- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
نقض العهود سمة أساسية في سلوك الكفار والمشركين :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الحادي عشر من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثامنة وهي قوله تعالى:
﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ(8)﴾
أيها الإخوة الكرام، الآية السابقة التي كانت موضوع الدرس الماضي:
﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(7)﴾
أولاً:
﴿كَيْفَ﴾
يعني لا بد من أن أُبين لكم أن هناك تقسيمات لأهل الأرض والله لا تعد ولا تحصى، وكل هذه التقسيمات ما اعترف بها القرآن، يقول لك: العرق الآري، العرق الأنغلو سكسوني، العرق السامي، دول الشمال، دول الجنوب، الملونون، الدول الصناعية، الدول المستغِلة، الدول المستغَلة، الشعوب النامية، الشعوب المتقدمة، يعني تقسيمات أهل الأرض لا تعد ولا تحصى.
أهل الأرض في القرآن الكريم لا يزيدون عن نموذجين فقط لا ثالث لهما :
1 ـ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة :
ولكن دققوا وصدقوا أن الله -سبحانه وتعالى- في قرآنه الكريم أنزلهم جميعاً في حقلين، أهل الأرض على اختلاف مِللهم، ونِحَلهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، على اختلاف كل تقسيمات أهل الأرض، أهل الأرض في القرآن الكريم لا يزيدون عن نموذجين فقط، لا ثالث لهما، هذا التقسيم في قوله تعالى:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى
النموذج الأول: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾
الفرق الصارخ بين المؤمن و غير المؤمن :
إخواننا الكرام، الفرق الكبير الصارخ النموذجي، يكاد يكون الأوحد بين المؤمن وبين غير المؤمن أن غير المؤمن يسعده أن يأخذ كل شيء، بينما المؤمن يسعده أن يعطي، اسأل نفسك هذا السؤال المحرج: ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ؟ إذا كان حقاً يسعدك أن تعطي فأنت مؤمن ورب الكعبة.
لأنه قُدم كتاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- المؤلف قدمه بهذه الطريقة، قال:
المؤمن يسعده أن يعطي، ولأنه موقن أنه خُلق للجنة فعطاؤه ثمن الجنة.
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
ينفق من علمه، من خبرته، من مكانته، من جاهه، من ماله، ينفق كل شيء، يعني موقفه الأساسي هو العطاء، هذا الصنف الأول ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾
المؤمن يسعده أن يعطي لأنه موقن أنه خلق للجنة :
الرد الإلهي: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
الله -عز وجل- يتولاك، يسيرك إلى الجنة، إلى جنة عرضها السماوات والأرض، يتولى تربيتك، يتابعك، يقدم لك كل شيء يزيدك إيماناً، آمنت بالله فزادك الله إيماناً به، هذه العقيدة، والسلوك السلبي الاستقامة، الامتناع، السلوك الإيجابي العطاء، هذا كلام جامع مانع، هؤلاء هم المؤمنون آمنوا بالجنة، واتقوا أن يعصوا ربهم، وبنوا حياتهم على العطاء، الرد الإلهي، الجواب الإلهي، الجزاء الإلهي: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾
2 ـ و رجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك في الدنيا والآخرة :
الصنف الثاني:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)﴾
بنى حياته على الأخذ، ﴿بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾
﴿ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)﴾
بالجنة، قال: الدنيا هي الجنة، الغني هو في جنة، المال هو كل شيء، اللذائذ هي كل شيء، المتع هي كل شيء ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾
لشقاء الدنيا، وعذاب الآخرة، هاتان الآيتان فيهما تقسيم دقيق لأهل الأرض، والله الذي لا إله إلا هو أتمنى ألا تعتمدوا تقسيماً آخر، في القرآن الكريم البشر على هاتين الزمرتين.
الحكمة من تقوية المؤمنين تارة و الكفار تارة أخرى :
لذلك: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ﴾
(( لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له ))
﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾
﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
كان من الممكن أن يجعل الله المؤمنين أقوياء إلى أبد الآبدين، عندئذٍ يظهر النفاق في الأرض من أجل المصالح، وكان من الممكن أن يكون الكفار هم الأقوياء، كالحال اليوم، وعندئذٍ يضعف الإيمان، لكن شاءت حكمة الله أن يقول هذه الآية: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾
بناء الطرف الآخر مجده على أنقاض الشعوب :
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً﴾
مثلاً: رجل قوي يضرب طفلاً صغيراً، نقول له: صغير! يضربه، أنت كبير! يضربه، ابن أخيك! يضربه، جارك! يضربه، ماذا فعل؟ يضربه، لا يرتدع لا بمبادئ، ولا بقيم، ولا بموقف إنساني، ولا بموقف وطني، يريد أن يأخذ كل شيء، يريد أن يبني مجده على أنقاض الناس.
لذلك هؤلاء الذين استقطبوا الأرض في بعض البلاد قتلوا ثلاثمئة مليون إفريقياً، بلاد الحرية، التي تدّعي الحرية بتاريخها، تاريخها وصمة عار، قتلوا ثلاثمئة مليون زنجياً، استقدموهم من إفريقيا وقتلوهم حينما عصوا أمرهم، لو قرأت التاريخ الحديث لوجدت شيئاً لا يحتمل، والتاريخ قبل الحديث.
لذلك: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً﴾
مثل آخر: فتاة بأمريكا بنيويورك ارتدت ثياب السحاقيات، والسحاق محرم في كل الشرائع السماوية، بل وفي القوانين الأرضية، يعني شذوذ، يبدو أن مدير المدرسة على بقية مروءة فطردها، أقام أبوها دعوى على إدارة المدرسة فحكم له القاضي بمبلغ كبير، تعليل الحكم قال: لأنه اعتدى على حرية هذه الفتاة، والله شيء عظيم، ما هذه الحرية؟!.
فتاة في باريس، تضع على رأسها خرقة، تقوم أوروبا ولا تقعد، الحجاب محرم، تقوم أوروبا ولا تقعد، ماذا فعلت؟ لأنها وضعت قطعة قماش على رأسها؟ أيها الغرب، ألا تؤمنون بالحرية؟ ماذا فعلت؟ إنها تنتمي إلى دين يدين به ربع سكان الأرض! دين كله حشمة، وكله أدب وكله عفاف، أوروبا بأكملها تقوم لأن فتاة صغيرة وضعت على رأسها قطعة قماش، أما التي ارتدت ثياب السحاقيات عندما طُردت من المدرسة أقام أبوها دعوى، فحكمت له المحكمة بمبلغ كبير، لأن المدير اعتدى على حريتها، أرأيتم المكيالين؟ يكيلون بألف مكيال ومكيال.
الكفر بالطاغوت أساس الإيمان بالله عز وجل :
لذلك: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً﴾
﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ
بلد صغير في الشرق الأوسط، عنده مئتا قنبلة نووية، لم يتكلم أحد في الأرض كلها بكلمة، بلد آخر إسلامي يجري مفاعلاً لقضايا سلمية العالم كله يقوم الآن، يقوم العالم كله ولا يقعد، لماذا هناك دول عندها 200 قنبلة ذرية والكل يبقى ساكتاً؟ لا يوجد مقياس واحد، لن نؤمن بالله إلا إذا كفرنا بالطاغوت، أنا آتي ببعض الأمثلة، هناك آلاف آلاف الأمثلة، يكيلون بمكيالين، طائرة سقطت فوق دولة عربية فدفعت هذه الدولة 270 ملياراً، بواقع خمسمئة مليون ليرة سورية لكل راكب، دية كل راكب، للتقريب يعني ويموت كل يوم بالمئات في بلاد مستعمرة من قبل الاستعمار الغربي وكله خطأ، لماذا ثمن المواطن الغربي إذا مات بحادث واتُهمت به دولة ندفع له خمسمئة مليوناً، وآلاف مؤلفة، مليون قتيلاً بالعراق، ومليون معاقاً، وخمسة ملايين مشرداً، ولا كلمة، كله عادي، أرأيتم؟ ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾
على المسلم أن يعتز بدينه و بانتمائه لهذه الأمة :
ينبغي أن نعتز بهذا الدين، ينبغي أن نعتز بانتمائنا إلى هذه الأمة، هناك تخلف، وهناك مشكلات كثيرة، لكن لا يوجد جرائم ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً﴾
عُقد مؤتمر بدول أوروبا في مصر، هل تصدقون؟ من قُتل في غزة؟ أطفال ونساء فقط، بأرقى أنواع الأسلحة، هذه الأسلحة صُممت لتقابل جيوش كبيرة عملاقة، لا لتقابل بيتاً صغيراً فيه أطفال ونساء، فقتل ألف وخمسمائة طفل وامرأة في حرب غزة، أوروبا تنادت لمؤتمر في مصر، أنا تابعت المؤتمر، التوصية الوحيدة بهذا المؤتمر، -لن تصدقوا- محاولة منع تهريب السلاح إلى المقاومة، والألف والخمسمائة طفل وامرأة أليسوا بشراً؟ هل للطفل ذنب؟ بسلاح متطور جداً قتل الأطفال والنساء ولا كلمة، ولا حرف، دول أوروبا عقدت مؤتمراً بمصر عقب انتهاء حرب غزة، التوصية الوحيدة منع إيصال السلاح إلى المقاومة فقط، لو أنهم استنكروا قتل الصغار لابأس، استنكار، تنديد، شجب، أبداً، ولا كلمة، كأن هؤلاء المسلمين لا قيمة لهم إطلاقاً، أنا لا أقول هذا الكلام إلا من أجل أن نعتز بالله، أن نعتز بديننا، أن نعتز بهذا التاريخ العظيم الذي أكرمنا الله به.
مرة ثانية: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾
العنصرية :
أي شيء يدعو إلى الرحمة لا يُؤخذ به، يعني هؤلاء لا يحترمون أي قيمة، أما والله هم على شعوبهم والله شيء لا يصدق، يرحمون شعوبهم رحمة تفوق حدّ الخيال، إذاً ليسوا إنسانيين، بل هم عنصريون، اسمعوا هذا الكلام يا إخوان، هذا كلام عام ودقيق: لمجرد أن تتوهم أن لك ما ليس لغيرك، وأن على غيرك ما ليس عليك، فأنت عنصري، بدءاً من زوج يسخر من أم زوجته، فإذا تكلمت زوجته كلمة عن أمه أقام عليها الدنيا، عنصري، وحق الفيتو بمجلس الأمن عنصري، لماذا خمس دول إن قالت: لا توقف القرار؟ لماذا؟ نحن نعيش عصراً عنصرياً، الطرف الآخر إذا تمكنوا من المؤمنين لا يراعون قرابة، ولا عهداً، ولا حلفاً، ولا يميناً، ولا جواراً، ولا أي شيء آخر ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾
على الإنسان أن يكون باطنه كظاهره و سره كعلانيته :
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب مسلـم مسألة فيها نظر
يقول: أزمة الشرق الأوسط، لا يوجد كلمة عدوان، اغتصاب فلسطين، لا، أزمة الشرق الأوسط، المصطلحات دقيقة جداً، يختارون مصطلحات حيادية، يعني أزمة العدوان على فلسطين، جريمة اغتصاب الأرض، لا، أزمة الشرق الأوسط.
الربط بين الفسق و الانحراف الفكري :
أيها الإخوة، هذا درس دقيق جداً ﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)﴾
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾
﴿ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً
الخاسر من باع آخرته بعرض من الدنيا قليل :
أيها الإخوة، هناك نقطة دقيقة جداً: أهل الدنيا الذين شردوا عن الله أخذوا من الدنيا شيئاً محدوداً جداً، وضيعوا الأبد، هم خاسرون أشد الخسارة، ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾
(( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ))
يعني بضع سنوات استمتع بالدنيا وضيّع الآخرة، كأن إنساناً باع آخرته بعرَضٍ من الدنيا قليل، بل إن النبي الكريم بكلام بليغ قال:
(( ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه ))
ائتِ بإبرة، واذهب إلى ساحل البحر، واركب قارباً، وأنزل هذه الإبرة في البحر واسحبها، كم علق بها من ماء؟ تشبيه بليغ، هذا الماء الذي علق بالإبرة هو أقل من نقطة، أقل من عِشر النقطة، هذه الدنيا، والآخرة البحر (ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه)
﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ(10) ﴾
الغبي من ضيّع آخرته بدنياه :
قد يقول أحدكم: المعنى تكرر، مرة: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾
يعني إنسان أمضى حياته بالمعاصي والآثام، هذه الأيام مضت، بقيت تبِعَات أعماله، إنسان آخر أمضى حياته في الطاعات، هذه الأيام الصعبة مضت بقيت ثواب هذه الأعمال، شيء دقيق جداً الأعمال الصالحة تنتهي أعباؤها وتبقى خيراتها، والأعمال السيئة تنتهي لذائذها وتبقى تبعاتها.
أحياناً إنسان يرتكب جريمة، يأخذ سرقة كبيرة، بعد القبض عليه انتهت حياته، لم يستفد من هذه الجريمة شيئاً، لذلك تعلمنا في الجامعة أن المجرمين يُصنَّفون مع الأغبياء، المجرم غبي، ومن يتبع الدنيا أيضاً غبي آخر، ضيع آخرته بدنياه، هناك إنسان آخر أشد غباء، من هو؟ الذي يضيع آخرته بدنيا غيره، يعمل أعمالاً كلها منحرفة إرضاء لإنسان، ضيع آخرته، من المنتفع من هذا العمل؟ غيره.
لذلك قالوا: الذنب شؤم على غير صاحبه، فكيف على صاحبه؟.
﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
هذه رحمة الله، هذه في الدرس القادم إن شاء الله .
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق