- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
ابتعاد المشركين عن رعاية حق القرابة والنسب والضعف :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني عشر من دروس سورة التوبة، ومع الآية الحادية عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(11)﴾
ما الذي سبق هذه الآية؟ قوله تعالى:
﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ(8)﴾
يعني لا يرعون حق القرابة، ولا حق النسب، ولا حق الضعف، كل العوامل التي ينبغي أن تُراعى هم لا يراعونها ﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً﴾
﴿ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ(10)﴾
الثانية موضوع آخر: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾
لكل عمل نتيجة يوم القيامة :
لذلك الذي لا يؤمن يظلم نفسه، والذي يعتدي يظلم نفسه.
(( الظلم ظلمات يوم القيامة ))
الحقيقة الدقيقة من خلال هذه الآيات أن لكل عمل نتيجة يوم القيامة، إما أن يكون هذا العمل سبب سعادة الإنسان في الآخرة، وإما أن يكون هذا العمل سبب شقائه في الآخرة.
الآية اليوم:
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً(27)﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
وما أمرك أن تتوب إليه إلا ليقبل توبتك، وما أمرك أن تدعوه إلا ليستجيب لدعائك، وما أمرك أن تسترحمه إلا ليرحمك.
دقق فيما سأقول: ما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك، وما أمرك أن تدعوه إلا ليستجيب لك، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾
الصلاة عماد الدين وعصام اليقين وسيدة القربات :
إخواننا الكرام، الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، لا خير في دين لا صلاة فيه، أركان الإسلام: الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، النطق بالشهادة يكفي مرة في العمر، والحج يسقط عن المريض والفقير، والصيام يسقط مع أدائه مستقبلاً عن المريض والمسافر، ما الفرض الذي يعد الفرض الأول؟ الذي يعد الفرض المتكرر؟ الذي لا يسقط بحال؟ إنه فرض الصلاة، لا خير في دين لا صلاة فيه، والصلاة ولا بشكل إلا بحالة نادرة جداً لا تقع للمئة ألف إنسان إلا نادراً أن يصاب بغيبوبة كاملة، بسبات كامل، وما سوى ذلك المريض يصلي، إن كنت عاجزاً عن الوقوف تصلي وأنت قاعد، وقد تصلي وأنت مضطجع، وقد تصلي بإيماءات من رأسك، فلابد من أن تصلي، الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال.
إن هذا الدين في الأصل اتصال بالله.
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
من أحكم الصلة بالله عز وجل طهر قلبه من الأمراض و الأحقاد :
الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، الصلاة معراج المؤمن، ( الصلاة نور )
(( الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها. ))
إن الله -سبحانه وتعالى- يقذف نوره في قلب المؤمن من خلال الصلاة، فالصلاة نور ترى به الحق حقاً، والباطل باطلاً، ومن أين يأتي شقاء الناس؟ يأتي من العمى.
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
الإنسان قبل أن يتحرك له رؤية، رؤية المصلي صحيحة، متطابقة مع منهج الله، لذلك المصلي لا يُدمَّر، ولكن رؤية غير المصلي قد يرى أن يقترف جريمة، فيكون إعدامه بعد أيام، قد يرى أن ينهب مالاً، ويغيب عنه أنه سيُلقَى القبض عليه، أنت حينما تصلي أنرت قلبك بالحق، وقلّما تقع في عمل مدمِّر، فالصلاة نور والصلاة طهور.
والمصلي صلاة صحيحة لا يحقد، لا يحتال، لا يتكبر، لا يستعلي، لا يظلم، أنت مصلٍّ، والمصلي يرى، والمصلي طاهر، والمصلي سعيد، والصلاة حبور، والصلاة نور، والصلاة طهور.
(( يا بلالُ ! أَقِمِ الصلاةَ ، أَرِحْنا بها ))
والصلاة معراج المؤمن، والله -عز وجل- في آيات كثيرة يتحدث عن الصلاة:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه :
ثم إن الله -سبحانه وتعالى- يقول:
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
هذا النهي الذاتي، هذا النهي يسميه العلماء: الوازع، عظمة هذا الدين أنه في الأصل مبني على الوازع الداخلي، كيف؟
سيدنا عمر أراد أن يمتحن راعياً، فقال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟!.
المصلي يرى أن الله معه، وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه، ولكن أين الله؟!.
فلذلك الصلاة تعطيك هذا الرادع ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
الله عز وجل إن ذكر المؤمن منحه الأمن و الحكمة و السكينة :
أيها الإخوة ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
إذا ذكرك منحك الرضا، إذا ذكرك منحك الأمن، إذا ذكرك منحك الحكمة.
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
أنت بالحكمة تسعد بأي شيء، ومن دون حكمة تشقى بأي شيء، إنه إن ذكرك منحك التوفيق، منحك النصر، منحك الحفظ، منحك السداد، ألا تقرؤون بعض الأحاديث الشريفة؟:
(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحُق على المزُور أن يكرم الزائر ))
وِأنت في المسجد قد لا تجد كرسياً تجلس عليه، ولا يوجد ضيافة أبداً، لكن إذا خرجت من المسجد كما كان النبي الكريم يعلمنا إذا دخل إلى المسجد يقول:
(( اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك ))
لذلك الله -عز وجل- يلقي السكينة في قلوب رواد المساجد، السكينة تعني الرحمة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، السكينة يعني الحكمة، يعني الرحمة، يعني الرضا، يعني السداد، يعني التفاؤل، يعني الثقة بالله، يعني التماسك، يعني قوة الشخصية، أنت تتصل بخالق الأكوان، بخالق السماوات والأرض.
الصلاة قرب من الله وحبور ونور :
فلذلك الصلاة معراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، الصلاة سيدة القربات، الصلاة اتصال بالله، الصلاة نور، الصلاة حبور، سعادة، الصلاة طهور، الصلاة فيها يذكرك الله -عز وجل-، إن ذكرك منحك الأمن، إن ذكرك منحك حياة زوجية سعيدة، إن ذكرك منحك التوفيق، إن ذكرك منحك الهيبة، إن ذكرك منحك قوة الشخصية، إن ذكرك منحك التوفيق، إن ذكرك منحك الرضا. لذلك:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
(( قم فصلِّ إنك لم تصلِّ ))
الصلاة قرب من الله، الصلاة حبور، الصلاة نور، الصلاة إقبال، الصلاة حكمة، يمنحك الحكمة في الصلاة، يمنحك الرضا في الصلاة، يمنحك التوفيق في الصلاة.
الاستقامة أحد أكبر أسباب الخشوع في الصلاة :
لذلك الآية الكريمة:
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
إذا كنت خاشعاً، مستقيماً، مصطلحاً مع الله، مطيعاً، فالصلاة جنة (أرحنا بها)
﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(4)﴾
لا خير في دين لا صلاة فيه :
لذلك أيها الإخوة، ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾
وكأن السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، حينما قال الله على لسانه في القرآن:
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا
لكل إنسان حركتان؛ حركة نحو الله و حركة نحو الخلق :
أي أنت لك حركتان، حركة نحو الله، معرفة، وطاعة، وعبادة، وتقرباً، وحركة نحو الخلق انضباطاً، وإحساناً.
لك علاقتان، علاقة مع خالق السماوات والأرض، وعلاقة مع من حولك من البشر، فإذا أحكمت هاتين العلاقتين كنت في مأمن من عذاب الله، ﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً﴾
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾
بطولة الإنسان أن يكون له اتصال بالله عز وجل في أثناء الصلاة :
لذلك: أقام الصلاة، أي تعرف إلى الله، وبعد التعرف إلى الله تعرف إلى منهجه، وبعد التعرف إلى منهجه حمل نفسه على طاعته، وبعد أن حمل نفسه على طاعته تقرب إليه بالأعمال الصالحة، معرفة، واستقامة، وعمل صالح، عندئذٍ تقول: الله أكبر، ربما انعقدت لك مع الله صلة.
للتقريب: تستطيع أن تقول عن شخص أن معه دكتوراه ولا يحمل شهادة ابتدائية! شيء مضحك، لأن الدكتوراه مرحلة متقدمة جداً، يسبقها ابتدائي، إعدادي، ثانوي، جامعة، دبلوم عام، دبلوم خاص، ماجستير، دكتوراه.
معنى ذلك أن المصلي مستقيم، والمستقيم يعرف الله، تعرف إلى الله، تعرف إلى منهجه، أطاعه، تقرب إليه، فلما قال: الله أكبر انعقدت صلة بينه وبين الله، وطبعاً أنت حينما تتوضأ وتقف، وتقرأ الفاتحة، وتركع، وتسجد، هذه الصلاة المكتوبة سقطت عنك، سقط عنك إثم ترك الصلاة، صليت لكن البطولة أن يكون لك اتصال بالله في أثناء الصلاة.
إنسان دعاك إلى طعام، أتيت لكن لم تأكل شيئاً، الداعي يتمنى عليك أن تأكل، لا أن تثبت وجودك بميم ـ أي موجود ـ هذه الميم لا تقدم ولا تؤخر.
لذلك الوقت وقت، صليت، وقمت من عملك، وتوضأت، ووقفت بين يدي الله، لِمَ لا تسعى إلى إحكام العلاقة مع الله؟ لكن إحكام العلاقة مع الله سببه الكبير الاستقامة على أمره، لأن الذنوب تحجب عن الله.
عظمة هذا الدين أن الإنسان لمجرد أن يؤمن يصبح أخاً لكل مؤمن :
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾
في الإسلام لا يوجد عداوة مستمرة، في الإسلام لا يوجد حقد، دخل عمير على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي.
أيها الإخوة ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾
أنواع الإخوة :
أيها الإخوة، لذلك هناك أخوة النسب، الأخ النسبي، الأخ لأب، أو الأخ لأم، أو الأخ لأم أو أب، ولكن ربّ أخ لك لم تلده أمك، هذه إخوّة الإيمان وهي من أمتن أنواع الإخوة، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية:
(( وَجَبَتْ محبَّتي للمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتجالِسينَ فيَّ، والمُتزاورينَ فيَّ، والمتباذلينَ فيَّ المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نُور، يغبِطهم النبيُّون والشهداءُ ))
إذاً: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
وكأن الله رفع علاقة أهل الإيمان مع بعضهم بعضاً إلى أمتن علاقة في الحياة، وهي علاقة إخوة النسب. ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾
من لا عهد له لا دين له :
أيها الإخوة:
﴿ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ
عاهدوا فنكثوا لأن أهل الضلال لا عهد لهم.
(( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ))
من لا عهد له لا دين له، ومن لا دين له لا عهد له ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾
عبد الله بن رواحة أرسله النبي الكريم لتقييم تمر خيبر، هؤلاء ظنوه إنساناً عادياً فأغروه بحلي نسائهم كرشوة، ليقلل التقدير، فقال لهم هذه الكلمات: جئتكم من عند أحبّ الخلق إليّ، وأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، أي لن أظلمكم، فقالت اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا.
(( أفاءَ اللهُ خَيبَرَ على رَسولِه، فأقَرَّهُم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجعَلَها بَينَه وبَينَهُم، فبَعَثَ عَبدَ اللهِ بْنَ رَواحةَ فخرَصَها عليهم، ثم قال: يا مَعشَرَ يَهودَ، أنتُم أبغَضُ الخَلْقِ إليَّ، قتَلتُم أنبياءَ اللهِ، وكَذَبتُم على اللهِ، وليس يَحمِلُني بُغْضي إيَّاكم أنْ أَحيفَ عليكم، قد خَرَصتُ عِشرينَ ألْفَ وَسْقٍ من تَمرٍ، فإنْ شِئتُم فلكُم، وإنْ أبَيتُم فلي، قالوا: بهذا قامَتِ السَّمَواتُ والأرضُ، قد أخَذْناها، قال: فاخْرُجوا عنَّا. ))
أيها الإخوة الكرام ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾
المؤمن مقيد بمنهج الله فهو أمين و صادق و أخلاقي :
إخواننا الكرام، لو أن الكافر أخلاقي وعند وعده، وعنده عهده، كأن الدين فقد تألقه، أو فقد وظيفته.
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(3)﴾
لذلك كلمة مؤمن لها معانٍ كثيرة، أي مستحيل على مؤمن أن يكذب، أن يحتال، أن يتكبر، أن يخادع، لأنك مؤمن أنت مقيد بمنهج الله، لأنك مؤمن أنت متصل بالله، لأنك متصل بالله أنت أخلاقي، أنت صادق، أنت أمين.
بماذا عرّف الصحابة الكرام الإسلام للنجاشي؟ قال: حدثوني عن الإسلام؟ قال سيدنا جعفر:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه. فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
الصدق والأمانة والعفاف أركان الأخلاق، إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، وفوق ذلك هناك تاج على رأسه هو النسب:
(حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء)
الإسلام كيان أخلاقي مبني على دعائم هي أركان الإسلام :
لذلك الإسلام كيان أخلاقي، مبني على دعائم هي أركان الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام :
(( بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ ))
الإسلام كيان أخلاقي.
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(3) ﴾
الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
(بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ)
أيها الإخوة الكرام، لذلك يجب أن يكون الدين قوياً، إذا كان قوياً معه قوة ردع.
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
من هنا الله -عز وجل- يقول:
﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق