الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
القرآن الكريم يُعلِّمنا الأدب:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث والستين من دروس سورة البقرة، ومع الآية السابعة والثمانين بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)﴾
الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ظنوا أنهم إذا قاربوا نساءهم في ليل رمضان فقد عصوا، أو على الأقل اتهموا أنفسهم بخيانة الشرع، فجاء التحليلُ كَي يُخفِّف عنهم، وكي ينجّيهم من ظنهم أنهم في معصية، فقال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ﴾ دون أن يُفهم من هذا أنه كان مُحَرَّماً عليهم، ظنّ بعضهم أن مقاربة زوجته في ليل رمضان هو معصية، فإذا غلبته نفسه شعر أنه قد خان منهج الله عزَّ وجل، هذه الحالة المرضية ينبغي ألا تكون، لأن الله عزَّ وجل حرَّم علينا الطعام والشراب ومقاربة النساء في نهار رمضان، وأما في الليل فلك أن تشرب، وأن تأكل، وأن تقتَرِب من زوجتك.
والقرآن الكريم كما تعلمون يعلِّمنا الأدب، فكل العبارات التي يُفهم منها مقاربة الزوجة جاءت بكنايةٍ رائعة، فمرةً يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)﴾
مرةً يقول:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)﴾
ومرةً يقول: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ .
الشرع الحَكيم علَّمنا الحياء:
هذا الذي يقول: لا حياء في الدين، لا ينبغي أن نفهم هذه المَقولة على أن تلفِظ الأشياء بأسمائها التي تنفر منها النفس، النفس البشرية تحبّ الكمال، فربنا عزَّ وجل يعلِّمنا كيف نتحدَّث عن هذه العلاقة، بل إن هناك آيةً دقيقةً جداً حينما قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾
كل أنواع الانحرافات الجنسيَّة دخلت في هذه الكلمة: ﴿فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ﴾ ثم إنّ الشرع الحَكيم علَّمنا الحياء، فالشيء الذي يؤذي في العلاقة الزوجية حرَّمه النبي عليه الصلاة والسلام، أما أن تُقام الندوات في الفضائيّات في تفاصيل هذه العلاقة، التفاصيل التي لا تُصَدَّق فهذا شيء ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، حرَّم إتيان المرأة في الحيض، وإتيانها من دبرها وانتهى الأمر، ما سوى ذلك الأصل فيه الحِل، أما الدخول في تفاصيل وتفاصيل وتَفاصيل فهذه قد تُحْرِج الصغار قبل الكبار، دائماً أنت حينما تتحدَّث ينبغي أن تعلم من هو الذي تُحَدِّثه، فإن كان طفلاً لا علاقة له بهذا الموضوع، هذا قد يدفعه إلى تساؤلاتٍ كثيرة، وإلى بحثٍ، وإلى اهتمامٍ قبل وقته المناسب.
أصل الشهوة من أجل أن نرقى إلى الله:
هذه الكلمة: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ قال بعضهم: معنى (الرفث) ما يبغيه الرجل من امرأته من كل الدرجات والمستويات، والشيء الذي يلفِت النظر في هذه الآية أن الله عزَّ وجل يقول: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ أيْ الله عزَّ وجل أودع في الإنسان شهوةً نحو المرأة، هذه الشهوة أودعها فيه ليرقى إليه، أودعها فيه ليرقى مرتين: مرةً إذا غضَّ بصره عن محارم الله، ومرةً إذا متَّعه الله بما يَحِلّ له، يرقى إلى الله أولاً صابراً، ويرقى إليه ثانياً شاكراً، فأصل الشهوة من أجل أن ترقى إلى الله، وأصل الشهوة من أجل أن تدخُل الجنَّة من أجل أن تضبطها، هي واسعة جداً، يمكن أن تُرْوَى هذه الشهوة بزاويةٍ واسعةٍ جداً، لكن الله عزَّ وجل حدَّد زاويةً معينةً هي الزواج، فالمؤمن يضبط هواه وَفْقَ منهج الله، والآية الكريمة:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾
والمعنى المُخالف: أن الإنسان لو اتبع هواه وفْق هدى الله لا شيء عليه.
معنى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ﴾ أيْ أنَّ الزوجة سترٌ لزوجها من المعصية، بدلَ أن يعصي، بدل أن يُطلِق بصره في عورات المسلمين، بدل أن يتلصَّص، بدل أن يقيم علاقةً محرَّمة، بدل أن يَعْتَدي على أعراض الآخرين، بدل أن يقع في فُحْشٍ وحرام قال: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ﴾ .
أول عبادةٍ للمرأة حُسْن رعاية زوجها وأولادها:
زوجاتكم أُبيحت لكم يَسْتُرْنَكم من المعصية، فلذلك بُفهم من هذا أن أية امرأةٍ تُهمل زوجها، ولا تتزيَّن له، وتدفعه بقصدٍ أو بغير قصدٍ إلى الحرام آثمةٌ أشدَّ الإثم عند الله عزَّ وجل، وهذا مرضٌ تقع فيه زوجاتٌ كثيرات، بل إن جُلّ الزوجات يقعن في هذا المرض، يُهملن أنفسهن، ويُهملن تلبية مطالب أزواجهن، فأزواجهن ينصرفون عنهن إلى الحرام، وهذه المرأة التي تكون سبباً في صرف زوجها إلى غيرها تُحاسب عند الله حساباً شديداً، لأنها لم تعبُد الله فيما أقامها؛ أقامها زوجةً، وأول عبادةٍ لها حُسْن رعاية زوجها وأولادها، وقد قيل: اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حُسن تَبَعُل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله.
وهناك بعض النسوة يعتنينَ بأولادهن كثيراً ويهملن أزواجهن، وهذه مشكلة تجدها في معظم بيوت المسلمين، فلذلك انصراف الزوج عن زوجته إلى غير زوجته، أو إطْلاق بصره في الحرام، أو تفضيله اللقاءات المُختلطة، هذا كلُّه تعبير عـن إهمال زوجته، وعن تقصيرها في حقه، طبعاً هذا الكلام لا يعطي للزوج عذراً، هو واقعٌ في الإثم لا محالة، ولكنّ زوجته تُعدُّ عند الله آثمةً لأنها السبب في أن يرتكب زوجها بعض المعاصي، فالذي يُربي بناتِه ليوجِّه زوجته كي تُعلِّم بناتها أن رعاية الزوج هي العبادة الأولى للزوجة.
كما كنت أقول لكم دائماً: هناك عبادةٌ مطلقةٌ، وهناك عبادةٌ رتيبة، فالعبادة المُطلقة أن تعبد الله فيما أقامك، كل إنسان له عند الله مقام، الغني عبادته الأولى إنفاق المال، والعالِم عبادته الأولى تعليم العِلم، والقوي عبادته الأولى إنصاف الضعيف، والمرأة عبادتها الأولى حُسْن رعاية زوجها وأولادها، وكانت الصحابية الجليلة تقف أمام زوجها قبل أن تنصَرف إلى مُصَلّاها وتقول له: ألك بي حاجة؟ أي إذا كان له بها حاجة لا يقبل الله صلاتها، ولا عبادتها، لأنها خالفت مقامَها الأوَّل في تحصين زوجها، المرأة المؤمنة مسؤولةٌ عن تحصين زوجِها، بأن تعتني بنفسها، وبهندامها، وبتلبية طلبات زوجها.
السُّكنى بين الزوجين من آيات الله الدالة على عظمته:
بالمقابل الزوج عليه واجبات كبيرة جداً، إن كان سياق الحديث عن المرأة فليس معنى ذلك أن الزوج مُعْفَى من واجباتٍ كبيرةٍ وكبيرة عليه أن يؤدّيها إلى زوجته، كي تتم هذه السكنى بين الزوجين، والسكنى بين الزوجين من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾
إذاً المرأة لباسٌ للرجل، كيف أن اللباس يلتصِقُ به، ويمنع رؤية أعضائه، كذلك المرأة تَلْتَصِقُ بزوجها فتحصِّنه عن أن يشتهي غيرها، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ والزوجة أيضاً عندها هذه الشهوة، فإذا كان لها زوجٌ صالح لبى رغبتها بشكلٍ طبيعي، فهو حصَّنها أيضاً من أن تنظر إلى غيره، والكلام الآن إلى الرجال، لو أنه أهمل زوجته، وغاب عن البيت طويلاً طويلاً، ولم يُسْمعها كلمةً طيبةً لطيفةً، ولم يثنِ على ما حباها الله به من خصالٍ ومن جمال، ربما أَصْغَت السمع إلى من يُثني على جمالها، أو من يُثني على أخلاقها عندئذٍ تميل إلى غيره، الزوجة مسؤولة عن انصراف زوجها إلى غيرها، والزوج مسؤول عن انصراف زوجته إلى غيره.
والشيء الذي وصلني من خلال حلّ مشكلات اجتماعيَّة أن الزوج الذي يغيب عن بيته طويلاً، وأن الزوج الذي يُعامل زوجته بقسوةٍ بالغة، وإهمالٍ شديد، مسؤولٌ عن انحراف زوجته إذا وقع، وهو المسؤول الأول، فكما أنها حِصْن له هو حصنٌ لها، والسُّكنى أن الزوج يُكمِّل ضعفه العاطفي بزوجته فيسْكُن إليها، والزوجة تكمِّل ضعفها القيادي بزوجها فتسكُن إليه، والزوجة والزوج متكاملان لا مُتشابهان، وسرّ سكونهما لبعضهما، وسرّ السُّكنى بينهما هو تكاملهما لا تشابههما.
الجنس حاجة من حاجات الإنسان وليس هو كل شيء في حياة الإنسان:
الإسلام أيها الإخوة؛ يعني الحياة، لا يوجد إسلام هو صلاة وصوم فقط، الإسلام علاقة زوجية متينة، الإسلام بيت مسلم سعيد، الإسلام حرارة في البيت الإسلامي، أما عبادات تؤدَّى وبيوت خرِبة، بيوت فيها الشقاق، وفيها البُعد، وفيها الكراهية والبغضاء والعدوان، هذا حال المسلمين، لذلك دائماً حينما تفسُد العلاقة بين الزوجين ينصرف كلّ عن صاحبه إلى غيره، هذا هو الفساد، الآن سَمِّه الاختلاط، الاختلاط محبَّب الآن لأن العلاقات الزوجية غير جيِّدة، فكل طرفٍ يبتغي المُتعة بطرفٍ آخر غير الذي هو زوجُه، والإقبال على مشاهدة ما على الشاشة أيضاً من هذا القَبيل، وهذا كلّه يُسهم في إفساد العلاقة، ويكون أحياناً نتيجة لفساد العلاقة، أي أن تمتِّع عينيك بمن لا تحل لك ولو على الشاشة يُفسد هذه العلاقة، أو يكون نتيجة لفساد هذه العلاقة، أما المؤمن لا يسمح لنفسه إلا أن يملأ عينيه ممن أحلّ الله له.
شيءٌ آخر هو أن المؤمن حينما يسعى لعملٍ صالحٍ عظيم تصبح هذه الشهوة جانباً من حياته، أما حينما ينصرف عن الآخرة تصبح هذه الشهوة كلَّ حياته، هذه مشكلة كبيرة، بين أن يكون الجِنس هو الحياة كلها، وهذا الشيء غير طبيعي، ولم يُصمم عليه، الجنس حاجة من حاجات الإنسان، أما أن تصبح هذه الحاجة هي كل شيء في حياة الإنسان!! هذا ما عند الغربيين، هذا ما وصلت إليه الحضارة الغربيَّة، الجنس هو كل شيء، بينما عند المؤمن هو شيء، هو شيء نظيف، شيء مضبوط، شيء مُثْمر، انظر إلى بيتٍ إسلامي، انظر إلى أولاد نشؤوا في طاعة الله، انظر إلى زوجةٍ وزوجٍ مسلمين بينهما ودّ كبير، ووئام شديد، وحبّ شديد، ووفاءٌ عجيب، هذا البيت قطعة من الجنة ولو كان دخلُه محدوداً جداً، قد تجد بيتاً إسلامياً هو قطعة من الجنة بسبب العِفَّة، بسبب غضّ البصر، بسبب البُعد عن كل شيء يُبغضه الله عزَّ وجل، إذاً: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ .
حينما نهمل علاقات الزوجين فقد حطَّمنا الأسرة:
هناك توجيهات نبَّوية كبيرة جداً، مثلاً كان عليه الصلاة والسلام إذا قَدِمَ من سفرٍ -لم يكن يوجد هواتف، ولا يوجد اتصالات-كان إذا قَدِم من سفرٍ توجَّه إلى المسجد فصلَّى فيه، ومكث وقتاً كي يصل الخبر إلى النساء، كي تستعد المرأة لاستقبال زوجها، أي النبي عليه الصلاة والسلام وَجَّهنا إلى أن هذه العلاقة مقدَّسةٌ، ومن لوازم قُدسيتها أن تكون حارةً بشكلٍ مستمر بين الزوجين، مبعث حرارتها الود، وأن كل طرفٍ من الزوجين يُلَبّي حاجة الطرف الآخر باهتمامٍ شديد، أما حينما ينصرف الزوج عن زوجته، والزوجة عن زوجها ينشأ بينهما الخصومات والشقاق، هذا ما يحصل الآن، قد تزور الأم ابنتها شهرين، وتُهمل زوجها، قد تسافر إلى بلدٍ آخر أشهراً مديدةً حيث ابنتها هناك وتنسى زوجها، هذا الزوج له حاجة، فحينما نُهمل علاقات الزوجين فقد حطَّمنا الأسرة، دقِّق في هذه الآية: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ هي سترٌ لك من معصيةٍ كبيرة، وأنت سترٌ لها من معصيةٍ كبيرة، ولكنّ علماء النفس -وقد سمعت أخيراً أن هناك علم نفسٍ جنسي-علماء النفس يقولون: الذي يثيرُ شهوة الرجل شَكْلُ المرأة، لذلك كان العلاج غضّ البصر:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾
[ سورة النور
]
مبعث شهوة الرجل حِسِّي أما المرأة فمبعث شهوتها اجتماعي:
لكنَّ الذي يثير المرأة، ميل الأنثى ميل اجتماعي في أوله وليس ميلاً حسياً، فالمرأة أحياناً تخضَعُ بالقَول، القول الذي يُثني على جمالها، وتلين وتخضع للقول المعسول تلينُ له وتخضع، من بعض تفسيرات هذه الآية:
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)﴾
الرجل مأمور أن يغضَّ بصره لأن مبعثَ شهوته حِسِّي، والمرأة مأمورة ألا تخضع بالقول لأن مبعثَ شهوتها اجتماعي، ثم إن الله عزَّ وجل يقول:
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)﴾
بدأ بالزانية لأنها هي السبب في عرض مفاتِنها على الآخرين، أما السارق فقد قال:
﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)﴾
لأن السارق أقدر على السرقة من المرأة، فبدأ بالسارق وثنَّى بالسارقة، لكنه بدأ بالزانية لأنها أقدر على جذب الرجل حينما تُهمل حجابها.
﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ من الطرائف أن القرآن الكريم حينما تُرْجِم إلى بعض اللغات، لم يفقه المترجم المراد الإلهي من هذه الآية، فقال: النساء بنطال للرجال، والرجال بنطال للنساء، هكذا كانت الترجمة الحرفية، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ .
الذي شرعه الله عزَّ وجل هو الذي يناسب النفوس البشريَّة:
لأن الله جلَّ جلاله هو الذي يعلم وحده طاقة النَفْس، قال: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ هنا نقطة مهمة جداً، الذي شرَعه الله عزَّ وجل هو الذي يُناسب النفوس البشريَّة، فمن زاد أو نَقَصَ فقد خالف منهج الله عزَّ وجل، أي الذي أراد أن يواصل الصيام يومين أو ثلاثة هذا فوق طاقة البشر، ومن فَعَله فهو يخرج عن منهج الله عزَّ وجل، لذلك النبي الكريم نهى عن الوِصال في الصيام، العبرة أن تمتنع عن الطعام والشراب والنساء في نهار رمضان، أما في الليل فلكَ أن تأكل وأن تشرب وأن تُقَارب زوجتك إن شئت.
﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ هنا التوبة ليست من ذنبٍ ولكن التوبة هنا بمعنى الإباحة، تاب عليكم أيْ سمح لكم أن تفعلوا هذا لأنه من حقكم، ولا شيء عليكم لو فعلتموه، ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ﴾ تتهمونها بالخيانة، ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ طبعاً هنا إشارة لطيفة إلى أن أصحاب النبي عليهم رضوان الله كانوا من الوَرَع بمكان، حتى لو لم يأتهم تشريعٌ إلهي كانوا حينما يتوهَّمون أنهم وقعوا في مخالفة يتهمون أنفسهم أشدَّ الاتهام، وهذا ينقلنا إلى حقيقة وهي أن الورع أصلٌ كبيرٌ في الدين.
المؤمن الصادق يتهم نفسه دائماً بينما المُنافق يزكي نفسه دائماً:
المؤمن الصادق دائماً يتهم نفسه بالتقصير، وهذا عين الصواب، بينما الذي يُزَكِّي نفسه مذمومٌ عند الله عزَّ وجل:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)﴾
المؤمن الصادق يتّهم نفسه دائماً، بينما المُنافق يُزكي نفسه دائماً، والذي يُزكي نفسه متهمٌ عند الله عزَّ وجل بل مذمومٌ عند الله عزَّ وجل.
وبالمناسبة الموقف الكامل أن تتهم نفسك، وأن تُحْسِن الظنَّ بأخيك، بينما مُعظم الناس يُحسنون الظنّ بأنفسهم ويزكونها، ويتهمون إخوانهم بالتقصير، الموقف الكامل اتّهم نفسك، لا تحابِ نفسك، لا تجعلها فوق مقامها، فالله عزَّ وجل متكفِّلٌ أن يُحجِّم الإنسان، قلْ عن نفسك ما شئت، زكِّها ما استطعت، لكن الله متكفلٌ أن يعيدَها إلى حجمها الحقيقي، يضعها في ظرفٍ فتسقط، فالأولَى ألا تزكي نفسك بل أن تسأل الله السلامة، ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ والتوبة التي شرعها الله عزَّ وجل رحمةٌ كبرى للإنسان، حتى لو أخطأ باب التوبة مفتوح.
بالمناسبة ما أمرنا الله أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا، وما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا، وما أمرنا أن نستعين به إلا ليُعيننا، وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا، وإلا كلام ليس له معنى، لو أن الله أمرنا أن نتوب ولا يتوب علينا كلام، والله عزَّ وجل منزَّه عن أن يقول كلاماً لا معنى له.
الولد الصالح صدقةٌ جارية واستمرارٌ لوالديه:
﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ لهذه الآية معانٍ كثيرة جداً، لكن أوجه التفسيرات لهذه الآية: ابتغوا ما كتب الله لكم من الزواج لإنجاب الولد، أي هذا الولد الذي يُنْجِبُه الزوجان، والذي يُربَّى تربيةً صالحةً هو امتدادٌ لحياة الأبوين، وتعلمون أن الحديث الصحيح:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ، صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ. ))
الولد الصالح صدقةٌ جارية، واستمرارٌ لوالديه، لذلك: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ من الولد، لأن الولد ذخر.
حدثني مهندس عمله في شركة سيارات ضخمة جداً في أمريكا، عمله أن يصمِّم سيارة لعام ألفين وعشرة لأن هناك تطوراً في بنية الأُسرة، هناك تطوراً في دخل الفرد، هناك تطوراً في نوع الطاقة التي سوف تُستخدم في تحريك هذه المركبة، فأنا داعبته قلت له: هل الخطَّة أن تكون هذه المركبة لرجلٍ وزوجته وكلبٍ يجلس في الوراء؟ وهذا شيء واضح جداً في العالم الغربي، حيث أن الأزواج عزفوا عن إنجاب الأولاد إلى تربية الكلاب، أمرك الله عزَّ وجل أن تبتغي ما كتب الله لك من إنجاب الذُّرِّيَّة، ليكون الولد عملاً مستمراً من بعدك.
الأب الذي يُربي ابناً صالحاً هذا الابن وذريَّته وذرية ذريته إلى يوم القيامة في صحيفته، فهذا الحديث لو عقله المسلمون لاندفعوا إلى تربية أولادهم التربية الصالحة، كي يكون الابن استمراراً لأبيه من بعده، هم يربّون الكلاب والمسلمون يربون أبناءً صالحين.
بإمكاننا أن ندخل الجنة من أوسع أبوابها بتربية أولادنا:
بالمناسبة: الحديث الذي يتداوله المسلمون اليوم، أنه:
(( عن ابن عمر: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم، ومنها: تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة. ))
أنا والله لا أصدق أبداً أن يكون التباهي من قِبَل النبي عددياً إطلاقاً، وهذا المعنى ليس وارداً في حديث رسول الله، يتباهى بنا نوعياً، يتباهى بذريته الطائعة لله، المستقيمة على أمر الله، التي ترفَعُ راية الإسلام عاليةً في الآفاق، يتباهى النبي بأمَّةٍ تنشر هذا الدين، بأمةٍ مُطبَّقٌ فيها العدل، بأمَّةٍ مُطبَّقٌ فيها الدين، فأن يتباهى النبي بكثرتنا فقط، الآن في مجتمعاتنا أب أنجب عشرة أولاد وألقاهم في الطرُقات، أهذا الأب محمودٌ أم مذموم؟ مذموم، أما الأبُ الذي ربَّى ولدين تربيةً صالحةً عاليةً محمودٌ عند الناس جميعاً، فهل يُعقل أن يتباهى النبي بكثرة أمته فقط؟!! هناك أمم تعدُّ ألف مليون، ألف ومئتا مليون وقد لا يُقيم الله لها وزناً يوم القيامة، أممٌ، تسعمئة مليون يعبدون البقر في شرق آسيا، أممٌ لا تُعد ولا تحصى شردت عن الله شرود البعير، لا يوجد منهج.
الآن لا يوجد في العالم الغربي أسرة أبداً، هناك مساكنة، أيْ يسكن مع امرأة، ويعاشرها كزوجة، وليس لها أيَّة صفةٍ إطلاقاً، فإذا ملَّ منها ركلها بقدمه، مجتمع مُنْحَط، مجتمع متحلِّل، مجتمع متفكِّك، فيه تقدُّم علمي هائل، فيه تقدُّم تكنولوجي هائل، ولكن هناك انهياراً اجتماعياً شديداً، بل إن بعض رؤساء أمريكا قال: إن هناك خمسة أخطار تهدِّد أمريكا، قال: تفكُّك الأسرة، وانحلال الأخلاق، وشيوع المخدرات، والجريمة، هذه أكبر أخطار العالم الغربي الآن.
أما أن يتباهى النبي عليه الصلاة والسلام بكثرة ذريته كماً فهذا مستحيل بحقّ النبي، يتباهى بها نوعاً، يتباهى بأمَّةٍ قوية، يتباهى بأمةٍ متعلَّمة، يتباهى بأمةٍ مُنتجة، يتباهى بأمةٍ متماسكة، يتباهى بأمةٍ أخلاقيّة، يتباهى بأمةٍ راقية، والآن نحن الآباء من منَّا يتباهى أن لديه ثلاثة عشر ولداً كلهم جهلة مثلاً؟ يقول لك: ابني دكتور، ابني مهندس، ابني بمنصب رفيع، ابني مثلاً داعية، فالإنسان يتباهى بابن متفوِّق ولا يتباهى بابن متخلِّف، لذلك: ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ ابتغوا الوَلَد، أي هذا العمل الذي يفعله كل أب، يستطيعه كل أب، لو لم تكن داعيةً، ما أتيح لك أن تكون خطيباً، ولا داعيةً، ولا عالِماً كبيراً، ولا شخصاً مرموقاً، أنت إنسان عادي أليس لديك أولاد في البيت؟ بإمكانك أن تصل الجنة من أوسع أبوابها بتربية أولادك، والله قد نجد أطفالاً تقول: كأنه مَلَك، من الحِرص، والمُتابعة، والضبْط، والتوجيه، والتعليم.
تربية الآباء للأبناء رسالةٌ كبيرةٌ جداً:
لمَّا قال ربنا عزَّ وجل: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ من الذريَّة، حتى إنه ورد عن سيدنا عمر أنه يقول: والله أقوم إلى زوجتي وما بي من شهوة إلا ابتغاء ولدٍ صالحٍ ينفع الناس من بعدي، أرأيت إلى هذا التصْعيد؟ فأنت مُتاح لك أن تُرَبِّي ابنك لكن لا أن تدع الشاشة هي التي تربيه، أنت ربِّهِ، ربِّهِ على حب نبيِّه، أيْ علِّمه سيرة النبي، وربِّه على حبّ أصحابه الكرام، علّمه سيرة أصحاب رسول الله، أما لو سألت الشباب اليوم: ماذا يعرفون عن أصحاب النبي؟ لا يعرفون شيئاً، أما يعرفون كل لاعبي الكرة، وكل المغنيين، هذه ثقافتهم ثقافة شاشة، فلذلك تربية الآباء رسالةٌ كبيرةٌ جداً، ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ من الوَلَد الصالح، وقد تنجب بنتاً، وهذه البنت إذا ربَّيتها تربيةً صالحة ربَّت أسـرةً؛ من علَّم فتىً علَّم فتىً، ومن علَّم فتاةً علَّم أسـرةً، إذا ربيت بنتاً تربية صالحة، وكانت زوجةً صالحة، وأنجبت خمسة أولاد دفعت بهم إلى المجتمع، كانوا أُناساً صالحين كل هذه الذرية في صَحيفتك، أنت رابح على الحالتين، بل إنه: من جاءه بنتان فأحسن تربيتهما فأنا كفيله في الجنة، قالوا: وواحدة؟ قال: وواحدة:
(( عن عائشة -رضي الله عنها-أنها أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة فقيرة جاءتها مع ابنتيها، فأجلست إحداهما على يمينها والأخرى على شمالها، ثم سألتها شيئا من الأكل، ولم يكن عندها طعام، إنما وجدتْ تمرة واحدة فقط، فأعطتْها إياها قائلة: هذا كل ما يوجد الآن. فشقّت التمرة نصفين، وأعطت كل واحدة منهما نصفًا، ولم تأكل منها شيئا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَن كان له بنتان فأحسن تربيتهما وعلّمهما أوجب الله له الجنة. ))
كل من كان في بيته ابنتان، ورباهم تربية إسلامية عالية؛ ربَّاهم على معرفة الله، وعلى طاعة الله، وعلى التسَتُّر، وعلى الأدب، وعلى العِفَّة، وعلى أن يُكُنَّ زوجاتٍ صالحات، هذا وضع قدميه في الجنة وهو في الدنيا، ما قولكم؟
إذاً وقفتنا المتأنيَّة عند قوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ من الولد الصالح، والإنسان في حياته أساساً إذا رأى ابنه شارداً والله تأتيه آلامٌ لا يعلمها إلا الله، والله يعتصِر الألم قلبه، والله يذوب من شدة الألم إذا رأى ابنه قد دخل البيت في الساعة الثانية، ولا يعلم أين كان؟ مع من يسهر؟ وهو محطَّم، والإنسان له فِراسة، إذا الإنسان كان لأولاده رفقاء صالحون تجد الابن متألِّقاً معهم، أما إذا كان له رفقاء سوء والعياذ بالله، فالانحراف واضح بيِّن.
الفجر الصادق هو ظهور خطّ أبيض وخطّ أسود في الأفق:
﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ أي بمجيء الفجر، الضياء، ترسم تباشير الضياء خطاً أبيض في أفق الشَرق، هذا هو الخط الأبيض، يليه السواد -سواد الليل-هو الخط الأسود، فإذا ظهر خطّ أبيض وخطّ أسود فقد دخلنا في الفجر الصادق، قال: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾، هذا طبعاً أمر إباحة، ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ .
نَهْيُ النبي عليه الصلاة والسلام عن الوصال أيْ الصوم المستمر:
أيها الإخوة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الوصال أيْ الصوم المستمر، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلَّم أنه قال:
(( عن عمر بن الخطاب عن أبيه: إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم. ))
أيْ لمجرد أن تغيب الشمس فأنت مفطرٌ حُكماً، ولو لم تأكل شيئاً، ولو لم تشرب انتهى الأجر، الإسلام وسطي، متوازن، متناسب مع فطرة الإنسان، سمح لك أن تصوم من الفجر وحتى غروب الشمس، ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ لأنه ﴿إِلَى اللَّيْلِ﴾ إلى تفيد انتهاء الغاية، أيْ الصيام ينتهي عند مجيء الليل، ومجيء الليل غياب الشمس، فبمجرَّد أن تغيب الشمس فقد أفطر الصائم ولو لم يأكل شيئاً، انتهى الأَجر، فلذلك ليس من السنة ولا من الورع أن يواصل الإنسان في الصيام، ومن السنة بالعكس ومن السنة أن تُبكِّر بالإفطار، أيْ أن تأكل لمجرَّد أن تسمع صوت المدفع، أو لمجرَّد أن تعلم أن الشمس قد غابت بطريقةٍ أو بأخرى.
﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ هناك في الإسلام ما يسمَّى بالاعتكاف، والاعتكاف لزوم الشيء، أي أن تدخل بيت الله وأن تنوي أن تعتكف فيه تقرُّباً إلى الله عزَّ وجل، كان من عادة النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان أنه يعتكِف العشر الأواخر من رمضان، أيْ أنه ينقطع عن الدنيا، أي شحنة روحيَّة عالية جداً؛ يبتعد عن الزوجة، وعن الأولاد، وعن الأهل، وعن الأعمال، والعلاقات، وكل ما يشغله عن الله عزَّ وجل، يعتكف في المسجد، وإذا لم يُتَح للناس الاعتكاف الآن لابد من جلسةٍ مع الله من حينٍ إلى آخر، على كل أنت حينما تأتي إلى المسجد فأنت مُعتكف، ولو مكثت فيه من المغرب حتى العشاء، أي أنت دخلت بيت الله تقرُّباً إلى الله، الاعتكاف لزوم المسجد تقرباً إلى الله عزَّ وجل.
لذلك ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ مباشرة المرأة يُفسِد الاعتكاف، طبعاً إذا كان الإنسان معتكفاً في مسجد بإمكانه أن يخرج منه لأمرٍ قاهر؛ ليقضي حاجةً، أو ليأكل، أو ليشرب، هذا لا يمنع اعتكافه، فلو خرج وباشر امرأته في البيت فقد فسد اعتكافُه، لأن الاعتكاف البُعد عن ما يقرِّبك من الدنيا ولو كانت مُباحة.
﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ الإنسان في رمضان إذا كان بإمكانه تخفيف علاقاته، إذا كانت هناك مشكلة فليحلها قبل رمضان، يوجد فك شركة يفكها بعد رمضان، يجعل رمضان فيه تفرُّغاً لله عزَّ وجل، فهذا نوعٌ من الاعتكاف، أنا قد أقول لكم: طبيعة العصر لا تسمح بالاعتكاف المستمر، أخ موظف، مدرّس لا يستطيع الغياب عن عمله، لكن طبيعة هذا العصر تسمح لنا باعتكاف مُتَقَطِّع، هو حضور مجالس العلم، هذا اعتكاف، هذا من أرقى العبادات، أي أنت دخلت إلى بيتٍ من بيوت الله تصلي وتقرأ القرآن، أو تستمع إلى القرآن، و تستمع إلى درس علم، هذا اعتكاف، دخول المسجد، والمكوث فيه تقرُّباً إلى الله عزَّ وجل هذا اعتكاف.
هناك معاصٍ فيها قوة جذب منها المرأة:
﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ هذه الآية يُفْهَم منها أنه يجب أن تدع بينك وبين حدود الله هامش أمان، ما قال: فلا تعتدوها، قال: ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ كيف ترى أن وزير الكهرباء أحياناً يأمر بوضع لافتات أمام خطوط التوتر العالي: ممنوع الاقتراب من الأسلاك، لم يقل: ممنوع مس الأسلاك، لأن هذا السلك توجد حوله ساحة مغناطيسية عالية جداً تجذب إليه من يقترب منه، فالأمر لا يأتي: ممنوع مس التيار، ممنوع الاقتراب، لوجود قوة جذب، وهناك معاص أيها الإخوة فيها قوة جذب، منها المرأة، الله قال:
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)﴾
ما قال: ولا تزنوا، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا﴾ يجب أن تُبقي بينك وبين المرأة هامش أمان، فلا خلوة، ولا أن تصحب الأراذل، ولا أن تتنزَّه في الطرُقات، ولا أن تملأ عينيك من محارم الله، هذه كلها دخلتَ منطقة الخطر، دخلت الساحة التي تُشَكِّلها حولها المرأة، فلذلك: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ .
على الإنسان أن يُحصِّن نفسه بالزواج:
أيها الإخوة؛ وقفت وقفتين متأنيتين عند كلماتٍ في هذه الآية التي وردت في آيات الصيام، وقفت عند: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ ووقفت عند قوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ من الوَلَد الصالح، فالإنسان عليه أن يُحصِّن نفسه بالزواج، ولاسيما في هذه الأيام، لأنه حقّ على الله أن يُعين الشاب إذا طلب العفاف، هذا شيء ثابت، شاب مؤمن يخشى أن يعصي الله، إذا طلب العفاف فحقّ على الله أن يعينه، فالزواج حِصن، والزواج سَبَب لإنجاب الأولاد الصالحين من بعدك، لذلك: "لا رهبانية في الإسلام" .
الزواج سُنةٌ من سُنَن النبي عليه الصلاة والسلام، وكل إنسان يُسهم بشكلٍ أو بآخر، كل إنسان يُذلل العقبات أمام من يرغبون بالزواج له أجر عند الله كبير، الذي قدَّم بيتاً، الذي قدَّم مبلغاً من المال مساعدة، الذي قدَّم أثاثاً، الذي قدَّم مهراً، الذي زوَّج ابنته ولم يشدِّد على الصهر، تساهل معه، هذا كل إنسان له أجر، إذا تعاونا يُشيع النكاح، وإن لم نتعاون يشيع السِفاح مكان النكاح، لأن الزواج حاجة أساسية في الإنسان، فإذا وضعنا عقبات عالية أمامها طبعاً سلك الإنسان طريقاً منحرفاً:
(( عن أبي هريرة: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض. ))
إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقه ولم تزوجوه، لأنه ليس لديه بيت، أو يسكن خارج دمشق ليس مقبولاً، أو ليس لديه سيارة، أو ليس له دخل كبير يُحقِّق طموحات ابنتنا، فإذا كان هذا هو المقياس فابشروا بفسادٍ عَريض، وابشروا أن تتحول كل بيوت المسلمين إلى بيوت دعارة.
الآيات تؤكد على تحصين الشباب بالزواج وابتغاء الولد الصالح منه:
أنا ركَّزت على كلمة: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ ولاسيما في هذه الأيام العصيبة التي تبدو فيها المرأة في الطريق كما خلقها الله، لم يبقَ للزوج شيءٌ منها، هؤلاء:
(( عن أبي هريرة: صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا. ))
العنوهن فإنهن ملعونات هكذا قال عليه الصلاة والسلام، لأنها تثير الشهوة قبل أوانها، شابٌ بينه وبين الزواج عشر سنوات، أو عشرون عاماً أحياناً، هذه تُثير فيه أعمق شهواته، وهي لا تدري ماذا تفعل، لذلك هذه المرأة المُتَستِّرة هذه لها عند الله مقامٌ كبير، هذه التي لا تؤذي شباب المسلمين، لا تثير فيهم الشهوات قبل أوانها، هذه المرأة التي تحفظ مفاتِنها عن أنظار الرجال والشباب هذه امرأةٌ ترضي الله عزَّ وجل، أما التي تُبرز مفاتنها أمام الرجال هذه امرأةٌ تُلقي القنابل في دروب الشباب دون أن تشعر.
فلذلك التركيز في هذه الآيات على تحصين الشباب بالزواج، وعلى أن يبتغوا من الزواج الوَلد الصالح، أو البِنت الصالحة التي تنفع الناس من بعدهم.
أنا كلَّما ذكرت موضوع الزواج حضرتني آيةٌ لا علاقة لها بالزواج، لا أدري لمَ؟ لكني أراها منطبقة على الموضوع انطباقاً كلياً، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)﴾
أي الشاب المؤمن حينما يسعى للزواج قد يتعب كثيراً حتى يؤمِّن مأوى صغيراً، قد يتعب كثيراً ليؤسِّس هذا المأوى، قد يتعَب كثيراً ليُقدِّم المهر لزوجته، لكنه يرجو من زواجه ما لا يرجوه الشاب الشارد، ذاك يرجو المُتعة، وهذا يرجو ولداً صالحاً ينفع الناس من بعده، هذا يرجو بيتاً إسلامياً، هذا يرجو لبِنَةً محكمةً في بناءٍ شامخ، وذاك يرجو المتعة والابتهاج.
التطبيق العملي لهذا الدرس أن نسهم في تسهيل الأمور أمام المتزوّجين:
لذلك أيها الإخوة؛ التطبيق العملي لهذا الدرس أن نُسْهم جميعاً بأية طريقة في مساعدة طالِبي الزواج، الذي قدَّم بيتاً، الذي قدّم هدية ثمينة، والله سمعت عن شيء في بعض البلاد الإسلامية أعجبني جداً، إنسان تزوج يتولَّى إنسان آخر إحصاء كل حاجاته، كل إنسان يريد أن يُقدم هدية لهذا الشاب المتزوج يسأل هذا الشخص: ما يحتاج؟ عنده قائمة، بدل أن تأتي الهدايا عشوائيَّة، وغير مفيدة، وليست ذات قيمة، لا تقدَّم له هدية إلا ضمن برنامج دقيق هذه كل حاجاته، فقد يسهم أربعة في شراء براد مثلاً، قد يسهم خمسة أشخاص في شراء حاجة أساسيَّة، فالحياة كلها تعاون، والحياة:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾
فنحن التطبيق العملي لهذا الدرس أن نُسهم بشكلٍ أو بآخر في تسهيل الأمور أمام المتزوّجين، لأن الله عزَّ وجل يقول:
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)﴾
أمر إلهي، معنى ﴿أَنْكِحُوا﴾ أيْ يسِّروا سُبُل الزواج لكل إنسانٍ، ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى﴾ من هو الأيِّم؟ الإنسان الذي لا زوجة له، أو المرأة التي لا زوج لها ثيباً كانت أو بكراً، وهناك أمر إلهي، أيْ معنى ذلك سهلوا سُبُلَ الزواج ليحلَّ النكاح مكان السفاح، لتحل الأُسر محلَّ بيوت الدعارة: ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض)) سيدنا شُعَيْب عندما عرض ابنته على سيدنا موسى قال له:
﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)﴾
هذا منهج، بمعنى أيّ أب عنده بنت ينبغي ألا يشُقَّ على خاطب ابنته، إذا كان دينه جَيِّداً، وأخلاقه عالية، لكنه قليل ذات اليد، الفقير قد يغنيه الله عزَّ وجل، أما الغني الفاسق قد يزداد فِسْقاً.
الملف مدقق