- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التوحيد هو الدين :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني والعشرين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الخامسة والعشرين، وهي قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ(26)﴾
أيها الإخوة الكرام، هذه الآية لها معنىً متعلق بالتوحيد، والتوحيد هو الدين، والتوحيد ألّا ترى مع الله أحداً، والتوحيد أن توقن أنه لا فاعل إلا الله، ولا معطي إلا الله، ولا مانع إلا الله، ولا رافع إلا الله، ولا خافض إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا معز إلا الله، ولا مذل إلا الله، وما من خطأ متعلق بالشرك الخفي إلا ويُعالَج من قبل الله -جلّ جلاله- معالجة سريعة، فهؤلاء الصحابة الكرام على علو قدرهم، وعلى أنهم نخبة البشر، وعلى أنهم صحابة سيد البشر، حينما اعتدوا بعددهم ولم يوحدوا جاء التأديب الإلهي مع أنهم في أعلى درجة من القرب من الله -عز وجل-.
الافتقار إلى الله ليس أدباً فحسب بل هو واقع أيضاً :
الله -عز وجل- يقول: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ
من رأى فضل الله عليه فهو أقرب المخلوقات إلى الله عز وجل :
إخواننا الكرام، لو تتبعنا آيات القرآن الكريم في أكثر مواطنه نجدها تحوم حول محور واحد ألا وهو التوحيد، وقد قيل: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، يعني من هؤلاء الذين عالجهم ربنا -جلّ جلاله-؟ هم أصحاب سيد الخلق، هم نخبة البشر، هم الذين اصطفاهم الله -عز وجل- ليكونوا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك حينما -في ساعةٍ من الساعات- توهموا أنهم كثر، وأن عددهم كبير، وأن النصر حليفهم، جاء التأديب الإلهي فجاءت الآية الكريمة: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
آية أخرى وهي آيةُ اليوم: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ وكل واحد منا له أيام مع الله، وحينما قال الله -عز وجل-:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ
يعني أيها المؤمن في يوم ما رجوت الله أن يوفقك فوفقك الله، رجوت الله أن يشفيك من هذا المرض فشفاك الله، رجوت الله أن يرزقك زوجة صالحة فأجابك الله، أن يرزقك أولاداً صالحين فاستجاب الله لدعائك، فالمفروض بالمؤمن أن يتذكر فضل الله عليه، فالمؤمن شكور، وشاكر، شاكر اسم فاعل، وشكور كثير الشكر، فحينما ترى فضل الله عليك أنت أقرب المخلوقات إلى الله، إذا تذكرت فضل الله عليك، هناك إنسان يتذكر قوته، يعتد بقوته، يعتد بنسبه، يعتد بماله، يعتد بمنصبه، أما المؤمن وهو في أعلى درجات القوة يرى افتقاره إلى الله.
التولي والتخلي :
الحقيقة أن الإنسان بين التولي والتخلي، التولي والتخلي حالان يرافقان كل مؤمن في أي وقت، في أي وقت تقول: الله، يتولاك الله، وفي أي وقتٍ تقول: أنا، يتخلى الله عنك، مهما ارتقيت في مراتب الإيمان، حينما تتوهمُ لدقيقةٍ واحدة أن هذا الفعل الذي أجراه الله على يديك هو من اختصاصك، أو من خبرتك، أو من ذكائك، أو من حكمتك، يأتي التأديب الإلهي، لذلك المؤمن-دققوا- لا يشهدُ عمله ولكنه يشهد فضل الله عليه، فإذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك، في دراستك يمكن أي طالب ألّا ينجح بالامتحان على الرغم من دراساته المتعمقة جداً، يمكن لمريض أن يكون هذا المرض سبب موته، يأتي الشفاء الإلهي، يمكن أن ترزق بزوجة تريك النجوم ظهراً كما يقال، ويمكن أن يرزقك الله زوجةٍ صالحة تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها، فأنت حينما توحد، حينما تتبرأ من حولك وقوتك، وتلتجئ إلى حول الله وقوته، والدعاء الذي ينبغي أن تقوله قبل كل عمل: "اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين"
الحقيقة هذه الآيات التي أمامنا تعلمنا التوحيد، تعلمنا التوحيد ونحن بحاجة إليه، أنا لا أبالغ في كل دقيقة من دقائق حياتنا، أنت أمام مشكلة يجب أن تُحَل، أمام عقبة يجب أن تتجاوزها، أمام ضائقة يجب أن تنجو منها، أمام عدو حاقد يجب أن تنجو من حقده، فهناك أخطار محيطة بالإنسان في كل وقت، وفي كل زمان، وفي كل مكان، وهذه الأخطار هي محفزات للتوحيد، محفزات لمعرفة الله، أقول ولا أبالغ: إن هذا الدرس اليوم يحتاجه كل واحد منا في كل يوم، بل في كل ساعة، إما أن يعتد بقوته، أو بعلمه، أو بخبرته، أو بمنصبه، أو بشهادته، أو بنسبه، أو بإمكاناته، أو بماله، حينما يعتدُ بهذا الذي بين يديه، وينسى فضل الله عليه، يقع في مطبةٍ اسمها الشرك الخفي، وقد ورد في بعض الآثار النبوية:
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقولُ إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن أعمالاً لغير الله وشهوة خفية ))
التوحيد ألا يرى الإنسان مع الله أحداً :
إخواننا الكرام، الشرك الجلي واضح، أن تعبد بوذا مثلاً كما يفعل من في بعض البلاد في شرقي آسيا، أن تعبد صنماً، أو حجراً، أو شمساً، أو قمراً، أو إنساناً، ولكن التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد أن ترى:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ
التوحيد أن ترى كما في قوله تعالى:
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ(173)﴾
فكل الدين -ولا أبالغ- يدور حول التوحيد، والإيمانُ بالله خالقاً، هذا الإيمان موجود عند معظم البشر، حتى إبليس آمن بالله خالقاً، والدليل قال:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)﴾
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
فقضية أن تؤمن أن الله موجود هذه قاسم مشترك بين كل البشر، عدا قلة قليلة جداً عطلت عقولها، ولكن الإيمان الذي نقصده في كل هذه الدروس الإيمان التوحيدي، أي ألا ترى مع الله أحداً، أن ترى أن رزقك بيد الله، وأن سعادتك بيد الله، وأن الشقاء بيد الله، وأن الحكمة بيد الله، وأن التفوق بيد الله، كلما رأيت أن أمور الدنيا منوطة بالله -عز وجل- كنت موحداً، فالتوحيد أن تجعل همومك هماً واحداً، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد أن ترى يد الله تعملُ وحدها ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
المؤمن يعترف دائماً بفضل الله عز وجل عليه :
أيها الإخوة، الله -عز وجل- يذكّر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولُ لهم:
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾
﴿ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
دخلت إلى البيت: "الحمد لله الذي آواني، وكم ممن لا مأوى له"، استيقظت صباحاً معافى في جسمك، "الحمد لله الذي ردّ إليّ روحي، وعافاني في بدني، وأذن لي بذكره"
المؤمن يرى فضل الله عليه و غير المؤمن يرى الذي ينقصه فقط :
الشيء اللطيف:
﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
هل يمكن أن تقول لإنسان خذ هذه الليرة فعدها؟ كأن المعنى أن نعمة واحدة من نِعم الله لو ذهبت تعدد خيراتها وفضائلها لا تنتهي، فأنت غارق في نعم الله، جسمك، لك بصر ترى به الأشياء، لك سمع تنتهي إليك الأصوات، لك عقل، لك لسان تنطق به، لك رجلان تتحرك بهما، لك يد تسعى بها، لك بيت، لك أهل، لك زوجة، لك أولاد، هذه النعم التي تعد عند الناس عادات الإنسان غير المؤمن لا يشكر الله -عز وجل-، يرى ما ينقصه فقط، والبطولة قبل أن ترى ما ينقصك ينبغي أن ترى ما عندك، مثلاً:
(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه
إنسان ليست هناك مذكرة بحث في حقه، لو التقيت مع إنسان عليه مذكرة بحث ينخلع قلبه إذا طُرق بابه، حالة القلق والخوف، أنت من خوف المرض في مرض، ومن خوف الفقر في فقر، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، فأنت معافى من هذا القلق، أنت آمن في سربك (مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه، مُعافى في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها)
لا يوجد بحقك مذكرة بحث، لا يوجد عندك ولد معاق، والله هناك أولاد معاقون، ولهم آباء قد يكونون مؤمنين، ويصبرون على هذه الإعاقة، ولكن الولد غير المعاق أجمل بكثير، ابنك يتحرك أمامك، يتكلم، دخل مدرسة، ارتقى من صف إلى صف، هذه نعمة قد تغيب عن معظم الناس، هناك طفل منغولي، طفل معاق، طفل مشلول، طفل عنده تخلف عقلي، طفل عنده عاهة دائمة، أما إن كان في البيت طفل سليم، طفلة سليمة، زوجة صالحة، مأوى، هذه النعم التي غمرك الله بها ينبغي أن تذكرها.
العالم شرد عن الله شروداً كبيراً و المؤمن أنعم الله عليه بنعمة التوحيد :
مرة ثانية: المؤمن يرى فضل الله عليه، بالحد الأدنى أنه منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد.
في الحد الأدنى دلك عليه، لم تكن شارداً، هناك ملايين مملينة، مئات الملايين يعبدون حجراً، الآن في شرق آسيا يعبدون بقرة، يعبدون جرذاً، عندي موضوع في مجلة فرنسية عن قبائل كثيرة في آسيا يعبدون الجرذ، وهناك معابد، وهناك تحقيقات طويلة جداً، هناك من يعبد النار، هناك من يعبد موج البحر، وهناك من يعبد شهوته وما أكثرهم.
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ
العالم شرد عن الله شروداً كبيراً، فأنت الله -عز وجل- أنعم عليك بنعمة التوحيد، تعبد الله -عز وجل- خالق السماوات والأرض:
﴿ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ
أنزل على عبده الفرقان، الفرقان بين يديك تقرؤه، قدم لك الفرقان أو قدم لك القرآن تصوراً عن الكون، وعن الحياة، وعن الإنسان، وعن سرّ وجودك، وعن غاية وجودك، وماذا بعد الموت، وعن الجنة والنار، هذه كلها حقائق تبعث في النفس الراحة، أنت لا تعرف من فقد العقيدة في ضياع، عنده ألف سؤال وسؤال، وألف استفهام واستفهام، وعنده قضايا عالقة، وقضايا ليس لها جواب، هذا الدين العظيم قدم لك تصوراً دقيقاً، عميقاً، شمولياً، عن الكون والحياة والإنسان.
من اشتغل بمعرفة نعم الله عليه كان أقرب الناس لله عز وجل :
لذلك تذكر فضل الله عليك، من هذا الفضل الذي أُشير في هذه الآية إلى الصحابة الكرام: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾
والله أنا أقول حتى لمن أصابته مصيبة، أقول له: لو كشف الغطاء يوم القيامة عن الحكمة من سوق هذه المصيبة لك إن لم تذب محبة لله فأنا مسؤول عن هذا الكلام.
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ
يعني شيء مألوف جداً أن لك عينين، لكي ترى الألوان، ترى الجبال، ترى الأنهار، ترى البحار، ترى السماء، ترى الأطيار، ترى الأسماك، ترى زوجتك، ترى أولادك، ترى من حولك، ترى من فوقك.
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8)﴾
وهناك إنسان فاقد البصر، جعلك تنطق تعبر عن مشاعرك، عن أفكارك، عن مبادئك بلسان فصيح، هذه نعمة كبرى، أنا أذكر نعماً بشكل غير متسلسل، كيفما تحركت هناك نعمة أنت مغمور بها.
لذلك إذا اشتغلت بتعدد أو بمعرفة نعم الله عليك كنت أقرب الناس إلى الله -عز وجل-.
أيها الإخوة، الآية الخامسة والعشرون من سورة التوبة: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
شروط تلاوة القرآن الكريم :
إخواننا الكرام، لا يغيب عن أذهانكم أن الله -سبحانه وتعالى- حينما وصف المؤمنين بأنهم:
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ
وأذكركم أن من حق التلاوة أن تقرأه بلغة عربية صحيحة، لذلك سيدنا عمر قال:" تعلموا العربية فإنها من الدين"
ومن حق تلاوته أن تقرأه قراءة مجودة إن أمكن، يعني شيء جميل جداً أن تتعلم قواعد التجويد، ومن حق تلاوته أن تفهمه، ومن حق تلاوته أن تطبقه، والتدبر أن تعرض نفسك على كل آية تقرؤها أين أنت منها؟ هل أنت مطبق لها؟ هل أنت مقصر؟ هل أنت ينبغي أن تستكمل بعض الأعمال كي تنطبق عليك؟
من وقع في الشرك الخفي استحق التأديب :
فلذلك هذه الآية التي بين أيدينا هل تذكرت فضل الله عليك؟ في دراستك، في زواجك، في عملك، في أولادك، في علاقتك الطيبة بأهلك، فهناك نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى.
لذلك الآية الكريمة هي موجهة للصحابة، لكن نحن أيضاً ينبغي أن نسقطها على أنفسنا ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾
الله -عز وجل- ساق لهم درساً لا ينسى، في بدر انتصرتم لأنكم افتقرتم، أما في حنين خُذِلتم لأنكم اعتددتم بعددكم، فإذا كان هذا الدرس البليغ ينطبق على أصحاب رسول الله وهم قمم في الكمال فلأن ينطبق على كل مسلم من بابِ أولى ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً﴾
مرة وجدت طبيباً بأمريكا وضعه النفسي سيئ، سألته، قال لي: الحمد لله، اختصاصكم؟ قال لي: أنا طبيب قلب، معه احتشاء بقلبه.
المؤمن لا يرى عمله يرى فضل الله عليه :
أحياناً الإنسان دون أن يشعر يعتد باختصاصه، فيؤتى من مأمنه، البطولة أن تفتقر إلى الله، البطولة ألا ترى مع الله أحداً، البطولة أن ترى ما أنت فيه فضلٌ من الله عليك، لذلك أقول دائماً: المؤمن لا يرى عمله، يرى فضل الله عليه، الله وفقك بالدعوة، ليس بذكائك، ولا بقوة شخصيتك، ولا بطلاقة لسانك، ولا باتساع علمك، ولا بحكمتك، هذا التوفيق الذي أنت فيه من فضل الله عليك، تدخل إلى بيتك تجد زوجة صالحة، وأولاداً أصحاء، معك ثمن طعامك، معك مأوى، "الحمد لله الذي آواني وكم ممن لا مأوى له"، عوّد نفسك أن ترى نِعَم الله عليك، عود نفسك إذا استيقظت أن تقول – إنسان استيقظ، هناك ستة آلاف مليون إنسان كل يوم يستيقظون - كما كان النبي يقول عندما يستيقظ:
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي
أنا أعرف شخصاً نام فلم يستيقظ صباحاً، وُجد ميتاً، فالإنسان إذا استيقظ:" الحمد لله الذي ردّ لي روحي"
مرة إنسان تبرع ببيت لجمعية خيرية، أقيم له حفل، عريف الحفل ألقى كلمة لكنها دقيقة، قال له: أيها المحسن الكريم كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين بجمعيتنا، وأن تقف في صف طويل معك الهوية، وينبغي أن تبصم لثلاثمئة ليرة قبل العيد، ولكن الله أغناك، وسمح لك أن تقدم هذا البيت لوجه الله، حتى الذي يعطي لولا أن الله امتن عليه بالعطاء لما أعطاه، التوحيد أن ترى فضل الله عليك.
من اتجه إلى غير الله عز وجل تخلى الله عنه :
لذلك ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً﴾
﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾
قال لي أخ فقد حريته، قال لي بقيت سنة وشهرين، السنة بأكملها أحاول أن أوسّط أشخاصاً كي يطلق سراحي، بعد مضي اثني عشر شهراً لم تنجح كل محاولاتي، فتركت البشر واتجهت إلى خالق البشر، صار يصلي، يقوم الليل، يسأل الله في جوف الليل، حتى امتن الله عليه بإطلاق سراحه.
يعني هذا درس بليغ، حاول أن تتجه إلى الله وحده، حاول أن تعقد الأمل على فضل الله وحده. ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾
على المؤمن أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء:
هذا الدرس درس بليغ ويحتاجه كل واحدٍ منا، اعتمد على الله وحده، خذ الأسباب وكأنها كل شيء، ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء، الموقف الكامل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، طبعاً سهل جداً أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد عليها، وأن تنسى الله، والأسهل منه ألا تأخذ بها وتتواكل على الله، وكلاهما طريقٌ غير صحيح، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾
﴿عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق
الاستماع للدرس
نص الزوار
إخفاء الصور
