وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 40 - سورة المائدة - تفسير الآيات 90 - 91 ، الأنصاب والأزلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

هناك عقد إيماني بين المؤمن وبين ربه :

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الأربعين من دروس سورة المائدة، ومع الآية التسعين، والتي بعدها وهي قوله تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) ﴾

[ سورة المائدة ]

 ذكرت في الدرس الماضي أن عقداً إيمانياً بين المؤمن وبين ربه، يشير إليه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الله عز وجل بوجود عقد إيماني بينك وبين الله يؤاخذك، بينما الكافر لا عقد بينه وبين الله فيأخذه، وفرق كبير بين أن يأخذه الله، وبين أن يؤاخـذه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)   يا من آمنتم بالله، آمنتم بوجوده، بوحدانيته، بكماله، بأسمائه الحسنى، بحكمته، برحمته، بقدرته، بعدله، برأفته، بلطفه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

من بنود التشريع أن الشيء الذي يعطل العقل وهو مناط التكليف محرم أشد التحريم :

 أيها الإخوة، لأن الحيوان تحكمه غريزته، وغريزته منضبطة أشد الانضباط بأمر تكويني، الغريزة عند الحيوان منضبطة بأمر تكويني من الله عز وجل، لا عقل له، ولا تكليف معه، لكن له غريزة منضبطة. الإنسان غرائزه مفتوحة، بإمكانه أن يتحرك من خلال غرائزه في كل الاتجاهات، ولكن الله سبحانه وتعالى أعطاه عقلاً، وأنزل تشريعاً. بالضبط كوجود جهاز لكشف العملة المزيفة، وفيه نشرة بأرقام العملات المزيفة، وأنت الآن تبيع بيتك الذي لا تملك سواه، وقبضت ثمنه عملة صعبة، معك جهاز اكشف زيف هذه العملة، أو عدم زيفها بالجهاز، أو اقرأ النشرة، انظر إلى أرقام العملات المزيفة، ودقق بينها وبين هذا الذي أمامك، فالإنسان إذا لم يستخدم الجهاز ولم يقرأ التعليمات هو الآثم، هو المخطئ، هو المُتسبِّب بهذا الضرر الذي لحق به.

 لذلك الله عز وجل أعطانا منهجاً، أعطانا عقلاً، فالشيء الذي يُذهِب عقلك، والعقل مناَط التكليف، الحيوان ليس له عقل، والمادة ليس لها عقل، إذاً هي مُسيَّرة، ومُسيَّرة بغرائز، بينما الإنسان معه أمر تكليفي، حريته مطلقة، معه حرية كاملة، ومعه شهوات، يمكن أن يمارسها بكل دقيقة، لكن معه عقل، ومعه تشريع، فمن بنود هذا التشريع أن الشيء الذي يعطل عقلك، وهو مناط التكليف مُحرم أشد التحريم، هذه واحدة.

 لكن أراد الله سبحانه وتعالى أن نكسب أرزاقنا ليكون كسب الرزق امتحاناً لنا، فأنت بوجود دافع إلى الطعام، ودافع إلى الجنس، ودافع إلى تأكيد الذات، لا بد من أن تتحرك، لا بد من أن تأكل، ولا بد من ثمن الطعام، ولا بد من عمل لكسب ثمن الطعام، ولا بد من عمل لكسب نفقات الزواج، ولا بد من عمل لتأكيد الذات، إذاً: الله عز وجل زوّد الإنسان بدوافع إلى الطعام والشراب، وإلى الجنس، وإلى تأكيد الذات، هذه الدوافع من خلالها يُمتَحن الإنسان، يصدق أو يكذب، يُخلِص أو يخون، يُنصِف أو يجحد، لذلك مناط التكليف هو العقل، مناط الانضباط في الحيوان الغريزة، والغريزة منضبطة بأمر تكويني، مناط السلامة بالجماد القوانين، والقوانين منضبطة بأمر إلهي.

الخمر محرمة أشد التحريم لأنها تلغي العقل :

 لذلك ليس في الكون إلا الإنس والجن أُعطِيا حرية الاختيار، أُعطِيَ الإنسان عقلاً، الحيوان لم يُعطَ عقلاً، لكن نبت له على جلده لحكمة أرادها الله صوفاً، أما الإنسان فوُلد عارياً، لكن ارتدى الثياب الفخمة، الأنيقة، الجميلة، المنوّعة، العديدة، فبهذا العقل سبق الحيوان بملايين المرات في ثيابه، والحيوان يأوي إلى مغارة، الإنسان ليس عنده مغارة، لكن عنده عقل، بنى القصور والبيوت، هذا العقل الذي وهبه الله لنا أثمن شيء على الإطلاق، هو مناط التكليف، فلذلك الله عز وجل قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ) هذا الخمر يستر العقل، يلغي عمل العقل: (وَالْمَيْسِرُ) الخمر محرمة أشد التحريم، لأنه يلغي المِقوَد، الآن إنسان يركب مركبة، لو تعطّل المِقوَد فالحادث حتميّ، الطرقات كلها انعطافات، وعلى رؤوس جبال، ووديان سحيقة، وبحار على الطرف الثاني، السيارة تمشي بسرعة في طرقات ملتفة ملتوية، عن يمينها جبل شاهق، وعن يسارها بحر عميق، لو تعطّل المِقود انتهى الإنسان.

 الشيء الذي يعطّل المِقوَد مُهلِك للإنسان، والشيء الذي يعطّل المِكبَح مُهلِك له أيضاً، المِقوَد والمِكبَح. فالإنسان آلة بالضبط، المحرّك الشهوة، والمِقود العقل، والمنهج الطريق، فما دام العقل مسيطراً على المحرك فعلامة سيطرته أنه أبقى المركبة على الطريق، ولو تعطّل المقود لوقعت المركبة في الوادي، أو في البحر، لو تعطل المحرك لوقفت المركبة، فالشهوة محرك، والعقل مقود، والمنهج هو الطريق، فالشيء الذي يعطّل المقود مُدمّر، هو الخمر: (إِنَّمَا الْخَمْرُ) تحدثت عن هذا في درس سابق بالتفصيل.

الميسر يلغي التنافس الشريف في الأعمال :

 لكن: (وَالْمَيْسِرُ) طريقة لكسب المال، أول شيء فيه وهم كبير أنك سوف تربح، وما من إنسان يُقدم على الميسر "القمار" إلا ويتوهم أنه سيربح، وعملياً يخسر، ويربح، وقد يخسر أضعاف ما يربح، فلذلك طريقة لكسب المال غير مشروعة، لأنها تُعطّل السعي، تعطل الإبداع، تعطّل التفوق، تعطّل أن تظهر قدرات الإنسان في إنتاجه.

 مثال: لماذا بيع العملة غير مستحب كثيراً، وله ضوابط كثيرة جداً؟ بيع العملة لا علاقة له بالخبرات إطلاقاً، قضية أسعار، ترتفع هذه العملة فيربح، تنخفض فيخسر، من دون سبب منه، كأنها قِمار، الجانب غير المشروع منها طبعاً، لكن هناك شروط دقيقة جداً لو طُبِّقت لأصبح بيع العملة حلالاً، لكن بشروط صعبة جداً، لكن بالنهاية هذه التجارة ليست مستحبة كثيراً، لأنها لا تُعبر عن ذكاء الإنسان، ولا عن قدرته، ولا عن خبرته، ولا عن حنكته، ولا عن حكمته، إنما هو ارتفاع وانخفاض أسعار لا علاقة له إطلاقاً. (وَالْمَيْسِرُ) : قمار، كسب من دون جهد، من دون عمل، من دون مخاطرة، من دون مغامرة، من دون إتقان، من دون حرص على علاقته مع الناس، حركات، أشياء تدور، أو أشياء تلقى في أرقام، فرقم يربح، ورقم يخسر، والقمار أنواع منوعة لا تُعد ولا تُحصى، حتى إنه بلغني أنه ما من محل تجاري في بلاد الغرب إلا وفيه آلة قمار، فالقمار طريق لكسب المال يعطل الإبداع، يعطل العمل، يعطل التنافس الشريف، يعطل ألف شيء في الإنسان، إبداعه، قدرته، حلمه، صبره، جلده، إصراره، إتقانه، تصحيح أخطائه، كل هذا يُعطَّل، قضية دولاب يدور كاليانصيب تماماً، يدور الدولاب، هذا الرقم ربح خمسين مليوناً، هذا الذي ربح المبلغ ماذا فعل؟ ما فعل شيئاً، ولا قدم شيئاً، ولا يعبر هذا المبلغ عن جهده، ولا عن إتقانه، ولا عن تفوقه، ولا، ولا أبداً، فالميسر طريق لكسب المال يعطل قدرات الإنسان، يعطل صبره، يعطل ذكاءه، يعطل خبرته، يعطل إتقانه، يعطل إبداعه، يعطل الجانب الخيِّر فيه، فلذلك كما أن الخمر تحجب العقل، فكذلك الميسر يلغي التنافس الشريف في الأعمال.

الكسب المشروع أساسه منفعة متبادلة والكسب المحرم أساسه منفعة على مضرة :

 نحن عندنا أصل، الأعمال يجب أن تلد المال، وحينما تلد الأعمال المال، تُوزَّع الأرباح بين شريحة واسعة جداً، هذه قاعدة، افتح محل تجاري تحتاج إلى دفتر فواتير، يعني يوجد ورق، ومعامل ورق، ومستوردي ورق، وطباعة، وآلة طابعة، ومطبعة، ولها مستودعات، ولها موظفون، ولها وسائل نقل، وسائل النقل تحتاج إلى قطع تبديل، المطبعة مئة إنسان، ألف إنسان يعيشون من خلال الطباعة، وتحتاج إلى مستودع، والمستودع يحتاج إلى بناء، وإلى مواد بناء، وإلى طلاء، وإلى كهرباء، وإلى تمديد صحي، كم حرفة عملت لبناء مستودع، وتحتاج إلى مكتب، تحتاج إلى سفر، شركات الطيران، وشركات النقل، وتحتاج إلى شحن بضاعة، دون أن تشعر، هذه المؤسسة المتواضعة قد يعيش منها آلاف الأشخاص بشكل غير مباشر، لذلك حينما تلد الأعمال المال تتوزع الأرباح وفق شريحة واسعة جداً، لذلك الكسب المشروع أساسه منفعة متبادلة، والكسب المُحرم أساسه منفعة على مضرّة، ينتفع إنسان ويضر بالآلاف، باليانصيب ينتفع الرابح بالقمار ويضر الخاسر، ينتفع السارق بالسرقة ويتأذّى المسروق، أيّ منفعة بُنِيَت على مضرة فهي كسب غير مشروع، وأي مال ولّده المال فهو كسب غير مشروع، المال إذا ولد المال تجمّعت الأموال في أيدٍ قليلة، وحُرمت منها الكثرة الكثيرة، وعندئذٍ تنشأ البطالة، وتنشأ الجريمة، وتنشأ بيوت الدعارة، وكل انحرافات المجتمع أحد أسبابها التفاوت الطبقي الكبير، وأحد أسباب التفاوت الطبقي أن يلد المالُ المالَ.

 أنت حينما تدخل إلى مصرف بناء حضاري، كمبيوترات، غرف استقبال، مكاتب تكييف، معاملة لطيفة، ابتسامة، لكن مجتمع بأكمله يمكن أن ينهار لو ولد المال المالَ عن طريق الربا، ليس هناك أعمال، بحث لطيف وطويل، الإنسان حينما يستطيع أن يأخذ فائدة على أمواله إذا أودعها في المصارف ثمانية في المئة أو أكثر، لم يعد يقبل أن يطرح مبلغاً ضخماً في مشروع تجاري، أو صناعي، أو زراعي إلا بربح أربعين بالمئة، لأن العشرة مضمونة بيسر من دون جهد، وأنت ببيتك مرتاح، لست مسؤولاً، لا بقرار خطر، لا بصفقة خاسرة، لا بعلاقة مع المالية، أو مع التموين، أو مع الجمارك، كل هذه المتاعب تلافيتها بإيداع مالك بالبنك، وتتقاضى الربح، فلما كان بالإمكان أن تربح من دون جهد صار طرح المبالغ بمشاريع لا يكون إلا بأرباح عالية، والأرباح العالية تعني أسعاراً مرتفعة، والسعر إذا ارتفع قلّت الشريحة المنتفعة بهذا السلعة، الكرز بخمس ليرات، يشتريه باليوم في دمشق خمسمئة ألف، الكرز بمئة ليرة يشتريه خمسة آلاف، بمئتين ألفان، فالسعر كلما ارتفع تقل الشريحة المنتفعة بهذه السلعة، كلما انخفض تتسع الشريحة، لأن الربا يمنع استثمار الأموال في التجارة والصناعة والزراعة إلا بأرباح عالية، إذاً الربا يسهم في رفع الأسعار، الربا يسهم في البطالة، وأخطر مشكلة تعاني منها المجتمعات في العالم البطالة، ماذا يفعل إنسان ليس له عمل؟ إما أن يلجأ إلى الاحتيال، والسرقة، واغتصاب الأموال، بشكل أو بآخر، أو أن يلجأ إلى السفر، أو أن يلجأ إلى الحرمان والكآبة، وما إلى ذلك.

الذي يغيب العقل عن العمل شيء مهلك :

 سيدنا عمر قال لأحد الولاة: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال: أقطع يده، قال: إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك.

 إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خُلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً. 

أردت من هذا الشرح أن الخمر تحجب العقل، والعقل مناط التكليف، معك شهوات مفتوحة ومعك حرية اختيار، من هو الضابط؟ العقل، فالذي يغيب العقل عن العمل شيء مهلك: (إِنَّمَا الْخَمْرُ) .

الآن أنت عندك قدرات، عندك إبداع، عندك طاقة، عندك وقت، عندك عضلات، يمكن أن تُبدع، وتؤسس عملاً تتفوق به، تخدم الأمة، تصنع صناعة رائجة نستغني بها عن استيراد سلع كثيرة، في صناعتك، في تجارتك، بزراعتك، تُمِدُّ الأمة بمزروعات جيدة، ناضجة، بسعر معتدل، الإنسان عمل مزرعة تفاح مئة دونم، الإنتاج نزل إلى السوق، ساهم الإنتاج الوفير بتخفيض الأسعار، عندما ساهم بتخفيض الأسعار ساهم بانخفاض مستوى المعيشة، وساهم برفع القوى الشرائية عند الناس، فإنسان يسعى إلى الربح فقط دون أن يشعر خدم الأمة، هناك أعمال كثيرة جداً تبتغي أنت منها النفع فقط، لكن دون أن تشعر، هذه تُسهم في خفض الأسعار، وفي خفض مستوى المعيشة، وفي رفع القوى الشرائية، أما الأموال إذا أُودعت في البنوك فليس هناك سلع، ولا منافسة، ولا استيراد، ولا بضاعة، أسعار غالية جداً، والذين يربحون الأموال الطائلة قابعون في بيوتهم، هم عالة على الناس ولو معهم ملايين الملايين.

الأنصاب إلغاء الاختيار :

 أجمل شيء أيها الإخوة أن الناظم للكسب الحلال منفعة متبادلة، وأن الناظم للكسب الحرام منفعة بُنيَت على مضرّة، كسب بُنِيَ على حرمان، السرقة، والربا، واليانصيب، والميسر، والغش، والاحتيال، والتدليس، والاحتكار، مئة بند من بنود الكسب غير المشروع ينظمها أنها منفعة بنيت على مضرة: 

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الميسر طريق واهم لكسب المال، يلغي الجهد، يلغي الإبداع، يلغي التنافس الشريف، يلغي خفض مستوى المعيشة، يلغي خفض الأسعار هذا تكلمت عنه في الدرس السابق، اليوم: 

(وَالْأَنصَابُ) : الكاهن عنده ثلاثة سهام، سهم كُتِبَ عليه أمرني ربي أن أفعل، وسهم مكتوب عليه أمرني ربي ألا أفعل، وسهم فارغ، يأتي إنسان يريد الزواج من امرأة، يأتي الكاهن فيسحب من هذه السهام الثلاثة أحدها، فإذا قرأ عليه: أمرني ربي أن أفعل، تزوج هذه المرأة، وإذا كان السهم أمرني ربي ألا أفعل لا أتزوجها، وإذا جاء السهم الثالث فارغاً يجب أن تعيد السحب مرة ثانية، طيب قد تكون امرأة جيدة جداً، أخلاقها عالية، جاء السهم ألاّ تتزوجها، السهم ليس له قاعدة، السهم لا يدرك، ومن قال: إن الله أمرك أن تفعل هذا، هذا كلام من عند الكُهَّان ما أنزل الله به من سلطان، كلام لا أصل له، الأنصاب إلغاء الاختيار، إلغاء التحليل، إلغاء التمايز بين البدائل، إلغاء القدرة على الاختيار، إلغاء خصائص الأشياء، إلغاء حسن اختيار الأشياء، كل هذه القدرات أُلغِيَت بهذه الطريقة، قد يأتي السهم لا تتزوج، وهي أفضل امرأة، وقد يأتي السهم تزوج، وهي أسوأ امرأة، بدل السهم تفحّص أخلاقها، تفحّص سلوكها، تفحص خصائصها، وأقبل عليها إن أعجبتك.

الأنصاب عطلت في الإنسان القدرة الإدراكية :

 هل أتاجر؟ قد تكون التجارة مشروعة، ومُربحة، والناس بأمس الحاجة إليها، وإن استورد التاجر طرح البضاعة في الأسواق، فحل مشكلة المسلمين، أتى السهم لا تتاجر، شيء مضحك، شيء لا معنى له إطلاقاً، أول سهم: أمرني ربي، والثاني: نهاني ربي، والثالث: لا علامة فيه، فالاختيار يتعطل، ويعطل التحليل، يعطل الاستنباط، تعطل علاقة المقدمات بالنتائج، كل هذا قد ألغي عن طريق الأنصاب: 

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ) الأنصاب عطّلت في الإنسان القدرة الإدراكية، أعظم شيء الله منحك إياه القدرة الإدراكية، هذه تعطلت، من دون أنصاب تُحكِّم عقلك، تحكّم الواقع، تحكّم المعطيات، تحكم المقدمات، تحلل، توازن، تراجع، تسأل، تستفتي، تستشير، تجرب، هناك آلاف الطرق لاكتشاف الصواب، كل هذا تعطل بموضوع الأنصاب، أنت وحظك، لا معنى لها إطلاقاً. الآن هناك أشياء، تفتح المصحف لا على التعيين، يظهر: 

﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى(25) ﴾

[ سورة طه ]

 إذاً يجب أن أسافر، تشبهها، هذه لا معنى لها هنا، تظهر آية: 

﴿ إنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ(7) ﴾

[ سورة البينة  ]

 إذاً اتركها، أي شيء غير مبني على علم، ولا على خبرة، ولا على فحص، ولا على دراسة، ولا على تحليل، هذا شيء ليس له معنى إطلاقاً.

 فالإنسان من ضعف تفكيره، ومن جهله كان يرتاح أن الإله أمرني أن أتزوج، مُن قال لك: إن الإله أمرك، من قال لك؟ هذا كاهن، هذا مرتزق، بهذه الطريقة يجمع الأموال الطائلة، ويُوهم الناس أن هذا أمر إلهي، هذا نهي إلهي، لماذا السهم الفارغ ما عددته مباح؟ يقول لك: يستوي فعله وتركه، هكذا اقترح الكاهن، الفارغ: أعدْ مرة ثانية، لأن هناك رسماً على الإعادة، شيء مضحك، كسب أموال الناس بالباطل، ابتزاز أموال الناس.

من لوازم الدعاء أن تأخذ بالأسباب :

 لو سألت إنساناً يشرب الخمر: لماذا تشرب الخمر؟ يقول لك: لأني أنسى همومي، هذه الهموم إذا شربت الخمر ونسيتها هل تتلاشى؟ عندك مشكلة كبيرة، المشكلة هل تُلغى بشرب الخمر؟ لا، تُجَمَّد، المشكلة قائمة.

 فالإنسان بطولته لا أن يقفز على المشكلات، ولا أن يُجمِّدها، بل أن يواجهها، واجه هذه المشكلة وضع حلولاً، وقل: يا رب، توكل على الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ))

[ رواه مسلم ]

 استعن بالله، ولا تعجز، أما طريق الخمر فطريق مضحك، تجميد المشكلة، المشكلة قائمة، تتفاقم بالخمر نسيت هذه المشكلة، لو أن الوسائل التي كانت بين يديك غير كافية لحل هذه المشكلة، فادعُ الله عز وجل، والله عز وجل يقول: 

﴿ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ(62) ﴾

[ سورة النمل ]

 وقد يقول: دعوت ولم يُستَجَب لي، نقول له: لم تكن مضطراً، أو لم تقدم الأسباب، والذي يدعو ولم يقدم الأسباب يستهزئ برب الأسباب.

 يا أخا العرب ما تفعل في هذا الجمل الأجرب؟ فقال له صاحبه: أدعو الله أن يشفيه، قال له: يا أخا العرب هلا جعلت له مع الدعاء قطراناً.

 من الثابت أنك إذا دعوت الله، ولم تأخذ بالأسباب فأنت مستهزئ بهذا الدعاء، من لوازم الدعاء أن تأخذ بالأسباب، لو أخذت بالأسباب ودعوت الله نجوت، فبدل أن تشرب الخمر، وأن تستر همومك وهي قائمة ومتفاقمة، ابحث عن حل لهذه المشكلة، إن لم تجد الحل فادعُ الله عز وجل، ومع الدعاء خذ بالأسباب.

أكبر قذارة في الإنسان أن يكون مشركاً :

 أيها الإخوة: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ) طريقة في الاختيار مضحكة، طريقة غير علمية، طريقة لا تعتمد على معطيات مقنعة أبداً، وعلى أسباب كافية. أما:

(وَالْأَزْلَامُ) شيء يدعو للضحك، ناقة أو جَذور تُذبَح، عندنا سبعة سهام، السهم الأول سهم واحد، السهم الثاني اثنان أي: حصتان، الثالث: ثلاث حصص، الرابع: أربع حصص، الخامس: خمس حصص، السادس: ست حصص، السابع: سبع حصص، مجموعهم: ثمان وعشرين، الثامن والتاسع والعاشر لهم دور آخر، يأتي عشرة أشخاص تُذبَح هذه الناقة، يأتي إنسان فيأخذ أحد السهام، فإذا كان رقم واحد يأخذ جزءاً من الثماني والعشرين، إن كان سهمه رقم سبعة يأخذ سبعة أجزاء من الثماني والعشرين، إن كان ستة: ستة أجزاء، خمسة: خمسة أجزاء، أربعة: أربعة أجزاء، ثلاثة: ثلاثة أجزاء، اثنان: جزأين، فالسبع سهام يأخذون الناقة كلها، أما الثامن والتاسع والعاشر يدفعون ثمنها، شيء مضحك، إن حكم السهم كان السهم رقم ثمانية أو تسعة أو عشرة سيدفع الثمن، ولم يأكل شيئاً، شخص دفع وما أكل، وشخص أكل وما دفع، منفعة بُنِيَت على مضرّة، هذه الأزلام، طريقة مضحكة لكسب اللحم، وأكْل اللحم، ودفْع ثمن اللحم. الله عز وجل يقول: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ) أي قَذَر: (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)

 أيها الإخوة: أحياناً هناك قذارة مادية، وقذارة معنوية، أكبر قذارة في الإنسان أن يكون مشركاً، لقوله تعالى: 

﴿  ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلْأَنْعَٰمُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلْأَوْثَٰنِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ (30) ﴾

[ سورة الحج ]

 يعني أكبر ذنب، أو أكبر رِجس، أو أكبر قذارة، أن يكون الإنسان مشركاً، يتجه إلى غير الله، وينسى الله عز وجل الذي بيده كل شيء.

أشد أنواع التحريم هو الاجتناب :

 ولأن الخمر يُعطّل العقل، وهو مناط التكليف، ولأن الميسر يعطل الكسب المشروع المبني على التنافس والخبرة، ولأن الأنصاب تُعطّل القوة الإدراكية في الإنسان، ولأن الأزلام طريقة مضحكة لنيل الطعام، هذه كلها طرائق باطلة، فقال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) الشيطان له مهمة واحدة؛ أن يصرف الإنسان عن طاعة الله، وأن يغريه بمعصية الله، وأن يُوِقَع بين المؤمنين العداوة والبغضاء، فلذلك قال تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) الشيء المضحك: أن بعضهم توهّم أن ليس هناك آية تحرم الخمر، لكن هناك توجيه إرشادي باجتناب الخمر، والحقيقة عكس ذلك، أشد أنواع التحريم هو الاجتناب، لأن لو أن الله عز وجل قال: الخمر حرام، أي حرام أن تشربها، وليس حراماً أن تكون في مكان فيه خمر، وليس حراماً أن تبيعها، وليس حراماً أن تتاجر بها، وليس حراماً أن تعلن عنها، وليس حراماً أن تعصر العنب ليكون خمراً. لكن حينما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فهذا أبلغ أنواع التحريم، ممنوع أن تشربها، وممنوع أن تحملها، وممنوع أن تُحْمَل إليك، وممنوع أن تعصرها، ممنوع أن تعتصرها، ممنوع أن تُتَاجر بها، ممنوع أن تعلن عنها، ممنوع أن تكون في مكان فيه خمر، أيهما أبلغ؟!

الأمر بالتحريم لم يأتِ مباشرة بل أتى بتحريم أسبابها :

 (فَاجْتَنِبُوهُ) وكلمة: (فَاجْتَنِبُوهُ) أي أعطِها جنبك، أي اجعل بينك وبينها هامش أمان، والمعاصي التي تغري الإنسان، فالأمر بالتحريم لم يأتِ مباشرة، يأتي بتحريم أسبابها، كقوله تعالى: 

﴿ وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا(32) ﴾

[ سورة الإسراء ]

 لأن المرأة مُغرية، وقد تُثير الشهوة في الإنسان، فلو كان معها في بيت واحد ربما وقعت الفاحشة، فالإسلام حرّم الخلوة، وحرّم إطلاق البصر، وحرّم صحبة الأراذل، وحرم متابعة قصص ماجنة، وحرّم متابعة أفلام ساقطة، لأن هذا كله يُغري الإنسان بالزنا، فالزنا محرمة أسبابه، بدليل قوله تعالى: 

(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى) والخمر مُحرَّمة أسبابها، ليس متاحاً لك أن تجلس على مائدة تدار فيها الخمر: 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .


الكسب المشروع فيه مودة على عكس الكسب غير المشروع :

 الشيطان ماذا يريد؟ قال: 

﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ(91) ﴾

[ سورة المائدة ]

 طبعاً الكسب المشروع فيه مودة، أنا وكيل تاجر، أعطاني بضاعة، بعتها، ربحت وربّحته، أنا ممتن منه، وهو ممتن مني، واضح؟

 مثلاً: صنعت بضاعة، وراجت بالأسواق، فالذين اشتروها ربحت منهم وطربوا من إتقان هذه البضاعة.

أما بالقمار الذي يكسب المال، وقد أخذ مالاً من أخيه بغير حق، 

هو الداء الذي لا بُرْء منه  وليس لذنب صاحبه اغتفار

تُشاد له المنازل شاهـقات  وفي تشييد ساحتها الـدمار

نصيب النازلين منها سهاد  فإفلاس فيأس فـــانتحار

* * *

حكمة الله عز وجل كبيرة جداً حينما بدأ بتحريم الخمر بإشارة لطيفة جداً :

 إذاً:(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ) العداوات تنفجر بين المقامرين، وتنفجر بين من يعملون في الأنصاب والأزلام، وتنفجر بين مدمنين الخمر، يتكلم كلاماً وقحاً، كلام فيه فضائح، فالصاحي يقتله: 

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) الحقيقة: حكمة الله عز وجل كبيرة جداً حينما بدأ بتحريم الخمر بإشارة لطيفة جداً، هي قوله تعالى: 

﴿ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلْأَعْنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ(67) ﴾

[ سورة النحل ]


 يعني السَّكَر رزق غير حسن فقط، الآية الثانية: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) ﴾

[ سورة النساء ]

 الآية الثالثة: 

 (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) .

المجتمع يقوى بطاعة لله ويتفتت بمعصية الله :

 كأن ثمة انسجاماً والتحاماً بين إنسانين، مهمة الشيطان أنه يريد شرخاً كبيراً بينهما، الآن المجتمع يقوى بالطاعة لله، ويتفتّت بمعصية الله، لأن المعاصي متناقضة، والمصالح متناقضة، والأهواء متناقضة، أما الطاعات فمتطابقة. 

(( ما تواد اثنان فَفُرِّقَ بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ))

[ أحمد عن ابن عمر ]

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) بذكر الله تحيا القلوب، بذكر الله يُقذَف نور الله في قلبك، بذكر الله تكون حكيماً، تكون حادّ البصر، فصيح اللسان، سديد البيان، حكيماً في تصرفاتك، بالضبط راكب مركبة والطريق متعرّج، وعلى الأطراف وديان سحيقة، معك ضوء قوي، هذا الضوء القوي يكشف لك معالم الطريق، لا تقترب، حينما ترتكب معصية تنطفئ الأنوار، وإذا انطفأت الأنوار وقع المُصاب، وقع الحادث، فالإنسان إذا كان مع الله مستنيراً، الله عز وجل يقذف في قلبه نوراً يريه الحق حقاً، والباطل باطلاً، الدليل: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ(29) ﴾

[ سورة الأنفال ]

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِۦ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِۦ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(28) ﴾

[ سورة الحديد ]

الله عز وجل وصف الإيمان بأنه نور وبأن الكفر والبهتان ظلام :

 أنت حينما تكون مع الله يقذف الله في قلبك النور، وحينما تنقطع عن الله تقع في عمىً، وفي ظلام، والله عز وجل وصف الإيمان بأنه نور، وبأن الكفر والبهتان ظلام. 

﴿ يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِۦ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ(16) ﴾

[  سورة المائدة  ]

 الشيء الذي يُعد مثالياً أن يكون محبة ومودة والتحام بين المؤمنين، والشيء الذي يريده الشيطان أن يُحدِث شرخاً بينهما، شرخاً، انفصالاً، عداوة،انقصالاً، خوفاً، قلقاً، مؤامرة، كيداً، تراشق تُهَم، هذا الذي يريده الشيطان. وكل إنسان يحقق أمنية الشيطان يكون متّبعاً للشيطان، وكل إنسان يحقق ما يريده الرحمن منك، أن تكون أخاً لأخيك، صدوقاً، ودوداً، وفياً، محباً، مخلصاً، يرضى الله عنك. إذاً: 

(الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) ثم يقول الله عز وجل: 

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(92) ﴾

[ سورة المائدة ]

 يعني هذا فعل أهل الدنيا يشربون الخمر، يلعبون الميسر، يستقسمون بالأزلام، ويتبعون الأنصاب، أعمال غير معقولة، وغير علمية، وغير نافعة، وغير صحيحة، وغير مثمرة، هذا من عمل الشيطان، مما يرضي الرحمن أن تعمل، جاءك خيار بين شيئين تٌحلل، تدرس، تناقش، تُمايز بينهما، تسأل، تستشير أولي الخبرة من المؤمنين، أو تستخير الله عز وجل.

 وفي درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الآيات من سورة المائدة.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور