وضع داكن
21-11-2024
Logo
الدرس : 35 - سورة المائدة - تفسير الآيات 72 - 81 ، مقام الألوهية ومقام البشرية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

مقام الألوهية :

أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الخامس والثلاثين من دروس سورة المائدة، ومع الآية الثانية والسبعين، وهي قوله تعالى: 

﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) ﴾

[ سورة المائدة ]

مقام الألوهية مقام عظيم، فالإله ليس قبله شيء وليس بعده شيء، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده كل شيء، قادر على كل شيء، لا يحتاج إلى شيء، هذا المقام مقام الألوهية ﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾  

ما عرفوا مقام الألوهية، لأن المسيح بن مريم يأكل الطعام، والذي يأكل الطعام يحتاج إلى ما دونه، نحن بني البشر، مع أن البشر مخلوقات مكرمة. 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾

[ سورة الإسراء ]

مقام البشرية :

الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، ولكن اقتضت حكمة الله عز وجل أن يحتاج الإنسان إلى الماء، والماء دونه، وأن يحتاج إلى الطعام، والطعام نبات، وأن يحتاج إلى الحيوان ليأكل لحمه، والحيوان دونه، فمادام هذا المخلوق إنساناً إذاً هو مفتقر في وجوده إلى أشياء كثيرة هي دونه عند الله عز وجل.

الله عز وجل يحتاجه كل شيء في كل شيء فكيف يكون إنسان إلهاً، وهو يأكل ويشرب؟ يحتاج إلى طعام، وإلى شراب، وإلى نوم، أما إذا أكل، وشرب يحتاج إلى إخراج هذا البراز، هذا مقام البشرية وليس مقام الألوهية. 

المعجزة مقبولة عقلاً وغير مقبولة عادة :

والحقيقة أن المسيح جاء من غير أب، والذي أشكل عليهم أن الله سبحانه وتعالى أتى به من دون أب، لكن أن يأتي به من دون أب هذه معجزة، والمعجزة مقبولة عقلاً غير مقبولة عادة، فالشيء المألوف أن الإنسان يأتي من أب أو أم، فإذا كان هناك مشكلة في أن يكون المسيح ابن مريم بلا أب فآدم بلا أب ولا أم، والمسيح بن مريم بلا أب، وحواء بلا أم، من ضلع آدم، وقد تجد زوجين شابين لا ينجبان، هذا الكلام معناه أن هناك سبب، وهناك نتيجة، وأن اقتران السبب بالنتيجة اقتران لا يعني أن السبب خالق النتيجة، تلازما، السبب أتى قبل النتيجة تلازماً، شاءت حكمة الله أن يكون لكل نتيجة سبب، لكن السبب ليس خالق النتيجة، بدليل أن الله عز وجل في أيّة لحظة يعطل هذا السبب، فالسبب موجود، لكنه ليس فعالاً، وأحياناً يلغى السبب بلا سبب تكون النتيجة، بسبب لا تكون نتيجة، ومن غير سبب تكون النتيجة، إذاً السبب ليس خالق النتيجة، لكن الله سبحانه وتعالى كي تستقر الحياة بأنظمة وقوانين جعل لكل نتيجة سبباً. 

﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) ﴾

[ سورة الكهف ]

 نظام الكون كي يتفق مع نظام العقل، بالعقل في مبدأ السببية، والكون بني على نظام السبب، الماء يأتي من بئر، والبئر يحتاج إلى حفر، النبات ينبت من بذر، والبذر يحتاج إلى زرع، والطفل يأتي من أب وأم، إذاً لا بد من زواج، هذا في الأعم الأغلب، ولئلا نتوهم أن السبب يخلق النتيجة، ولئلا نؤلّه الأسباب كما يفعل أهل الغرب، من حين لآخر تُعَطَّلُ هذه الأسباب، تكون النتيجة من دون سبب، كالسيد المسيح، وأحياناً تلغى، فيتزوج شابان في ريعان الشباب ولا ينجبان. 

﴿ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) ﴾

[ سورة الشورى ]

كل شيء له سبب من أجل انتظام الحياة لا من أجل تأليه الأسباب :

السبب إما أن يلغى، وإما أن يعطل، معنى ذلك أن السبب ليس خالق النتيجة، هذا الموضوع يقودنا إلى موضوع عقدي، أهل الغرب ألَّهوا الأسباب، واعتمدوا عليها، فوقعوا في الشرك، وهؤلاء أهل الشرق الذين تخلفوا، لم يأخذوا بالأسباب، فعصوا، فالذين أخذوا بالأسباب، ونسوا خالق الأسباب، ومسبب الأسباب وقعوا في الشرك، والذين لم يأخذوا بالأسباب وقعوا في المعصية، السبب لا يخلق النتيجة، لكن الله سبحانه وتعالى شاءت حكمته أن يأتي السبب قبل النتيجة كي تستقر الحياة، وكي تنتظم الأمور، فالذهب ذهب، والفضة فضة، كل شيء له سبب، صهر الذهب يحتاج إلى حرارة، وتجميد الماء يحتاج إلى برودة، فكل شيء له سبب، هذا من أجل انتظام الحياة لا من أجل تأليه الأسباب، فإذا شاءت حكمة الله أن يجعل هذا النبي الكريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم من دون أب فلا يعقل أن تنسى من هو الإله، الإله لا يأكل، ولا يشرب. 

﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) ﴾

[ سورة الشورى ]

ذات كاملة، واجب الوجود. 

﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) ﴾

[ سورة طه ]

يعلم ما كان، ويعلم ما يكون، ويعلم ما سيكون، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون. 

﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) ﴾

[ سورة الحديد ]

مقام الألوهية يقتضي أن الله صمد لا يتوقف وجوده على جهة أخرى :

﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ مقام الألوهية يقتضي أن الله صمد لا يتوقف وجوده على جهة أخرى، أما نحن يتوقف وجودنا على استنشاق الهواء، وعلى شرب الماء، وعلى أكل الطعام والشراب، ونحتاج إلى أن ننام، ونحتاج إلى أن نخرج الفضلات، فالذي قال: المسيح هو الله، ما عرف مقام الألوهية، مثلاً، هذه المركبة تحتاج إلى دفع من الخلف كي تسير، أحدث مركبة، غاب عنه أن فيها محرك، وأن قوته عالية جداً، وأنها تنطلق بسرعة عالية جداً حتى في الصعود، قال: لا تمشي إلا بالدفع، إذاً هو ما عرف قيمة هذه المركبة، ولا عرف خصائصها، ولا روعة صنعها، ولا دقة صنعها، للتقريب فقط. فالذي قال: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ يعني ما عرفوا مقام الألوهية، ما عرفوا أن الخالق يستغني عن كل خلقه، ما عرفوا أن الخالق ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾   ما عرفوا أن الخالق لا يتوقف وجوده على طعام، ولا على شراب، الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة يصف الأنبياء بأنهم كانوا يأكلون الطعام، وهذه إشارة لطيفة جداً أن الذي يأكل الطعام لا يكون إلهاً، لأن وجوده متوقف على شيء خارج عنه، إن لم نتنفس نموت، إن لم نشرب نموت، إن لم نأكل نموت، إن لم نُعالَج نموت، إن لم نخرج نتيجة الاستقلاب واحتراق السكرنموت، لذلك ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ أي ما عرفوا مقام الألوهية.

أي إنسان يتجه إلى غير الله اتجه إلى لا شيء :

قال تعالى ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾  الله عز و جل عنده كل شيء، عنده سلامتك، وعنده سعادتك، وعنده جنة عرضها السماوات والأرض، إذا اتجهت إلى غيره لم تجد شيئاً ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾ أنت تركب مركبة إلى حلب لتأخذ مبلغاً فلكيّاً، الساعة الثانية عشرة، وقد ترتكب أخطاء كثيرة، وأنت راكب هذه المركبة، ولكنها في طريقها إلى حلب، لكن الخطأ القاتل أن تركب مركبة باتجاه درعا، والقبض في حلب، اتجهت إلى جهة ليس عندها شيء. المشكلة أنك إذا اتجهت إلى جهة غير الله، وغير الله مخلوق لا يملك لك نفعاً ولا ضراً. 

﴿ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) ﴾

[ سورة الفرقان ]

أي إنسان يتجه إلى غير الله اتجه إلى لا شيء، لذلك يقول الله عز وجل لنبيه الكريم قل: 

﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31) ﴾

[ سورة هود ]

﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) ﴾

[ سورة الأعراف ]

هذا مقام البشر.

لا يعرف الله من يقول الإله هو فلان :

هذا أعلى إنسان على وجه الأرض، هذا سيد الخلق، وحبيب الحق، لا يعلم الغيب، ولا يملك لنا نفعاً ولا ضراً، بل إنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، فإذا كان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فألا يملك لنا نفعاً ولا ضراً من باب أولى، هذا مقام البشرية، أما مقام الألوهية بيده كل شيء، خالق كل شيء، قادر على كل شيء، يعلم كل شيء، علمه مطلق، قدرته مطلقة، لا يعجزه شيء، ليس قبله شيء، وليس بعده شيء، وهو في كل شيء، لا كشيء في شيء، علم ما كان، وعلم ما يكون، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فالذي يقول الإله هو فلان إذاً هو لا يعرف الله.

فرضاً: جيش مؤلف من خمسمئة فرقة، ويقول: هذه النملة تقود هذا الجيش ما عرف ما هو الجيش، جيش، أسلحة برية، وبحرية، وجوية، وقنابل ذرية، وقواعد صاروخية، حاملات طائرات، مثلاً ويقول هذه النملة تقود هذا الجيش!! إذاً لا يعرف ما هو هذا الجيش، فحينما تقول: هذا الإنسان إله أنت لا تعرف ما الإله، إطلاقاً: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ كما أنه ربكم هو ربي، وكما أنكم عبيد أنا عبد لله أيضاً ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾ تحريماً حكميّاً، اتجهت إلى غير الله، كإنسان يكاد يموت عطشاً، واتجه إلى صخرة صماء، ليس فيها إلا الموت، لكنه إذا اتجه إلى نبع ماء عذب فرات اتجه إلى الحياة. ﴿ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ حينما لم يؤمن بالله الواحد القهار، ولم يتجه إليه، ولم يتقرب منه، توجه إلى بشر لا يملك لنا نفعاً ولا ضراً، إذاً ليس عند هذا البشر شيء: ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ حينما يقعون في قبضة عدالة الله عز وجل.

ثلاث مقولات عن الله سبحانه :

طبعاً هذه المقولة ﴿ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ وفي مقولة ثانية: 

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ﴾

[ سورة المائدة ]

المقولة الثالثة أن هناك إلهين، المسيح والسيدة مريم، المقولة الثالثة: 

﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) ﴾

[ سورة المائدة ]

أي هناك ثلاثة آلهة اللهُ أحدهم، ثلاث مقولات، فرقة قالت﴿ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ وفرقة قالت ﴿ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ وفرقة قالت: إن الله هو المسيح ابن مريم وأمه.

الافتراء على الله أن تجعل له نداً من البشر :

أيها الإخوة، أنا حينما أقول: هذا ثالث ثلاثة، أي ثلاثة متشابهون، وهذا أحدهم من دون تعيين، هذا معنى ثالث ثلاثة، أما الله عز وجل فقال: 

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) ﴾

[ سورة المجادلة ]

لو أن الله قال: الله عز وجل رابع ثلاثة، صحيح، هو إله، والثلاثة بشر، خامس أربعة، سادس خمسة، أما: ﴿ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ رابع أربعة، أي هم كلهم من جنس واحد، فلذلك: ﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ أي الثلاثة آلهة، والله واحد منهم، وما من إله إلا الله. ﴿ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أيضاً افتراء على الله أن تجعل له نداً من البشر.

الإنسان مفتقر في وجوده إلى الطعام والشراب :

أيها الإخوة؛ الأنبياء في بعض الآيات: 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) ﴾

[ سورة الفرقان ]

هل فكرتم في دلالة هذه الآية؟ يأكلون الطعام، أي هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام.

مرة في بلد عربي أصابه ثلج كثيف، فالثلج قطع الطرق، وهناك فئة قُطِعَتْ في مكان بعيد عن الطعام والشراب، فاضطروا أن يأكلوا الجيف، وأن يشربوا بولهم. الإنسان مفتقر في وجوده إلى الطعام والشراب، فلمجرد أن تقول: فلان يأكل ويشرب إذاً هو بشر، ليس إلهاً.

الآن أنت مفتقر لشيء آخر، مفتقر إلى ثمن الطعام، أن تمشي في الأسواق، أنت مفتقر إلى الطعام وإلى ثمن الطعام، وهذا شأن بني البشر جميعاً، كل إنسان يذهب إلى عمله ليكسب رزقه، ليشتري طعاماً ليأكل، ولولا الحاجة إلى الطعام والشراب لما رأيت على وجه الأرض شيئاً، كل هذه المنشآت، وهذه المشاريع، وهذه المعامل، وتلك الزراعة، وهذه التجارة، وتلك الصناعة، كل شيء تراه عينك بسبب أن الإنسان مفتقر في وجوده إلى الطعام والشراب ، إذاً في دلالة عميقة جداً حينما يقول الله عز وجل: ﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى أن يمشوا في الأسواق.

الشرك خطأ اعتقادي أما الذنب فخطأ سلوكي :

قال تعالى ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ الإنسان إذا كفر بالله عز وجل وقع في الشرك الأكبر، والشرك يقتضي أنه لا منهج يضبط عملك، والشهوات تقتضي أن تأخذ ما ليس لك، وأن تأخذ ما ليس لك يقتضي أن تعاقب، شيء طبيعي جداً، تشرك فتتفلت من منهج الله، فتأخذ ما ليس لك، فيعاقبك الله عز وجل. ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ماذا تنتظر أيها المؤمن؟ ماذا تنتظر أيها المقصر؟ ماذا تنتظر أيها المشرك؟ ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ ﴾ من شركهم، وألا يستغفروه من ذنوبهم؟ عندنا شرك، وعندنا ذنب، الشرك خطأ اعتقادي، والذنب خطأ سلوكي: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

مرتبة الصدّيقة مرتبة تأتي بعد مقام النبوة :

ما حقيقة المسيح؟ ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾ صدقته، ومرتبة الصدّيقة مَرْتَبة تأتي بعد مقام النبوة، سيدنا رسول الله نبي مرسل، وأبو بكر الصدّيق صدّيق، اسم على مسمى، وأمه صدّيقة، وفي إشارة لطيفة إلى بطلان هذا الادعاء أن المسيح هو الله، وأمه صدّيقة كانا يأكلان الطعام، فالذي يأكل الطعام ليس إلهاً، والتي تأكل الطعام ليست إلهاً أيضاً. ﴿ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ من هو الإله الذي ينبغي أن تعبده؟ ما صفات الإله الذي ينبغي أن تعبده، وأن تمحضه عمرك كله، وأن تمحضه حبك، وشبابك، وشيخوختك، ومالك، ومحبتك؟ الإله الذي يملك لك نفعاً وضراً، وحياةً وموتاً، وسعادةً وشقاءً، مَنْ بيده أمرُكْ، من بيده سعادتك، من بيده من دونك، من بيده من فوقك، من بيده أهلك، من بيده صحتك، من بيده سمعك وبصرك، من بيده قوتك، من بيده حركتك، الذي يملك لك نفعاً وضراً وموتاً وحياةً ونشوراً، هو الإله الذي ينبغي أن تعبده. 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ﴾

[ سورة النساء ]

ينبغي أن تعبد الخالق لا المخلوق، القوي لا الضعيف، الذي يعلم لا الذي لا يعلم.

لا يملك نفعاً ولا ضراً إلا الله سبحانه :

قال تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ إلى أين ينصرفون؟ إلى إنسان ضعيف، إلى إنسان يموت! كل إنسان يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت. 

والليل مهما طال  فلا بد من طلوع الفجر

والعمر مهما طال  فلا بد من نزول القبـر

* * *

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته  يوماً على آلة حدباء محمول

* * *

وسبحان من قهر عباده بالموت، هو الحي الباقي على الدوام. 

﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضراً وَلَا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ لو دخلت إلى دائرة، وفيها طوابق عديدة، وفيها مئات الموظفين، وطلبك لا يوافق عليه إلا المدير العام، وكل هؤلاء الموظفين لا يملكون موافقة على طلبك، ولا تيسيراً لأمرك، هل تضيع وقتك معهم؟ هل تبذل ماء وجهك أمامهم؟ هل تتضعضع أمامهم؟ القضية بيد المدير العام.

حينما يأتي الخطاب لأهل الكتاب يجمع الله بين اليهود والنصارى في آية واحدة :

هذا الذي يعبد من دون الله ما لا يملك له ضراً ولا نفعاً: ﴿ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ حينما يعبد غير الله فالله عز وجل يسمع شركه، وإذا أبقى الشرك في نفسه، وفي خاطره يعلم حديث نفسه وخاطره، سميع لما يقول من كلام الشرك، وعليم لما يجول في خاطره من كلام الشرك، أحياناً يخاطب الله أهل الكتاب، وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، فإذا كان الخطاب في موضوع مشترك بينهما قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ إذا كان الخطاب لبني إسرائيل يخاطبهم: يا بني إسرائيل، أما حينما يأتي الخطاب لأهل الكتاب فيجمع الله بين اليهود والنصارى في آية واحدة: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ الغلو؛ مجاوزة الحد، لأن بني إسرائيل اتهموا السيدة العذراء مريم بأنها زانية، وابنها السيد المسيح ابن زنا، والنصارى جعلوه إلهاً، كلاهما غلا في دينه، أحدهما غلو نقص، والثاني غلو زيادة: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ .

الغلو في الدين :

وهذه الآية موجهة إليناً أيضاً، الشيخ لا ترفعه فوق مقامه، هو بشر، لا يعلم الغيب، لا يملك لك نفعاً ولا ضراً ﴿ لَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً﴾ لكنه يدلك على الله، مقامه أنه يدلك على الله، وإذا كان متين الصلة بالله، أي أن التعامل معه يشعرك براحة، لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، هذا مقام الشيخ، ليس أكثر، أما أنه يعلم الغيب، أنه يراك في بيتك، وكيف تتقلب في فراشك، نحن كوننا مسلمين إما أن نرفع الشيخ فنجعله إلهاً، وإما أن نكذب كل الشيوخ، وكلاهما غلط، وكلاهما غلو، أعطي لكل ذي حقٍ حقه: ﴿ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ كل ما يجري قضاء وقدر، فعلاً، لكن تسعاً وتسعين في المئة مما يجري نحن سببه، فإذا عزوت كل أخطائك إلى القضاء والقدر هذا غلو في الدين، وإذا قلت: ليس هناك قضاء وقدر فهذا غلو في الدين أيضاً، لو أخذت عقائد المسلمين بين غلوين، غلو زيادة وغلو نقص، إنسان لا يعمل يتوكل على الله توكلاً أبلهاً، وإنسان يقول: أنا جمعت هذا المال بكد يميني، وعرق جبيني، وليس لأحد علي فضل بجمعه، كلاهما غلو في الدين، قضية الغلو في الدين هي الطامة الكبرى، هي مشكلة المسلمين، نقلل من قيمة الدعاء، ولا أحد يعبأ بالدعاء، هذا غلو، أو أن نعتد بالدعاء، ونحله محل السعي، فقط الدعاء، الدعاء من دون سعي غلو، والسعي من دون دعاء غلو، لو تتبعنا موضوعات العقيدة لوجدت أن المسلمين في غلوين، غلو إفراط وغلو تفريط، غلو مبالغة وغلو تقليل، غلو زيادة وغلو نقص: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ هناك من يعتد بسعيه ولا يعبأ بالتوكل، وهناك من يتواكل ولا يسعى، كلاهما مغالٍ في الدين.

الإنسان أحياناً يحكمه الهوى :

قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ الحق هو الواقع، الواقع المطابق للوصف مع الدليل، الحق هو الله عز وجل، والحق هو الموجود.

الآن هناك صحابة كرام، بعضهم كفره، وبعضهم ألهه، وكلاهما غالى في الدين، الذي دمر المسلمين غلوُّهم في الدين، غلو زيادة وغلو نقص، غلو مبالغة وغلو تقليل قيمة، غلو إفراط وغلو تفريط، وأمراض أهل الكتاب قد وقعت فينا في معظمها. ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ أحياناً الإنسان يحكمه الهوى، أي بشكل أو بآخر لو أن إنساناً ذكيّاً فقد أداة رزقه، كان يعمل على دابة، والدابة ماتت، إذاً فقد رزقه، واحد خبيث أشار عليه أن يدفنها، وأن يبني عليها مقاماً وقبة خضراء، وأن يسميها باسم وليٍّ من أولياء الله الصالحين، وتهافت الناس على مقام هذا الولي، وجاؤوا له بالهدايا، وعاش في بحبوحة ما بعدها بحبوحة، هو حينما يصر على أن هذا مقام ولي ما الذي يدفعه إلى هذا الإصرار؟ مصلحته ومنفعته، فهو منتفع من هذه الفكرة، الإنسان أحياناً يصر، ويتشبث، ويبالغ، ويؤكد أن الذي يدفعه لهذا الهوى والمصالحة والمكاسب الكبيرة جداً: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ .

الله سبحانه وتعالى يسلي النبي صلى الله عليه وسلم في الآيات التالية :

هناك ضال، هناك ضال مضل، هناك فاسد، وهناك فاسد مفسد، هناك منحرف، وهناك إنسان يحمل الآخرين على الانحراف، وهناك عقائد كثيرة من شرق آسيا من ديانات وثنية انتقلت إلى ديانات سماوية: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا ﴾ في التاريخ السحيق: ﴿ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ ثم إن الله سبحانه وتعالى يسلي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: يا محمد لا تحزن قد كذبوك، لا تحزن، لم يؤمنوا بك، لا تحزن، في آية دقيقة جداً يقول الله عز وجل: 

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) ﴾

[ سورة البقرة ]

هل هناك أب على وجه الأرض إذا رأى ابنه يقول له: من أنت؟ ما اسمك؟ أنت ترتيبك بعد من؟ مستحيل! ليس هناك معرفة أوضح، ولا أسرع، ولا ألصق بالإنسان من أن يعرف ابنه، فالله عز وجل يقول: ﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ إله، يعرفون أن هذا رسول الله ﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ لكن المصالح، والأهواء، والمكاسب، والزعامات تحول بينهم وبين أن يؤمنوا، فيا محمد لا تأسَ على هؤلاء الذين كذبوك، ولم يؤمنوا بك، مع أنهم يعرفونك نبياً كما يعرفون أبناءهم.

معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية ليمتحن الله عباده المؤمنين :

قال تعالى: 

﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) ﴾

[ سورة المائدة ]

أي هم كذبوا سيدنا داود، وكذبوا سيدنا عيسى، وهذه مأساة الأنبياء جميعاً، وأنت حينما تعلم أن هناك معركة بين الحق والباطل من آدم إلى يوم القيامة فلا تتألم إذا سمعت أن هناك فرقاناً سوف يفرض على المسلمين، وهذا الفرقان يؤكد أن هذا القرآن ليس كلام الله، وكتبت فيه آية: أن يا محمد أأنت أضللت عبادي؟ يقول: يا ربي ضللت فأضللتهم، هذا الفرقان يصنع لنا ليكون كتابنا المقدس بعد حين. فهذا شيء طبيعي جداً، معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، ولحكمة بالغةٍ بالغة شاء الله عز وجل أن تكون هذه المعركة ليمتحن عباده المؤمنين. 

﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) ﴾

[ سورة محمد ]

وأطمئنكم، لا تقلقوا على هذا الدين، إنه دين الله، والله لو أن أهل الأرض اجتمعوا على تشويه معالمه لما استطاعوا، وأي كتاب يصنعونه لنا واللهِ طفل صغير إذا قرأه يضحك فقط، يضحك ساخراً، كلام الله كلام الله، وكلام البشر كلام البشر، مضحك، والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، هذا من كلام مسيلمة الكذاب، والطاحنات طحناً والعاجنات عجناً، على تقليد: 

﴿ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) ﴾

[ سورة العاديات ]

شيء مضحك.

هذا الدين دين الله والله عز وجل يتولى حفظه :

الآن في الإنترنت صور مفتعلة زعم أنها من كلام الله، والله إن قرأتها للفكاهة والمتعة فقط، ما مِن خلية بجسم مسلم، ما مِن قطرة دم بدم مسلم إلا وتنطق بأنه كذب على الله، هذا الدين دين الله، مهما احلولكت الخطوب، مهما اشتدت الأزمات، مهما مكر أعداء الإسلام، مهما أرادوا تشويه هذا الإسلام، مهما كادوا له، مهما شوهوا معالمه، هذا الدين دين الله، والله عز وجل يتولى حفظه.

جد النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاء أبرهة سأل عن إبله، فقيل له: أتسأل عن إبلك وجاء أبرهة ليهدم الكعبة؟ قال: إن للبيت رباً يحميه، أنا رب هذه الإبل، إن للبيت رباً يحميه، وأنا أؤكد لكم والله إن هذا الدين دين الله، لا تقلق عليه أبداً، الله عز وجل قادر على أن ينصره بأعدائه، هذا شيء ثابت، إياكم أن تقلقوا.

والله أيها الإخوة؛ كنت في سفر، وقيل عن مؤامرات العالم الغربي الشيء الذي لا يصدق، وكل واحد أدلى بدلوه، حتى وجدت أن الناس لا يستطيعون أن يقفوا على أقدامهم لهول المؤامرات، الله عز وجل: 

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

قلت لهم: إن تروا قوة طاغية متغطرسة متعالية مجرمة تفعل ما تريد، وتقصف، وتدمر، وتقتل، وتكذب، وتكون أول دولة إرهابية في العالم، إرهاب دولة، إرهاب منظم، إرهاب أسلحة، هذه القوة الطاغية إن أرادت أن تبني مجدها على أنقاض الشعوب، وأن تبني حياتها على موت الشعوب، وأن تبني أمنها على قلق الشعوب، وأن تبني عزها على ذل الشعوب ـ دققوا الآن ـ أن تنجح خططها على المدى البعيد، هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل يتناقض مع وجوده، لا يتناقض نجاح خططها على المدى البعيد مع عدل الله، بل يتناقض مع وجوده، لكن نية الكافر شر من عمله، مهما رأيت من إجرامه يتمنى أن يفعل فوق هذا، لكن الله لهم في المرصاد، يجب أن يكون اعتمادنا على الله قوياً، هذا الدين دينه، ولكن ينبغي أن نقلق ما إذا سمح الله لنا أو لم يسمح أن ننصر دينه.

الفرق بين المعصية والعدوان :

قال تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ المخالفة الداخلية اسمها معصية، أما التي تنتهي بعدوان على الآخرين اسمها عدوان، هم فيما بينهم وبين أنفسهم عصوا، وفي علاقتهم بالآخرين اعتدوا ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) .

﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) ﴾

[ سورة المائدة ]

إنسان يقتل تقوم الدنيا ولا تقعد، رؤساء الدول يصرحون، ومئة إنسان يقتل بقصف، بقصف فيه خطأ لا أحد ينطق بكلمة، أرأيت إلى هذا الصنف المؤذي، كأن الإنسان المسلم بلا ثمن، فلذلك: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ .

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر  وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر

* * *

من يوالي جهة ليبطل الحق ويغير معالمه هذا لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله عز وجل 

مرة قصفوا مكاناً فيه عرس فقتلوا أربعين منهم، مرة أربعة وعشرين، مرة مئة وخمسة وعشرين، ولا أحد ينطق، ولا أحد يستنكر، ولا إنسان يقوم في بلد يندد، أبداً، صمت عالمي مطبق، لأن الميت مسلم ولا قيمة له، أما حين يموت إنسان، وقد يكون قتله خطأ كبير، لكن الدنيا تقوم ولا تقعد، تصريحات، وتنديدات، واستنكارات ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) .

﴿ تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) ﴾

[ سورة المائدة ]

هذا الذي يتولى أهل البغي والعدوان، يواليهم، يقدم لهم المعلومات والمشورة كي يعتدوا على بقية الشعوب، أقول لكم هذه الكلمة: الإنسان إذا لم يكن طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إفقار المسلمين، وإضلالهم، وإذلالهم، وإفسادهم فهو في عيشة راضية، إن لم تكن طرفاً في مؤامرة قذرة، لكن هؤلاء الذين يقدمون الخطط والمؤامرات كي يفتكوا بالمسلمين: 

﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) ﴾

[ سورة المائدة ]

الآن يقومون بعمل يموت فيه مئات الأشخاص، والذي صنعه ليس المسلمون، لكنهم بخطط ماكرة ذكية يصنعون عملاً يخرج الناس من جلدهم، وينسب إلى المسلمين. 

أيها الإخوة، اليهود كانوا خصوماً ألداء للسيد المسيح، هل استطاع أن يوقع بهم الضرر أو أن يقمعهم؟ لم يستطع، والحواريون كانوا أنصاره، هل استطاع أن ينفعهم؟ فكيف يكون إلهاً؟ ومن كان يدير الكون قبله؟ شيء واضح كالشمس.

أيها الإخوة: 

﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) ﴾

[ سورة المائدة ]

 الإنسان يوالي جهة ليبطل الحق، وليغير معالمه هذا لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله عز وجل.

 وفي درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الآيات.


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور