- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
عدم السماح للمشركين بدخول بيت الله الحرام :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس عشر من دروس سورة التوبة، ومع الآية السابعة عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ(17)﴾
أيها الإخوة الكرام، كان البيت الحرام قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- منتدى لأهل قريش، منتدى يجلسون، يتسامرون، ينشدون الأشعار، يعني النشاطات التي تُؤدَّى في هذا البيت لا علاقة لها بالعبادة إطلاقاً.
لذلك الله -عز وجل- أعطى توجيهاً من خلال القرآن وسنة النبي الكريم أن هؤلاء لا يسمح لهم بدخول بيت الله الحرام.
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ العمارة هي الجلوس في المسجد، والنشاط الذي يُؤدَّى فيه، لا الجلوس هدفه العبادة، ولا النشاط يتصل بالدين، أشعار، وندوات، ومسابقات، وما إلى ذلك، فلذلك جاء الرد الإلهي، وهذا البيت الحرام البيت الأول.
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96)﴾
البيت الحرام بيت الله عز وجل في الأرض :
إخوتنا الكرام، إن صحّ التعبير تمشّياً مع الجانب المادي في الإنسان اتخذ الله لذاته العلية بيتاً في الأرض، بيت الله الحرام له خصائص، في هذا البيت يُقبل الله على عباده، الصلاة في هذا البيت لها طعم آخر، لذلك يجب أن تكون لهذا البيت خصوصية ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً﴾
إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عمارها
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام سنّ لنا إذا دخلنا المسجد أن ندعو بهذا الدعاء:
(( اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك ))
وكلمة رحمة كبيرة جداً، عطاء إلهي، يا ترى ما طبيعة هذا العطاء؟ عطاء منوع؛ حفظ رحمة، توفيق رحمة، استجابة الدعاء رحمة، يلقي الله في قلبك نوراً رحمة، ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً، يتجلى على قلبك، عبد موصول بالله، بخالق السموات والأرض، بالقوي، الأقوياء من بني البشر بيده، دقق بهذه الآيات:
﴿ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ
تحدٍّ:
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(56)﴾
أنت حينما تؤمن بهذا الإله العظيم، خالق السماوات والأرض، رب العالمين، وأنت معه، إذا كنت معه فمن عليك؟ أي من يستطيع أن يصل إليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ وإن فقدت الصلة به ماذا وجدت؟ لم تجد شيئاً، وإن اتصلت به ماذا فقدت؟ لم تفتقد شيئاً، ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإذا فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
معرفة الله عز وجل و الاتصال به أعظم عمل على الإطلاق :
والله أيها الإخوة، ما من عمل على الإطلاق في حياة كل منا أعظم من أن تتعرف إلى الله، وأن تتصل به، الدنيا محدودة، الدنيا لها سقف، الدنيا أمد قصير، سنوات تمضي، فإذا الإنسان أمام ملك الموت، هو يُقدم على حياة أبدية، هذا الذي عرف الحقيقة في الوقت المناسب، دققوا في هذه الآية:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي
الأمور واضحة، أنت المخلوق الأول، مخلوق للجنة، الجنة فيها:
(( ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
إلى أبد الآبدين، مخلوق للجنة، وثمن هذه الجنة أن تأتي إلى الدنيا، وأن تستقيم على أمر الله، وأن تعمل صالحاً ابتغاء مرضاة الله، والله ما حرمك شيئاً في الدنيا، لكن أعطاك الأشياء بطريق نظيف، المرأة؟ هناك زواج، المال؟ هناك تجارة، أي شيء يسعدك في الدنيا له قناة نظيفة تسري خلالها.
أكبر خاسر في الأرض من يأتي الدنيا و يغادرها و لا يعرف الله تعالى :
لذلك هذا الذي يأتي إلى الدنيا، ويغادرها، وما عرف الله، هو أكبر خاسر في الأرض.
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
ينبغي أن تعرف من أنت؟ أنت المخلوق الأول، الأول في الكون، المخلوقات لا تعد ولا تحصى، النباتات مخلوقات، الجمادات مخلوقات، الحيوانات مخلوقات، الملائكة مخلوقات، الجن مخلوقات، الإنسان هو المخلوق الأول، لأن الله -عز وجل- حينما عرض على البشر الأمانة قبلها البشر، قبلها الإنسان، فلما قبل حمل الأمانة سخر الله له.
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ
ينبغي أن تعرف أنك المخلوق الأول، وأن سرّ وجودك في الدنيا أن تعرف الله، وأن تعرف منهجه، وأن تحمل نفسك على طاعته، وعلى التقرب إليه بالأعمال الصالحة، إن فعلت هذا حققت الهدف من وجودك، حققت سرّ وجودك، وغاية وجودك، إن فعلت هذا فزت فوزاً عظيماً.
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
الطريق إلى الله سالكة بطاعته و الخضوع لأمره :
كلمة عظيم قد يقولها طفلٌ صغير، يقول لك: أنا معي مبلغ عظيم، كم تقدر هذا المبلغ؟ بمئتي ليرة، طفل أبوه معلم قال لك في العيد: معي مبلغ عظيم يعني مئتي ليرة، فإذا قال مسؤول كبير بالبنتاغون: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، كلمة عظيم من مسؤول تُقدّر بمئتي مليار، قالها طفل مئتي ليرة، قالها مسؤول مئتي مليار، فإذا قالها رب العالمين:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
إذا آمنت بالله أقسم لك بالله: قلامة ظفر مؤمن تساوي أهل الأرض الفسقة، قد تكون مؤمناً ضعيفاً، موظفاً بسيطاً، مواطناً عادياً، لا تملك إلا قوت يومك، وأنت عند الله كبير.
إخواننا الكرام، أنا أُخاطبكم، كل واحد منكم يستطيع أن يكون علماً في السماء، الطريق إلى الله سالكة، لا تحتاج إلى ميزة.
من عرف الله و أطاعه حقق الهدف الأكبر من وجوده في الدنيا :
الآن هناك مناصب لا يوجد أمل لتصل لها، تحتاج شهادات، وتحتاج انتماءات، وتحتاج قدرات، أما أي إنسان يصل إلى أقرب مكانة عند الله بطاعته فقط، أي أن تتعرف إلى الله، أن يكون بينك وبين الله ود.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً(96)﴾
إذا كان معك هاتف شخص عادي جداً بوزارة معينة، تتيه بهذا الرقم، يقول لك: عند الضرورة خبرني، فإذا كنت على اتصال بخالق السموات والأرض! يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ أي متاح لنا جميعاً أن نصل إلى الله، والوصول إلى الله بإمكاناتنا متاح لنا، أن تستقيم على أمره، أن تؤدي العبادات، أن تخدم عباده، لذلك هذا المشرك الذي عبد غير الله، عبد زيداً أو عبيداً، عبد قوياً، عبد غنياً، عبد متسلطاً، خضع له، نسي ربه، هذا المشرك احتقر نفسه، أنت لله، قالوا: الجماد من أجل النبات، والنبات من أجل الحيوان، والحيوان من أجل الإنسان، والإنسان من أجل من؟ من أجل الواحد الديان، خلقك من أجل أن تعرفه.
فلذلك أنت حينما تعرف الله، وحينما تطيعه، تكون قد حققت الهدف الأكبر من وجودك في الدنيا، والذي جاء إلى الدنيا وخرج منها وما عرفه، يعني لم يحقق الهدف الأكبر في حياته ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾
تعبير الله عز وجل عن بيت الله الحرام بكلمة مسجد :
بعض المفسرين فسروا المساجد ببيت الله الحرام، لذلك كما هو معلوم ممنوع أن يدخل المشركون منطقة الحرم كلها، وأنتم ترون في الذهاب إلى مكة قبل الوصول لمكة، هناك طريق لغير المسلمين لينقلوا بعضهم إلى غير مكة، أما مكة بحرمها الكبير، وبيت الله الحرام فيها، ممنوع على غير المسلم أن يدخله، استناداً لهذه الآية، طبعاً هذا مكان عبادة إسلامية، مكان اتصال بالله، فالذي يعبد غير الله ليس له مكان عندنا.
مثلاً الجامعة لطلاب العلم، وهناك إنسان أُمي لا يقرأ ولا يكتب، أراد أن يدخلها للتجارة، هنا لا يوجد تجارة، هنا يوجد طالب علم، وهناك قاعات تدريس، وأساتذة، و دكاترة، هذا المكان ليس للتجارة، التجارة في الأسواق، الذي يريد الدنيا متاحة له الأرض كلها، أما بيت الله الحرام لمن يريد الآخرة، لمن يريد الله -عز وجل-.
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾
مرة إنسان سأل آخر في بيت الله الحرام، أين القبلة؟ قال له: الكعبة أمامك، قال له: الكعبة واضحة، قلت لك: أين القبلة؟ هو جاهل، فأي إنسان دخل بيت الله الحرام من أي جهة، قبلته الكعبة، بعض العلماء قالوا: كل جهة مسجد، كلمة مساجد هنا في هذه الآية بالذات تعني بيت الله الحرام، المساجد هنا باتجاه الجنوب، مساجد اليمن باتجاه الشمال، مساجد العراق باتجاه الغرب، مساجد بلد آخر باتجاه الشرق، كشمال إفريقيا، لكن بيت الله الحرام فيه كل الاتجاهات بأي مكان باتجاه الكعبة، فعُدّ أي مكان مسجداً، فالله عبّر عن بيت الله الحرام بكلمة مساجد: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾
لذلك ورد في الأثر: أن الحديث في المسجد، حديث عن الدنيا، عن التجارة، عن الأعمال، عن فرص العمل، عن شؤون الدنيا، إذا تُكلِّم بها في المسجد قال: إنها تحبط العمل، هذا المكان لعبادة الله، والدليل عند الدخول إلى المسجد ينبغي أن تقول: (اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك)
(( وافتحْ لي أبواب فضلك ))
أنت دخلت واتصلت بالله تسأل الله أن يفتح لك طريق الصلة به، أما إذا خرجت من المسجد تسأل الله -جلّ جلاله- أن يفتح لك عملاً صالحاً يعبر عن اتصالك بالله -عز وجل-، خارج المسجد اسأل الله أن يهبك عملاً صالحاً، ضمن المسجد اسأل الله أن يمنحك صلة به، هذا المكان مكان اتصال بالله.
منع المشركين من دخول بيت الله الحرام :
أيها الإخوة، في بعض الأحاديث الشريفة:
(( بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ في تِلكَ الحَجَّةِ في مُؤَذِّنِينَ يَومَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بمِنًى: أنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ
(ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ)
أيها الإخوة، طبعاً أول توجيه: (لا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ)
﴿مَا كَانَ﴾
لذلك هنا هذا النفي، أي ليس لا يدخل المشركون البيت الحرام،لا، لا، بل أعمق من ذلك ﴿مَا كَانَ﴾
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾
(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر ))
البشر ثلاثة أصناف :
لو توسعنا قليلاً، أنت جئت إلى بيت الله وصليت، أنت حينما تقف بين يدي الله وتقول:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)﴾
يأتي التوجيه الإلهي:
﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
أمر إلهي، تكلم الكلمة اللطيفة، الكلمة الحسنة، الكلمة التي لا تؤذي، هذا أمر إلهي، فأنت إذا قلت: الله أكبر، سبحان ربي العظيم، هذا الركوع الخاص بهذه الركعة، هو خضوع لله في تنفيذ هذه الآية
ملخص الصلاة :
الآن يقول الله لك:
﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ﴾
آداب المساجد :
إخواننا الكرام، العلماء وضعوا آداباً كثيرة للمساجد، وهذه الآداب مستقاة من آيات كريمة، ومن أحاديث كثيرة، يأتي في مقدمة هذه الآداب: عدم تخطي الرقاب في المسجد، من هذه الآداب: ألا يكون المسجد مكاناً لحديث دنيوي، لأنه هذا المسجد مكان عبادة، والدنيا لها مكان آخر، في الأسواق، وكما قلت: عدم تخطي الرقاب، وعدم إيذاء المسجد، لا بصوتٍ، ولا برائحة ، ولا بشيء من هذا القبيل، والله -عز وجل- بقول:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ
أي الإنسان يكون مغتسلاً، متعطراً، ثيابه نظيفة، هذه تليق بالمؤمن، وهو في بيت من بيوت الله.
المسجد مكان السجود والعبادة :
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾
﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾
(( جُعِلت لي الأرضُ مسجداً ))
هناك فرق بين أن يُتخَذ بناء للصلاة وحدها، هذا مسجد، وأي مكان تسجد فيه على الأرض يسمى مسجداً، مسجد كمكان السجود شيء، ومسجد كبيت أقيم للصلاة شيء آخر، أي هذا الدين العظيم سمح للمسلم أن يصلي في أي مكان، في بيته، في معمله، في حقله، أي مكان مسموح الصلاة فيه، أما إذا أتى إلى بيت الله صار هناك صلاة وهناك علم، مكان خاص للصلاة، لذلك أي إنسان يصلي في بيته فرضاً صلاة الفجر فهذا شيء مقبول، لكن:
(( مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ))
في بعض الأحاديث وهي متواترة، أن صلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد في بيته سبعاً وعشرين ضعفاً،
(( صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِن صَلَاةِ الفَذِّ. ))
فأنت في البيت قد تقرأ:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1) ﴾
أما إذا صليت الفجر في المسجد، بكل ركعة تقرأ صفحة بكاملها.
اختلاف وجهات نظر العلماء في قضية القراءة من المصحف والإنسان يصلي :
بالمناسبة قضية أن تقرأ من المصحف واردة على اختلاف وجهات نظر العلماء، أما أنت حينما تقرأ بالركعة صفحة بكاملها، تتملى من هذه الآيات فإذا جاء الركوع خضعت لله، وإن جاء السجود، أي أحياناً قد تستفيد إذا قرأت من المصحف في الصلاة، لأنك لا تحفظ كتاب الله، فإذا أردت أن تعتمد على ذاكرتك فهناك الإخلاص، والمعوذتين، بكل صلاة، ومع التكرار تفقد السورة معناها، لذلك يمكن أن تقرأ في الصلاة من مصحف، على اختلاف بين الأحكام، طبعاً مسموح أن تقرأ من المصحف في النوافل قطعاً، أما في الفرائض فهناك اختلاف، أي منع أبو حنيفة ذلك وبقية العلماء أجازه.
على كلٍّ: جرب أن تصلي والمصحف أمامك وتقرأ صفحة بكاملها في كل ركعة، أول ركعة هذه الصفحة، والركعة الثانية هذه الصفحة، العبارة أن الصلاة:
(( الصلاة عماد الدين ))
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾
العمل الصالح إن لم ترافقه نية طيبة وإخلاص لا قيمة له :
إخواننا الكرام، أخطر شيء أن يُحبَط العمل، عمل بنية لا ترضي الله، لا قيمة له إطلاقاً، ولا وزن له، مثلاً: إنسان عنده ألف دونم قيل له: لو تبرعت بخمسة دونمات لمسجد تضطر البلدية أن تفرز هذه الأرض إلى محاضر، فإذا فُرِزت إلى محاضر يتضاعف سعرها، إذاً قدم خمسة دونمات لبناء مسجد، عند الناس جميعاً المحسن الكبير، بهذه النية الذي أرادها لا وزن لعمله إطلاقاً، فلذلك:
(( إِنما الأعمال بالنيات ))
قال: ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾
﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾
المؤمن الصادق يتحرى الإخلاص في عمله وفي كل شؤون حياته :
إخواننا الكرام، كل ما أتمناه أن يراقب الإنسان عمله، فإن كان ليس لله فهو خاسر.
مرة إنسان تروي الكتب أنه ما تخلف أربعين عاماً عن صلاة الفجر في المسجد، في أول صف، مرة فاتته الصلاة، فقال: ماذا يقول الناس عني؟ معنى هذا أن هدفه الناس، مشكلة.
راقب نفسك، أنت حينما قدمت هذا الطعام تبتغي السمعة أم الشهرة أم تبتغي إكرام هذا الضيف؟ أنت حينما أتيت إلى المسجد ليقال عنك من رواد المساجد أم تبتغي وجه الله؟ قضية الإخلاص لله قضية خطيرة، فراقب عملك، وتفحص نيتك.
﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾
فلذلك المؤمن الصادق يتحرى الإخلاص في عمله، وفي كل شؤون حياته، تصبح الآية في النهاية:
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق