الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الحقيقة العظمى التي ينبغي أن يُعلن عنها دائماً أن هناك إلهاً واحداً:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث والخمسين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الثالثة والستين بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)﴾
الله جلّ جلاله بعد أن قال:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)﴾
ما الحقيقة الكبرى التي ينبغي أن تُبيَّن؟ وما الحقيقة العظمى التي ينبغي أن يُعلن عنها دائماً؟ ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ كلمة ﴿وإلهكم﴾ أيُّ إنسان بفطرته يعتقد أن هناك إلهاً عظيماً خلق الكون، هذا الاعتقاد بأن لهذا الكون خالقاً عظيماً يستوي فيه البشرُ جميعاً، حتى الوثنيون:
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هو كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾
الله عز وجل ليس خالقاً فقط بل مسيِّراً:
لكن الموضوع اليوم الذي ورد في هذه الآية أن هذا الإله العظيم الذي خلق السماوات والأرض هو بيده كل شيء، ليس خالقاً فقط بل مسيّراً، الله ليس خلَّاقاً بل فعَّالاً، بيده أدقُّ التفاصيل، قال تعالى:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هو وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)﴾
كل قصص القرآن الكريم مؤدّاها أن الله عز وجل إله حيٌّ قيّوم فعَّال مُهيمن، لذلك إلهكم أيها الناس إله واحد، في أزمان البُعد عن الله توهَّم الناسُ آلهة غير الله، الجهة التي تخافون منها، الجهة التي تُعظّمونها هي جهة واحدة، هي الله، أناس عبدوا الشمس، أناس عبدوا البقر، أناس عبدوا مظاهر الطبيعة، الذي تخافه، وترجوه، وتعتقد أن الأمر كله بيده هو الله، ولا إله آخر معه أبداً، ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذا كلام خطير أيها الإخوة؛ إنسان مسلم عادي قد يتوهَّم أن زيداً بإمكانه أن يرفعه، وعُبيداً بإمكانه أن يناله بالأذى، وفلاناً يعطيه، وفلاناً يمنعه، هناك شِرك خفي، الجهة الوحيدة المتصرِّفة، الجهة الوحيدة الفعّالة، الجهة الوحيدة التي بيدها كل شيء هي الله وحده: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ طبعا كلمة واحد أي لا ثاني له، و كلمة أحد أي لا مثيل له، ليس له شريك وليس في خلقه من يشبهه، إذا قلنا: واحد، لا ثاني له، لأن واحداً وصف كمِّي، أما إذا قلنا: أحد فهو وصف نوعي، قد نقول: هذا الطالب هو الرابع على صفه، هو واحد لكنه الرابع، هذا وصف نوعي، أما إذا قال: جاء أربعة طلاب فهذا وصف كمي، فكلمة واحد أي لا ثاني له، و كلمة أحد أي لا مثيل له، لا يشبهه شيء.
أجمل ما في حياة المؤمن هذا التَّوجُّه إلى الله عز وجل:
﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ أجمل ما في حياة المؤمن هذا التَّوجُّه إلى الله عز وجل، حياة المنافق:
﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)﴾
الإنسان حينما يشرك يتوزَّع، يتمزَّق، وإرضاء الناس جميعاً غاية لا تُدرَك، إرضاء الناس جميعاً مستحيل، فالذي يتعامل مع الله وحده مستريح، هذا الإله العظيم يراه، ويسمع نداءه، ويستجيب لدعائه، وهو عليم بسريرته، عليم بمخبره، عليم ببواعثه، عليم بنواياه، لا تخفى عليه خافية، لا يحتاج إلى إيصال، ولا إلى شهادة، علاقتك مع الله عز وجل، إن أخلصت النية لله عز وجل فأنت في راحة نفسية مع الخلق، ﴿وَإِلَهُكُمْ﴾ الذي خلق الكون هو الفعّال، هو المسيِّر، هو المتصرِّف، هو المالك، هو المعطي، وهو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعزُّ، هو المذل، هو القابض، هو الباسط، هو المُسْعِد، هو المشقي، هو المُسَلِّم، هو الحافظ، هو الذي يسوق للإنسان الشدائد، بيده كل شيء، هذا هو التوحيد، وهذا هو الدين كله.
الإنسان المؤمن يعيش في التوحيد أما غير المؤمن فيعيش في الشرك الخفي:
﴿وَإِلَهُكُمْ﴾ أي الجهة التي ينبغي أن تُعبد، الجهة التي ينبغي أن يُخاف منها، الجهة التي ينبغي أن تُرجى هي الله، و لا إله إلا الله، لذلك الإنسان المؤمن يعيش في التوحيد، والتوحيد مريح، بينما غير المؤمن يعيش في الشرك الخفي، أن يُعبَد صنمٌ في بلاد المسلمين هذا شيء انتهى، مستحيل، ما الذي نخاف منه؟ أن نؤلِّه بعضُنا بعضاً، أن يتَّكل بعضنا على بعض، أن نعلِّق الآمال على مخلوقِين.
إذاً أنت أيها المؤمن بين حالين؛ بين أن تقول: أنا؛ أنا بتحصيل العلم، أنا بذكائي الفطري، أنا ابن فلان، أنا أحمل شهادة نادرة جداً، أنا عملت عملاً عظيماً جبَّاراً، إذا قلت: أنا، تخلى الله عنك، أوكلك إلى نفسك، وإذا قلت: الله، تولّاك، فأنت بين التولّي والتخلّي، بين أن تنسب ما أنت فيه من الخير إلى ذاتك فهذا شرك خفي، يتخلى الله عنك، أي لو أن إنساناً مدحك، لماذا مدحك؟ قال بعض العلماء-ولعله صاحب الحكم العطائية-ابن عطاء الله السكندري: "ما مدَحَك من مدحك وإنما مدح من مَنَحك" .
رؤية المؤمن رؤية توحيدية:
إذا أعطاك الله فهماً دقيقاً، أو لساناً طليقاً، أو حكمة، أو أعطاك قدرة على كسب المال، أو أعطاك قدرة على الفهم، فإذا مدحك إنسان وكنت أنت موحِّداً، يجب أن تذوب خجلاً من الله عز وجل، لأن هذا الذي مدحك لولا أن الله منحك لما مدحك، فهو في الحقيقة يمدح من منحك، لا يمدحك أنت، "ما مدحك من مدحك وإنما مدح من منحك" ، فالمؤمن كلما سمع ثناء الناس عليه ذاب تواضعاً لله عز وجل، ذاب شكراً له.
أنا لا أنسى أخاً كريماً تبرَّع ببيت غالٍ جداً، تبرَّع به لعمل طيِّب، أُقيم له حفل تكريم، وكل من ألقى كلمات أشادوا بإحسانه وفضله، إلا أحد إخوتنا الكرام لفت نظره فقال له: أيها المحسن الكريم كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين بجمعيتنا، ولكن الله كرَّمك فجعلك تعطي لا تأخذ، تعطي ولا تأخذ.
أي أنت حينما تمشي في الطريق، وترى من يُنقِّب في الحاوية، ليأكل شيئاً فاسداً من شدَّة الجوع، كان من الممكن أن تكون مكانه، اشكُر اللهَ عز وجل على أن كفاك، على أنه لم يجعلك تقف هذا الموقف الصعب، فالإنسان الموحِّد لا يرى إلا فضل الله عليه، أي إذا دخل أراد أن يُفرِغ مثانته، هذه نعمة كبرى جداً، لو أن هذا الماء حُبِس في المثانة لاحتاج إلى عملية وإسعاف وتخدير وتمييل، لو أن هذا الكأس مُنِع عنك تشتريه بنصف ما تملك.
أحد المرضى في كليته مصاب بفشل كلوي، ذهب إلى غسيل كليته في المستشفى، قالت له الممرِّضة بعنف وبقسوة: لا تشرب ماء، الآلة معطَّلة، أنت حينما تشرب الماء كما تشتهي، كأساً واثنين وثلاثة وأربعة، هذه نعمة لا نعرفها إلا إذا فقدناها، مسموح لك أن تشرب ماء بقدر ما تريد، ومسموح لك أن تأكل، مسموح لك أن تمشي، مسموح لك أن تخدِم نفسك بنفسك، فلذلك المؤمن حينما يرى فضل الله عليه ويستمع إلى ثناء الناس عنه ينبغي أن يذوب خجلاً، لأن هؤلاء الذين يمدحونه إنما يمدحون من منحه، لا يمدحونه هو، فهذا التوحيد أن ترى أن الله وراء كل شيء، وفوق كل شيء، ومع كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، هذه رؤية المؤمن رؤية توحيدية، فنعمة السمع ونعمة البصر ونعمة العقل الذي في رأسك.
ليس بعد نعمة الإيمان من نعمة إلا نعمة الصحة:
مرة كنا في حفل في أطراف المدينة، ضَمَّ الحفل أكثر من ألف شخص، ودُعِي لهذا الحفل أكثر علماء دمشق، إنسان مجنون تكلَّم بكلام لا يُحتمل، سبَّ سباباً لا يُحتمل، قلت: يا ربّ ما الحكمة من وجود هذا الإنسان الذي أفسد هذا المجلس كله؟ كأن الله عز وجل يريد أن يبيِّن لنا نعمة العقل، إنسان عقله سليم، يتكلَّم عند الضرورة، أحياناً يصمت، أحياناً يتكلم، يجلس، يقف، يمشي، هذه نعمة كبيرة جداً، أنه يوجد عندك تمييز، فنعمة العقل ونعمة البصر ونعمة السمع ونعمة الحركة، لو أن الإنسان فَقَدَ حركته نرى أن خدمته أول أسبوع خدمة ممتازة، ثاني أسبوع أقل، بعد ذلك أقرب الناس إليه يتمنى موته، وقد يسمعها بأذنه: "خفف الله عنك" ، لأنه صار إنساناً بلا حركة، أصبح عبئاً ثقيلاً جداً.
فإذا تحرك الإنسان، سمعه، بصره، أجهزته، أعضاؤه، خروج ما عنده من جسمه سليم هذه نعمة كبرى، لذلك ليس بعد نعمة الإيمان من نعمة إلا نعمة الصحة، وليس بعد نعمة الصحة من نعمة إلا نعمة الكفاية.
(( عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. ))
[ رواه البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي في "السنن" وقال: حسن غريب ]
﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذا التوحيد، ما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، علاقتك مع جهة واحدة، حسابك مع جهة واحدة، اعتمادك على جهة واحدة، أملك بجهة واحدة، رجاؤك بجهة واحدة، هذه الجهة واحدة، كل شيء متعلِّق بها، قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
سورة هود
﴿كُلُّهُ﴾ توكيد؛ ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ أي ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله راجع إليه ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ .
ما سوى الله عز وجل إما منعَم عليه وهو الإنسان وإما نعمة وهو الكون:
﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ لأنه صار هناك أصنام وصار هناك شركاء لله عز وجل من باب التأكيد ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هو﴾ إلهكم الذي ينبغي أن تعبدوه هو الله، وهو إله واحد، ومزيداً من التأكيد ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هو﴾ ما سوى الله هو الكون، إما أنه نعمة، وإما مُنْعَم عليه، الإنسان مُنعَم عليه، والكون كله نعمة، عطاء، مصدره الرحمة، الإنسان يأخذ متى يعطي؟ إذا كان في قلبه رحمة، الإنسان يأخذ المال متى يُنفق المال؟ إذا كان هناك رحمة، الإنسان يأكل متى يُطعِم؟ الإنسان يعالج نفسه متى يعالج غيره؟ إذا كان هناك رحمة، فما سوى الله عز وجل إما مُنعَم عليه وهو الإنسان، وإما نعمة وهو الكون، والله عز وجل سخَّر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وكما يقول بعض العلماء: أساس خلق السماوات والأرض رحمةُ الله، لذلك قالوا: هو اسم الله الأعظم، أي أراد اللهُ أن يخلق خلقاً ليسعدهم، قال تعالى:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾
خلقهم ليرحمهم.
من تفلت من منهج الله سقط في وحل الشهوات:
أما ما يجري في الأرض الآن من مصائب فهذه محض رحمة أيضاً، قال تعالى:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾
إذا تفلَّت قوم من منهج الله سقطوا في وحل الشهوات، عاشوا حياة إباحية، أداروا ظهورهم لمنهج الله، سمعت تعليقاً لفت نظري: مئة طائرة من أحدث الطيران الحربي في العالم لو قصف منطقة ثلاثين يوماً بشكل مستمر ليلاً و نهاراً، ما استطاع أن يخرَّب ما خرَّبه الزلزال في خمس وأربعين ثانية، قال تعالى:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
مئة طائرة تقصف هذه المنطقة ثلاثين يوماً ليلاً ونهاراً لا تستطيع أن تُخرّب ما فعله هذا الزلزال في خمس وأربعين ثانية فقط؟! هذا الذي ينسى الله عز وجل:
﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)﴾
أي بلد جميل، وأخضر، وتجارة عريضة، وأموال متدفِّقة، ونساء كاسيات عاريات، ومحطات فضائية، وتفلُّت، وملاه، وقمار، وزنا، وشذوذ، من دون معالجة إلهية!! مستحيل، لابدَّ من تدخُّل الإله، فعّال.
الله عز وجل موجود ومن حين لآخر يُظهر آياته للناس:
قال تعالى:
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)﴾
الأرض مستقرة، تنشئ بناء من عشرين طابقاً مستقراً، زلزال بثماني درجات من مقياس ريختر لا يُبقي شيئاً، ست درجات يكون مدمِّراً، خمس درجات مخيف، أربع درجات هزَّة أرضية خفيفة، أما ثماني درجات فلا تبقي ولا تذر، قال تعالى:
﴿ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)﴾
فالله عز وجل موجود، ومن حين لآخر يُظهر آياته للناس، هناك أعاصير في أمريكا أضرارها ثلاثون ملياراً، إعصار واحد، رياح سرعتها ثمانمئة كيلو متر في الساعة، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ فخلقنا ليسعدنا فلماذا الزلازل؟ ولماذا الفيضانات؟ ولماذا الأعاصير؟ ولماذا الصواعق؟ ولماذا الحروب الأهلية؟ ولماذا القهر؟ ولماذا المجاعة؟ ولماذا المرض؟ كلّ هذا تلخِّصه أيةٌ واحدة، قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾
قال تعالى:
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾
والتفاصيل مخزية، ما يجري في العالم في موضوع الرقيق الأبيض، ودُور البغاء في العالم، والانحرافات، والإباحية، وزنا المحارم، وتبادل الزوجات، في العالم كله، قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ .
الفساد أيها الإخوة؛ أن تُخرج الشيء عن طبيعته التي خلقها الله عز وجل، هذا الماء الله خلقه لا طعم له ولا رائحة وهو صافٍ، هذه طبيعته، لو كان له رائحة كريهة معنى ذلك أنه ماء فاسد، لو كان فيه عكر لكان ماء فاسداً، فالفساد أن تُخرج الشيء عن طبيعته، فتاة طاهرة نقية عفيفة، هذه الله عز وجل خلقها على فطرة سليمة، من أجل أن تكون زوجة ثم أمّاً ثم جدة، تُسعِد وتَسعَد، فالذي أفسدها وجعلها مومساً ماذا فعل بها؟ أفسدها، أخرجها عن طبيعتها، ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ الإنسان أساسه مخلوق مخيَّر، أُودعت فيه الشهوات لترقى به إلى الله وفق منهج حكيم، فتحرَّك بدافع من شهواته بلا منهج، سيارة من أحدث الصناعات مصمَّمة كي تُسعدك، لكن هناك مقود تحتاج إلى سائق ماهر، فالسائق إذا شرب الخمر وغاب عن الوعي، ونزل في الوادي، وتحطَّمت السيارة، وأهلكت صاحبها، هل الخطأ بالصنعة أم بالذي يستخدم هذه الآلة؟ بالمستخدِم الخطأ، فالفساد أساسه من الإنسان.
سبب المصائب ابتعاد الناس عن منهج الله عز وجل:
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ وكان من الممكن ألا يذيقهم الذي عملوا، لكن شاءت حكمة الله أن يذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
تصوَّر الإباحية في العالم بشيء مخيف مع وجود الإيدز فكيف تكون هذه الإباحية من دون هذا المرض؟ في الجامعة عندنا رسموا لوحة رمزية شاب وفتاة: "احذر الإيدز"، بالخمسينات: "احذر غضب الله" كان الناس يخافون أن يعصوا ربهم، الآن يخافون الإيدز، يبتعدون عن الزنا مخافة هذا المرض، مُسِخوا قردة و خنازير طبعاً، المسخ قد يكون مسخاً معنوياً، بدل أن تخاف الله، وأن تكون عفيفاً كسيدنا يوسف، الآن تخاف الإيدز فقط: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ .
﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ هذا الكلام كله سبب ذكره أن الله عز وجل خلق هذا الخلق كله من أجل أن يسعدنا، لكن لماذا هذه المصائب؟ لأن الإنسان ابتعد عن الله عز وجل، فلابدَّ من شيء يُعيده إلى الله عز وجل، ثم إن هذه الألوهية والوحدانية يؤكِّدها الكونُ.
قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)﴾
[ سورة البقرة ]
هل هناك في الأرض جهة غير الله تدَّعي أنها خلقت الكون؟ أبداً، لو هناك إله آخر لسمعنا رسالته، هل هناك جهة غير الله تدَّعي أنها خلقت السماوات والأرض؟ ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ والدليل: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ نقف عند السماوات والأرض، أحدث رقم مئة ألف مليون مجرة، في كل مجرة تقريباً مئة ألف مليون نجم، والشمس نجم، الأرض كوكب، والشمس نجم ملتهب، أي الشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، المجموعة الشمسية كلها قطرها الزمني ثلاث عشرة ساعة، درب التبابنة مجرتنا، قطرها الزمني، طولها الزمني مئة وخمسون ألف سنة ضوئية، الثلاث عشرة ساعة نقطة في هذه المجرة، ومجرتنا مجرة معتدلة، والحديث عن الكون لا ينتهي، فالسماوات والأرض كون كله يتحرك، لو لم يتحرك لأصبح كتلة واحدة بفعل الجاذبية، أما هذا الكون كله متحرك، الحركة ينشأ عنها قوة نبذ، هذه القوة النابذة تكافئ القوة الجاذبة، إذاً الكون يتحرك بشكل متوازن.
مرة ضربت مثلاً: لو وضعنا لإنسان اختصاصه الفيزياء قطعتين مغناطيسيتين متساويتين متكافئتين في مكانين على سطح صقيل، وجئنا بكرة حديدية بينهما، قلنا له: أنت مُكلف أن تضعها في مكان متوسط بحيث تتكافأ قوةُ جذب كل جهة مع الثانية، تستقر، فوق طاقته، لو تحركت عشر الميليمتر تنجذب إلى جهة، أما أن تضعها في مكان تستقر بحيث تتكافأ قوى التجاذب هذا فوق طاقة الإنسان، لو أن الكتلتين غير متساويتين أصعب بكثير، تحتاج إلى حسابات دقيقة جداً، لو كان هناك ثلاث كتل، لو أن هذه الكتل في فراغ، لو أنها متحركة، تصوَّر كتلاً متفاوتة في الحجم متحركة متجاذبة، والمحصلة نظام دقيق جداً، المحصلة أن ساعة
"بيغ بن" هذه أدق ساعة في العالم تُضبط على أحد النجوم، قد تُقصِّر أو تُقدّم في العام ثانية واحدة، والنجم لا يتغيَّر، معنى ذلك هناك دقة في الحركة مذهلة، ومع التفاوت في الحجم والسرعة والمسافات والحركة الدائمة الكون مستقر، يُسمى هذا: التوازن الحركي،
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هل هناك جهة غير الله تدَّعي أنها خلقت السماوات والأرض؟
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ نحن في المدن لا نرى السماء، قلَّما نراها، لو ذهبت إلى الريف، واستلقيت على الأرض، ونظرت إلى السماء في أيام غياب القمر، المنظر مدهش، هذا النجم الأبيض مرَّ بمرحلة ثانية، النجم الأحمر يكون نجما فتيّاً، بعد ملايين مَلايين ملايين السنين ينقلب إلى نجم أبيض، ثم إلى ثقب أسود، ينتقل من نجم أحمر، إلى نجم أبيض، إلى نجم أسود، الأسود صار مقبرة، لو دخلته الأرض، لو دخلت الأرضُ ثقباً أسودَ لأصبح حجمها بحجم البيضة، مع الوزن نفسه، هذه قوى الضغط.
الأرض والشمس من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أيْ إذا كان بيننا وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية فقط، لو أردنا أن نصل إليها بسيارة نحتاج إلى خمسين مليون سنة، انظر سيدنا عيسى جاء قبل ألف وتسعمئة وتسع وتسعين، أي قبل ألفي سنة تقريباً، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب نحتاج إلى خمسين مليون سنة ضوئية بالسيارة، نجم القطب أربعة آلاف سنة، في المجرة المسلسلة، المرأة المسلسلة مليونا سنة، هناك أربعة وعشرون ألف مليون، ما هذه المسافات؟ قال تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾
الشمس نبع ضوئي حراري والأرض هنا، لو أن الأرض لا تدور حول نفسها لانتهت الحياة، الوجه المقابل للشمس ثلاثمئة وخمسون درجة والوجه الآخر مئتان وسبعون تحت الصفر، لا يوجد حياة، تدور، إذاً من أين جاء تعاقبُ الليل والنهار؟ من دورانها حول نفسها،
لو أنها تدور هكذا لا هكذا، الشمس هنا والأرض هنا تدور هكذا، أي باللغة الرياضية تدور على محور موازٍ لمستوى دورانها حول الشمس، أيضاً كأنها واقفة، قسم يدور هكذا مقابلاً للشمس ثلاثمئة وخمسون، وقسم مئتان وسبعون تحت الصفر، انتهت الحياة، بقي أن تدور هكذا، الشمس هنا، أن تدور هكذا، لو دارت هكذا على محور متعامد مع مستوى دورانها هكذا صيف أبدي، شتاء أبدي، ربيع أبدي، خريف أبدي، لا يوجد فصول، لكن جلَّت حكمة الله عز وجل جعل الأرض تدور على محور مائل، لما كان مائلاً صار للأرض وضعان؛ الشمس هنا، هنا شمال الكرة الأرضية صيف، الأشعة عمودية، جنوبها شتاء، الأشعة مائلة، في الفصل المقابل انعكست الآية صار جنوبها أشعة عمودية، شمالها مائلة، صار هناك فصول،
إذاً لولا دورة الأرض حول نفسها على محور ليس موازياً لمستوى دورانها لما كان ليل ولا نهار، لو دارت على محور عمودي لأُلغيت الفصول، إنها تدور على محور مائل، فصار هناك ليل ونهار.
اختلاف الليل و النهار لها معان كثيرة:
الآن اختلاف الليل و النهار له معان كثيرة.
أول معنى: تعاقب الليل و النهار.
2 ـ اختلاف طول الليل والنهار من فصل إلى فصل:
المعنى الثاني: اختلاف طول الليل والنهار من فصل إلى فصل من سبع عشرة ساعة إلى اثنتي عشرة ساعة، بين الشتاء وبين الصيف، والليل بالصيف قصير، بالشتاء طويل، والنهار بالصيف طويل، بالشتاء قصير، فاختلاف الليل والنهار، تعاقب الليل والنهار، أو تبدُّل أطوال الليل والنهار، هذا من آيات الله، لو إنسان متفرغ وتصوَّر حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس ومستوى دورانها ومحورها المائل لرأى شيئاً مذهلاً، من هذه الآيات:
﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ لماذا جعل الله البحر أربعة أخماس اليابسة؟ لأن الأرض تحتاج إلى أمطار، والأمطار تحتاج إلى تبخُّر،
لابدَّ من مسطَّحات مائية واسعة جداً، البحر همزة اتّصال بين القارات، لكن كيف ننتقل عبره؟ لابدَّ من مراكب، ما الذي يمنع المراكب أن تغرق في البحر؟ الله خلق قوة في البحر اسمها قوة دافعة أرخميدس،
كشفها العالم أرخميدس، إذا أنت حملت وعاء فيه ماء له وزن، تشعر بوزنه، قد يكون عشرين كيلو، ضعه في بركة ماء، تجد أن نصف وزنه ذهب، لأن في الماء قوة دافعة نحو الأعلى، لولا هذه القوة لما كان هناك شيء اسمه بواخر في البحر، البواخر أداة اتّصال بين القارات، كل الخيرات التي ترونها بسبب التبادل التجاري بالعالم، لماذا الآن المقاطعة مخيفة جداً؟ تمنع التبادل التجاري، الله جعل الأرض كلها متكاملة مع بعضها، فأي بلد يُقاطَع اقتصادياً يموت أهله، فالله جعل هذا البحر أداة اتصال بين القارات، وجعل فيه القوة الدافعة نحو الأعلى، أي تماسك الذرَّات المائية، ينشأ عن هذا التماسك قوة دفع نحو الأعلى، أي الذرات المائية ترفض أن تتباعد، رفضها أن تتباعد بالمقابل قوة نحو الأعلى، تجد باخرة حمولتها مليون طن، الآن هناك بواخر حمولتها مليون طن، مدينة في البحر تسير، ما الذي يمنعها أن تقع في القاع؟ هذا الخلق الإلهي، قال تعالى:
﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ .
الآيات الكونية الدالة على وحدانية الله:
الله عز وجل ذمَّ وتوعد أولئك الذين يكتمون العلم، وقال: ينبغي أن تُبيِّنوا أن إلهكم إله واحد، وأنه رحمن رحيم، وهذا هو الدليل، وهذا هو الطريق إلى الإيمان بإله واحد، ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ قال تعالى:
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)﴾
أي قضية الماء قضية الحياة في الدنيا، فأينما وجدت الماء وجدت الحياة،
الماء فُقِد تُفقد معه الحياة، وربُّنا عز وجل -أقولها مرات كثيرة-إذا قنَّن فإن تقنين الله تقنين تأديب لا تقنين عجز ولا تقنين بخل، الإنسان يقنَّن تقنين عجز أحياناً لا يوجد عنده، أو تقنين بخل، إلا أن الله إذا قنَّن فيقنن تقنين تأديب، قال تعالى:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)﴾
الرياح من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ الماء يُنبت الزرع، والزرع يأكله الحيوانُ، والإنسان ينتفع بالنبات والحيوان معاً، لذلك لو انعدم المطر لهلك الزرع والضرع، وهلك الإنسان.
﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ هذه الرياح من آيات الله الدالة على عظمته، أي الهواء، تحرُّك الهواء نعمة كبرى، كيف يتحرك؟ الله جعل الهواء كأيِّ عنصر يتمدَّد بالحرارة وينكمش بالبرودة، وجعل مناطق حارة في خطّ الاستواء، ومناطق باردة في القطب، فالهواء في القُطب منكمش، ضغطه عالٍ، والهواء في الاستواء ضغطه منخفض، من فروق الضغط بين القطب وخط الاستواء تنشأ حركة رياح، الهواء الثقيل يهرب إلى المكان المُخَلْخَل، فهذه من نعمة الله، مع دوران الأرض تنشأ تيارات من الهواء من الشمال إلى الجنوب الشرقي هكذا،
الرياح الغربية، تأتي شمالية غربية تقريباً، هذه الرياح تسوق السحاب، والسحاب فيه أمطار:
﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)﴾
﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ ما الذي يحمل السحاب؟ كيف أن الله عز وجل صمَّم الهواءَ أن يحمل السحاب، الهواء مصمَّم أن يحمل السحاب، المتر المكعب من الهواء يتحمَّل كمية بخار ماء معيَّنة، بحرارة معينة، فلو أن الحرارة هبطت لانعصر بخارُ الماء فانقلب إلى قطرات ماء، هو السحاب بخار ماء، هناك بخار ماء شفَّاف، هنا الآن يوجد بخار ماء، لو عندنا مقياس رطوبة؛ دمشق خمس وثلاثون رطوبتها تقريباً، في الساحل تسعون، في الأماكن الجافة عشرة، كل مكان فيه جهاز يقيس فيه رطوبة لكن شفافة، السحاب رطوبة كثيفة،
هذا السحاب محمول بالهواء، الهواء من خصائصه أنه يحمل بخار الماء، كل درجة حرارة تُقابلها كمية بخار ماء محمولة فيه، فلو الحرارة هبطت فجأةً، الماء يعصر بخار الماء ويقلبه إلى ذرات.
﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)﴾
هذا النظام مَن خلقه؟ مَن نظَّمه؟ مَن قنَّنه؟
﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ مسخَّر حملاً، ومسخر تنقُّلاً، من ينقل السحاب من مكان إلى مكان؟ الإنسان إذا ركب طائرة يرى السحُب من أعلى كأنها جبال بكل معاني هذه الكلمة، وديان، وجبال، وتلال، وقمم مؤنَّفة، وقمم منبسطة، هذا السحاب رحمة الله عز وجل.
الآيات الكونية هي طريق معرفتنا بالله عز وجل:
﴿إِنَّ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ﴾ تصريف الرياح؛ رياح شرقية، رياح غربية، رياح معتدلة، نسيم عليل، عواصف هوجاء، أعاصير مدمِّرة من حيث سرعتها، من حيث حرارتها، هناك رياح باردة جداً تسبب الزمهرير، هناك رياح حارة، هناك رياح دافئة، هناك رياح منعشة،
تصريف الرياح سرعةً وبرودةً وحرارةً واتَّجاهاً، هناك اتجاه وسرعة وبرودة وحرارة:
﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ .
أيها الإخوة؛ في القرآن ألف وثلاثمئة آية كونية، هذه طريق معرفتنا بالله عز وجل، ما بثَّ الله هذه الآيات ولا تحدَّث عنها في قرآنه إلا كي تكون لنا موضوعات للتفكر.
وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذا الموضوع.
الملف مدقق