة والأسعار غالية جداً ، نظر فإذا في زاوية الجريدة قرار صغير بالسماح بالاستيراد من دون قيد أو شرط ، يقول لك : هبطت كل سيارة خمسمئة ألف بهذا القرار يفرح ، تفاعل مع هذه العبارة ، تفاعل تفاعلاً كبيراً ، والذي اشترى سيارة بسعر كبير جداً وينوي أن يتاجر بها وقرأ هذا القرار يتألم ألماً شديداً ، أنا سؤالي هل من الممكن أن تقرأ النص وتتفاعل معه وتعيشه ؟ المؤمن إذا قرأ القرآن الكريم ، إذا قرأ حديث رسول الله يتفاعل معه تفاعلاً شديداً ، فنحن شتان بين أن نقرأ النصوص وبين أن نعيش النصوص ، مثلاً لو سمعت عن المشردين ، عن هؤلاء الذين يهيمون على وجوههم حينما تقع مشكلات في بلاد ، حينما تقع حروب أهلية ، في هذه الأيام الباردة لا مأوى ولا تدفئة ، ولا طعام ولا دواء ، ولا شراب ، في العراء مئات الألوف مشردون ، إذا اطلعت على هذه الأخبار أو رأيتها بعينك وقرأت دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله الذي آواني وكم من لا مأوى له ".
إذا الإنسان سافر إلى بلدة ولا يوجد غرف فارغة في الفنادق ، أول فندق وثاني فندق ورابع فندق ، طلب شقة لم يجد ، طلب غرفة ، وحتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل وهو في الطرقات لا يتذوق معنى المأوى إلا إذا عانى هذه المعاناة المؤلمة ، فنحن نريد أن نعيش هذه النصوص لا أن نقرأها ونبحث عن معانيها ، إذا عشنا النصوص كنا أشخاصاً آخرين، فإذا قرأناها قراءة سريعة ووقفنا عند معانيها الدقيقة أي أحياناً الإنسان يدعو الله سبحانه وتعالى ، يزور إنساناً معه مرض عضال ، لا يوجد أمل في الشفاء ، فإذا دعا بهذا الدعاء : " اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء " يقشعر جسمه ، تصيبه رعدة بسبب أنه قبل قليل رأى إنساناً مرض مرضاً شديداً ، وهذا المرض ميئوس من شفائه ، فنحن نريد إذا قرأنا القرآن أو قرأنا الحديث الشريف أن نتفاعل معه ، النبي عليه الصلاة والسلام هنا يقول لك : إذا وصلت رحمك زاد الله في رزقك ، ومن منا لا يتمنى أن يزيد رزقه وأن يعيش في بحبوحة ؟؟
صلة الرحم تبدأ بالزيارة و تنتهي بالدعوة إلى الله :
يا أخوان مرة ثانية : الصدقة تزيد الرزق ، وإتقان العمل يزيد الرزق ، أصحاب المصالح والحرف المتقنون هؤلاء لا يشكون البطالة أبداً ، الصدقة تزيد الرزق ، والإتقان والاستقامة والأمانة تزيد ، وصلة الرحم تزيد ، والاستغفار يزيد ، قال تعالى :
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾
سبعة أشياء كلها تزيد الرزق ، وأحد هذه جميعاً صلة الرحم ، واتفقنا الرحم كل أقربائك من طرف الأب ، وكل أقربائك من طرف الأم ، ومعنى الصلة الزيارة أولاً ، وتفقد الأحوال المعشية ثانياً ، والدعوة إلى الله ثالثاً ، وكل واحد منا له أقرباء ، يحصيهم وكل جمعة عند قريب ، اثنان وخمسون أسبوعاً – جمعة - كل جمعة يعمل زيارة ، له أخوات متزوجات ، له بنات أخ متزوجات ، له عمات ، له خالات ، له أعمام ، له أولاد أعمام ، ولو كان بعيداً لك أجر ، الثواب على قدر المشقة ، فأنت طرقت بابه ، المؤمن مؤنس ، المؤمن كالكوكب الدري ، المؤمن إذا رئي ذكر الله به ، ألا تريد عملاً صالحاً ؟ يا بشر لا صدقة ولا جهاد فبم تلقى الله إذاً؟ هذا عمل متاح لكم جميعاً ، كل واحد منكم يتمكن أن يعمل بالجمعة زيارة إلى أقاربه ، إلا في حالات نادرة جداً إذا كان الأقارب متفلتين ، مستهزئين بالدين ، لا يمكن أن ينضبطوا ، لو دخلت عليهم لظهرت النساء الأجنبيات أمامك كاسيات عاريات ، لا ، في هذه الحالات نقول له: دع خيراً عليه الشر يربو ، في مثل هذه الحالات نقول له : درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وهذه حالات نادرة ، ومع ذلك في مثل هذه الحالة قد يقوم الهاتف مقام الصلة ، اتصال هاتفي ، لك عمة وبنات عمتك لا يوجد بهم دين أبداً ومائعات ، فبهذه الحالة ممكن أن تتصل هاتفياً اطرق الباب عن بعد ، يلزم أي خدمة ؟
المؤمن هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن الآن الذي أرجوه من الله عز وجل هذا الحديث الصحيح ، وهذا الحديث في البخاري ومسلم ورواه الترمذي ، وأعلى أنواع الأحاديث ما ورد عند البخاري ومسلم معاً ، قال تعالى :
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾
وهذا منهج كل إنسان يأخذ أخوته الذكور ، وأخواته الإناث ، يوجد أولاد أخواته وبنات أخواته ، يوجد أولاد أخواته الإناث ، بنات أخواته الإناث ، ويوجد أعمامه وأولاد أعمامه ذكوراً وإناثاً ، ويوجد عماته وبنات عماته ، طبعاً بنات العمات أجنبيات تزور أزواجهم ، ويوجد أخواله وخالاته ، ولأخواله أولاد ولخالاته بنات ، فإذا قصدت أن تصل الرحم كل أسبوع ساعتين يوم الجمعة صلة الرحم ، وكما اتفقنا الزيارة قد تفعل فعل السحر ، أو التفقد المعاشي ، أنت دخلك محدود اسع لهم في مساعدة بمعونة ، بحل مشكلة ، أحياناً تدلهم على طبيب ، وأنت عندك معلومات عن أطباء متفوقين وهم لا يعرفون ، أحياناً تعطيهم شيئاً من خبرتك وهذه مساعدة أيضاً ، الزيارة والتفقد المعاشي ، ثم الدعوة إلى الله ، أحياناً شريط يغير أسرة بأكملها ، اسمع هذا الشريط واحتسبه عند الله عز وجل ، في الجمعة الثانية خذ شريطاً ثانياً ، أنت دعوت إلى الله و أنت لا تدري لأنه بعد شهرين أو ثلاثة قد يأتي هؤلاء الشباب معك إلى المسجد ، هذه دعوة كبيرة جداً ، ممكن كل واحد أن يعمل شبكة علاقات مع أصدقائه ، وهذا أمر نبوي ، وهذه دعوة إلى الله عز وجل ، واتفقنا أن الزيارة أولاً ، والخدمة ثانياً ، والدعوة إلى الله ثالثاً .
الله عز وجل يحبنا متعاطفين و متماسكين :
الحقيقة الزيارة تعطيك مجالاً أن تخدم ، والخدمة تعطيك مجالاً أن تدعو إلى الله ، كل شيء له سبب ، لما زرته تفقدت أحواله وخدمته وعرفت ما ينقصه ، مشكلاته ، له ابن يحتاج إلى جلسة توجيهية في الرياضيات وأنت أستاذ رياضيات شيء جميل ، له ابن يحتاج إلى أن يكون له عمل وأنت لك أصحاب أعمال حرة ، هذه الخدمة الصادقة التي تسديها إلى أقربائك هذه تقيم المودة بينك وبينهم ، ومن ثم ادعهم إلى الله إما مباشرةً إذا كنت متمكناً من علمك وإما عن طريق واسطة ، هذا أول حديث :
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
والرحم كلمة واسعة جداً ، وتقول هذه الرحم : صل من وصلني واقطع من قطعني :
((عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : اشْتَكَى أَبُو الرَّدَّادِ اللَّيْثِيُّ فَعَادَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ فَقَالَ خَيْرُهُمْ وَأَوْصَلُهُمْ مَا عَلِمْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ))
أنا يوجد شيء أعتز به ، أحياناً أزور أشخاصاً أشعر شعوراً غريباً أن هذه الأسرة متماسكة ، والله لا أغبط أسرةً على تماسكها كما أغبط أسرة مؤمنة على تماسك أولادها .
العلاقات بين الأخوة في أعلى درجات التضحية والوفاء ، فكل إنسان بحكمته يمكن أن يجعل أفراد أسرته إما بالمعنى الضيق ضمن البيت الواحد ، أو بالمعنى الواسع أخوانه المتزوجون إذا زارهم ، وخدمهم ، وأعانهم ، أي أنت عرفت مكاناً تحضر منه زيتاً فرضاً ، تقول لهم : هل تحتاجون إلى زيت مثلاً ؟ هذه خدمة وتتنامى العلاقات بهذه الطريقة ، ابن أخيك بحاجة إلى خدمة وأنت قادر على أن تخدمه فيها ، فإذا شعر الأخ أن أخاه كأنه أب لأولاده والأخ الثاني أب لأولاد الأب الأول بهذا التعاطف ننجح .
والله يوجد أخ من أخواننا وأنا سمعت قصتين ، أول قصة أحد أخواننا له أخ توفي أقسم لي بالأيمان المغلظة أنه ما أدخل إلى بيته شيئاً من الفاكهة قبل بيت أخيه ، في نفس المستوى ، هذا أخ ، وأعرف قصة ثانية ، توفي الأب وترك ثلاث بنات ، فالعم جهد في تزويج بنات أخيه وكأنهن بناته ، ما فرق بين عنايته ببنات أخيه وعنايته ببناته ، الله عز وجل يرضى عن هذه الأسر ، يرضى عن هذه العلاقات الطيبة ، الإسلام تماسك ، طبعاً الأصل المؤمنون كلهم ، واليوم درسنا عن صلة الرحم بالذات ، عن الأقرباء ، وأنت يمكن أن يعم خيرك إلى أقربائك ، أن تعينهم ، أن تدلهم على الله ، أن تعينهم على أمر دنياهم ، أن تعينهم على أمر دينهم ، أن تتفقد أولاد أخوتك ، وهذا الذي يرضي الله عز وجل وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( إِنَّ اللَّهَ لا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ))
ويوجد قول آخر :
((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ))
والله عز وجل لا يحبنا إلا إذا كنا متعاطفين ، متكاتفين ، متماسكين .
المؤمن حريص على أهله وعلى أخواته :
نحن اخترنا حديثاً واحداً ولكن حول هذا الموضوع يوجد ثلاثون حديثاً في كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ، هناك ثلاثون حديثاً صحيحاً كلها تؤكد صلة الرحم ، يقول لك : لا يوجد عمل صالح ، يوجد أعمال صالحة مفتحة أبوابها على مصراعيها ، أليس لك أقرباء ؟ تفضل وزرهم ، تفقدهم ، بالمناسبة قد يقول أحدكم : لا يوجد معي ما أعطيه ، نقول له : اسمع ما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ))
أحياناً الإنسان يزور أقرباءه صباحاً يأخذ لهم كيلو فول ، والله لها معنى كبير ، دخل عليهم بشيء مهما بدا صغيراً ، الأخت يجبر بخاطرها إذا زارها أخوها ، قال لي شخص: هناك زوج شكا زوجته لأخيها فقال له : طلقها لا تحتاج إليها ، يوجد أخ تراه حريصاً إذا وجد خلافاً بين أخته وصهره يتدخل يزورهم ، يطيب قلب الصهر ، ينصح أخته ، ينبهها ، ويوجد أخ لا يسأل يقول : أختي حيوانة ، هكذا يقول . المؤمن حريص على أهله ، وعلى أخواته كلهم ، الذكور والإناث ، على أولاد أخواته ، فكلما الإنسان أعطاه الله شيئاً من الإيمان تجد خيره عميماً، والله أحياناً أيها الأخوة وجودك في بيت يساوي رحمانية إذا كان موصولاً بالله عز وجل ، يدخل إلى البيت فيصبح البيت نورانية ، كلهم في هدوء ، قبلوا منه النصيحة ، هناك مؤمنون دخلوا في صلحّ وتم على يديهم الصلح ، ترى أن هذه الأسرة تسعد بهذه الوساطة الطيبة .
أفضل شفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح ، أنا أقول : لا يوجد عمل أعظم من أسرة على وشك الشقاق ، على وشك فصم عرى الزوجية ، يأتي إنسان يتدخل إما بطلاقة لسانه، أو بنورانيته ، أو بذكائه ، أو بماله ، يتدخل ويصلح بين الزوجين ، هذه الأعمال الطيبة .
من عظمة القرآن الكريم أن معانيه واسعة جداً :
بالمناسبة أيها الأخوة الله عز وجل يقول :
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
ومن عظمة هذا الكتاب الكريم أن معانيه واسعة جداً ، أول معنى أي اصلحوا نفوسكم ، عرفها بالله عز وجل ، احملها على طاعة الله ، اسم بها عن طريق الاتصال بالله.
المعنى الثاني لا تجعل العلاقة مع أخ سيئة - ذات بينكم - لك علاقة مع فلان فيها تشويش اعتذر منه ، قدم له هدية ، اجعل علاقة طيبة ، إنسان وعدته ونسيت الوعد ، اذهب إليه بهدية واستسمح منه مثلاً ، لا تجعل علاقة مع أخ سيئة ، لأنها تتفجر ، أنت أخطأت معه وقطعته ، وهو بدأ يتوهم ، عاش بأوهام بدأ وهو لا يدري يختلق لك الأخطاء ، وبدأ ينشر هذه الأخطاء ، ترى نفسك محاطاً بجو ليس في صالحك من أناس كثيرين ، أي مشكلة مع أخ سارع إلى حلها إما بالاعتذار ، وإما بالتوضيح ، وإما بالبيان ، وإما بالهدية ، وإما بالمعاونة ، وإما بالاعتذار ، سارع إلى حلها ، هذا معنى قوله تعالى :
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
يوجد مشكلة مع أخيك حلها ، مع ابن أخيك حلها ، يوجد مشكلة مع صديقك حلها، مع جارك ، الآن يوجد عندنا معنى ثالثاً لهذه الآية الكريمة ، أي أصلحوا كل علاقة بين اثنين ، أنت ليس لك علاقة وأنت طرف ثالث ، اسمع هذه الآية ما أجملها ، إما أن تصلح نفسك وإما أن تصلح كل علاقة بينك وبين غيرك ، وإما أن تصلح كل علاقة بين اثنين ، هذا عمل المؤمن، أحباب النبي عليه الصلاة والسلام يصلحون الناس إذا فسدوا ، فأنت الآن انوضعت في هذا الدرس أمام أبواب مفتحة من الأعمال الصالحة ، عمل صلة الرحم ، أن تتفقد أقرباءك بزيارات دورية ، وهذه الزيارات أولاً تمهد لخدمتهم ، وخدمتك لهم تمهد لدعوتهم إلى الله ، فإذا دعوتهم إلى الله فهم أقرب الناس إليك .
أنا أحياناً يأخذني العجب أخ بدأ لوحده ، ثم ابن عمه ، وصهره ، خلال خمس ست سنوات لا يوجد أحد ما أحضره إلى المسجد ، وعندما جاؤوا جميعاً إلى المسجد صار هناك تعاون بينهم ، صاروا جبهة واحدة ، لا يوجد مجال للخصومات والإرباكات في الأسرة الواحدة .
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :
أما تأخير العمر فالنبي صلى الله عليه و سلم عاش ثلاثاً وستين سنة ، قال أحد الفلاسفة الكبار الذي جمع علوم الدنيا وكان موسوعة عصره ، قال له أحد تلامذته المقربين : أنت والله مثل نبي ، لو دعوت لنفسك بالنبوة ؟ لم يجبه إطلاقاً ، قال : في إحدى الليالي الباردة جداً طلب منه أن يأتيه بماء من مكان بعيد ، فهذا الطالب تململ وقال له : الآن وقت غير مناسب والحرارة باردة جداً فقال له : لا بأس ، إلى أن حان وقت آذان الفجر فأيقظه وقال له : هذا النبي الكريم الذي جاء بهذه الأمة ؟؟ هذا المؤذن رغم البرد الشديد القارس خرج من بيته في هذا الوقت ليؤذن للناس وهذا هو مقام الأنبياء ، وأنت رفضت أن تحضر لي كأس ماء من مكان بعيد ، فالنبوة مكان عظيم جداً .
ذكرت هذا الشاهد لأن الإنسان لا يستطيع أن يقدم شيئاً إلا إذا قدم خدمة ، قدم عملاً ، فالعمر يكون تافهاً بافتقاره للعمل الصالح ، ويكون ثميناً جداً وغنياً جداً حينما يغنيه صاحبه بالعمل الصالح .
دائماً أقول لكم هذا الكلام : أنت حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، أتمنى على كل واحد أن يسأل نفسه كل يوم ماذا فعلت اليوم ؟ إذا مضى يوم لم تزدد من الله علماً ولم تزدد منه قرباً ، إذا بعت بخمسمئة ألف كل يوم لست رابحاً ، لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً ، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً ، والدليل قوله تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أنا أذكر أخاً كريماً - وهذه القصة قلتها سابقاً - زار أخته بوقت غير مناسب ويوجد مشكلة بينها وبين زوجها ، والمشكلة على مبلغ من المال تطالبه به كل شهر ولا يوجد معه ، وهو موظف ، والأمر تفجر في البيت ، وهذا الأخ دخله محدود لكنه مؤمن قال لها : يا أختي هذا المبلغ خذيه مني كل شهر ، قال لي : أول شهر طرقت الباب ودفعت هذا المبلغ ، وثاني شهر ، قال لي : ستة أشهر وأنا أدفع هذا المبلغ ، الشهر السادس طلبت مني أختي درساً لبناتها وهن بنات أختي ، جمعتهم كل خميس وأعطيتهم درساً عبارة عن آيتين وحديث وحكم فقهي وحفظ قرآن ، سبحان الله هؤلاء البنات بدأن يتحجبن ، وبدأ يزوجهن واحدة واحدة .
أنا بعد أن سمعت هذه القصة بالتفصيل قلت : يا رب زيارة عابرة لأخته جعلته داعيةً لله عز وجل ، ومكانته عند الله كبيرة إن شاء الله ، هذه هي صلة الرحم ، تأكل طعاماً طيباً بمفردك ولك أخ وابن أخ ، عم وخال ، أذقه ، فإذا الإنسان هداه الله ونوّر قلبه وأعانه على نفسه وصار إنساناً وفق المنهج الصحيح ليس له الحق أن ينسى أقرباءه ، وأقرب الناس إليه ، وأنا من يومين سئلت عن حقوق الزوجة على زوجها ، فكان الجواب فيه غرابة ؛ أول حق للزوجة على زوجها أن يدلها على الله ، هل من المعقول أنك تلبي لها كل حاجاتها المادية والمعنوية ولم تهتم بدينها ؟ ليس فيها دين دعها وشأنها الله يحاسبها ، هذه خيانة للزوج ، أهم شيء أن تعتني بدينها وتعرفها بالله عز وجل ، تعتني بصلاتها ، بدينها ، بتلاوتها للقرآن ، بمظهرها ، بحجابها ، فإذا أنت دللتها على الله فقد أعطيتها الحق الأول ، والباقي كله سهل .
المودة هي المظهر المادي للحب :
مرة رجل قال لي : انصحني قبل الزواج ؟ قلت له : يوجد وهم يقع فيه الأزواج يبقى الزوج أو الشاب في مقتبل زواجه معلقاً آمالاً لا تعد ولا تحصى أن هذه الزوجة سوف تسعده ، وسوف يغمس في سعادة لا توصف ، وهي معلقة آمالاً لا تعد ولا تحصى أن هذا الزوج سوف يعتني بها ، وسوف يخدمها ، هي بنت آمالاً باليمين ، وهو بنى آمالاً باليسار ، من أين يأتي الصدام ؟ هو يخيب آمالها وهي تخيب آماله ، قال لي : ما هو الحل ؟ قلت له : الحل يجب أن تتعرف إلى الله أنت أولاً حتى تسعد بقربه ، ثانياً : يجب أن تعرفها بالله حتى تسعد بقربه ، الآن المرحلة الثالثة تسعدك ، لا تسعدك إلا إذا سعدت أنت بالله وأسعدتها أنت بالله عندئذٍ عرفت حقوق الزوج ، كانت الصحابية تسأل زوجها قبل كل شيء ألك بي حاجة ؟ إذا قال لها : لا ، تذهب وتصلي ، تعرف حق زوجها ، أما كثير من الأخوان فيشكون لي إهمال زوجاتهم إهمالاً شديداً لماذا ؟
لأنها لا تعرف حق زوجها ، لو عرفها أبوها ، أو عرفتها أمها ، أو عرفتها أنت حق الزوج ، أو لو أنها اتصلت بالله عز وجل ، أو أنها قرأت القرآن وقرأت السنة قال : " اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل الزوجة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله " كثير من القصص من السلف الصالح تبين أن النساء كانوا على مستوى عال جداً من معرفة حقوق الزوج ، البيوت كانت جنة ، أما الآن فترى البيوت جحيماً والسبب الجهل ، أساس الزوجة المؤمنة تتقرب إلى الله بخدمة زوجها ، والزوج المؤمن يتقرب إلى الله بخدمة زوجته ، المنفعة المباشرة غير ملحوظة في الموضوع ، ردود الفعل غير ملحوظة أما الآن فطالما أنه يوجد نفع سمعت عن إنسان زوجته أصابها مرض خطير بالعدوى فوراً طلقها ، وهي ليس لها ذنب ، عملت عملية في ألمانيا نُقل لها دم ملوث ، وعندها أولاد وهي امرأة طاهرة وشريفة لما علم أنها مصابة بهذا المرض فوراً طلقها ، هذا هو الوفاء ؟ أيضاً إنسان متزوج امرأة صار معها ورم في ثديها استؤصل ثديها فطلقها فوراً ، يوجد جهل ، قال تعالى :
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
المودة المظهر المادي للحب ، إذا لم يكن هناك مودة ، لا يوجد مصلحة في هذا الزواج ، ألا يوجد رحمة ؟ نعم يوجد رحمة ، الحياة ليست كلها مصالح ومباهج ، في جانب منها أخلاقي ، إذاً لا تصدق أن في بيوت المسلمين مشكلة إلا وسببها معصية ، وكل معصية وراءها الجهل ، لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .
التفوق لا لمن سبق بل لمن صدق مع الله عز وجل :
أرجو الله سبحانه وتعالى جميعاً أن نعمل خطة نزور أقاربنا ، أول شيء زيارة ثم تفقد ، ثم دعوة إلى الله عز وجل ، ورتب أمورك كل جمعة عند أسرة ، هذا التواصل شيء جميل جداً .
الآن ترى أخين لا يتزاوران ولا بالعام مرة ، وخصومات والمجتمع مفتت ، إنما ذلكم الشيطان ، هذا من عمل الشيطان ، كل إنسان عنده إمكان أن يتكلم لك عشر ساعات عن خصوماته مع أقربائه ، هذا فعل الشيطان ، أما الإنسان المؤمن فيحاول أن ينمي كل علاقة بينه وبين أقربائه ، فلعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا جميعاً ، أنت لا تذهب بعيداً أب إذا رأى أولاده متعاونين ، متكاتفين ، متباذلين ، مضحين ، والله يدخل على قلبه من السعادة لا يعلمها إلا الله، ولله المثل الأعلى ، أما إذا رآهم متباغضين ، متحاسدين ، يطعن بعضهم ببعض ، يبغضهم جميعاً جملةً وتفصيلاً ، فأنا لي كلمة دائماً : نحن نتمنى على الله عز وجل أن نعيش الإسلام لا أن نتكلم عنه ، أن نعيش الإسلام شيء في مقدورنا جميعاً ، والإنسان إذا قال لك : أنا لي مكانتي الخاصة ، هذا قريبي وليس من مستواي ، يكون مخطئاً ، الله عنده مقاييس لا تعرفها أنت ، رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ، ربما يكون لك قريب بالسلم الاجتماعي أقل منك بكثير ، ويكون ظفره يساوي مئة من أمثالك ، عند الله مقاييس أخرى لا تعرفها أنت ، قد يكون أشد إخلاصاً منك ، قد يكون أشد استقامة منك ، قد يكون أشد حباً لله منك ، التفوق لا لمن سبق بل لمن صدق مع الله عز وجل ، و الإنسان عندما يتواضع لعل الله سبحانه وتعالى يجعل أعمال أقربائه الصالحة في صحيفته .
الدعوة إلى الله تحتاج إلى قلب واسع و نفس طويل :
الآن أنا مما يسعدني أن أرى الأخ وأخاه إلى جانبه ، وابن عمه إلى جانبه ، وصهره إلى جانبه ، ووالده معه ، وأحياناً والده وعمه معه ، هذا شيء مسعد جداً ، والكلمة الطيبة صدقة ، أول شيء زيارة ثم تفقد وليس كل شيء بالمال ، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، أنت تعمل في الكهرباء يمكنك أن تقدم عملاً لله ، أحياناً الإنسان عنده خبرات جداً يقدمها لإخوانه ، وملخص الدرس أن نجري إحصاء لأقاربنا من جهة الأب ومن جهة الأم ، طبعاً سوف تجد استغراباً ، أحياناً ترى تعليقات فيها استخفاف ، تعليقات لاذعة ، المؤمن من أجل إرضاء الله يفعل كل شيء ، وأن تتحول الأسرة من ملهى إلى مسجد ، الفتيات تتحجبن ، والشباب يصلون ، تمثيليات وأغان وتفلت وتشليط وسهرات مختلطة ومزاح منحط ، إذا أنت بعد سنة أو سنتين أصبح هذا البيت ملتزماً فهذا شيء جميل جداً ، وتحتاج الأمور إلى عمل ونفس طويل وقلب واسع ، وتحتاج إلى بعد أفق حتى تستطيع أن تأخذ بيد الناس إلى الله عز وجل ، ومع ذلك يوجد أناس لا يستجيبون ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
ممكن رغم كل هذه الامكانات ألا يستجيبوا ، أنت الذي عليك عملته ، اللهم هل بلغت ؟ اللهم اشهد ، يوجد أخ من أخواننا لا يوجد عنده إمكانية أن يتكلم ، ولكن يغلي غلياناً على عمل صالح ، اشترى عدداً من الأشرطة وعمل قوائم لأقربائه وأعطاهم أشرطة لمدة يومين، و في اليوم الثاني يحضرون له الشريط ويبدله بين العائلة ، وما مضى ستة أشهر حتى ثمانية من أقاربه جاؤوا إلى المسجد ، الإنسان يسمع أول مرة وثاني مرة ثم يشتهي ويأتي إلى المسجد .
ممكن أن يكون لك دعوة إلى الله ، ودعوة كبيرة جداً ، لكن بإخلاص ، وبظل خفيف ، وأدب ، إذاً هذا الحديث الشريف منهج من مناهج رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
بلفظ آخر :
(( تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الأثَرِ ))
أحياناً الإنسان يزور فقراءه ، وقد يكونوا فقراء ولكن ترحيبهم جميل ، يقدم لك قهوة وشاي ويسعى ويجهد في إكرامك وهو لا يوجد عنده سوى القهوة والشاي ، لا تضن عن الناس بمعلوماتك ، بابتساماتك ، بعطفك وحنانك ، لا تضن عليهم بخبرتك ، بشخصك ، أخي ليس لدي وقت فراغ ، لا يوجد إنسان مات إلا وعنده قوائم غير منتهية ، اقتطع من وقتك الثمين لصلة الرحم .
وأقول لكم مرة ثانية : قطع الرحم من الكبائر ، كنت أقول كلمة لبعض أخواننا : الغريب أنت له والآخر له ، أما ابنك فمن له غيرك ؟ أختك المتزوجة من لها غيرك ؟ إذا كان أبوها توفي وأمها مريضة ، فإذا الأخ لم يزر أخته من لها غير أخيها ؟ وأحياناً الزوج عندما يرى زوجته يزورها أقاربها يهاب من بيت حميه ، فإذا رآها مقطوعة يقول : هذه ليس لها أحد يضغط عليها زيادة ، زيارة الأخت لها معنى كبير ، أي لها أهل و هي غالية على أهلها ، يتفقدون أحوالها ، ترى الإنسان يتحجم .
درسنا اليوم هذا الحديث ؛ " قال له : عظني ولا تطل ؟ قال له آية واحدة ، فقال: كفيت ، فقال : فقه الرجل " لا نريد أن نتحدث عن ثلاثين حديثاً في الترغيب والترهيب ، أو ثلاثين حديثاً صحيحاً عن صلة الرحم ، اكتفيت بحديث واحد : صلة الرحم تزيد في الرزق وتغني في العمر ، يصبح عمر الإنسان غنياً بالأعمال الصالحة .