الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
المرأة مساويةٌ للرجل تماماً في التكليف والتشريف والمسؤولية:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني والتسعين من دروس سورة البقرة، ومع الآيةِ الثانية والثمانين بعد المئتين، وهي أطول آية في القرآن الكريم إنها آية الدَّين، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) ﴾
أيها الإخوة الكرام؛ حقيقةٌ أساسيةٌ في الإسلام، هذه الحقيقة هي أن المرأةَ مساويةٌ للرجل تماماً في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، مُكلَّفةٌ كما هو مُكلَّف، مُكلّفةٌ بأركان الإسلام وأركان الإيمان، مُكلّفةٌ بالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، مُكلّفةٌ بغضِّ البصر، مُكلّفةٌ بضبط اللسان، مُكلّفةٌ بالصدق والأمانة، مُكلّفةٌ بأن ترعى حقّ زوجها وأولادها، ومساويةٌ له تماماً في التكريم، مُكلّفةٌ كما هو مُكلَّف، ومُكرمةٌ كما هو مُكرّم.
مهمَّتا المرأة والرجل مهمتان متكاملتان وليستا متشابهتين:
قال تعالى:
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)﴾
﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)﴾
إلى آخر الآية، ومسؤولةٌ كما هو مسؤول، المرأة مسؤولة عما استرعاها الله، استرعاها زوجها وأولادها، مسؤولةٌ ومحاسبةٌ، ومكرمةٌ أو مُعَذبةٌ يوم القيامة، هذه حقيقة مقطوع بها، وأيُّ إنسانٍ يرى المرأة دون الرجل من حيث التكليف والتشريف والمسؤولية هو إنسانٌ جاهليّ، إلا أن الله عزَّ وجل يقول:
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)﴾
أي المرأة خصائصها الجسمية، وخصائصها النفسية، وخصائصها الاجتماعية، وخصائصها العقلية كمالٌ لأداء مهمتها، والرجل خصائصه الجسمية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية كمالٌ لأداء مهمته، مهمَّتا المرأة والرجل مهمتان متكاملتان وليستا متشابهتين، هو لكسب الرزق ونشر الحق، وهي لرعاية الزوج والأولاد، وقد تكون مهمتها من أخطر المهمات.
مهمة المرأة في البيت تعدل أعظم عملٍ في الإسلام وهو الجهاد:
بل إن مهمتها في البيت تعدل أعظم عملٍ في الإسلام، إنه الجهاد، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: ذُرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ))
ورد: اعلمي أيتها المرأة وأعلمي مَن دونك من النساء أن حُسن تبعُّل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله، لأن الله عزَّ وجل يقول: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾ خصائص كلّ منهما مختلفة عن الآخر، ذكرت هذا لكم من قبل درسنا كتاباً في الجامعة في علم نفس الطفل، أهم ما في الكتاب القدرات الخاصة في الإناث والذكور، شيء عجيب! المرأة مبرمجة برمجة كاملة على أن تكون زوجةً وأماً، والرجل مبرمج برمجة كاملة على أن يكون زوجاً ورجلاً وكاسباً للرزق، في الذاكرة، والتخيل، والتصور، أشياء دقيقة جداً إن قرأت هذا الكتاب وهو من أدق كتب علم النفس التربوي، وجدت هذا الكتاب كله تفسيراً لآيةٍ واحدة: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾ أضرب لكم مثلاً ضربته لكم كثيراً: المركبة المُخَصَّصة لنقل الركاب أكبر مساحة فيها للركاب، ومساحةٌ صغيرة لحاجاتهم، أكمل ما في هذه المركبة اتّساع مساحة الرُّكاب وضيق مساحة الحاجات، أما المركبة المخصصة أصلاً لنقل البضائع فأكبر مساحة فيها للبضائع، وأقل مساحةٍ فيها للسائق ومعاونه، أيهما أكمل؟ كلام غير صحيح، كل مركبةٍ كاملة لما صُنِعت له، كلام دقيق، أيهما أكمل؟ كل مركبةٍ كاملةٌ لما صُنعت له، ما دامت هذه المركبة صُنِعت لنقل الركاب، إذاً أكبر مساحة فيها مساحة الأشخاص، وأقل مساحة فيها مساحة الحاجات، ومادامت هذه المركبة صُنِعت أصلاً لنقل البضائع أكبر مساحة فيها للبضائع، وأقل مساحةٍ فيها للركاب.
إذا قال لك أحدهم: هذه المركبة سيئة جداً لأنني لو أردت نقل عشرين طناً بها لا تتحمل، هذا بولمان، تقول: هذا كلام غير مقبول، هذه المركبة لم تُصَمم للبضائع، وإذا قال لك شخص آخر: هذه الشاحنة سيئة جداً، لا يوجد فيها إلا محل لشخصين، أنا أريد أن أنقل فيها خمسين شخصاً، نقول: هذه المركبة لم تُصَمّم للأشخاص، للبضائع، فاتساع مساحة الركاب ونقص مساحة البضائع كمالٌ في مركبة الرُّكاب، واتساع مساحة البضائع ونُقص مساحة الأشخاص كمالٌ في مركبة البضاعة، هذه حقيقة أساسية.
فالمرأة مصممةٌ كي تؤدي رسالةً، وكي تدخل جنة ربها من أوسع الأبواب، إذا كانت أماً، وزوجةً، وأختاً، وابنةً، والرجل مبرمجٌ ومصممٌ ليدخل الجنة من أوسع الأبواب، لذلك المرأة لها اهتمامات، والرجل له اهتمامات، هذا شيء بين أيديكم، قد يُتابع أحدكم الأخبار تضجر زوجته، كفاك أخباراً مثلاً، اهتماماتها غير اهتماماته، واهتماماته غير اهتماماتها، لذلك يسكن بعضهما إلى بعض، لماذا يسكن الرجل إلى زوجته؟ لأنه يُكَمِّل فيها نقصه، عنده نقص أساسي في العواطف، هي عندها عاطفة جَيَّاشة، إذا أحبت أَحبت بلا سبب، تحبّ حباً لا حدود له، فعندها عواطف جيَّاشة يُكَمِّل نقصه بها فيحبها، هي عندها نقصٌ في الاقتحام، والاهتمام بالقضايا العامة، والجُرأة، تُكمِّل نقصها به، هي تُكمّل نقصها به فتحبه، وهو يكمل نقصه بها فيحبها، وهذه عِلَّة السُّكْنى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)﴾
ومن آياته:
﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾
شهادة المرأة لا تعدل شهادة الرجل لسببين:
فيا أيها الإخوة؛ أعداء الإسلام يأخذون على الإسلام أن شهادة المرأة لا تعدل شهادة الرجل:
1 ـ ليست المرأة طليقةً كالرجل:
أول سبب لأنها ليست طليقةً كما الرجل طليق، هي أسيرة بيتها، وأولادها، وحضانة أولادها، امرأةٌ مُرْضِع هل يمكن أن نطلبها أن تذهب من دمشق إلى حمص لأداء الشهادة؟ عندها طفل رضيع، اهتماماتها طفلها، اهتماماتها زوجها، فلذلك اهتماماتها غير اهتماماته، قلَّما تُعنى المرأة بالقضايا المالية، المرأة تشتري بيتاً، أما العقد والشهود لا تعتني بهذا كثيراً، لذلك أُناسٌ كثيرون خبثاء يضحكون على بعض النساء في الأمور المالية، قد تبيع بيتها بكلماتٍ معسولاتٍ من إنسان قريبٍ لها، قد تُعطي وكالة عامة فتخسر كل أملاكها بكلماتٍ لَيِّناتٍ من رجل، إذاً اهتماماتها غير اهتمامات الرجل، فلذلك حينما تُكلِّف امرأةً أن تشهد لك قد لا تستطيع أن تأتي بها متى شئت لتؤدي هذه الشهادة أمام القاضي، محكومةٌ ببيتها، وزوجها، وأولادها، محكومةٌ بوضعها البيولوجي إن صحَّ التعبير، لها دورة، محكومةٌ بحملها، محكومةٌ بإرضاعها، فقد تُكَلِّف امرأةً أن تشهد لك لا تستطيع أن تأتي بها متى تشاء كي تقول شهادتها أمام القاضي، هذه واحدة.
2 ـ اهتمامات المرأة بالقضايا المالية ضئيلٌ جداً:
الشيء الثاني أن المرأة اهتماماتها بالقضايا المالية ضئيلٌ جداً، بينما اهتماماتها بالقضايا النسائية عالٍ جداً، أنت قد تدخل بيتاً ولا تعرف شيئاً عن أثاث البيت، لا تنتبه له إطلاقاً، ادخل إلى بيت أحد أصدقائك، واجلس معه ساعة، واخرج، تقول لك زوجتك: دخلت إلى غرفة الضيوف؟ تقول لها: نعم، ما نوع الطقم؟ تقول لها: واللهِ لا أذكر، ما نوع الستائر؟ والله لا أتذكر، هل يوجد ثريات؟ والله لم أنتبه، هي تهتم بالأثاث، والستائر، والثُّريات، ماذا قُدِّم لك من طعام؟ أكلنا، ما نوع الأكل؟ اهتماماتها غير اهتمامات الرجل، ولأن اهتماماتها غير اهتمامات الرجل تُحبها، لو تأتي إلى البيت فلا تجد فيه طبخاً، ولا نظافة، ولا غسيلاً، لكنها تفهم قضايا الساعة تماماً، تفهم قضايا الحرب الباردة بين المعسكرين مثلاً، تخرج من جلدك منها، لابد من أن تهتم بأولادها، وزوجها، وطعامها، وشرابها، وثيابك، ونظافة ثيابك، ونظافة بيتك، لذلك لماذا تحبها؟ لأن اهتماماتها غير اهتماماتك، ولماذا تحب المرأة زوجها؟ لأن اهتماماته يحميها، ويطعمها، ويأتي برزقٍ وفير، ويرفع من قيمتها، وهو مُدافعٌ عنها، هذه حكمة الله عزَّ وجل، أما أن تُكلِّف المرأة باهتمامات الرجل قد لا تتفوق.
دعك من هذه الأمثلة، الآن إنسان عمله في العلم، وإنسان آخر عمله في التجارة، لو كلفت إنساناً عمله في العلم أن يفعل شيئاً من أعمال التجارة لن ينجح، قد ينسى أن يوقع الإيصال، قد ينسى أن يعقد صفقة، أما لو كلفت إنساناً من أهل المال بعملٍ علمي لا يُفلح، دعك من النساء والرجال، الرجال أنفسهم كل إنسان له اختصاص وله اهتمامات، فحينما يقول الله عزَّ وجل: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ أي اهتمامات المرأة بالقضايا المالية ضعيف، قال لي أحدهم: لو استمعت إلى امرأةٍ ليست متعلمةً، وامرأة تحمل ابتدائية، وامرأة تحمل إعدادية، وامرأة تحمل ثانوية، وامرأة تحمل إجازة أو ليسانس، وامرأة تحمل ماجستير، وامرأة تحمل دكتوراه، لو تحدَّث هؤلاء في أمور نسائية لا تعرف مَن المثقَّفة منهم، لأن اهتمامها الأول في القضايا النسائية.
الرجل شيءٌ آخر اهتماماته عامة، لا يُعنى كثيراً بالقضايا التفصيلية، الجُزئية، المنزلية، ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ القضية لا تعنيها، بينما في القضايا النسائية الشرع يكتفي بشهادة امرأةٍ واحدة، لأن القضايا النسائية مِن اختصاص المرأة، ومن اهتماماتها، ومما تفوَّقت به.
الفرق بين الرجل والمرأة فرق خصائص:
كلما دققت في خصائص النساء وخصائص الرجال وجدت عظمة الله عزَّ وجل، هذه البنت الصغيرة التي وُلِدت قبل سنة أو سنتين اهتماماتها اهتمامات تربية،
تُمسك الوسادة تضعها في حضنها كأنها ترضعها وتربت على كتفها، يأتي الطفل الصغير يركب قضيباً وكأنه حصان، الطفل غير البنت، قد تجد البنية واحدة، أما هناك برمجة للنفس، هذا الطفل الصغير مبرمج برمجة خاصة، والبنت الصغيرة مبرمجة برمجة خاصة، فلذلك:
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
لولا أن المرأة لها اهتماماتٌ خاصة لما أحببتها، لولا أنها تعتني بهندامها؛ قضية الجمال عندها قضيةٌ كبيرةٌ جداً، مرة سمعت أن حرباً أهلية في لبنان إلى جوارنا، هناك مَن أعطاها تفسيراً دولياً، أن مركز لبنان المالي أصبح كبيراً جداً، فأوروبا حطَّمته مثلاً، هناك من أعطاها تفسيراً عربياً، أي كانت ساحة صراع قديماً، هناك مَن أعطاها تفسيراً طائفياً، هناك مَن أعطاها تفسيراً نسائياً، قال: أي لبنان حكمتها عين، أي تفسير نسائي لأحداث لبنان، أي شيء واضح جداً أن هناك فرقاً كبيراً بين النساء الرجال، فرق خصائص، أما التكليف فواحد، والتشريف واحد، والمسؤولية واحدة، أما الفرق فهو فرق خصائص، وهذه الخصائص كمالٌ للمهمة التي أُنيطت بكِلا الطرفين.
في الإنسان صفتان أساسيتان هما العدالة والضبط:
أول نقطة في هذا الموضوع: أن المرأة لا تملك كل وقتها، قد تكون مُرضعةً، وقد تكون حاملةً في شهرها الأخير، وقد تكون أسيرة بيتها، وزوجها، وأولادها، وقد لا تُلَبِّيك عندما تطلبها لأداء الشهادة أمام القاضي.
الشيء الثاني؛ اهتماماتها غير اهتمامات الرجل، لذلك قد لا تُفلح في اختصاص الرجال، أما هي فتفلح فلاحاً لا حدود له في اختصاص النساء، لذلك قَبِلَ الشرع شهادة امرأة واحدة في أمور النساء،
﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ وذكرت لكم أن في الإنسان صفتين أساسيتين؛ هما العدالة والضبط، العدالة صفة أخلاقية والضبط صفة عقلية.
﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ أيُّ شاهدٍ يمتنع عن أداء الشهادة هذا إنسان عصى الله، أنت راكب في مركبة، وحدث حادث سير، وصار هناك ضحية، وصار هناك تلف مال، وأنت رأيت بعينك أن السائق لم يعتدِ على أحد، يسير سيراً صحيحاً في سرعةٍ معقولة، ووَفق قواعد السير، وجاء تقرير من الطرف الآخر مُزوَّر، أو فيه كذب، وأنت شاهد، هذا الذي يقول: أنا ليس لي علاقة، أفضل لي، هذا إنسان يعصي الله ورسوله، لأن الله عزَّ وجل يقول: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ دُعيت إلى شهادة يجب أن تُلَبِّي وهذا جزءٌ من دينك، لأنك بهذه الشهادة تُحِقّ الحق وتُبطل الباطل، والله هو الحق، وعدل ساعةٍ يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً.
العبادات الشعائرية لا تُقْبَل عند الله عزَّ وجل إن لم تكن هناك عباداتٌ تعاملية:
لذلك أيها الأخوة؛ أنا أكاد أقول لكم: الإسلام مئة ألف بند، هذا الذي يتوهم أن الإسلام صوم، حج، زكاة، انتهى الإسلام، لا يفقه في الدين شيئاً، أداء الشهادة جزءٌ من الدين، إتقان العمل جزءٌ من الدين، عدم غش المسلمين جزءٌ من الدين، أن تكون صادقاً جزءٌ من الدين، أن تكون أميناً جزءٌ من الدين،
العبادات الشعائرية لا تُقْبَل عند الله عزَّ وجل إن لم تكن هناك عباداتٌ تعاملية.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. ))
ملخَّص هذا الكلام: العبادات الشعائرية من دون عباداتٍ تعاملية، من دون صدقٍ، وأمانةٍ، وورعٍ، وضبط لسانٍ، وضبط عينٍ، وضبط أذنٍ، هذه العبادات الشعائرية يجب أن تؤديها ولكنها لا تُرفع إلى الله إلا باستقامتك في العبادات التعاملية.
﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ﴾ هناك مآسٍ سببها عدم الكتابة، كم من شركةٍ أُخِذَت منك لأنك اكتفيت بعقدٍ شفهي؟! وكم من محلٍ تجاريٍ خسرته لأنك اكتفيت بعقدٍ شفهي؟! لابد من أن تُوثِّق، وهذه آية الدَّين تنطلق من الدَّين، وتتوسع كي تعمَّ كل شيء، بصراحة إذا أنت ما قيّدت الطرف الآخر بشيء مكتوب أنت أغريته أن يأخذ منك المحل التجاري، أما إذا قيّدته بعقد مُوثَّق في المحكمة، أو عند كاتب العدل، لا يستطيع الشيطان أن يقول للطرف الآخر: خذ المحل منه، لذلك أيُّ إنسان يُعين إنساناً على أن يأخذَ مالاً حراماً هو الآثم، هو الذي سبّب له أن يأكل المال الحرام، هذه قضية خطيرة جداً.
الإنسان مخلوقٌ كي يعبد الله وأي شيءٍ يُفسد عليه العبادة يجب أن يبتعد عنه:
﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ السبب إذا أنت قصَّرت بالكتابة هذا المال مال أولادك، وضاع منك كل شيء، الله عز وجل أرادك أن تتفرغ لعبادته، فإذا طبقت شرعه أنت مُتفرغ لعبادته، إذا طبقت شرعه لا يمكن أن تدخل قصر العدل، أما إذا لم تطبق شرعه لابد من أن تُجرَّ إلى هناك، وقد تبدأ المحكمة ولا تعرف متى تنتهي، وآلاف الدعاوى تُشطب لموت أحد الطرفين، معقول أن يعيش إنسان عمره بالدعاوى؟ نسي أن يوقع عقداً، لم يعمل مُخالصة نظامية، ما كتب عقداً، ما وقّع، ما وقّع سنداً، أموره كلها شفهية، فجأةً وجد نفسه مداناً بمبالغ كبيرة جداً، ولا سبيل لتحصيلها.
أيها الإخوة الكرام؛ نقطة دقيقة جداً: أنت مخلوقٌ كي تعبد الله، وأي شيءٍ يُفسد عليك العبادة يجب أن تبتعد عنه، فالخصومة مثلاً، ادخل مع خصم في المحاكم ثماني سنوات، ثماني سنوات حجبك عن العبادة، صار هناك اضطراب، قدمت مذكرة، قدّم محام مذكرة، أنت قلق، هناك حالات نفسية تُعيقك عن أن تعبد الله، فإن أردت أن تكون مُتفرِّغاً للعبادة صافيَ النفس طبِّق منهج الله، فإن لم تكتب، إن لم تُوَثِّق قد تندم ندماً شديداً.
حدَّثني أخ أنه دفع لشخص ستمئة ألف -القصة من اثنتي عشرة سنة-بمقدار ستة ملايين، قال له: وصل؟ قال: بعد الظهر تعال خذ العملة الثانية مقابلهم، في هذا الوقت توفي الشخص، بعد ساعة توفي، ستمئة ألف من اثنتي عشرَة سنة بمقدار ستة ملايين، ماذا حدث له؟ قد تأتي أزمة فتقضي عليه، كل شيء يملكه، ما أخذ ورقة، الورثة هل بالإمكان أن يصدقوا كل مَن يدّعي أن له عندهم حقاً؟ مستحيل، فهناك قضايا خطيرة جداً، كن دقيقاً، أنت مخلوقٌ لعبادة الله، ويجب أن تبقى صافياً لعبادته، خالي الذهن، هذا يحتاج إلى توثيق، كل شيء وثِّقه بالكتابة، بالإيصالات، بالعقود، بكاتب العدل، بمحكمة البداية، حتى تُقَيِّد الطرف الآخر، إذا قيّدته انتهى الأمر.
النقطة الثانية: أنك إذا لم تُوثق أمورك أغريت الطرف الآخر أن يأخذ مالك، فإذا فعل فقد كنت أنت السبب، مثلاً لو أنّ إنساناً تساهل مع موظفٍ عنده، وأبقى صندوق المال مفتوحاً، شيء مغرٍ، شاب بحاجة إلى المال، روادعه قليلة، إيمانه ضعيف، أغراه الشيطان أن يأخذ من هذا المال، مَن الذي سيُحاسب كمتسبب في فساد هذا الإنسان؟ صاحب المحل لأنه أغراه.
فيا أيها الإخوة الكرام؛ قضية توثيق العقود، كتابة العقود، الديون، الاتفاقات كلها اجعلها على ورق، وكل شيء شفهي يُفضي إلى المنازعة، القضايا الشفهية فَضْفَاضة، تأخذ وتعطي، غير محددة، غير مضبوطة، وكما قيل: الجهالة تُفضي إلى المنازعة.
وإن شاء الله في درس قادم نتابع هذه الآية.
الملف مدقق