الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تنفيذُ أمر الله سجودٌ لله:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التاسع عشر من سورة البقرة، ومع الآية الرابعة والثلاثين وهي قوله تعالى:
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)﴾
الحقيقة أن السجود لله وحده، ولكن تنفيذ أمر الله سجودٌ لله، لو أن آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له لما أمكن أن ينفَّذ هذا الأمر، لكن لأن الله عزَّ وجل أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فَهُمْ حينما سجدوا نَفَّذوا أمر الله عزَّ وجل، ألا ترى أن الله أمرك في الحج أن تُقَبِّلَ الحجر الأسود، وأمرك أن ترجُم حجراً آخر يمثِّل إبليس، فأنت حينما قَبِّلت هذا الحجر وعظمته إنما تنفذ أمر الله، وحينما أمرك أن ترجم هذا الحجر وتحقِّره إنما نفذت أمر الله عزَّ وجل، وكل أمرٍ لله عزَّ وجل يقتضي الوجوب، ولله حكمةٌ ما بعدها حكمة، وعدل ما بعده عدل، ورحمةٌ ما بعدها رحمة، وإذا قتل: إنك مؤمن، أي أنك مؤمن بحكمة الله المطلقة، مؤمنٌ بعلمه المُطلق، مؤمنٌ برحمته المطلقة، فالسجود لله عزَّ وجل، ولكن هذا السجود سجود خضوع، حينما سجد إخوة يوسف:
﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)﴾
قال: هذا السجود سجود الخضوع، فهذا الطفل الذي ائتمر عليه إخوته سيكون عند الله في مكانٍ عَلِيّ، فرأى في المنام أن هؤلاء الذين حوله خاضعون له، وقال في نهاية القصة:
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)﴾
فالسجود سجود الخضوع.
سجود الملائكة لآدم هو سجود الاعتراف بالفضل:
حينما قال عليه الصلاة والسلام:
(( عن عبد الرحمن بن عوف: لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا. ))
سجود الخضوع، والقبول، وتلَقِّي الأمر:
(( عن عبد الرحمن بن عوف: إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ. ))
الزوجية نظام، مركبة لا بد لها من قائدٍ واحد، لا يصلح الأمر عندما يكون قائدان لمركبة واحدة عندئذٍ تفسد، قال تعالى:
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)﴾
درجة القيادة، أي زوجته شريكته، لكن لهذه الأسرة قائدٌ واحد، مسؤولٌ واحد في الأمور الحاسمة، صاحب القرار واحد هكذا، فالسجود سجود الخضوع، أما سجود الملائكة لآدم فهو سجود الاعتراف بالفضل، قالوا:
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)﴾
عَلَّمَهُ الأسماء، على أي تفسير الأسماء، علمه شيئاً ما عرفته الملائكة، وهذا العلم متعلقٌ بالصدق في طلب الحقيقة، فكان مقام آدم عليه السلام في معرفته بالله وطلبه للحقيقة أعلى من مقام الملائكة، فأمرهم أن يسجدوا له أي أن يخضعوا له.
المؤمن مُلْزَم بطاعة رسول الله دون النظر إلى مقياسٍ آخر:
أنت حينما يأمرك الله أمراً إنما تطيع أمر الله، قال لك: قَبِّل الحجر الأسود، حجر لا ينفع ولا يضر، تقبله تنفيذاً لأمر الله، قال لك: ارجم هذا الحجر، ترجمه تنفيذاً لأمر الله، لكن لو قال لك أبوك: أطع الله، صلِّ يا بني وصليت، هل تنفذ أمر أبيك؟ لا أبداً إنك تنفذ أمر الله عزَّ وجل، أي إنسان يدعو إلى الله لا يُنَفَّذُ أمره الشخصي، يُنَفَّذ أمره الذي نقله لك عن كلام الله، وعن سنة رسول الله، وحينما قال الله عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)﴾
أولو الأمر هم العلماء والأمراء، العلماء يعلمون الأمر، والأمراء ينفِّذون الأمر، واحد يعلم وآخر لديه سلطة فينفِّذ، لكن الله عزَّ وجل قال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا﴾ أعاد كلمة أطيعوا: ﴿الرَّسُولَ﴾ أي أنت مُلْزَم أن تطيع رسول الله من دون نظرٍ لمقياسٍ آخر، أخي أنا حتى أتحقق إذا كان الحديث وجدت له أصلاً في القرآن أطيعه، لا، ليس لك هذا، أنت مكلفٌ أن تطيع رسول الله استقلالاً، بنص أمر الله عزَّ وجل:
﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾
لأنَّه معصوم ولأنه لا ينطق عن الهوى.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
لكن الله إذا أمرك أن تطيع أولي الأمر العلماء والأمراء طاعة أولي الأمر بالقياس إلى أمر الله، قال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ لا يوجد وأطيعوا أولي الأمر منكم، وأولو الأمر منكم مرتبط بطاعة رسول الله، فلو أمرَكَ عالم بقطيعة رحم لا ينفَّذ أمره لأنه يتناقض مع أمر النبي بصلة الرحم، لو أمرك إنسان أقوى منك بشرب الخمر لا يُطاع أمره لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فيجب أن تدقق بين: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ يوجد فعل كُرِّر، أي عليك أن تطيعه استقلالاً، دون أن ترجع إلى أي شيءٍ آخر، لأنه معصوم، ولأنه لا ينطق عن الهوى، إلا أنه إذا أمرك عالمٌ أو أميرٌ بخلاف أمر النبي أو أمر الله عزَّ وجل لا طاعة له إلا في طاعة الله.
الآن حينما تِّنفذ أمر أبيك أو أمر داعيةٍ يقول لك: يا بني غض بصرك، يا بني أقم الصلاة، يا بني اتلُ القرآن، إنك لا تطيع هذا الداعية إنما تطيع الله، هو نقل لك هذا الأمر عن الله فقط، ناقل نقل لك هذا الأمر عن الله، نقل لك هذا الأمر عن رسول الله، هذا كله حول قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ .
قال العلماء: "عِلَّةُ أي أمرٍ أنه أمر" أي حينما تعرف الله عز وجل مثلاً أنت أمام طبيب عندك لا سمح الله آلام بالمعدة، ودخلت إلى أعلى طبيب في البلد، معه أعلى شهادة، ومعه أعلى خبرة، إذا قال لك: دع الحوامض، لا يخطر في بالك لحظة أن تفكر بأمره، لأنك تثق بعلمه، تُنفذ لأنه أمرك، أنا مرة قلت عن عالم من علماء هذه البلدة الطيبة كان بأمريكا ودخل بنقاش مع عالم كبير لكنه أسلم، عالم بالفيزياء أو الكيمياء وأسلم، طُرِح موضوع لحم الخنزير، بدأ هذا العالم يتحدث عن مضار الخنزير، وعن الدودة الشريطية، وعن تأثر طباع الإنسان بلحم الخنزير وطباع الخنزير، وعن أن هذه الدودة لا تتأثر بالحرارة، أي تكلم كلاماً طيباً جداً سبحان الله، فأجابه هذا المسلم الأمريكي قال له: يا أستاذ كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه، هذا يكفي، يكفي إذا قال لك خالق الكون: لا تفعل هذا الشيء، لذلك قال العلماء: علة أي أمرٍ أنه أمر.
تكلم النبي بالإسلام، وجاء بالآيات البيّنات، وحدث الناس، ثم فاجأهم أنه في ليلةٍ واحدة ذهب إلى القدس، ورجع منها، وعرج إلى السماء، من دون هذا الخبر لم يكونوا يصدقون رسول الله أساساً فوجدوا شيئاً يتاجرون به، فجاؤوا إلى الصدّيق وقالوا: تعالَ اسمع ماذا يقول صاحبك؟ قال إنه ذهب إلى بيت المقدس، وعاد منه، قال لهم: إن قال هذا فقد صدق، إذا كانت ثقة سيدنا أبي بكر برسول الله دعته ألا يفكر فيما قال، لأنه قال فهو صادق، فكيف ثقتك بالله عزَّ وجل؟!! لذلك علة أي أمر أنه أمر.
كلما اختفت حكمة الأمر الإلهي ارتفع عنصر العبودية لله والعكس صحيح:
بالمناسبة أيها الإخوة، تتضح أحياناً حكمة الأمر الإلهي بشكلٍ جلي، وأحياناً تختفي حكمته، كلما اتّضحت حكمة الأمر الإلهي ضَعُف فيه عنصر العبودية لله عزَّ وجل، فإذا قال لك الله عزَّ وجل: تزوج:
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)﴾
هذا أمر، وأنت تزوجت، لكنك إنسان تعيش في بيت أهلك، وأهلك متقدمون في السن، والبيت ضيِّق، والمعيشة خشنة، والظروف صعبة، وأكلك غير مؤمَّن، وثيابك غير منظَّفة، فإذا رأيت أن أمر الله بالزواج أنت مقبل عليه إقبالاً غير معقول، تريد بيتاً مستقلاً وزوجة، وطبخاً، وهيئة حسنة، وراحة، فأنت مقبل على هذا الأمر، لكن لأن فائدته واضحة جداً، وأنت بأمس الحاجة إلى هذا الشيء، في تطبيق هذا الأمر يضعف عنصر العبودية فيه، وحينما تختفي حكمة الأمر كلياً:
﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾
يذبح من؟ مجرم؟! نبي: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ ابنه: ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ هذا الأمر غير واضح على الإطلاق، صعب تفهمه، تذبح ابنك النبي، فكلما اختفت حكمة الأمر ارتفع فيه عنصر العبودية لله عزَّ وجل، فلو قال أب لابنه: يا بني نظّف أسنانك، أسنانك ثمينة جداً، وإذا أهملت تنظيفها تحدث معك متاعب لا تنتهي، قلع الأسنان، وتركيب أسنان صناعية، شيء صعب جداً، فالابن قال له: يا أبتِ كلامك طيب، وأنا سأفعل هذا، الحكمة واضحة، أما إذا وضع الأب طعاماً، والطعام نفيس، وابنه مستقيم، ومطيع له، وبار، قال له: يا بني لا تأكل، لِمَ يا أبتِ؟ قال له: هكذا بلا سبب، الأمر غير واضح، فإذا قال الابن: سمعاً وطاعةً يا أبتِ، هنا نفذ الأمر عبوديةً، نفَّذه طاعةً لأبيه من دون أن يفهمه.
كل الكون يشهد بعظمة الله عزَّ وجل ولذا لا يُسأل عما يفعل:
الله عزَّ وجل يمتحننا، يعطينا أوامر واضحة جداً، وهناك أوامر غير واضحة، تجد شاباً مستقيماً، دخله قليل، وله صديق متفلِّت، غارق بالملذات، معه أموال لا تأكلها النيران، هل تثق بحكمة الله؟ يأتي مرض وأنت في أعلى درجات القرب من الله، هذه امتحانات العبودية لله عزَّ وجل، ماذا تقول وأنت مستقيم، وأنت مطيع، وهناك شيء أزعجك؟! من هنا قال الإمام علي كرم الله وجهه: "الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين" .
النقطة الدقيقة: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ مادام الله أمر، علة أي أمرٍ أنه أمر.
مما يحدث أحياناً أن إنساناً تغلق أمامه كل الطرق المشروعة، يُفتح له باب واسع، لكن فيه شبهة، بكسب غير مشروع، هذا امتحان صعب، فحينما تقول: أنا لا أعصِ الله وليكن ما يكن، امتحنك الله ونجحت، يُخضعك الآن لقانون العناية الإلهية المباشرة، فيكسبك شيئين؛ يكسبك أجر العابدين، ثم يكشف لك عن الحكمة فتكون من العلماء، تجمع بين العبودية والعلم، هو إذا كُشِف لك حكمة الأمر قبل أن تفعله ضَعُف فيه عنصر العبودية لله، أما إذا أقبلت عليه دون أن تفهم حكمته طاعةً لله عزَّ وجل، فلما أقبلت عليه ونفذته، كافأك الله بكشف حكمة هذا الأمر، إذا كُشِفت لك الحكمة بعد التنفيذ جمعت بين الشيئين؛ بين العبودية لله، وبين علم العلماء، صرت عابداً عالماً بآن واحد، لكن ضعوا في أذهانكم هذه الحقيقة، علة أي أمرٍ أنه أمر، قال له: كان يكفيك يا أستاذ أن تقول لي إن الله حرمه.
لكن من هو الآمر؟ أنت حينما ترى الكون، حينما ترى المجرَّات، حينما ترى الأرض، حينما ترى البحار، حينما ترى النبات، حينما ترى الأسماك، حينما تـرى الأطيار، حينما ترى الخلية بالمجهر، حينما ترى الذرة، حينما ترى المجرة، حينما ترى العلم المطلق، والحكمة المطلقة، والرحمة المطلقة، والعدل المطلق، بعد أن يطوف فكرك في الكون وتعود من هذا الطواف مُعظّماً لله عزَّ وجل عندئذٍ تعظم قيمة أمر الله عندك، يكفي أن يقول الله لك: افعل فتفعل، يكفي أن يقول لك: لا تفعل فلا تفعل، الله عزَّ وجل لأن كل الكون يشهد له بعظمته لا يُسأل عما يفعل، أمرك أن تفعل تُنفذ أمر الله، قال لك بالحج: قبِّل هذا الحجر، هو يميني في الأرض، سمعاً وطاعةً، تُقبّله وتبكي، قال لك: ارجم هذا الحجر إبليس ترجمه وأنت مطيع لله عزَّ وجل، فأنت عبد، العبد عبدٌ والرب رب.
لا يوجد بين المخلوقات كلها إلا نوعان مخيَّران الإنس والجن:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾ الملائكة ليس متاحاً لهم أن يعصوا، الملائكة غير مكلفين، المَلَك غير مكلف، المَلَك مسيَّر، اسجد يسجد، لا يوجد بين المخلوقات كلها إلا نوعان من المخلوقات مخيَّران؛ الإنس والجن، الإنس يتلقَّى الأمر، يطيع، أو يعصي، أو يرد، ثلاثة مواقف، إذا أطاع فهو طائع، إن لم يطع فهو عاصٍ، إن احتقر الأمر وردّه فهو كافر، مطيع، عاصٍ، كافر، قال لك: صلِّ، الذي صلى مطيع، والذي لم يصلِّ تهاوناً وتكاسلاً، الله يتوب علينا، والله أنا مقصر، إن شاء الله سوف أصلي، هذا عاصٍ، أما لماذا الصلاة؟ هذا كافر، فرقٌ بين أن تطيع الله، وبين أن تعصيه، و بين أن ترد أمره، هذا متاحٌ فقط للإنس والجن، أن تطيع أو أن تعصي لا سمح الله أو أن تكفر، أن يطيع أو أن يعصي أو أن يكفر هذا متاحٌ للإنس والجن فقط بينما الملائكة وبقية المخلوقات:
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)﴾
بقية المخلوقات مسيَّرة ليس لها خيار إطلاقاً في عدم الطاعة.
إبليس لم يعص فقط بل جمع المعصية مع الكفر:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ ما الذي مَكَّنه ألا يسجد؟ لأنه مخير، لأنه من الجن قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)﴾
مكنه ألا يطيع أنه كان من الجن، إبليس لم يعص فقط، بل جمع مع المعصية الكفر، قال:
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)﴾
وقال:
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)﴾
أضاف إبليس إلى المعصية الكفر: ﴿فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ قد يقول قائل: الملائكة سجدوا، وإبليس مستثنى منهم، هل المعنى أنه مَلَك؟ لا، الاستثناء نوعان؛ هناك استثناء متصل، واستثناء منقطع، إذا قلنا: دَخَلَ الطلاب إلا خالداً، هذا استثناء متصل، خالد طالب، أما إذا قلنا: دخل الطلاب إلا المدرس، هذا استثناء منقطع، المدرس ليس من جنس الطلاب، لكن الدخول للصف يشمل الجميع، الطلاب والمدرس، فهذا الاستثناء لا يعني أن إبليس مَلَك، لا أبداً! إبليس كان من الجن، ولو كان مَلَكَاً لما عصى أبداً، لما عصى اختباراً، لما عصى استطاعة، الملك مسيّر: ﴿فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾ .
الاستكبار في الطاعة من أكبر المعاصي:
هناك ألف معصية سببها الغَلَبَة، يُغلَب الإنسان، وهناك معصية سببها الكِبر، معصية الكبر عند الله كبيرةٌ جداً:
﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)﴾
الاستكبار في الطاعة مشكلة، لذلك ما الكبر؟ قال:
(( عن عبد الله بن مسعود: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ. ))
الكبر أن ترفض الحق، ألا تقبله، ألا تعبأ بالصلاة، ألا تعبأ بالزكاة، ألا تعبأ بالحج، أن ترى نفسك فوق الشرع، مرة كان عندنا أستاذ في الجامعة متمكناً من العلم تمكُّناً كبيراً جداً، لا يغيب ولا طالب عن محاضرة له، رأيته مرة في رمضان يفطر، هو مرتبته، وعلمه، ومكانته، وسمعته في الشرق الأوسط، ومؤلَّفاته، هو أكبر من أن يصوم رمضان، معصية الاستكبار كبيرة جداً، إبليس استكبر.
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)﴾
لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل:
(( عن أبي هريرة: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ.))
استكبر.
للإنسان حالتان؛ حالة الافتقار وحالة الاعتداد:
أنت عبد فكلما ازددت تواضعاً لله زادك الله عزاً، كلما مرغت وجهك في أعتاب الله زادك الله رفعةً، كلما عزوت الأمر إلى الله زادك الله قوةً، كلما عزوت علمك إلى الله زادك الله علماً، كلما افتقرت إلى الله زادك الله غنىً، لذلك عندنا حالتان؛ حالة الافتقار، وحالة الاعتداد، الافتقار أن تقول: الله، الاعتداد أن تقول: أنا، هناك تولّي مع الافتقار، هناك تخلّي مع الاعتداد، أبداً مع كل مؤمن، تقول: أنا خبرات متراكمة، أنا معي أعلى شهادة، أنا متكلِّم، أنا مُتَعَمِّق، حينما تعزو ما عندك إلى ذاتك أولاً هذا كلام فيه جهل، يؤدبك الله عزَّ وجل بأن يتخلى عنك.
خطبة رائعة جداً، نزل لكي يصلي فقال: الله أكبر، بدأ بالآية رأساً، نسي الفاتحة كلّها، صار عنده إعجاب، دائماً تواضع لله، دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة مطأطئ الرأس، حتى كادت ذُؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عزَّ وجل، إن أتيت الله من باب الانكسار رفعك، ببدر:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾
في حنين:
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾
ذنوب الَغَلَبة يسهل التوبة منها أما ذنوب الكبر فيصعب التوبة منها:
اعتقد اعتقاداً جازماً أن عندك يومياً عشرات الدروس من بدر وحنين، في كل قضية تعزو هذا الفضل إليك هذه حنين، تخلٍّ، تعزو هذا الفضل إلى الله هذه بدر، تولٍّ، أنت بين التخلي والتولي، وإذا كان أصحاب النبي وهم على ما هم عليه من رفعة الشأن تخلى الله عنهم في حنين مؤقتاً طبعاً تأديباً لهم، فمن نحن؟ إذاً: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ ذنوب الَغَلَبة يسهل التوبة منها، أما ذنوب الكبر فيصعب التوبة منها، المعاصي بسبب الكبر يصعب التوبة منها، المعاصي بسبب الغَلَبَة والضعف يسهل التوبة منها، انتهت العملية، العملية أنه صار هناك اعتراض من الملائكة، فربنا عزَّ وجل بيّن لهم أن الله يعلم، والملائكة لا يعلمون: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ بيَّن للملائكة أن علم آدم بسبب صدقه، بسبب رفعة قدره، والملائكة لا يعلمون، إذاً: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ اخضعوا له، هو سيد المخلوقات، انتهى الأمر.
الآن: هذا علم نظري، أي آدم يقع في الدرجة الأولى، مخلوق أُودعت فيه الشهوات، مُنِح الاختيار، سُخِّرَ له الكون، الآن آدم وذريته بحاجة إلى تطبيق عملي، لأن آدم لم يتلقَ تربية من والديه، آدم أبو البشرية.
أدلة من القرآن الكريم تُظهر أن الجنة في الآية التالية ليست جنة الآخرة:
هناك الآن تجربة عملية: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ أي الأرجح، والأقوى، والأكثر رجحاناً أن هذه الجنة ليست جنة الآخرة، لأن جنة الآخرة:
﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)﴾
وفي آياتٍ كثيرة سَمَّى الله البساتين جنة:
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)﴾
وقال:
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)﴾
آيات ثلاثة في القرآن وصفت جنات الأرض بالجنة، فالله هَيَّأ له مكاناً فيه كل حاجاته، كل متطلباته، ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ لو قال الله عزَّ وجل: اسكنْ، فعل أمر، لم يقل: اسكني، أنت وزوجك هذه أصل الآية في التغليب أي كل أمر موجهٌ إلى الذكور هو حكماً موجهٌ إلى الإناث.
آدم مخلوق في الأصل للأرض وهذا درس عملي:
﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ هذه جنةٌ في الأرض جُعلت لآدم عليه السلام ولزوجته ليكون الدرس العملي فيها، قد يقول قائل: لولا أن آدم أكل من هذه التفاحة لما خرجنا من الجنة، كلا، لقوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ آدم مخلوق في الأصل للأرض هذا درس عملي، تَعْرِض على الإنسان أحياناً قضية نظرية يقبلها، فإذا جاء التطبيق العملي لم يتحملها، فأنا عندي قاعدة أن على الإنسان أن يحاول أن يجرب كل شيء قبل أن يوافق عليه، قد تفتقر الموافقة النظرية إلى الخبرة العملية، فأروع شيء أن هناك موافقة نظرية وهناك خبرة عملية، الآن يوجد درس عملي من الله عزَّ وجل: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ كل حاجاته فيها ؛ الطعام، والشراب، والمأوى، كل شيء يتمنَّاه أمامه، الآن يوجد إشارات، هو الآن بالجنة في طور التكليف، ما هو التكليف؟ قال: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ مسموح أن يأكل مليار نوع.
من لوازم التكليف الأمر والنهي:
﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ ،لا يوجد تكليف من دون نهي، لم يعد تكليفاً، أي قرار لا يوجد فيه أي منع لم يعد هذا قراراً، قانون السير: ممنوع أن تقف في المكان الفلاني، ممنوع أن تقود مركبة من دون شهادة، لولا المنع لما كان هناك تكليف، لا يوجد أمر، لم يعد للأمر أي معنى، فمن لوازم التكليف الأمر والنهي، لكن من رحمة الله: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ عُدَّ لي كم شراباً يمكنك شربه؟ يمكن أن يبلغوا ألفاً، كم فاكهة تستطيع أن تأكل؟ كم طعاماً مسموح لك أن تأكل؟ الخمر والخنزير محرمان فقط، عدد المباح والحلال يفوق المنهي عنه بآلاف، بل بمئات ألوف المرات: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ فمن لوازم العبودية لله، من لوازم التكليف، من لوازم حَمْل الأمانة أن يكون هناك أمرٌ، وهناك نهي، ولكن رحمة الله تقتضي أن تكون الأشياء المباحة لا تعدُّ ولا تُحصى، وأن يكون الشيء المحرم قليلاً جداً: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ إذاً أنت بالعبودية عندك أمر وعندك نهي، وأنت مخير، قال:
﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)﴾
طبعاً الشيطان كذب على آدم، قال له:
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)﴾
هو يكذب، يخوِّف أولياءَه، يوقع بين المرء وزوجته، يعدكم الفقر، الشيطان يخوفك من الدين، إياك إيّاك، ستنتهي إذا عملت هذا العمل، يخوفك، إيَّاك أن تنفق مالك وإلا ستصبح شحاذاً، أمسك يدك، يمنعك أن تنفق، يمنعك أن تحضر مجلس علم، يمنعك أن تلتزم في جامع، يمنعك أن تظهر بمظهر ديني، أبداً، يُفرِّق بين المرء وأهله، هذه مهمته: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾ هو درس عملي، الشيطان لم يفعل شيئاً لم يرده الله، لكن ربنا عزَّ وجل علَّم آدم درساً لا ينسى، وهذا الدرس له ولذريته من بعده.
تحليل بسيط للآية التالية:
﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ هناك تحليل بسيط يبدو أن جنة آدم كانت مريحة جداً، له فيها ما يشاء، فلما أكل من هذه الشجرة انعكست الآية، كانت نفسه محيطة بجسمه، فالنفس طليقة، إذا نظر الشخص إلى شجرة تفَّاح يمكن أن يأكل مليون تفاحة، إذا كانت قضية اتصال يأكل هذه التفاحات ويستمتع بطعمها الطيب دون أن تدخل جوفه، أما إذا كان هناك دخول للجوف فتكفيك واحدة، لا تستطيع أن تكمل، الآن هناك أغنياء معهم ألوف الملايين، أراد أن يأكل هل يستطيع أن يأكل جملاً وحده؟ مهما كان غنياً لا يستطيع أن يأكل أكثر من أوقية لحمة، أو أوقيتين، لا يستطيع أكثر من ذلك، لأن هناك إدخالاً للبطن، وهناك هضماً، أما إذا كانت قضية نظر فكلما ألقى نظرة على تفاحة أخذ كل طعمها، وأساساً كيف يكون الإحساس بطعم الفاكهة؟ يلامس اللسان سقف الحلق في أثناء البلع، يدفع هذا الطعام، يوجد أعصاب حس، إذا أكل الواحد أفخر طعام والثاني أكل أخشن طعام فالأمر سواء بعد دخول الطعام إلى الجوف، الفرق في الطعام أثناء البلع، إذا الاتصال إذا سمح الله عزَّ وجل لنا بالجنة أن نتصل بكل شيء، ونأخذ كل ما فيه من لذة دون أن يدخل جوفنا، لم يعد هناك أمراض ولا تعب، لم يعد هناك كبر بالسن، لم يعد هناك شيء، يوجد هناك استمتاع فقط، فيبدو أن جنة آدم كانت من هذا القبيل فلما أكل التفاحة انعكست الآية، صار هناك جهاز هضم، صار هناك أكل، صار هناك تُخمة، صار هناك جهاز طرح للفضلات، صار هناك تعب، صار هناك نوم، صار هناك سعي، صار هناك عمل، صار هناك كدح:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6)﴾
بداية فعل الشيطان بعد أن يلتزم الإنسان مع الله:
الشيطان إتماماً للفائدة في آياتٍ أخرى قال:
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)﴾
ما دام بالمعاصي والآثام ترك الصلاة، ما دام ماله حراماً، ما دام يرتاد الملاهي، تجده مرتاحاً، لا يوجد عنده مشكلة، عندما يلتزم بجامع يقول له: من خلق الله؟ أول شيء، قد يكون هذا القرآن ليس كلام الله بل هو كلام محمد؟ متى بدأ الشيطان يوسوس لهذا الإنسان؟ بعد أن التزم، عندنا طريق الفجور لا يوجد فيه أي شيطان، الطريق سالك ونازل، التزم طريق الصلاح قعد الشيطان على الطريق: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فشيء طبيعي جداً إذا تاب الإنسان إلى الله واصطلح معه، شيء طبيعي جداً أن تأتيه الوساوس من الشيطان، لأنه حسب الآية متى يبدأ الشيطان فعله؟ بعد أن يلتزم هذا الإنسان مع الله.
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾
ألا يوجد عندك صحن فضائي إلى الآن؟ معنى هذا لم تعش أنت، هذه حضارة، رُقي، تعيش مع العالم كله، ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ تقدم، عصرنة، علم، أجهزة، المرأة نصف المجتمع، أحضر للعمل في مؤسستك الموظفات، أكثر راحة، وأمتع، ومعاشهن أقل، تقدُّم، عصرنة، جِدّة، حداثة، ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ هذه تقاليد يا أخي، وعادات، وتراث، إذا كان الضلال يأتي من الماضي يحضر لك الماضي، يتجاوزون الإسلام إلى الجاهلية، يتجاوزون إلى ما قبل الجاهلية، فنعتز بالماضي المنحرف، ونبحث عما في المستقبل من ضلالات.
إذا كان المؤمن واعياً: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ لم تضبط صلاتك، تحوي الفاتحة أربع عشرة شدة، تركت منهم واحدة، الصلاة كلها باطلة، مثلاً، يدخله في الوسوسة، لا تتعب نفسك لأن الله كتب عليك من الأزل أنك أنت شقي، يأتيه من القضاء والقدر، يأتيه من العقيدة، يأتيه من النبوة، يأتيه من الوسوسة، إذا كان صادقاً لم تصح، لماذا تصلي؟ هذه ليست صلاة، معنى ذلك لا تصلي، أتى وقت الدرس، أنت معكَّر، الدرس لشخص صافٍ، ليس لك الدرس، ابق جالساً في البيت.
﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ يزين له المعصية، والزنا، والخمر، ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ ، تكون ساكناً في بيت وعندك طعامك وشرابك وكل شيء يقول لك: السوق مسموم، لا يوجد عمل، الحياة متعذرة في هذا البلد، أنت ماذا ينقصك؟ ما هذا الذي ينقصك قل لي؟ دائماً يشكو، الشكوى والتذمُّر، ينسى كل الإيجابيات، يبحث عن السلبيات، يكبرها، فهذا هو سلوك الشيطان، ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ .
الله عزَّ وجل بدأ حياة سيدنا آدم بتجربة عملية غير التجربة النظرية:
عندما يلتزم الإنسان يأتي الشيطان، الأهل في بعض الأيام يأتي ابنهم الساعة الثانية ليلاً، له خمسون صديقة، مكالمات إلى البيت، ممتاز، عندما تاب والتزم بمسجد أكثروا له التأنيب والتوبيخ،! مرة قال لي أحد الشباب: كنت أحضر معي إلى البيت نساء فلا يتكلم والدي ووالدتي معي شيئاً، بعد أن تبت والتزمت بمسجد اختلف الأمر!! صرت محاسباً على الحركة وعلى السكنة، هل يعقل هذا؟!! هذا سلوك شيطاني، عندما كان غير منضبط كنت أنت ساكتاً عنه، بعد أن التزم صرت تدقق عليه، ألا تريد أن ترحمه بواحدة؟ إذا لم تعمل هكذا لا أعطيك؟ إذا لم تفعل هذا العمل لن أزوجك، إذا لم تفعل هذا لن أسكنك عندي، إذا لم تكشف زوجتك على كل أخواتك لن أسمح لك، لماذا تفعل هذا؟ كنت راضياً عنه عندما كان متفلتاً وعندما التزم لم تعد راضياً عنه؟ هذا سلوك شيطاني، شيطان بالأب موجود، وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ هذا فعل الشيطان، والله عزَّ وجل بدأ حياة سيدنا آدم بتجربة عملية غير النظرية، طبعاً مع الملائكة نظرية، أما مع إبليس فعملية: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ مهمة الشيطان الأولى أنه يكرهك بزوجتك، ويكرهها بزوجها، المهمة الثانية يخوفك من الفقر، لا تنفق، الثالثة يخوفك من أي جهة قوية، إياك أن تصلي، إياك أن تدخل الجامع، كله كلام الشيطان، من فضل الله علينا المساجد عامرة بهذه البلدة، والأمور مستقرة والحمد لله لا توجد مشكلة أبداً، كله مرخص، هذا الشيطان يخوِّفك زيادة، يخوفك، ويعدك بالفقر، ويأمرك بالفحشاء، ويفرق بينك وبين أهلك هذه مهمته، بعد ذلك يكفرك: ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ .
هذا الدرس متعلِّق بتجربة آدم مع الشيطان:
هذا الدرس أيها الإخوة، درس متعلِّق بتجربة آدم مع الشيطان، قال تعالى عن سيدنا آدم:
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)﴾
على المعصية: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ أي لابد من أن يخرجا: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ هذه كلمة ﴿إلى حين﴾ إذا فهمها الإنسان ترتعد مفاصِلُه، ﴿إلى حين﴾ أي عدة سنوات، اعمل ما شئت لابد من الموت، إذا شيَّع الواحد جنازة، ووقف على القبر، وضع هذا الميت في القبر، هذه الحادثة الرهيبة كلنا سوف نصل إليها، كلنا، مهما كان حجمك المالي، مهما كان بيتك فخماً، مهما كان لك هيمنة على الناس، مهما كان لك أذواق رفيعة جداً في الاستمتاع، مهما كنت أنيقاً عندك أذواق عالية، مهما كان رصيدك كبيراً، هذه اللحظة لابد منها، لذلك العاقل هو الذي يُعدّ لهذه اللحظة التي لابد منها عدتها، اعملوا ما شئتم:
(( عن سهل بن سعد أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزى به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، وأعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس . ))
[ رواه الطبرانى رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح ]
هذه الساعة العصيبة، من يضحك أخيراً يضحك كثيراً.
البطولة من يضحك في الآخر وهذا ملخص الملخص:
قال تعالى:
﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)﴾
إذاً ضحكوا أولاً وليس آخراً، في آية ثانية:
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾
من الذي ضحك أخيراً؟ المؤمنون، ما داموا ضحكوا أخيراً فقد ضحكوا كثيراً إلى الأبد، والذي ضحك أولاً بكى كثيراً، والإنسان يولد كل من حوله يضحك وهو يبكي وحده، فإذا جاء الأجل كل من حوله يبكي، فإذا كان بطلاً يضحك وحده، هذا ملخص الملخص.
الدنيا سعي وعمل والآخرة أخذ وجزاء:
﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا﴾ اهبطوا من هذه الحالة العالية، إذا كان الشخص مرتاحاً لا يوجد عنده ولا مشكلة اطلب تعط:
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)﴾
هكذا نمط الجنة، نزل إلى مستوى متعب، فيه كدح، فيه سعي، الآن الواحد منا إذا أراد أن يعمل صحناً من السلطة يحتاج ساعة، يقول لك: بعد ثلاثين سنة سكنت في بيت مساحته مئة متر تحت الأرض، قبو، ما هذه الحياة؟ تعمل عملاً يهد الجبال لتشتري بيتاً صغيراً، إلى أن يتزوج ويكون له زوجة يقول لك: أصبح عمري أربعين سنة ولم أتمكن من الزواج بعد، هكذا الحياة، الحياة مبنية على الكدح، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ الجنة ليست هكذا، الجنة على الطلب، اطلب تُعطَ، وأنت جالس أعطوني أعطوني، كله جاهز، ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ﴾ في الدنيا سعي، في الدنيا عمل، في الآخرة أخذٌ.
الجنة بالعمل فاعملوا واشتغلوا:
﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا﴾ انتهت الآن الحالة المريحة، انتهى الدرس، اهبطوا، مثل تقريبي: عندك طلاب أريتهم مزرعة جميلة، تجعلهم يسبحون، تطعمهم أكلاً لذيذاً، تجدهم يحبونها، الآن الذهاب إلى المزرعة بالعمل، بالاجتهاد، أول مرة يهمك أن تجعلهم يطمعون، تريهم ما هي الجنة، فهناك تربية عالية جداً، هذه الجنة، وأنتم مخلوقون لهذه الجنة، الآن اهبطوا منها، الآن الجنة بالعمل اعملوا، أعطاك نموذجاً عالياً جداً: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ الآن: ﴿اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً﴾ الآن اعملوا.
الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه:
﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)﴾
إنها عدة أيام، كل إنسان له أيام معدودة، كل مجتمع له عشرة أيام، انتهت العشرة أيام، تجد أحياناً رفاهاً مذهلاً بعد ذلك تجد الأسعار غالية وانتهى الرفاه، أصبح هناك تعب شديد، فلك في الدنيا مستقر ومتاعٌ إلى حين، فقط إلى حين، امشِ في الطريق تجد خمسين نعوة، يجب أن تعلم علم اليقين أن هناك يوماً سوف يقرأ الناس نعوتك، وكل واحد: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ هذه ﴿إِلَى حِينٍ﴾ تخوف الإنسان، أي أنت بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منك، هذا الإنسان، ما من يومٍ ينشق فجره إلا وينادي يابن آدم أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد، فتزوَّد مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
إن شاء الله في الدرس القادم نتابع تفسيرَ هذه الآيات.
الملف مدقق