- الفقه الإسلامي / ٠7احكام فقهية عامة
- /
- ٠2ايات الاحكام
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
التعريض هو الإيماء والتلويح من غير كشف وإظهار :
أيها الأخوة الكرام، مع "آيات الأحكام"، ومع الدرس الثاني عشر، والآية اليوم خطبة المرأة واستحقاق المهر، قال تعالى:
﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
أيها الأخوة الكرام: لا جناح عليكم، أي لا لوم عليكم، ولا إثم عليكم، وليس عليكم شيء فيما فعلتم، ولا جناح عليكم فيما عرضتم، التعريض هو الإيماء والتلويح من غير كشف وإظهار، وهو أن تُفهم المخاطب بما تريد بإشارة من دون تصريح، وهو مأخوذ من عرض الشيء أي جانبه .
أراد معاوية ابن أبي سفيان مرة أن يأخذ البيعة لابنه يزيد، فجمع كبراء القوم وطلب منهم أن يتحدثوا عن يزيد، أكثرهم أثنى على يزيد إرضاء لمعاوية، فيهم تابعي جليل اسمه الأحنف بن قيس، هذا التابعي الجليل بقي صامتاً، فأحرج الحاضرين بهذا الصمت وأربك المجلس، قال له معاوية: تكلم يا أحنف، فقال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت، فكان تلميحاً وتعريضاً أبلغ من التصريح، فالإنسان يستطيع أحياناً أن يعبر عن أدق أفكاره تلميحاً و تعريضاً لا تصريحاً، وهذا من البلاغة.
التورية في اللغة :
لسان العرب من أوسع معاجم اللغة، ماذا ورد في هذا اللسان حول عرض بالشيء؟ قال: عرض بالشيء لم يبينه، والتعريض خلاف التصريح، والمعاريض التورية عن الشيء، وفي الحديث:
((إن في المعاريض لممدوحة عن الكذب))
كان عليه الصلاة والسلام في الهجرة ومعه سيدنا الصديق رأى رجلاً، والنبي مطلوب حياً أو ميتاً، ومئة ناقة يأخذها من يأتي به حياً أو ميتاً، رجل دمه مهدور، سأل هذا الرجل سيدنا الصديق من هذا؟ المؤمن لا يكذب قال: هو رجل يهديه الطريق، هو لم يكذب لأن النبي يقصد الطريق إلى الله، ماذا فهم منه؟ فهم الطريق إلى المدينة، هذا اسمه التورية، التورية كلام له معنى قريب ومعنى بعيد، إن نطقت به فهم المعنى القريب، وأنت تقصد المعنى البعيد، مثلاً: رجل يهجي أناساً عرف بالبخل، قال:
بيض المطابخ لا تشكو إمائهم طبخ القدور ولا غسل المناديل
***
مطبخهم نظيف دائماً، فهذا أسلوب من أساليب اللغة، وفي الحديث:
((إن في المعاريض لممدوحة عن الكذب))
والتعريض في خطبة المرأة أي يتكلم بكلام يشبه خطبتها دون تصريح، والله فلانة ممتازة، الله يهنئ من يأخذها، أي التعريض، وأنا أرجو الله عز وجل أن يرزقني امرأة كفلانة، هذا اسمه التعريض بخطبة المرأة، أو قال: إنها نافقة –مطلوبة-، أو قال: إنها إلى خير.
هذه أول كلمة:
﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
الله سبحانه وتعالى لا يحب التنافس على الدنيا :
بالمناسبة بضم الخاء خُطبة، وبكسر الخاء خِطبة، الخُطبة بضم الخاء أن تقف بين الناس خطيباً، والخِطبة بكسر الخاء أن تطلب يد امرأة لتكون زوجة لك، الكلمة الثانية يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يخطبن أحدكم على خطبة أخيه))
هذه من السنة ألا تشتري على شراء أخيك، وألا تخطب على خطبة أخيك، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحب التنافس على الدنيا، فإذا خطبت امرأة وعلمت أن فلاناً خطبها، يجب أن تقف إلى أن يبت أمرها، فإن تابع الأمر انسحبت، وإن رفع يده أقبلت، أما أن تعرض نفسك عليهم وأن تزيد عليه فهذا لا يجوز ولا يليق بالمؤمنين، ويقاس على هذا أشياء كثيرة:
((ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده))
ما يفعله بعض التجار يقول لصانع كم يعطيك معلمك؟ يقول له: خمسة آلاف، فيقول له: أنا أعطيك ستة، دعه وتعال إليّ، هذا محرم.
أكمنت الشيء إذا سترته وكمنته إذا صنته :
الآية الكريمة:
﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾
سترتم وأضمرتم، أكننا الشيء أي أخفيناه، ممكن أن يفكر الإنسان بامرأة دون أن يقول كلمة، الزواج سنة، وشيء مشروع، وحاجة أساسية، لك أن تعرض ولك أن تقل بنفسك، أحد علماء اللغة يقول: أكمنت الشيء إذا سترته وكمنته إذا صنته، ومنه قوله تعالى:
﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ﴾
عقد الزواج أقدس عقد على الإطلاق :
﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ﴾
والمقصود بالسر هو النكاح، واستعير السر بالنكاح لأن النكاح يكون سراً بين الزوجين، أي لا تواعدوهن بالزواج وهن في حالة العدة، فالعدة شيء ثمين جداً، ولقداسة هذا العقد لا ينعقد عقد الزواج إلا بوليّ، وشاهدين، ومهر، وإيجاب، وقبول، أقدس عقد على الإطلاق:
﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾
صدق أيها الأخ الكريم: أنه ليس في حياة الإنسان عقد أكثر قداسة من عقد الزواج، فهذا العقد يبيح لك ما لا يستطيع والدها ولا أخوها ولا قريبها أن يرى منها واحد بالألف مما ترى منها أنت.
﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾
هذا العقد المقدس.
من اشترط الخدمة في عقد الزواج أسقط قيمته الأخلاقية والدينية :
يقول بعضهم: هل المرأة ملزمة أن تخدم زوجها؟ بعض الخطباء يقولون على المنبر: لا، ولا يستطيع زوجها أن يجبرها، وهذا الكلام ليس بصحيح، لأن السيدة فاطمة وهي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تخدم زوجها خدمة شاقة، إلى درجة أنها طلبت من أبيها خادماً، فلم يعطِها خادماً، وقال: "يا فاطمة لا أؤثرك على فقراء المسلمين" فلو كان للحكم الشرعي أنه لا يجوز للرجل أن يجبر زوجته على الخدمة لما سمح النبي الكريم لعلي بن أبي طالب أن تخدمه فاطمة خدمة شاقة، لكن أيها الأخوة انظروا: لو أننا شرطنا في عقد الزواج الخدمة انقلب هذا العقد المقدس إلى عقد خدمة، سقطت قيمته الأخلاقية والدينية وأصبح عقد خدمة.
الرجل لكسب الرزق والمرأة لتربية الأولاد وخدمة البيت :
أنا لا أنسى هذه القصة وهي توضح لكم هذا تماماً: لي صديق يحمل شهادة عليا في اللغة الإنجليزية، عمل في مكتب لاستيراد أجهزة نادرة، مدير المكتب عنده ضيوف، هذا الصديق مدرس ويحمل إجازة في اللغة الإنجليزية، ويعمل في هذا المكتب مترجماً، يوجد ضيف عند صاحب العمل، و هذا الصديق ليس لديه عمل كثيف فقدم الضيافة له، هذا عمل لطيف فيه مبادرة طيبة، وفيه تواضع وشعور أننا أسرة واحدة، استمر هذا الأمر حوالي عاماً، موظف مترجم على التلكس، فمدير هذه المؤسسة أجرى تنظيمات إدارية وعمل مهمات للموظفين، وهذا الأخ الكريم عمل أحد مهماته أن يترجم ويصنع الضيافة، فترك العمل منذ اليوم الثاني! حينما نشترط عليه صنع الضيافة سقط عقد الترجمة ليحل محله عقد الضيافة، لو افترضنا أن الزوجة كتبنا في عقد الزواج أنها ملزمة أن تطبخ وأن تنظف الصحون وتربي الأولاد وأن تفعل وأن تفعل...أصبح عقد خدمة، وخرج عن كونه عقد زواج مقدس، لذلك العرف هو الذي يجبر الزوجة على أن تعمل في البيت، والزوج يجبر على أن يكسب الرزق، وهذه المرأة التي سمع الله شكواها من فوق سبع سموات حينما رآها عمر في الطريق نزل عن دابته، واستمع، ووقف بأدب يستمع إليها،عجب من حوله! فأنت أمير المؤمنين من هذه التي تقف على قدميك وتنزل من على الدابّة وتستمع إلى شكواها؟ قال: أنا أستمع إلى شكواها والله جل جلاله استمع إلى شكواها من فوق سبع سموات! قالت: إن زوجي تزوجني وأنا شابة، ذات أهل، ومال، وجمال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وذهب مالي، وتفرق أهلي، قال: أنت عليّ كظهر أمي، ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، هناك تقسيمات ، الرجل لكسب الرزق، والمرأة لتربية الأولاد، وخدمة البيت، هذا الشيء معروف.
الحكمة من عدم زواج المرأة قبل انقضاء عدتها :
لذلك هذا العقد لأنه مقدس جداً يحتاج إلى إيجاب، وقبول، ومهر، وشاهدي عدل، وفي حالة الطلاق أو الموت لقدسية هذا العقد لا ينفصل فوراً، لابد له من ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشرة أيام حتى ينفصل العقد، هذه الفترة التي تبقى فيها الزوجة معتدة لزوجها، لا يجوز أن تتزوج في هذا الوقت، طبعاً هناك حكم كثيرة أحد هذه الحكم لئلا تختلط الأنساب وقد ورد في السنة أنه:
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره))
مزارع عنده بستان، وماء كثير، وفاض عنه الماء فسقى به زرع غيره، ماذا عليه؟ ما فعل شيئاً.
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره))
النبي عرض بهذا الكلام عن أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة قبل مضي العدة، لأنه قد تحمل منه، وينسب الحمل إلى غيره، إلى زوجها الأول، أو قد تحمل من زوجها الأول وينسب الحمل إليه، بهذا تختلط الأنساب.
لذلك لابد من انقضاء العدة، وقد يقول أحدهم: يا أخي من عشرين عاماً لم يقترب من زوجته؟ نقول له: العدة حداد على الزوج لها حكم عديدة منها: براءة الرحم من ماء الزوج الأول، ومنها حداد على الزوج، ومنها أن هذا العقد لقدسيته لا يمكن أن ينفصل قبل مضي ثلاثة قروء إن كانت مطلقة، أو قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام إن كان ميتاً.
تسمية النكاح بالعقدة :
الآية الكريمة:
﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ ﴾
لماذا سمي النكاح عقدة؟ سمى النبي عليه الصلاة والسلام النكاح عقدة لأنه كالعقدة لا تحل، لذلك عندما سألت السيدة عائشة النبي عليه الصلاة والسلام أتحبني؟ أو قالت له: كيف حبك لي؟ قال: كعقدة الحبل، فكانت تسأله من حين لآخر مداعبةً كيف العقدة يا رسول الله؟ يقول لها:على حالها، يوجد حقيقة بالزواج أخواننا الكرام ونرجو الله أن يعيننا على تطبيقها: من السهل جداً أن ينشأ حب بين الزوجين في مقتبل الحياة الزوجية، ولا أعتقد أنه يوجد زوجين على وجه الأرض إلا ومروا بفترة عاطفة، واندفاع، ومحبة، وولع، واهتمام، وانشغال، لكن البطولة أن تبقى على حدّ معقول من الحب، والمودة، والاحترام المتبادل، والرغبة في اللقاء الثنائي على أمد طويل، إن هذا الحب الصاعق عند معظم الناس حب صاعق ثم يبرد شيئاً فشيئاً حتى تغدو الحياة الزوجية مملة، ورتيبة ولا معنى لها، فإذا الإنسان أطلق بصره في الحرام ولم يسلك سنة رسول الله تغدو الحياة الزوجية مملة ورتيبة ولا معنى لها، أما إذا طبق سنة رسول الله في علاقته بزوجته أرجو الله سبحانه وتعالى أن تبقى حرارة المودة بين الزوجين، والاحترام، اليوم جاءني هاتف تقول لي امرأة: زوجي لا يسمح لي أن أزور أهلي إلا في الشهر مرة ولمدة ساعتين فقط، وبكت على الهاتف، هذا تعنت وقسوة وظلم، الأب أب، والأم أم، أبوها بالنسبة إليك عم، وأمها بالنسبة إليك ليست أماً لكن هي أمها، وهو أبوها، فالإنسان عندما يظلم تغدو الحياة الزوجية رتيبة ومملة ولا معنى لها، فكما قلت قبل قليل: البطولة أن تحافظ على حد أدنى من الحرارة والود والتفاهم إلى أمد طويل ،أما معظم الناس فليس حبهم جارفاً ويعقبه سأم ونفور بين الزوجين بسبب عدم تطبيق السنة، قال تعالى:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
ما كل زواج يبنى على الحب أحياناً يبنى على مصلحة راجحة، عندك أولاد وهؤلاء الأولاد إذا ربيتهم تربية عالية هذه ذخيرتك العظمى.
من بنى زواجه على طاعة الله تولى الله التوفيق للزوجين :
أيها الأخوة، في المثل: "يا عاقد اذكر حلاً " أعرف رجلاً أحب امرأة فتزوجها فكتب على نفسه مليون ليرة مقدماً ومليون ليرة مؤخراً، ثم نشب خلاف بينهما، ونفر منها، وأمامه تسديد المليونين، ولا يملك منها شيئاً، أكثر المتزوجين يقولون: حبر على ورق، بل هو دين ممتاز، ويمكن للزوجة إذا نشب خلاف بينك وبينها لا سمح الله أن تضعك في السجن، أليس كذلك؟ "فيا عاقد اذكر حلاً":
((أحبِبْ حَبيبَكَ هونًا مّا....، وأبغِض بغيضَك هونًا ....))
هذا التهور، أما أنا فقناعتي أن الزواج إذا بني على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق للزوجين، والعلاقة تستمر، والزواج أبدي، مرة قرأت في بعض المجلات أن كل ألف حالة زواج ثلاث وستون بالمئة من هذه الحالات تنتهي إلى الطلاق بأميركا، وفي أوربة ستة وثلاثون بالمئة من هذه الحالات تنتهي إلى الطلاق، وعندنا أقل بكثير، عشرة تقريباً، هذه نعمة كبرى، معظم حالات الزواج مستمرة، الحقيقة هناك عوامل للطلاق: إذا عدمت الكفاءة والتبيين والوضوح، فدائماً الجهالة تصغي إلى المنازعة، ونلاحظ أن الشباب حينما يتزوجون يتهيبون أو يدخلون في التفاصيل، وعدم دخولهم في التفاصيل هو الذي يسبب الطلاق بعد حين، كن واضحاً وبيّن اتجاهك الكامل، بيّن موقفك من الاختلاط، موقفك من الحجاب، موقفك من أجهزة اللهو، موقفك من هذا الشيء، فكل شيء بدون تصريح ينتهي إلى الخلاف، فكل طرف في ذهنه مطامح، والثاني عنده مطامح معاكسة، بعد حين يصطدم الأمر، وينشأ الفراق، وطلاق المرأة كسرها، كما ورد في الحديث الصحيح، ومن بلاغة القرآن الكريم سمى عقد الزواج عقدة:
﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ ﴾
فهذه عقدة لا ينبغي أن تنفك.
الطلاق صمام أمان للحياة الزوجية :
عندنا بالإسلام والحمد لله الزواج شيء مقدس، لكن هناك فتحة يمكن عند الضرورة أن تنفذ منها، فوعاء البخار مصمم على إغلاق محكم حتى يصعد الضغط، لكن يوجد فتحة فيها مادة تسيح بدرجة معينة، فإذا كان الضغط قد بلغ درجة قد يؤدي إلى انفجار، هذه الفتحة تسيح، ويخرج البخار، ونتلافى الانفجار، الطلاق هكذا تماماً إذا بلغ الضغط بالزوجين درجة أنهما تباعدا وافترقا وعاش كل منهما في مكان واتخذت عشيقاً، واتخذ عشيقةً، فالطلاق أولى عندئذٍ، فالطلاق صمام أمان للحياة الزوجية، لكن لا ينبغي أن يستعمل بغير حكمة بشكل سريع، أو ارتجالي:
((تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش))
كيف ينهى النبي عن الطلاق وقد أباحه الله عز وجل؟ كأن النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يقول: "تزوجوا امرأة عن بحث طويل ودراسة مستفيضة بحيث إذا اخترتموها لا تحتاجون إلى تطليقها بعد حين"، الله عز وجل يحيرنا:
﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ ﴾
حذرنا أن نفكر بالنكاح، العزم ليس كالفعل دائماً، عزمت على الذهاب عزمي يصبح ذهابي، كأن العزم إرادة وأنت منهي لا عن فعل عزم النكاح منهي عن عزم عقدة النكاح، منهي عن العزيمة قبل أن تنهى عن الفعل.
أحكام العدة :
﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ﴾
الكتاب العدة التي قررت للزوجة، ومن أحكام العدة: المرأة في الأشهر الثلاثة أو الأربعة وعشرة الأيام ينبغي ألا تتزين، وينبغي ألا تلبس الألوان الفاقعة والحارة، وينبغي ألا تحدث أحداً، وينبغي ألا تخرج من المنزل إلا لضرورة قصوى وفي النهار حصراً، هذه بعض أحكام العدة .
علم الله عز وجل أكبر وعيد للإنسان :
الآية الكريمة:
﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾
هذا وعيد وهذا يسمى في القانون مؤيداً قانونياً:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
علم الله عز وجل أكبر وعيد، أنا أعلم ماذا تفعل، الله يعلم وسيعاقب:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
لا ينبغي أن تطمع بحلم الله، هو يعلم لكنه حليم، فأنت إذا علمت أنه يعلم استقمت على أمره، وإذا علمت أنه حليم بادرت إلى التوبة من معصيته، عندما يبلغ الكتاب أجله تنقضي العدة، فاتقوا عقاب الله عز وجل ولا تخالفوا أمره، وفيه معنى التهديد والوعيد، وحليم يمهل العقوبة فلا يعجل بها، والله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل.
على الإنسان ألا يطمع بحلم الله :
إذا أحدكم ارتكب معصية والله عز وجل أسدل عليه ستره، لا ينبغي أن تطمع به، فالله أعطاك ستراً، فالله من عطفه ورحمته وحرصه على سلامتك يعطيك فرصة للتوبة، فإذا استهنت بحلم الله يؤتي العقاب شديداً، إن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله شديد العقاب، واعلموا أن الله غفور حليم، الآية الثانية:
﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾