- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (053) سورة النجم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الإخوة الكرام:
الآية الواحدة والثلاثون من سورة النجم وهي قوله تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)﴾
أيها الأخوة الكرام:
حينما توقن أن المحسن لابد من أن يكافئ على إحسانه ؛ من قبل الله، والمسيء لابد من أن يعاقب على إساءته، ولا يمكن أن يتفلت من هذا القانون أحد، عندئذٍ تستقيم.
يقول الله عزوجل:
﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
يعني هذا الكون ملك الله، هو مالكه، هو مالك الملك، مالكه خلقاً ومالكه تصرفاً، ومالكه مصيراً، خلقاً وتصرفاً، ومصيراً.
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)﴾
﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾
﴿ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ﴾
﴿ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
هذا هو الإيمان. الأمر كله بيد الله، هو المعطي، هو المانع هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو المصح، هو الممرض، هو الرزاق، هو القابض.
إن أيقنت أن الله بيده كل شيء، هذه واحدة، وأنه سيجازي المسيء وسيكافئ المحسن، ماذا بقي أمامك ؟ إلا أن تستقيم على أمره. إنسانٌ أحياناً، شخص من بني البشر، قويٌ جداً، يفعل ما يقول، لن تستطيع أن تتفلت من علمه، ولا من قبضته، تطيعه في النهاية، إنسان عادي تطيعه، ما في حل، لابد من أن نطيعه حتى ننجو منه.
أما ربنا عز وجل خالق السماوات والأرض، قال لك:
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
بالمناسبة السماوات والأرض مصطلحٌ قرآني، يعني الكون، والكون ماذا يعني ؟ ما سوى الله، الله فوق الخلق فيها وحده، ما سوى الله هو الكون، بالقرآن السماوات والأرض:
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
مالكم لأنه خلقهم ويتصرف بهم وإليه مصيرهم،
﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)﴾
هذه اللام لام التعليل، يعني هو خلقنا ليجزينا أيام الإنسان، دقيقة هذه الفكرة، تقيم وليمة أنت، تدعو فيها عشر أشخاص، يطرق الباب فجأةً، يأتيك زائر على غير موعد، تقول له تفضل، كل، هو أكل، مع من أكل، لكنه ليس المقصود في بهذه الدعوة، أكل عرضاً، أما هذا الذي دعوته، ورجوته، وأرسلت له بطاقة، وجعلت الدعوة على شرفه، شيء آخر، هذا أكل، وهذا أكل لكن هذه الوليمة على شرف فلان.
يعني أحيان، الله خلق السماوات والأرض، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ويعاقب الذين أساءوا بالسوء، لكن هنا الآية وضع ثاني
﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ﴾
يعني علة خلق السماوات والأرض، أن يكافئ المحسن، ويعاقب المسيء.
لذلك قالوا إن لكل حسنةٍ ثواباً، ولكل سيئةٍ عقاباً، ماذا يفهم بعد هذا الكلام ؟ يفهم أنه من سابع المستحيلات ! أن يتساوى المسيء والمحسن والمؤمن والكافر، والمستقيم والمنحرف، والصادق والكاذب والمخلص والخائن، والمنصف والجاحد، مستحيل، بل أن هناك فكرةٌ أخطر ! أن يستوي المحسن والمسيء، والمؤمن والكافر، والمستقيم والمنحرف، هذا يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بوجود الله وإما أن تؤمن بالعبثية، إذا في إله ما في عبثية، ما في إله في عبثية عبث، قال تعالى:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾
بلا هدف،
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)﴾
﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾
يعني ممكن تعمر بناء يكلفك مئات الملايين، ويستغرق عشرات السنين بعد أن ينتهي تهدمه، نقول هذا عبث.
الله عز وجل يقول:
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) ﴾
لا يليق بالله أن يخلق الإنسان عبثاً، ولا يليق بكمال الله أن يتركه سداً ولا يليق بكمال الله أن يخلق الخلق لعباً.
إذاً:
﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)﴾
أيها الأخوة الكرام:
الإنسان متى يعصي الله، أو متى يتفلت من منهجه، إذا لم يكن متأكداً أن المحسن سيكافئ، والمسيء سيعاقب، أما إذا تأكد أن لكل حسنةٍ ثواباً، ولكل سيئةٍ عقاباً، يستقيم.
هل هناك آيات تدعم هذه الآية ؟ استمعوا:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
معقول ! في الدنيا ـ
﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ﴾
في الدنيا ! في الآخرة مفروغ منها هي، بديهية في الآخرة، في الدنيا !
﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
طيب
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
إخوانا الكرام:
هي آيات، إن أيقينتم بها لا يمكن أن تعصي الله، كل شي بحسابه هلق قالت لك المالية، بتدفع أول شهرين، في خصم بالمياه عشرة بعد شهرين بالمياه خمسة، بعد بشهرين ما في خصم، بعدين في غرامة انظر إلى أبواب وزارة المالية، كيف أن الناس، يقول لك وفرت ستين آلاف، أنا أولى فيهن، يعني بلاغ بسيط بس موقن، إذا دفعت الآن في حسم بالمائة عشرة، بعد شهرين بالمائة خمسة، بعد بشهرين ما في حسم، بعدين في غرامة، بعدين تصل الغرامة للعشرة بالمائة، إذا أيقنت أن هذا الذي أصدر هذا القرار يفعل ما يقول، بتلاقي رأساً.
إذا إنسان استورد بضاعة، وفي ورقة تذهب إلى المالية، من الجمرك إلى المالية، وقدم ميزانية، فيه يغفل هذه الصفقة، عندئذٍ تهدر حساباته كلها، طيب مع إنسان مع بشر، مع بشر، ما دام عرفان كله مضبوط، صعب تنفد، بتلاقي تنضبط، كيف مع خالق البشر ؟:
﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)﴾
لاحظ مؤمن مستقيم، حياته، زواجه عمله، دخله، صحته، مكانته، كإنسان غير مستقيم.
﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) ﴾
هؤلاء
﴿ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً (17)﴾
من عذاب لعذاب، فأنت إذا أيقنت أن المحسن سيكافئ، والمسيء سيعاقب، تستقيم على أمر الله تماماً،
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾
ملك خلقٍ، وملك تصرفٍ، وملك مصير، وكل ما سوى الله بيده، علة خلقنا،
﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)﴾
من هم الذين أحسنوا ؟ هذا إلى الغد إن شاء الله.
﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..