- أحاديث رمضان / ٠04رمضان 1418 هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 6- رمضان 1418 - موضوعات علمية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، مع الدرس الأول من دروس الموضوعات العلميّة في رمضان .
الهيكل العظمي في جسم الإنسان :
أيُّها الأخوة ؛ كلمةٌ أرددها كثيراً ، الكون أوسع بابٍ تدخل منه على الله ، وأقصر طريقٍ إلى معرفة الله ، وإذا فكَّرت في آيات الكون
تجد نفسك وجهاً لوجهٍ أمام عظمة الله ، وأقرب شيء إلينا جسمنا ، فهيكل الإنسان العظمي من أكبر الأدلة على عظمة الله عزَّ وجل ، أولاً هو قوام الجسم ، لولا هذا الهيكل لكنا كومةً من اللحم والجلد ، هذا الهيكل العظمي فيه نسيج متين وقاس ، وتعلمون أن القساوة هي مقاومة قوى الضغط ، وأنّ المتانة مقاومة قوى الشد ، هذا النسيج متينٌ وقاسٍ في وقتٍ واحد ، الشيء الذي يلفت النظر أن في الإنسان أجهزةً نبيلة ، فالدماغ جهازٌ نبيل ، وهو أخطر ما في الإنسان ، موضوع في صندوق عظمي ، والنخاع الشوكي نبيلٌ أيضاً ، موضوع في العمود الفقري ، والقلب موضوع في القفص الصدري ، والرحم موضوع في وسط عظم الحوض ، فعظم الحوض بناءٌ محكم ، والعمود الفقري بناء محكمٌ للنخاع الشوكي ، والدماغ موضوعٌ وسط الجمجمة ، والقلب وسط القفص الصدري ، وأخطر جهاز لتوليد كريات الدم الحمراء أين يوضع ؟ ضمن العظام ، في نقي العظام.
الذي يلفت النظر في هذا الجهاز أنّ له سطحاً أملس ، وله بنية إسفنجية ، لو أنَّ بُنيته كسطحه ، لكان وزن أحدنا أربعة أمثال وزنه الحالي ، فإن كنت تزن مئة كيلو غرام فتصبح أربعمئة كيلو غرام ، البنية إسفنجية ، والسطح أملس ، لو أن بنية العظم الداخلية كسطحه لكان وزن أحدنا مضروب بأربعة أمثال دائماً ، فأصبحت الحركة متعبة جداً ، والغذاء مضن ، والطاقة كبيرة ، والاستهلاك كبير ، لذلك العلماء لهم تعبير رائع جداً يقولون : الهيكل العظمي يعطي أكبر مردود بأقل وزن.. فالطائرة مثلاً ، الطائرة الكبيرة - الجامبو - وزنها مئة وخمسون طناً ، وقودها مئة وخمسون طناً ، قد صنعت من أخفّ معدن ، لو أنّها من أثقل معدن أي من الحديد مثلاً ، لكان وزنها ثلاثمئة أو أربعمئة طن ، وتحتاج إلى وقود يزن أربعمئة طن ، فيصبح حجمها شيئاً مستحيلاً ، لذلك أكبر مردود بأقل وزن هذا الهيكل العظمي .
عمليات الهدم و البناء أروع ما في الجهاز العظمي :
هناك شيء آخر في هذا الموضوع
أغرب شيء في هذا الجهاز ، أن فيه عمليات هدم وبناء مستمرّة منذ الولادة وحتى الموت ، فهناك خلايا تموت ، وخلايا تولد من جديد، بمعنى أنَّ الإنسان كل خمس سنوات يتجدد هيكله العظمي تجدداً كلياً ، هيكلك العظمي من قبل خمس سنوات غير هيكلك الحالي ، لأن عمر الخلية العظمية خمس سنوات ، تولد وتموت ، ففيه تجدد دائم ، ماذا يعني هذا التجدد ؟ هذا التجدد يعني أن هذا الهيكل العظمي صار مستودع كالسيوم ، فنحن إذا عمرنا بناء فله هيكل من الإسمنت المسلح ، لو لزمنا إسمنت فلا نستطيع أن نأخذ أو نفك من سقف البناء ، فالإسمنت فيها ثابت ، أما هذا الهيكل العظمي فهو هيكل وله أكبر وظيفة ، وفي الوقت نفسه هو مستودع للكالسيوم ، والدليل على ذلك :
لو أن أماً لا تأكل غذاءً كافياً وحملت ، ويحتاج ابنها إلى كالسيوم
أي إلى كلس ، يأخذ من هيكلها العظمي حاجته التامة ، فهذا الهدم والبناء المستمر له فوائد كثيرة ، من هذه الفوائد أنّه صار هيكلاً عظمياً ، ومستودعاً للكالسيوم ، يمدُّ الإنسان بما يحتاج حين الضرورة ، ومن أشد الضروريات الحمل ، فهذا الجنين يحتاج إلى كالسيوم بكميّات عالية جداً ، فإذا كانت الأم فقيرة ، لا تأكل الحليب ، ولا الجبن ، ولا المواد الدسمة ، إذاً يأخذ جنينها من عظمها ، لأن فيه عمليات هدم وبناء مستمرة .
الشيء الآخر.. أن هذا الهدم والبناء المستمر له ميزة ، إنسان كسرت رجله ، بعد أربعين سنة هذه الخلايا النائمة تستيقظ وتتوالد ، وتولِّد نسيجاً ملتحماً بين الطرفين ، فليس في الحياة آلة مهما كانت غالية الثمن ، إذا كسر أحد أجزائها أن يلتحم مع الأصل ذاتياً ، العظم يلتحم ذاتياً مع الأصل ، فهذه الخلايا تنام وتستيقظ ، فعند الكسر تستيقظ ويلتئم هذا العظم المكسور ، وهذا الشيء من أروع ما في هذا الجهاز.
بسط العظام و قبضها من آيات الله الدالة على عظمته :
أما الشيء الذي لا يصدَّق أن هذا الجهاز ينمو
فمن الذي يقول له : قف عند هذا المكان ؟ فقد سألت أستاذاً في الثانوي - وهي قصة قديمة - ما الذي يجعل هذا العظم يقف عند مكان معيّن ؟ قال لي إجابة لم تقنعني مطلقاً ، قال : هناك خط وهمي في الفراغ ، فهذه العظمة تنمو فإذا بلغت هذا الخط تقف . هذا الكلام غير مقنع ، اكتشفوا هرمونات ، وهذه الهرمونات هي المسيطرة على نمو العظام ، لو أن نمو العظام لا يقف عند حدّ أصيب الإنسان بمرض يسمى العملقة ، فيصبح طوله مئتين وأربعين سنتيمتراً ، ولو أن الهرمونات المولِّدة للنمو لم تفعل فعلها أصبح طول الإنسان حوالي ثلاثين سنتيمتراً ، وهو رجل يبلغ من العمر ثلاثاً وعشرين سنة، هذا مرض التقزُّم ، والأول مرض العملقة ، فالإنسان يغيب عن ذهنه أن طوله معتدل ، وأن كل عظامه نمت بشكل معتدل ، ووقفت في الوقت المناسب ، فالله عزَّ وجل باسط ، وقابض ، يبسط العظام ، ثم يوقفها عند حدّ معيّن ، هذا أيضاً من آيات الدالة على عظمته .
الحكمة من كون هيكل الجنين العظمي غضروفياً :
أما الشيء اللطيف فهو أن هيكل الجنين العظمي غضروفي ، ثم يبدأ بالتعظُّم من الوسط إلى الخارج ، عظم الفخذ في الجنين يكون غضروفياً ، بعد الولادة يبدأ التعظُّم من الوسط إلى الأطراف ، لا بدَّ من طبقة في الأطراف تبقى غضروفيّة ، ولو كبر الإنسان ، هذه الطبقة ماصَّة للصدمات في النخاع الشوكي ، في العظام الطويلة في كل أنواع العظام طرف العظمة غضروفي ، تماماً مثل الكاوتشوك بين القطع المعدنية ، هذا يمتصُّ الصدمات ، تشعر أن هناك علماً مطلقاً وراء هذا الهيكل .
هذه الغضاريف أثناء حركتها.. الغضاريف أطراف العظام.. أطراف العظام تتحرَّك، هناك سائل لزج يسهِّل هذه الحركة ، ويمنع الاحتكاك ، وهذا السائل يتجدد دائماً ، أما مركبتك فإن لم تضع فيها السائل الزيِّتي في المحرِّك يحترق المحرِّك ، أما السائل اللزج في المفاصل فهذا يتجدد ذاتياً ، طوال الحياة :
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾
المفاصل من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام :
هناك شيء آخر.. وهذا الشيء من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام...
قال العلماء : " في العمود الفقري مئة وسبعةٌ وأربعون مفصلاً ، خمسة وعشرون منها غضاريف بين الفقرات ، واثنان وسبعون منها بين الضلوع والفقرات ، وخمسون منها بين الفقرات عن طريق اللقيمات الجانبية ، مجموع مفاصل العمود الفقري مئة وسبعة وأربعون ، وفي الصدر اثنان وأربعون مفصلاً ، والطرف العلوي أيضاً فيه مفاصل ، عددها خمسة وثلاثون ، والطرف السفلي به أربعة وأربعون ، فالنتيجة أن هذه المفاصل درست بإتقان ، وأحصيت بإتقانٍ شديد ، فصار مجموع هذه المفاصل في كل جسم الإنسان بين مفاصل عموده الفقري ، ومفاصل أطرافه العليا ، وأطرافه السفلى ، وصدره ، و حرقفه ، مجموع المفاصل ثلاثمئة وستون مفصلاً ، هذا بعد التشريح والإحصاء الدقيق والأعمال المخبرية في كليّات الطب بالجامعات الكبرى.
أما الشيء الذي يلفت النظر أن النبي عليه الصلاة والسلام.. والحديث في الصحاح، رواه الإمام مسلم يقول :
((حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ ، فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثّلاثِ مِائَةِ السُّلامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ......))
فلا يمكن في عهد النبي أن يعرف الإنسان كم مفصل في جسم الإنسان ، فلم يكن هناك كليّات للطب ، ولم يكن هناك تشريح ، ولم يكن هناك أي شيء ، فقد كان الإنسان إذا مرض يموت ، هذه هي كل القضية ، أما الآن فقد كُشف أن في الإنسان ثلاثمئة وستين مفصلاً، طبعاً توجد تفاصيل طويلة خلال صفحات عن مفاصل العمود الفقري ، ومفاصل الصدر ، ومفاصل الحُرقف ، ومفاصل الأطراف العلوية والسفلية ، فكل عظمين متحركين بينهما مفصل ، مجموع مفاصل الإنسان ثلاثمئة وستون مفصلاً ، هذا أيضاً من آيات الله الدالة على عظمته.. لذلك :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
التفكر جزء من العبادة :
هذه بعض الأفكار الدقيقة والبديهيّة ، والتي هي عند الأطباء مسلَّمات عن هيكل الإنسان العظمي ، لذلك قال الله تعالى :
﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
أي أن جزءاً من عبادتك أن تفكِّر في جسمك :
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾
وكلّما دققت في خلق الإنسان وجدت أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وكرَّمه أعظم تكريم :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
فتصوَّر أن دماغ الإنسان موضوع ضمن صندوق عظمي ، وبين الصندوق والدماغ سائل لامتصاص الصدمات ، فأحياناً الطفل الصغير يقع على الأرض آلاف المرَّات ، وتسمع رنين رأسه بشكل مخيف ، ومع ذلك يقف وليس فيه شيء ، ما الذي حصل ؟ هذا عندما صدم على طرف جمجمته ، هذه الجمجمة متمفصلة مع بعضها بمفاصل منكسرة ، وتوجد فراغات بسيطة ، فهذا الفراغ البسيط يمتصّ الصدمة ، لولا هذه المسننات في الجمجمة ، أول وقوع على الأرض تنكسر الجمجمة.
شيء آخر.. بين الدماغ وبين الجمجمة يوجد سائل ، هذا السائل يمتصّ الصدمات كلَّها وفق أعلى معطيات علم الميكانيك ، في العظم تقريباً ، وأما موضوع امتصاص الصدمات.. فالتعظُّم من الوسط إلى الآخر ، لا بدَّ من أن يبقى قسم غضروفي مهما بلغ به السن، وهذا الغضروف أملس ناعم ، وهناك سائل يتولَّد ذاتياً لتخفيف الاحتكاك بين المفاصل والغضاريف.
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
فهل سمعت طوال حياتك انكسرت في سيارة إنسان قطعة معدنية ، فذهب إلى المصلِّح ، فقال له : اتركها فهي ستلتحم من تلقاء نفسها ؟ هذه الكلمة لم يتكلمها أو لم يذكرها أحد إطلاقاً ، أما العظم البشري فيكون الإنسان بالغاً من العمر ستين سنة ، والخلايا نائمة.. نائمة.. تكسر إحدى قدميه ، فتستيقظ الخلايا ، ويلتئم العظم ، ويعود إلى ما كان عليه ، وقد يعود أمتن مما كان عليه.
هذه بعض آيات الله في خلقه.. أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بها ، وأن تقرِّبنا من الله ، وأن تجعلنا نخشع أمام هذا الخالق العظيم الذي خلق كلَّ شيءٍ فأحسن خلقه .