- التربية الإسلامية / ٠7موضوعات مختلفة في التربية
- /
- ٠1موضوعات مختلفة في التربية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، و زدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
تقديم :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ في ذهني أن في هذا الدرس موضوعات عدة يجب أن تعالج :
الموضوع الأول : موضوع ليلة القدر .
الموضوع الثاني : موضوع العيد .
الموضوع الثالث : موضوع ما بعد رمضان .
ليلة القدر :
أما الموضوع الأول فقد يحملُ الناس عن هذه الليلة تصورات بعيدة عن الحقيقة ، فربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
وكلمة القدر مشروحة في آية أخرى ، حيث قال الله عز وجل :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾
إذًا الإنسان مطالب بمصلحته ، أن يعرف الله عز وجل ، فأي جهد و أي نشاط و أيّ طاقة وأي وقت و أي عمل لا يصب في معرفة الله عز وجل فهو جهد ضائع و عمل فاشل ، ووقت خاسر ، هكذا ، قال تعالى :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
قلت البارحة في إحياء هذه الليلة بعيدا عن المعاني الدقيقة و التي جاءت في التفاسير لسورة القدر ، بعيدا ، كخواطر إذا قرأت هذه السورة بماذا تشعر ؟ لو أن هناك ليلة معينة ، على هذا التصور تساؤلات ، لأن الشهر العربي الهجري يختلف عن الشهر الميلادي ، إذًا عبر هذه السنوات الطويلة ، وعبر مئات السنين جاء رمضان في الصيف و جاء في الشتاء ، وجاء في الربيع و جاء في الخريف ، ما من شهر إلا وجاء فيه رمضان ، إذًا هذه الليلة ربما انزلقت في أيام السنة كلها ، فالقدسية نابعة من ليلة بالذات ، لا إطلاقا ، ما يحمله بعض الناس من تصورات أن هناك ليلة معينة بالذات إذا وافقها الإنسان فقد سعد في الدنيا و الآخرة ، هذا كلام بالغ به ، بل هو بعيد عن الحقيقة ، ما دام رمضان شهر هجري ، و أيام السنة الميلادية ، وهناك انزلاق مستمر ، طبعا كل واحد منا ذاق رمضان في الصيف ، في شهر آب ، تشرين فيها رمضان ، حرب تشرين ، عشر رمضان ، تشرين إلى أيلول إلى آب إلى حزيران إلى مايو ، فهناك انزلاق مستمر ، إذًا ما من يوم من أيام السنة إلا و مرت فيه ليلة القدر ، إذًا قيمة هذه الليلة من تحديدها ؟ لا إطلاقا ، من شيء آخر ، يبدو أن الإنسان إذا بلغ مستوى من المعرفة بالله عز وجل استحق من الله شيئا ثمينا ، كحالة حادة صارخة النبي عليه الصلاة و السلام .
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
أي حينما تعبد ربه في غار حراء ، و حينما كان يقضي الليالي ذوات العدد ، حينما عزف عن متع الحياة ، وحينما قال للغلمان في سنه : لم أخلق لهذا ، حينما اصرف إلى التفكر في خلق السماوات و الأرض ، حينما ترفعت نفسه عن وحل البشر ، عن حماقات قومه ، عن انحرافهم ، عن شهواتهم ، حينما عاش في أفق آخر ، حينما قدّر ربه حق قدره استحق أن ينزل عليه القرآن على شكل مخفّف ، على شكل ممدد ، على شكل مبسط ، إذا رآك الله عز وجل محبا له ، تسعى لهداية خلقه ، إذا رآك عند الحلال و الحرام ، إذا رآك تبذل كل طاقاتك في سبيل خدمة الخلق ، إذا رأى وقتك كله قد بعته لله عز وجل ، إذا رآك محبا للناس ، إذا رآك حريصا على هدايتهم ، إذا رأيت خلقه كلهم عيال الله و أحسنت إليهم ، إذا كان همك الدار الآخرة ، إذا استيقظت والآخرة أكبر همك ، عندئذ تستحق أن يعطيك شيئا ثمينا ، ما هو هذا الشيء ؟
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
و في الليلة التي تقدر فيها ربك حق قدره يتجلى الله على قلبك ، ما هذا التجلي ؟ واللهِ ما أدري ما هو ، و لكن أعرف نتائجه ، طبيعته مجهولة ، من أسرار الله عز وجل ، أما نتائجه فهي واضحة ، تشعر براحة لا توصف ، تشعر بتوازن ، تشعر أنك اسعد الناس و لو كانت ظروفك المادية من أصعبها ، ولو كانت حياتك من أصعب حياة الناس ، ولو أن دخلك أقل من دخول الناس ، تشعر بسعادة لأنك تشرفت بمعرفة الله عز وجل ، تشعر بحالة اسمها الغنى ، أحيانا تدعو إنسانا إلى الطعام ، و تظنه جائعا ، لا شكرا ، تشعر أنه في غنى و ممتلئ ، وقد يكون جائعا و لكن نفسه أغلى عليه من أن يقول لك : إني جائع ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ))
الشعور بالغنى هذا شيء لا يوصف ، قد يكون فقيرا ، قد يكون أجيرا ، قد يكون موظفا بسيطا ، و لكن في نفسه شعور بالغنى لو وُزّع على أهل بلد لكفاهم ، و عند الكبراء والأغنياء من الفقر ما لو وزِّع على بلد لأشقاهم ، تجده حريصا على الليرة و معه الآلاف الملايين ، يقاتل من أجلها ، و يحلف يمينا كاذبا من أجلها ، هذا فقير ، هذا إنسان في مستوى منخفض جدا ، فنتائج التجلي الإلهي من هذه النتائج رؤية صحيحة ، أي في الوقت الذي يتهافت الناس على المال الحرام يترفع المؤمن ، يرى ما في هذا المال من خراب و دمار ، ومن بعد عن الله عز وجل ، قد تمشي امرأة في مستوى رفيع من الجمال ، لو راقبت معظم الناس عيونهم منعقد و عليها ، أما المؤمن فتشعر أنه في غنى ، ليس عبدا لشهوته ، شهوته تحت قدمه ، الله أغلى عليه ، لذلك بعض النساء اللواتي حباهن الله بمستوى رفيع من الجمال لا يفاجأن إلا بموقف المؤمن ، ما هذه العفة ؟! ما هذا الغنى ؟ ما هذا الترفع ؟ هذا من آثار تجلي الله عز وجل ، قد تكون أم ، مبلغ كبير من المال يحل كبير مشكلاتك دفعة واحدة ، و لكن في هذا المال شبهة ، فبقرار سريع من دون صراع نفسي ، من دون سؤال و جواب ، من دون يا ليت ، من دون مشادة ، تحت قدمه هذا المال ، فلان تجلى الله على قلبه ، عنده عفة عن المطامع ، وعنده عفة عن المحارم ، عنده شعور بالغنى ، عنده شعور أن الله يحبه ، عنده رحمة اتجاه كل الخلائق ، ليس عنده تعصب و لا حقد ، و لا نظرة ضيقة ، فلان من جماعتنا ، من غير جماعتنا ، هذا عبد لله عز وجل ، فأنت إنسان وهو إنسان ، والله لا أدري ما أقول لكم عن هذا التجلي ، لا أعرف كنهه ، و لكن أعرف نتائجه ، فأحيانا تلتقي مع إنسان فتراه في أدنى مستوى ، قد تكون له مرتبة اجتماعية عالية ، و قد يكون له مكانة كبيرة ، لكن إذا تكلم ، قال لي شخص : التقيت مع رجل بحسب مقاييس المجتمع ، و المجتمع له مقاييس ، له مقياس المال ، ومقياس العلم الدنيوي طبعا ، يحمل دكتوراه ، نوبل ، معه بورد ، معه أعلى الشهادات ، أو يتمتع بمركز قوي ، إما القوة ، و إما العلم و إما المال ، قال لي : كان يتحدث و قال : إذا الإنسان تقدمت به السن و زوجته متعبة ما هو المانع لو أنه تكون له عشيقة مثلا ، أين هذا الإنسان من مبادئ الشرع ، هذا صار عدوانا ، فتكلم كلمة سقط بها إلى الحضيض ، فالتجلي ، إنسان يعرف الله عز وجل ، منضبط ، إنسان ذو مبدأ ، مال الدنيا كله في كفة و مبدأه في كفة ، فإذا تناقض المال مع مبدأه ضحّى به ، وهو مرتاح ، مثلا ، وهذا مثل منتزع من الواقع ، قاضي أو طبيب شرعي جريمة ارتكبت و المقتول قتل ، و انتهى الأمر ، و الحكم لهذا القاضي ، إما أن يقول وفاة طبيعية أو تسمم ، عرض عليه خمس ملايين ، يكتب فقط وفاة طبيعية ، و القاضي بيته بالأجرة ، و دخله لا يكفيه خمسة أيام ، وليس عنده مركبة ، وفي حاجة ماسة ، و المبلغ يحل به جميع مشاكله ، أعوذ بالله ، هذه جريمة ، هذا المؤمن ، إنسان من أجل مائة ليرة يبيع دينه ، مائة وليس خمس ملايين ، يبيع دينه كله ، فلما ربنا عز وجل يقول لك :
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
معنى ذلك أنك أنت لما تعرف الله عز وجل صارت نفسك مؤهلة لتتلقى ما يسمى بالتجلي الإلهي ، هذا التجلي ماذا سماه الله في آيات أخرى ، من يعرف ؟ رحمة ، نور ، روح ، جميل ، كله صحيح ، سكينة .
﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هذه الطمأنينة و هذه الراحة النفسية ، فالقضية أعقد من أن تصلي ركعتين ، القضية أعقد من أن تصوم الأيام الثلاثين ، هذا عابد ، و العابد في مكانه ، حكيت البارحة مثلا و لا مانع من أن أعيده الآن ، دكتور من أعلى مستوى في الجامعة ، علاّمة عصره ، فريد بعلمه ، بحر ، له سمعة على مستوى الشرق الأوسط فرضا ، وفي هذه الكلية مستخدم جالس على هذا الباب ، كلما مرّ هذا الدكتور يقوم له ، أهلا دكتور ، وكلما خرج يقوم له و يرحب به ، هذا المستخدم سنة ، سنتان ، ثلاثة ، خمسة ، عشرة ، ثلاثون سنة ، معرفته بهذا الدكتور لا تزيد ، كل ما يعرفه عنه أنه أستاذ في هذه الكلية ، و الطلاب يحبونه فقط ، أما هؤلاء الذين جلسوا معه في المحاضرات ، كلما ألقى عليهم محاضرة ارتفع في نفوسهم ، كلما ألقى محاضرة كبر حجمه عندهم ، فأنت لا ينبغي أن تكون كهذا المستخدم ، كن كهذا الطالب ، الطالب يزداد علمه ، فلو أننا - ولله المثل الأعلى - لو إنسان عابد ، كلمة أنا أعرف سهلة ، لو أن إنسانا ركب طائرة من عمان إلى بيروت ، مباشرة ، وهذه الطائرة طارت فوق دمشق تماما ، و سئل أتعرف الشام ؟ يقول لك : أعرفها ، كلام صحيح ، رآها من الجو ، لو أنه هبط في المطار ساعة ثم تابع رحلته أتعرف الشام ؟ أعرفها ، رأى المطار و رأى البرج ، ورأى صورا عن دمشق ببهو المطاء ، رأى نوعا من الزخرفة الشامية في قاعة الانتظار ، وقال : أنا أعرفها الشام ، و قد مررت بها ، وقفت في مطارها ساعة ، لو إنسان آخر انتقل إلى مركز المدينة ، إلى المرجة مثلا , سوق الحميدية ، يعرفها ، إنسان عاش بها أسبوعين ، أطل إطلالة على الأحياء الشعبية وقصر العظم ، وعلى جبل قاسيون ، أيضا يعرف الشام ، طيب و إنسان أقام شهرا ، و إنسان درس في الجامعة في دمشق ، ومكث أربع سنوات ، و أخذ بيتا في حي فقير ، رأى العادات و التقاليد و الحمص يوم الجمعة صباحا ، و التساقي مثلا ، و العيد و الزينة و المعمول ، وفهم هذه الأشياء كلها ، وعلاقات الاجتماعية ، والجو المحافظ ، والشغل المحافظ فرضا ، يقول لك : أنا عرفت كل التقاليد الشعبية ، وإذا كان الإنسان مولودا في الشام و عمره ثمانون سنة يقول لك : كان مدحت باشا أتى إلى الشام و جلس في المسجد الأموي ، قال : أنا خالع الملكين في زماني ، و جلس عند الشيخ بدر الدين و قال له : أنا سأخلعك الآن ، بعث برقية للسلطان فأتى و خلعه بعد ساعة ، يعرف قصص الشام القديمة ، وهذا مثلا خان أسعد باشا يعرف أصله ، وهذا منزل كيف بنوه ، وكيف أن بابا للوادي مثلا ، كل هؤلاء يعرفون دمشق ، و شتّان بين معرفة و أخرى ، هنا المرتبة ، أتعرف الله نعم ، ماذا تعرف عنه يقول لك : الله جل جلاله خالق الكون ، وقف ، كمِّل ، هل هناك أوضح من هذا ؟ هناك إنسان يحكي عنه عشر ساعات ، عشرين ساعة و لا يقف ، فكلما ازددت به معرفة ازددت عنده رفعة ، فــ:
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
في هذه الليلة ، فحينما تتعرف إلى الله عز وجل ، و الحقيقة معرفته لها خطان ؛ و لا أقول خط واحد ، هناك طريقان يوصلان إليه ؛ الطريق الأول طريق الكون ، لأن الكون من خلقه فإذا تأملت في الصنعة عرفت الصانع ، إذا تأملت في النظام عرفت المنظِّم ، إذا تأملت في الكون عرفت المكوِّن ، إذا تأملت في التسيير عرفت المسيِّر ، ممكن نجم كبير كبير يقطع في العام ألوف ألوف الملايين من الكيلومترات و يصل إلى زاوية معينة في معشار الثانية ، و تنضبط ساعة بيغ بان عليه ، ممكن ، سيارة مثلا لو كان طريق حلب ليس فيه ولا مشكلة ، ليس فيه دخول إلى المدن و لا تقاطع ، و لا فيه إشكال ، تقدر أن تقول للسائق كم يلزمك من ساعة ؟ فيقول لك : يلزمني خمس ساعات ، يقدر هذا السائق يمشي على سرعة ثابتة و يصل بأعشار الثانية إلى حلب ، هذا فوق طاقة البشر ، سمعت أن هناك قطار في اليابان إذا كان التأخر بثلاث دقائق فما فوق يُعطى للركاب تعويض ، من طوكيو إلى أوزاكا ، ستمائة كيلومتر ، إذا كان التأخر ثلاث دقائق هناك تعويض ، فهذا نجم يدور ألوف ألوف الملايين ، دورة خلال سنة ويصل إلى زاوية رصد بأقل من واحد من المائة في الثانية
لذلك ساعة بيغ بان تتأخر في السنة بثلاث ثوان و النجم لا يتأخر ، تُضبط عليه ، هذا تسيير من ؟ الله عز وجل ، فأنت تعرف المسيِّر من التسيير ، و المنظم من التنظيم ، والمكون من التكوين ، و الخالق من الخلق ، و الصنعة من الصانع ، هذا طريق ، لا يكفي هذا الطريق ، طريق أمر الله ، كما أن الله سبحانه و تعالى تتجلى عظمته في خلقه تتجلى عظمته في أمره ، بالضبط خطان متوازيان ، بل إن معرفة أمر الله عز وجل له فائدة مزدوجة ، له فائدتان ، من جهة تعرف من خلاله عظمة الله عز وجل ، ومن جهة ثانية تعرف الأمر الذي ينبغي أن تفعله ، أنت تلقيت هاتفا ثمينا جدا فيه ستون ذاكرة أوتوماتيك ، يعطيك على الشاشة رقم الخط ، إذا كانت مخابرة خارجية كم دقيقة بالضبط ، وهذا الهاتف أنت عرفت أن المصمم الذي صمّمه من أعلى مستوى ، وهناك شيء ثان أنك في خدمتك تستعمله و استفدت منه ، عظّمت صانعه و استفدت منه ، معرفة أمر الله هذه تؤدي غرضين ؛ تعرف الله من خلال هذا الأمر ، وهو أمر أنت في أمس الحاجة إليه ، إذًا هذا خط وذاك خط ، خط معرفة الله من خلال الكون ، و خط معرفته من خلال الأمر و النهي ، إذًا هذه بعض الخواطر حول ليلة القدر .
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾
أنا أعجب فمثلا سيدنا زيد الخير دخل على النبي عليه الصلاة و السلام وهو يخطب الجمعة ، فالنبي لفت نظره ، و كان له شكل جميل جدا ، و كان شهما ، كان صاحب مروءة ، جمع بين جمال الخَلق و الخُلق ، فدخل على النبي عليه الصلاة و السلام ، فلما انتهت الخطبة دعاه إلى البيت ، أول مرة يراه فيها ، قال له النبي : يا زيد عليه الصلاة و السلام : ما وُصف لي رجل إلا رأيته دون ما وُصف إلا أنت يا زيد ، أنت أكثر ، وُصفت لي و لكنك بدرجة أعلى مما وصفت لي ، النتيجة ليست هنا ، دعاه إلى البيت و قدّم له وسادة ، قال زيد الخير : واللهِ يا رسول الله لا أتكئ في حضرتك ، لم يرض ، متى عرفه الرسول ؟ ما هذه السرعة ؟ هذا رقم قياسي ، متى عرف رسول الله ؟ في ساعة ، قال : والله لا أتكئ في حضرتك ، وفي طريق العودة إلى قومه توفاه الله ، من أرقى الصحابة ، أعتقد ساعات ، تفضل ، و تجد واحدا ثمانون سنة و هو يصلي و يصوم و بعد ذلك إذا جاءه ضيوف نساء ذهب و لصق بالباب ، ثمانون سنة وهو يصلي و يصوم ، يحلف يمينا من أجل مائة ليرة كذبا ، وهو يصلي و يصوم ، إذًا نحن نريد اللبّ ، نريد جوهر الدين ، نريد هذا الدين الذي كان عليه أصحاب النبي ، هذا الذي نريد ، هذا الدين نريده من منبعه ، نريد الينابيع الأولى للدين ، نريد هؤلاء الصحابة الذين كانوا ألفا أو يزيدون أو عشرة آلاف كيف فتحوا العالَم ، ونحن ألف مليون و كلمتنا ليست عليا ، إذًا :
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
من ألف شهر ، أي ثمانين سنة ، صوم و صلاة و حج و زكاة ، من دون معرفة الله عز وجل ، هذه لا شيء ، لكنك إذا عرفت الله عز وجل عرفت كل شيء :
﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾
الملائكة تلهمك الصواب ، تجدك موفقا في عملك ، دائما ملهم ، دائما حركتك مسددة ، دائما موفق ، دائما يدك خيرة ، دائما كلامك سديد ، دائما خواطرك طيبة ، دائما عملك حكيم، الملائكة و الروح فيها .." دائما مسرور سعيد ،
﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾
كلما أردت أمرا جاءك الإلهام ، افعل يا عبد الله هكذا ، كلما أزمعت عملا جاءك الإلهام افعل هكذا .
﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾
قال :
﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾
﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ﴾
أي الفجر طلوع شمس الحقيقة ، هذا تعبير رمزي ، أي أنت في الدنيا مسدد سعيد إلى أن يأتي ملك الموت و تنكشف عندها الحقائق ، أنت بهذه الليلة عرفت الحقيقة في الوقت المناسب ، عرفتها في الوقت المناسب ، عرفتها و لكن الكفار يعرفونها بعد فوات الأوان ، بعيدا عن التفسير الدقيق وعن خلاف المفسرين ، هذه خواطر ، أعجبني من بعض العلماء فسّر القرآن و قال : خواطر إيمانية ، حتى لا يحاسَب ، خواطر إيمانية ، أي :
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
على هذا المعنى كل يوم عندك ليلة القدر ، الباب مفتوح في واحد شوال و اثنين شوال و خمس شوال ، و تشرين و كانون وشباط وآذار ، أنت الآن في الطريق إلى الله عز وجل ، بالغ في معرفته ، جنِّد نفسك لخدمة خلقه ، وفِّر وقتك لقراءة كتابه و لفهم كتابه ، أطلق لسانك بالدعوة إليه ، جند كل طاقاتك لخدمة خلقه ، عندئذ يشف الله لك عن عظمته شيئا فشيئا إلى أن تقع في حالة سماها بعضهم حالة الفناء ، أي تفنى عن ذاتك في شهود جلال خالقك ، هذه بعض المعاني غير المتأنية والعميقة ، بعض المعاني التي قد يفهمها الإنسان من سورة القدر .
العيد :
الشيء الثاني موضوع العيد ؛ أي أجمل تعريف للعيد مأخوذ من العودة ، النفس لا تأنس إلا برها ، و لا تطمئن إلا بالقرب منه ، ولا تسعد إلا بالإقبال عليه ، وأنت و العيد في الإسلام من خصائصه أنه يأتي بعد عبادة ثمينة ، عيد الفطر بعد الصيام ، وعيد الأضحى بعد الحج ، هذا العيد دليل أنك في هذا الشهر عدت إلى الله عز وجل ، هذه العودة إلى الله عز وجل توجت بالفرحة ، سؤال دقيق ؛ لو فرضنا إنسانا دخل امتحانا مصيريا ، صف تخرج ، دكتوراه في الطب مثلا ، مهندس فرضا ، يا ترى فرحته بانتهاء الامتحان ، الامتحان شهر في الجامعة ، فرحته الحقيقية بانتهاء الامتحان أم بالنجاح في الامتحان ، بالنجاح ، الانتهاء حتى الراسب ينتهي امتحانه ، خلصنا الفحص ، اليوم آخر يوم أستاذ ، خلصنا ، وهو خاسر ، و إذا كان خلص الامتحان ، ففرحة الطالب ليست في انتهاء الامتحان ، لا فرحته في نجاحه في الامتحان ، فمن نجح في هذا الامتحان في هذه الأيام الثلاثين ، نجح فعلا فرحته في العيد حقيقية ، الله عز وجل أكرمه و صام ثلاثين يوما ، و قام ثلاثين يوما و شهد الفجر في جماعة ثلاثين يوما ، و قرأ القرآن مرة ، و ما مضى إلى الحرام ، وما أكل درهما و لا تكلم كلمة سوء ، لا غيبة و لا نميمة ولا سخرية ، وشعر في الصلاة بأنه قريب من الله عز وجل ، وبكى في التراويح ، و شعر أنه انتقل نلة نوعية ، كان يمشي في هذا المستوى صعد و بقي ماشيا ، هذا واللهِ في عيد ، فكنت أقول في خطبة سابقة : ليس العيد لأكل الثريد - عندنا فخذ اليوم - و لا بلبس الجديد ، ولا بأكل الحلوى ، و لكن إذا نال من التقوى ما يريد ، هذا العيد ، إذا وصلت إلى الهدف فأنت في عيد ، فلذلك عيد المؤمن فرحة حقيقية ، ولو فرضنا التقيت بأناس في عيد ، في رمضان هم هم لم يتغيروا ، اختلاط و لقاءاتهم و لهوهم و مزحهم ، طريقتهم في الحياة ، كسبهم للمال ، و إنفاقهم للمال هو هو ، تجده في العيد يقول : فيه أمر ، صحيح فيه أمر ، شيء ممل لأنه ، صار له ثمانون سنه و هو يعيد ، أتى بالشكلاطة و الحلويات ، فصل بذلة و استقبل الناس ، كل عام و أنتم بخير ، و كل واحد زاره رد له الزيارة ، من لم يجد يترك له كارت ، وضع الكارت ، و يا ربنا نجده ، واللهِ شيء ممل ، فالعيد في حقيقته عملية عودة إلى الله عز وجل ، أو نجاح في امتحان ، عيد الفطر و عيد الأضحى .
ما بعد العيد :
أما الشقُّ الثالث في حديثي ما بعد العيد ، واللهِ الذي لا إله إلا هو أشعر كل عام بنشاط بعد العيد لمتابعة الطريق إلى الله عز وجل ، لأنك أنت الله عز وجل كشف لك شيئا من جنابه في رمضان ، رفع قليلا من الستار ، رأيت شيئا من جماله ، هذا الجمال الذي رأيت منه طرفا في رمضان ألا يستهويك أن تشمر و تنطلق ، لا أعرف كيف أعبِّر عن هذا ، أحيانا الطفل الصغير لا يحب الموز فرضا ، والأب يعرف لو أنه أكل منه عضة واحدة لتعلق به تعلقا شديدا ، يصير كالروح له ، لا يتركه علق به ، إلى أن يبلغ درجة الذوق ، فأنا لا أعتقد مسلما صادقا مؤمنا كاملا يغيِّر شيئا ما بعد العيد إطلاقا ، أما هؤلاء عامة الناس فو اللهِ الذي لا إله إلا هو قال عنهم أحد العلماء كلمة أنا أترفع عنها ، صيام البهائم ، ترك الطعام و الشراب ، نظرات خبيثة ، أحوال شهوتهم هي هي ، ما فعل شيئا ، فصيام البهائم شيء و صيام المؤمنين شيء شيء آخر ، و صيام خواص الخواص شيء ثالث ، هؤلاء عن الطعام و الشراب ، وهؤلاء عن المعاصي ، وهؤلاء عما سوى الله ، فأنا أشعر و ما يشعره كل مؤمن له برنامج دقيق ، في صلاة الفجر كيف كان في رمضان ، كل يوم ، استمرار ، بشكل أو بآخر خط ماش ، رمضان صعد ، فتظل ماشيا إلى فوق ، ولا تنزل إلى المكان الذي كنت فيه ، ما استفدت شيئا ، أنت الآن صعدت صعودا نوعيا ، البطولة في الحفاظ عليها ، كثير من الناس يفتحون بلادا وينتصرون بكسب أراضي ، فالاحتلال لا قيمة له ، أما البطولة الحفاظ على هذه الأرض المحتلة ، أو المفتوحة ، يمكن أن تحتلها و تخرج منها ، أما البطولة الحفاظ ، النصر لا قيمة له ، أما القيمة أن تحافظ عليها ، فأنت في معركة الإنسان مع الشيطان ، إذا انتصرت على الشيطان البطولة الحفاظ على هذا النصر ، هذه البطولة ، فلذلك الذي عود نفسه أن تكون له جلسة صباحية مع ربه في رمضان فليستمر فيها ، والذي عود نفسه على أن يكون غضُّ بصره حازما جدا في رمضان فليستمر فيه ، والذي عود نفسه تنزيه اللسان عن أي كلمة خلاف الحق ، عن كلمة غيبة واحدة ، عن كلمة سخرية واحدة ، عن كلمة سوء واحدة فليستمر في ضبط لسانه ، و يستمر في ضبط عينيه ، و يستمر في ضبط أذنيه ، في رمضان إذا لم يسمع الغناء لا يسمع بعده الغناء ، هذا الذي قال :
رمضان ولّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق
هذا لم يصم إطلاقا ، فكل إنسان يعود إلى ما كان عليه قبل الصيام هذا كأنه ما صام ، أي كأنه فتح حنفية على برميل ليس له قعر ، لا يمتلئ البرميل ، لا قعر له إطلاقا ، إذا لم يكن له قعر محكَم لا يمتلئ هذا البرميل ، هكذا .
الخلاصة :
إذًا ليلة القدر من جهة ، والعيد من جهة ثانية ، الفرح الحقيقي لا بانتهاء الفحص ، بل بالنجاح في الفحص ، والفقرة الثالثة ما بعد العيد يجب أن يكون استمرارا لما قبل العيد ، هكذا المؤمن ، ذكره ، إذا في رمضان قرأ القرآن عليه أن يتابع قراءته بعد رمضان ، بالعكس الشيء الذي ذاق طعمه في رمضان و أُعجب بهذا الطعم عليه أن يستمر عليه بعد رمضان .
هذه بعض الملاحظات التي كنت أتمنى أن تكون بين أيديكم في هذا الدرس الأخير من رمضان ، ونحن بالناسبة قلنا أن هناك تعطيل يوم الخميس و الجمعة و السبت و الأحد ، و نستأنف الدروس إن شاء الله تعالى بعد رمضان ، الجمعة بعد المغرب دائما ، والأحد صار بعد المغرب ، مع تقديم الساعة ، و درس الخميس و السبت ، درس الخطباء و الدعاة يكون بعد أذان العشاء مباشرة ، هذان الدرسان لفترة بسيطة .
المعايدة :
هناك إخوان اقترحوا علي اقتراحا واللهِ أعجبني تماما ، نحن في العيد نشتاق لبعضنا البعض ، و الزيارة واردة ، من السنة الزيارة ، لكن الأماكن متباعدة ، شيء ضمن دمشق ، و شيء خارج دمشق ، فاقترحوا علي أن نعمل نصف يوم في العيد ، بهذا المسجد لتلقي الزيارات ، فعرضت الأمر على إخواننا فكان فيه ترحيب كبير ، نعمل ثاني يوم العيد من الساعة العاشرة وحتى أذان الظهر ، فكل أخ أراد أن يزور أخا يلتقي معه في المسجد ، عندنا قاعة فوق في المكتبة و القاعة كبيرة ، وبلغوني أن هناك ضيافة ، قهوة و شوكولا ، ويمكن ثاني عيد يكون هناك حلويات ، لا نعرف ما الذي يحدث معنا ، هذه المرة منطلق ، فنحن نعمل معايدة في هذا المسجد ، اليوم الثاني الساعة العاشرة وحتى آذان الظهر ، فأولا يصير أنه يركب من باص إلى باص فلا يجده ، يشعر بخيبة أمل ، والزيارات في العيد واردة ، أما نحن فجمعنا كل هذه الزيارات ، وكل هذه التقاطعات جمعناها بوقت محدد ، فأنت إذا جئت إلى هذا المسجد ، تلتقي بكل إخوانك في العيد ، و تلتقي بمن تحب ، وهذا الواجب أدّيته من دون ما تكون هناك زيارات خلبية ، غير مجدية ، هكذا الاقتراح ووجدته مناسبا ، ونحن عندنا قاعدة ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
(( جَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ))
هذه من السنة الحسنة ، لقاء في العيد ، لقاء موحد ، ما بقي من أيام العيد لك أقرباء ، ولك رحم ، الأقرباء الذين لا يتاح لك أن تراهم إلا في العيد ، العيد لهم ، له خالة و له عمة ، وله بنت في طرف المدينة ، فأنت من واجبك أن تصل الرحم ، مناسبة ، أما ثلاثة أيام لإخوانك و أنت معهم طول السنة ، وأهملت رحمك فقد وقعت في خطأ ، وحدث هناك تقصير ، لك أخت غالية عليك ، يجب أن تزورها في العيد ، ألك عمة ، و لك خالة ، ولك قريب ، و لك جد مثلا ، لك ابن ابن ، كل واحد له أقرباء ، فالعيد مناسبة مهمة جدا لصلة الرحم ، وحتى لا نعمل صلة رحم على حساب إخواننا عملنا يوم ثلاث ساعات أربع ساعات في اليوم الثاني ، حتى لو كان يوم الجمعة ، تأتي رأسا بعد ذلك على الخطبة ، و تطلع خالصا ، زيارة و خطبة .
بقي عندنا فقرة بسيط ، هل هناك سؤال ، إذًا ثاني يوم العيد إن شاء الله من الساعة العاشرة وحتى أذان الظهر ، وأنا موجود في هذا الوقت بالتمام ، في المكتبة فوق ، عندنا قاعة مكتبة واسعة كثيرا ، وفيها كراسي ، و سيعملون لنا قهوة .
سيدنا عبادة بن الصامت :
اليوم الموضوع عن سيدنا عبادة بن الصامت ، نقيب في حزب الله القديم طبعا ، سيدنا عبادة بن الصامت يعد كونه من الأنصار هو واحد من زعماء الأنصار الذين اتخذهم النبي عليه الصلاة و السلام نقباء على أهلهم و عشائرهم ، لا أطيل عليكم ، و لكن لفت نظري في هذه السيرة موقف واحد تأثرت له تأثرا بالغا ، قال : ومنذ اختار - هذا الصحابيُّ- اللهَ ورسوله ، اختارهما على من سواهما ، وهو يقوم على أفضل وجه بتبعات هذا الاختيار ، كل ولائه لله ، كل طاعاته لله ، كل علاقاته بأقربائه وبحلفائه و بأعدائه إنما يشكلها إيمانُه ، هنا النقطة الدقيقة ، إنسان له ترتيب ، و له مواقف ، وله علاقات ، و له مودات ، وله عداوات ، له بذل و له منع ، له لقاءات ، له قطيعة ، هذه المنظومة من العلاقات الاجتماعية قد تشكلها مصالحُه ، وقد تشكلها عصبيته ، و قد تشكلها تجارته ، له شركة مثلا ، ضد الإسلام يحبه ، يقول لك : والله ربحنا منه ، يضيفه خمرا ، لا يهمه ، لكن أخي هذا فيه ربح منه ، هذا تشكيل حياته على أساس مصالحه ، هناك إنسان تشكيل حياته على أساس عصبيته إلى أسرته أو إلى عائلته ، أو إلى حيه ، أو إلى بلده ، لكن المؤمن يشكل كل علاقاته وفق إيمانه ، هذه النقطة التي أثرت في نفسي ، أنت لا تكون مؤمنا حقا إلا إذا غضبت لله ، ورضيت لله وأعطيت لله ومنعت لله ، وابتسمت لله وعبست لله ، ودفعت لله و منعت لله ، ووصلت لله و قطعت لله ، هذا المؤمن ، إذا كنت تفعل هذا لأجل الله فأنت مؤمن ورب الكعبة ، فأنا هذه الكلمة اكتفيت بها عن هذا الصحابي ، قال : كل ولائه لله ، كل طاعاته لله ، كل علاقاته بأقربائه لله ، بحلفائه لله ، بأعدائه لله ، كل هذه العلاقات إنما يشكلها إيمانه ، أحيانا واحد مثلا يكون مؤمنا في مقتبل حياته ، ويريد أن يتزوج ، و له ثلاثون شرطا ، يريدها صاحبة دين ، صائمة مصلية محجبة ، من أسرة راقية ، من أسرة دينة ، هذا الجهاز ممنوع ، وهذا الاختلاط ممنوع ، سهرات لا توجد ، يعطيها ثلاثين شرطا ، يشكل زواجه وفق إيمانه ، يريد أن يذهب إلى النزهة مع بيت خالته وبيت عمته ، يذهب إلى النزهة ، و لكن يشكل النزهة وفق إيمانه من غير اختلاط ، كل يجلس وحده ، أراد أن يعمل حفلة عرس مثلا ، لا مانع ، يشكل الحفلة وفق إيمانه ، لا يوجد هناك من يصعد و يصور النساء ، هذه لا يعملها ، لا يقدم طيرا تمثالا ، بل يقدم مصحفا ، يشكل الكتاب و العقد و العروس وفق إيمانه ، جاءه الأولاد يربيهم وفق إيمانه ، فتح محلا تجاريا ، لا يوجد فيه بيع بضاعة محرمة ، أخي لحم الخنزير - مرتديلا- لا يبيعها ، سندويش تُطلب ، مليون سندويش ، هذه محرمة ، فتجد بيعه و شراءه ، لا يبيعها في السوق و يقول : هذه رائجة نشتغل في الفيديو مثلا ، تشكل مصلحتك و مهنتك و زواجك واحتفالك و نزهتك و سهرتك ، كل هذا يشكل وفق إيمانك ، ليس عنده شغلة نشاز ، أنت مؤمن ، نزهتك وفق الإيمان ، ليس فيها اختلاط ، تنتقي مكانا بعيدا عن الناس ، ليس معناه إذا لم يكن اختلاط تقعد في مكان مزدحم مع الكاسيات العاريات ، أخي مقهى لا يوجد ، تنتقي نزهتك وفق إيمانك ، حفلاتك ، تنتقي زوجتك ، تربي أولادك و تختار مهنتك ، الآن علاقاتك مع الناس ، الذي فيه إيمان صادق تصادقه ، والذي عنده استهزاء بالدين تعاديه ، إذا لا تعاديه اتركه ، هذا ليس من جنسي ، هذا من طبيعة ثانية ، لا تقيم معه علاقة حميمة ، يا ليت أن الإنسان يشكل علاقاته وفق الإيمان ، يبني علاقاته كلها وفق إيمانه ، حتى مزاحه ، ليس عنده مزاح خلاف الشرع ، مزاحه إسلامي ، كان النبي يمزح ولا يمزح إلا حقا .
نأتي بمثل عملي ؛ كانت عائلة عبادة مرتبطة بحلف قديم مع يهود بني قينقاع بالمدينة ، و لما هاجر النبي عليه الصلاة و السلام إلى المدينة ويهودها يتظاهرون بمسالمته ، و لكن هذه القبائل إحدى قبائل اليهود بني قينقاع افتعلت أسبابا للفتنة و للشغب على المسلمين ، انظر الآن ، و لا يكاد عبادة - عائلة عبادة علة صلات حسنة جدا مع بني قينقاع ، هناك علاقات شخصية ، و هناك مصالح ، قال : ولا يكاد عبادة يرى موقفهم هذا حتى ينبذ إليهم عهدهم و يفسخ حلفهم و يقول : إنما أتولى الله و رسوله والمؤمنين ، فينزل القرآن الكريم محيًّا موقفه وولاءه ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
تحت قدمه ، ولاءه القديم تحت قدمه ، ما نشأ عليه مع أسرته تحت قدمه ، قال : هذه كلمته - إنما أتولى ، فنزل قوله تعالى :
﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
سمع النبي عليه الصلاة و السلام - هنا نقطة ثانية - نحن نسمع أحاديث كثيرة عن رسول الله ، بآلة الدارجة هناك أشخاص يسمع الحديث ولكن لا يغضه كثيرا ، فهذا سيدنا سعد قال : ثلاث أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ، ما سمعت حديثا من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى .
فهذا سيدنا عبادة سمع من رسول الله مرة قال عن مسؤولية الأمراء و الولاة ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ :
(( فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا ))
فقال : فزُلزل بهذا الحديث زلزالا ، وأقسم بالله ألاّ يكون أميرا على اثنين أبدا ، النبي بيّن أن هذا الأمير أو الوالي عليه حساب شديد ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ :
(( فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا ))
هكذا قال النبي اللهم صل عليه ، فخاف أن يكون مسؤولا فحلف بالله ألاّ يتولى إمارة على اثنين أبدا ، لا يوجد خليفة ما حاول إقناعه بشت الوسائل ما استطاع ، سيدنا عمر بذل المستحيل لإقناعه أن يتولى منصبا ، ما رضي ، إلا منصبا واحدا ، ما هذا المنصب ؟ العلم ، إلا تعليم الناس و تفقيههم في الدين ، هذا قبِله ، وهذا منصب فيه شرف كبير ، و ليبس فيه دنيا ، وليس فيه ظلم ، هذا أشرف علاقة بين إنسانين علاقة تعليم ، أشرف علاقة بين إنسان و إنسان هي علاقة التعليم ، لذلك قبِل تعليم الناس و تفقيههم في الدين .
كانت له مواقف جريئة من الولاة في الشام ، وهي مواقف جريئة جدا ، فقال مرة عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ :
(( بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ))
والي الشام من قِبل سيدنا عمر ضاق به ذرعا من انتقاده الشديد فشكى إلى سيدنا عمر ، وسيدنا عمر فهم القضية تماما فقال له : ارجع إلى مكانك فقبَّح الله أرضا ليس فيها مثلك ، ولا إمرة لأحد عليك يا عبادة " أعطاه استثناء و سمح له أن يكون عينا يقظة ، ولسانا ناقدا لكل من تجاوز حدوده في الولاية .
توفي هذا الصحابي الجليل بالرملة في أرض فلسطين تاركا في الحياة عبيره و شذاه .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا و لا تحرمنا ، وأكرمنا و لا تهنا ، وآثرنا و لا تؤثر علينا ، وأرضنا و ارض عنا ، واقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين مت تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا و قوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، و لا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك و لا يرحمنا ، وصلى الله على نبيا محمد النبي الأمي وعلى آله و صحبه و سلم ، والحمد لله رب العالمين ، الفاتحة .