- التربية الإسلامية / ٠7موضوعات مختلفة في التربية
- /
- ٠1موضوعات مختلفة في التربية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تذكير:
أيها الإخوة المؤمنون؛ قبل ذكر الحديث الشريف الذي هو محور هذا الدرس، طلب مني أخٌ كريم أن أوضِّح الفكرة الأخيرة من الدرس الماضي، حيث تم التفريق بين الإخلاص وبين الصدق.
قلت في الإخلاص عدم انقسام المطلوب، وقلت في الصدق عدم انقسام الطلب، أي أن المخلص يبتغي وجه الله وحده، دعاؤه " إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي " لا يرجو جاهاً، ولا سمعةً، ولا مديحاً، ولا مالاً، ولا دنيا عريضة، ولا ثراء، ولا يرجو إلا مرضاة الله عزَّ وجل، وحَّده مطلوبه، مطلوبه لم ينقسم.
هذا الذي يريد الله، ويريد الدنيا، ويريد المتعة في المباح، ويريد السمعة، ويريد الوجاهة، ويريد أن يطير سيطه، هذا الذي له مطالب متعددة هذا ليس مخلصاً، انقسام المطلوب يتناقض مع الإخلاص، فالمُخلص لا ينقسم مطلوبه.
أما الصادق هو يبتغي وجه الله وحده، ولكن يقدِّم ثمناً لا يكفي لهذا الطلب العالي، نقول لمثل هذا الإنسان:
أنت مخلص ولكنك غير صادق، لابد للمؤمن من أن يكون مخلصاً، أي أن مطلبه هو الله عزَّ وجل، ولابد للمؤمن أن يكون صادقاً، أي أن يبذِل الجهد، والوقت، والطاقة، وما يملك بشكلٍ كافٍ.
فقد تنزل إلى السوق تريد سجادة، تريد غرفة نوم، تريد ثلاجة، تريد وتريد، مطلوبك متعدد، قد ينزل إنسان إلى السوق يريد فقط غرفة نوم، لا يبتغي شيئاً آخر، فنقول: مطلوبه موحَّد.
الآن:
لو أن إنسان نزل إلى السوق ليشتري هذه الغرفة، اختار أجمل غرفة لكن المبلغ لا يكفي، نقول: هذا مخلص بمعنى أن طلبه واحد، لا يوجد تعدد، لكن غير صادق، الجهد المبذول غير كافي.
فمن أجل أن نصل. لو كان في جهد كبير لكن هناك أهداف متعددة، تتبعثر الأمور، الجهد يتبعثر، الطاقة تتشتت، الفاعلية، الوقت تذهب شزر مزر، كما يقولون، ولكن إذا توحَّد المطلوب؛ كيف أن الأشعة المتوازية إذا واجهت عدسة انكسر الشعاع، وتلاقت الإشعاعات في بؤرة واحدة هي محرق العدسة، عندئذٍ أشعة الشمس اللطيفة يمكن أن تحرق قماشاً عن طريق هذه العدسة، فالإنسان المخلص كل طاقاته، وكل وقته، وإمكاناته كلها، وقته، ذكاؤه، مطالعاته، ماله، أهله، أولاده كله يصبُّ في خانةٍ واحدة هي معرفة الله عزَّ وجل والتقرب إليه. هذا الإخلاص.
أما الصدق؛ يجب ولو أن هدفه واحد، ولو أن مطلبه واحد، لكن أحياناً ينقسم عنده الطلب وليس المطلوب، أي أن هذا الطلب يحتاج إلى هذا الجهد، وهو بذل قسم بسيط، فلذلك من أجل أن نصل، أي أن القضية أعقد وأخطر من أن الإنسان يستمع إلى درس علم يُلقى، القضية أخطر من أن يستمع إلى خطبة تلقى، القضية أعمق من أن تقرأ كتاب فتثني على مؤلفه، القضية أخطر من ذلك، أنت خُلِقْت في هذه الدنيا من أجل هدفٍ كبير، لن تصل إلى الهدف إلا إذا وحَّدت المطلوب ووحَّدت الطلب، إذا وحَّدت المطلوب فأنت مخلص، وإذا وحَّدت الطلب فأنت صادق، فإذا توافر عندك الإخلاص والصدق وصلت إلى الهدف بإذن الله عزَّ وجل.
قلت لكم في الدرس الماضي إن كلمة صادق لها معنيان:
إذا تطابق الخبر مع الحَدَث فهذا صدق الإخبار، هذا المعنى الشائع لكلمة صادق.
فلان صادق؛ يتكلم عن شيء وقع، ولكن المعنى الأخطر للصدق مطابقة الحدث للخبر، مطابقة الخبر للحدث هذا المعنى الشائع بين الناس، ولكن مطابقة الحدث للخبر هذا هو الصدق الذي يتحدَّث عنه القرآن ..
﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾
إن الصدق يهدي ...
أي إذا كان طلبك فيه صدق لابدَّ من أن يدفعك إلى هدفك الواضح، هذا الموضوع ذكرته في نهاية الدرس الماضي، يبدو أن شرحه كان مختصراً، لذلك هذا الأخ الكريم الذي طلب مني أن أعيده جزاه الله عنا كل خير.
الاستقامة:
الآن:
ننتقل إلى حديثٍ نبويٍ شريف، عن ثوبان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خير أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ))
الحقيقة في شرح هذا الحديث اتجه الشارحون اتجاهين اثنين، بعضهم قال:
لن تحصوا الخيرات المتأتية من الاستقامة.
يعني استقم على أمر الله، وانظر كيف تأتي الأمور كما تريد، وانظر كيف يبارك الله لك في مالك، وفي صحتك، وفي زواجك، وفي عملك، استقم على أمر الله وانظر كيف أن الدنيا كلها تحبك ..
ينادَى له في الكون أنَّى نحبه فيسمع مَن في الكون أمر محبِّنا
ينادى له في الكون أنَّى نحبه، وإذا أحبك الله عزَّ وجل أحبك كل خلقه، مَن يكرم الله فماله من مهين، الذي يكرمه الله عزَّ وجل لا يستطيع أحدٌ أن يهينه، فلذلك:
(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا...))
أي إذا استقمت في البيع والشراء لن تقع في أخطارٍ وبيلة، كالتي يقع فيها أهل الدنيا، لأنهم خالفوا الشرع، إذا استقمت في زواجك، لن تقع في مطبَّات يقع فيها الأزواج عادةً، إذا استقمت في تزويج ابنتك، ما سمحت للخطيب أن يلتقي بخطيبته إلا بعد عقد القِران، لن تقع في مفاجآتٍ صاعقة، إذا استقمت في أمر الزواج، في أمر البيوع، في أمر العلاقات بالآخرين، إذا طبَّقت الأخلاق النبوية التي نصت عليها السنة الشريفة، فأنت في خيرٍ لا يحصى، هذا معنى.
لكن بعض العلماء قالوا:
ولن تحصوا الاستقامة.
هذا الحديث يأتي دواءً لأُناسٍ معهم مرضٌ اسمه الوسواس، أنت نظَّفت الدار، فلعل هناك نملة وراء هذا القصيص ماتت، أنا قاتل إذاً، هذا مرض هذا، إنك لن تستطيع أن تصل إلى درجة من الإطلاق، أنت بائع خبز، أثناء حمل كيس القمح، أو كيس الطحين فنزل شيء من الدقيق، هذا شيء فوق طاقتك، بعت زيت، بعدما وضعت في المحرك بقي ما يساوي اثنين سانتي أو ثلاثة مكعب، هذا من حقه لم يأخذهم، ما نزلوا، في حالات مرضية، حالات من الوساوس، كما يسميها العلماء المتسلطة.
فهذا الذي يبتلى بمرضٍ اسمه الوسواس، يأتي هذا الحديث بمعناه الآخر شفاء له، بالمعنى الآخر.
على كلٍ، النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾
فهذه :
﴿ ثُمَّ ﴾
تفيد الترتيب على التراخي ..
﴿ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾
ما قال: فاستقاموا، ما قال: واستقاموا ..
﴿ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾
يعني كلمة ..
﴿ رَبُّنَا اللَّهُ﴾
لا تقال مرة واحدة بل تقال مئات المرّات، تقال آلاف المرات، أي فكروا في خلق السماوات والأرض، فكروا في خلق أنفسهم، فكروا في طعامهم، فكروا في شرابهم، رأوا مقام الربوبية، رأوا هذا المقام العظيم أن الله سبحانه وتعالى يمدُّ كل المخلوقات بكل الحاجات فقالوا :
﴿ رَبُّنَا اللَّهُ﴾
أقرب كلمة من أسماء الله الحسنى إلى الإنسان كلمة: رب. لأنه المربي، إنه يمدك بكل شيء، إنه يربي جسدك، إنه يربي نفسك..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾
أي أن هذه المعرفة إن لم تثمر استقامةً، فهذه المعرفة لا قيمة لها، أي من علامات صحة الإيمان بالربوبية الاستقامة على أمر الله، الاستقامة معيار دقيق جداً، من علامة صحة الإيمان بمقام الربوبية الاستقامة على أمر الله، لذلك إن لم تستقم فهناك شكٌ في عقيدتنا، إن لم تستقم فهناك شكٌ في معرفتنا، إن لم تستقم فهناك شكٌ في إيماننا، ربنا عزَّ وجل في أكثر من مائتي آية:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾
( ثم ) تفيد الترتيب على التراخي، بمعنى أن يقول: ربي الله كل يوم مرات عديدة؛ كلما تناول طعاماً، كلما رأى منظراً، كلما عاين آيةً، كلما سمع قصةً، المؤمن كما قيل: صمته فكر، ونطقه ذكر، ونظره عبره.
قال: هؤلاء ..
﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾
سبحان الله! فحديثٌ شريف أرويه على مسامعكم كثيراً :
((لا يحزنُ قارئ القرآن))
لا يجتمع عند قارئ القرآن حزن، ولا يأس، ولا قنوط، ولا شعور بالضعف، ولا شعور بالهَوْن، مشاعر الهوان، والقهر، والحرمان، والضعف، واليأس، والقنوط؛ كل هذه المشاعر المؤمن معافى منها، ولو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت ..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾
عرف مقام الربوبية، فكَّر في خالق السماوات والأرض، عرف الذي يمدّه بكل شيء، عرف كيف أن الله سبحانه وتعالى لا يغفل عنه؛ كيف أنه يربي جسده، ويربي نفسه.
إخوةٌ أكارم كثر يحدثونني: كيف أن الله سبحانه وتعالى يعالجهم على موقف، على كلمة، على تصرُّف، على تجاوز، يشعرُ شعوراً صارخاً، يتيقنُ تمام اليقين أن الله عزَّ وجل اطلع على قلبه وعامله كما يستحق ..
﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾
لا خوف لما أنت فيه، ولا حزن لما أنت عليه قادم، لا تخف ولا تحزن ..
﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾
آيةٌ ثانية :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
لا خوفٌ عليهم، والله يا أيها الإخوة الأكارم مشاعر الخوف لا تحتمل، فالله عزَّ وجل ذكر في القرآن قانون ..
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ﴾
لمجرَّد أن تشرك يقذف الله في قلبك الرعب؛ ولو كنت قوياً، ولو كنت غنياً، ولو كنت متمَكِّناً، أي إنسان على وجه الأرض لمجرَّد أن يشرك يقذف الله في قلبه الرعب.
أما المؤمن ..
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
نعمة الأمن، إن الله يعطي الصحة والمال والذكاء والجمال للكثيرين من خَلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين.
قد يقول قائل: يا أخي هذه الاستقامة صعبة. النبي كان مستقيم، هذا نبي يا أخي، هذا كلام مرفوض لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين))
من أين أخذ النبي هذا الحديث؟ من قوله تعالى :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾
الأمر موجَّهٌ إلى النبي وإلى أتباعه الذين عاصروه، أو الذين سيأتون من بعده على حدٍ سواء، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( شيبتني هود وأخواتها))
مَن هي هود؟ سورة هود. ولماذا شيّبته سورة هود؟ لأن فيها هذه الآية. هذه هي الآية، فنحن مأمورون جميعاً أن نستقيم على أمر الله، مؤمنين بالدرجة الأولى..
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾
لكن في بالآية الرابعة، تسمى لَقْطَة، يقول الله عزَّ وجل :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾
لِمَ لمْ يقل الله عزَّ وجل: فاستقيموا على أمره، أو فاستقيموا كما جاء في الآيات الأخرى؟ قال :
﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾
أي اجعلوا غاية استقامتكم ابتغاء مرضاته، هناك إنسان يستقيم يقول لك: أنا أُلَبِّي نداء الضمير، أنا أقوم بالواجب المَسْلَكي الذي تفرضه عليَّ وظيفتي، أنا أخاف على سمعتي، أنا أبتغي أن يكون اسمي متألِّقاً في السماء، فهذا يستقيم، يستقيم ليكون اسمه متألِّقاً، يستقيم ليرتاح ضميره، يستقيم ليؤدي واجبه المَسْلَكِيّ، يستقيم لينتزع إعجاب الناس، لا ..
﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾
يجب أن تستقيم من أجل أن ترضي الله عزَّ وجل، يجب أن تنتهي استقامتك إليه، يجب أن تكون الغاية القصوى من استقامتك ابتغاء مرضاته.
سيدنا الصديق رضي الله عنه، يقول عنه النبي عليه الصلاة والسلام :
(( مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلا غَرَبَتْ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ خَيْرٍ مِنْ أَبِي بَكْرٍ))
(( لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ لَرَجَحَ بِهِمْ ))
أقوال الصحابة والتابعين عن الاستقامة:
سيدنا أبو بكر الصديق.
سيدنا الصديق يقول عندما سئل عن الاستقامة، لأن كل إنسان يطلب من الله الكرامة، كل إنسان وهذا مطلب ثابت، فقد قال أحدهم: أنت تطلب من الله الكرامة وهو يطلب منك الاستقامة. فسيدنا الصديق سئل عن الاستقامة فقال رضي الله عنه: ألا تشرك بالله شيئاً. كلام عميق جداً، ما علاقة الاستقامة بالتوحيد؟
أنت متى تنحرف؟ تنحرف من أجل أن ترضي زيداً أو عُبَيداً، متى تبحث عن إرضاء زيد أو عُبيد؟ حينما تغفل عن أن الله بيده كل شيء، ألم يقل التابعي الجليل لأحد ولاة الخليفة يزيد بن معاوية، حينما جاءه توجيهٌ من يزيد لا يرضي الله عزَّ وجل، فاستشار هذا الوالي ذاك التابعي الجليل فقال: ماذا أفعل؟ أجاب إجابةً تكتب بماء الذهب، قال: إن الله يمنعك من يزيد ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
انظر سيدنا الصديق شرح الاستقامة بأنها التوحيد، أنت متى تعصي؟ حينما ترى فلان له أهمية، وقد يصيبك منه ضرر، أو قد ترجو منه مغنماً، فتنسى أمر الله وتطيع هذا الإنسان، لمجرَّد أن تطيع إنساناً وتعصي الله عزَّ وجل، فهذا أحد أنواع الشرك، لذلك لا يمكن أن ينحرف إلا مشرك، طبعاً بالمعنى المخفف لا المعنى الكبير، في عندنا شرك جلي وشرك خفي، لذلك سيدنا الصديق قال: ألا تشرك بالله شيئاً. أي أن الاستقامة تتطابق مع التوحيد، بقدر ما أنت موحِّد أنت مستقيم، لو إنسان هددك، وتوعَّدك، وقال لك: أنا أفعل كذا وكذا، وسأريك ما سيكون، إذا خفت منه، ففي توحيدك ضعف، لذلك قال الله عزَّ وجل في الآية الكريمة:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
إذاً تعريف سيدنا الصديق للاستقامة هي التوحيد، كلما ازداد مستوى توحيدك كلما ازدادت استقامتك، فلو إنسان شهوته غلبته وعصى الله عزَّ وجل؟ هو جعل إلهه هواه، أشرك هواه مع الله عزَّ وجل، إذاً كن موحداً تستقم على أمر ربك.
سيدنا عمر بن الخطاب.
سيدنا عمر له تعريفٌ آخر للاستقامة قال: أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب.
كل إنسان يريد مخرج، يريد حيلة شرعية، يريد فتوى، الحق واضح، الحلال بيِّن والحرام بيِّن، الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطَّلع عليه الناس، فسيدنا عمر يقول: هذا الذي يروغ روغان الثعالب ليس مستقيماً، يحتال في البيع والشراء، يأكل الربا بشكلٍ أو بآخر، يلتقي مع النساء التي لا تحل له بطريقةٍ أو بأخرى، فالذي يروغ روغان الثعالب ليس مستقيماً، سيدنا عمر فهم الاستقامة فهماً عملياً فقال: أن تستقيم عن الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب.
سيدنا عثمان بن عفان.
سيدنا عثمان له تعريفٌ ثالثٌ للاستقامة قال: استقاموا أي أخلصوا العمل لله.
لو جاء عملك مطابقاً للشريعة، ولم تبتغ به وجه الله، فأنت لست مستقيماً.
الاستقامة عند سيدنا عثمان الإخلاص، وعند سيدنا عمر الطاعة، وعند سيدنا الصديق التوحيد.
سيدنا علي بن أبي طالب.
أما سيدنا علي فقال: الاستقامة هداء الفرائض لأن الله سبحانه وتعالى يقول: أحب ما تقرَّب إليَّ عبادي ما افترضتهم عليه.
التابعين الحسن ومجاهد..
سيدنا الحسن يقول: استقاموا على أمر الله أي عملوا بطاعته واجتنبوا معصيته.
سيدنا مجاهد من التابعين قال: استقاموا على أمر الله أي استقاموا على شهادة ألا إله إلا الله.
لأنه توجد أحاديث يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ حِصْنِي))
فالآن، إذا أنت عندك إنسان يعمل موظف، وعليه مراقبة تلفزيونية، بأي لحظة أنت مراقب، مراقبة مستمرة، إذا إنسان راقب إنسان ينضبط، فشهادة أن لا إله إلا الله أن تؤمن أنه لا إله إلا الله، لا رافع، لا خافض، لا معز، لا مذل، لا رازق، لا معطي، لا مانع، لا مُكْرِم، لا مهين إلا الله، فإذا أيقنت بشهادة ألا إله إلا الله فقد استقمت على أمر الله، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
(( لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ حِصْنِي، فَمَنْ دَخَلَهُ أَمِنَ عَذَّابِي))
أحد العلماء يقول: استقاموا على محبته وعبوديته.
كيف أن العبودية غاية الحب مع غاية الطاعة، مَن أطاع الله ولم يحبه ما عبده، ومَن أحبه ولم يطعه ما عبده، يجب أن تمتزج الطاعة التَّامة بالمحبة التامة عندئذٍ أنت عبدٌ لله، فالاستقامة عند بعض العلماء: أن تجتمع الطاعة مع المحبة، أما هذا الذي ينفِّذ الأمر وهو حانق، وهو متألم، ويقول: يا أخي الدين ثقيل..
﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾
تكاليف، أعباء، لست عبداً لله إلا إذا نفَّذت أمره وأنت مسرور.
خلاصة الإسلام الاستقامة.
في صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. يعني الإسلام لخصه لي بكلمات، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( قل آمَنْتُ بالله، ثم استقم))
الإسلام كله؛ قل آمنت بالله ثم استقم، الإسلام عقيدة وعمل، إيمان واستقامة، شعور ومواقف.
في حالات الإنسان يكون عاجز عن أن يفعل شيئاً، لهذا جاء عليه الصلاة والسلام وقال:
(( قاربُوا وسَدِّدُوا واعلموا أنهُ لن يَنْجُوَ منكم أحدٌ بِعَملِه))
أي في حالات كأن يكون ليس لك سلطة على والدتك أحيانا، ما لك سلطة على والدك، جالس في مكان مجموع الحاضرين لا يطيعون الله عزَّ وجل، أي ليس كل شيء يجري كما تريد، لذلك قال العلماء: هناك أهون الشرَّين، ابحث في الأمرين، وابحث في الشرّين، واختر أهونهما، أي أن هناك حالات أهون الشرين أن تفعل كذا وكذا، هذا في آخر الزمان في الوضع الصعب حينما لا تستطيع، أحياناً ليس في اختيارك أن تفعل أو أن لا تفعل، إذا انتفى الاختيار فأنت عندئذٍ يرجى من الله عزَّ وجل أن يقبل هذا العمل أو أن يعفو عن صاحبه.
(( قاربُوا وسَدِّدُوا واعلموا أنهُ لن يَنْجُوَ منكم أحدٌ بِعَملِه، قالوا: يا رسول الله، ولا أنتَ؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل))
يعني الجنة محض فضلٍ والنار محض عدلٍ، العذاب بالعدل، أما العطاء من فضل الله عزَّ وجل.
شيءٌ آخر: الاستقامة يجب أن تكون في الاجتهاد والاقتصاد، الاجتهاد أي فاتقوا الله ما استطعتم، أي يجب أن تستنفد كل الجهد، أن تقف موقفاً معتدلاً بين تطرفين، الحق وسطٌ بين طرفين، يعني لا إفراط ولا تفريط، لا إسراف ولا تقتير، لا اندفاع إلى أحد الطرفين ومعاداة الطرف الآخر، بل لابد من موقف وسط معتدل، لذلك الإسلام من سماته الأساسية أنه وسطي.
﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾
(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله))
فالوضع الوسط في كل شيء، هذا من لوازم الاستقامة .
لكن هناك فكرة مهمة جداً: الإنسان له قناعات وله أحوال.
قناعاته: أي معتقداته، المعتقدات تستقر في الدماغ، في الفكر، وقد تنتقل إلى القلب، قلب النفس.
أما الأحوال: تستقر في القلب، حال الانشراح، حال التوكل، حال الصبر، حال الرضى، حال الاستسلام، هذه الأحوال قد تُدَّعى.
أخطر فكرةٍ في هذا الموضوع أن الاستقامة بالنسبة إلى الحال كالروح في البدن تماماً، يعني مَن لم يكن مستقيماً على أمر الله فأحواله كلها كاذبة، أحواله كلها ادَّعاء، أحواله كلها من نوع التفاخر، مَن لم يكن مستقيماُ على أمر الله، لذلك لا تقبل من إنسانٍ خارجٍ عن أمر الله إذا ادَّعى أن له حال مع الله، هذا كلام فارغ.
الحقيقة الثابتة: أن الاستقامة بالنسبة إلى الحال كالروح بالنسبة إلى الجسد، لا حال من دون استقامة، هذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل، أو يعتدي عليهم، أو يستهين بهم، أو يخالف السنة، ليس له حالٌ مع الله عزَّ وجل ولو ادَّعى ذلك..
خاضوا بحار الهوى دعوى وما ابتلوا، فلذلك كثرة الحديث عن الحال هذه حالة مرضية، معنى ذلك أن حاله ليس كما يرام .
الشيء الآخر: الاستقامة يجب أن تكون لها صفاتٌ أساسية، من سماتها الأساسية الاجتهاد، في شخص متساهل؛ أخي كحِّب هكذا يقول لك، لا تدقق، هذه لا تدقق، واتركها لله، والله لن يحاسبك، وأنت مازلت شاب، هذا كله كلام مرفوض، يجب أن تجتهد في معرفة حكم الله عزَّ وجل، حكم الله في هذه الجلسة، في هذه السهرة المختلطة، في هذا اللقاء، حكم الله في هذا البيع، في هذا الشراء، في هذه الحرفة، في هذا العقد، في هذه الشراكة، في شركة باطلة، في شركة فيها ربا، أخي أنا أعطيته مائة ألف وأريد في الشهر ثلاثة آلاف، هذا ربا يا أخي، ما هذه لا تدقق؟ أنت تأخذ ربح ثابت هذا ربا مائة في المائة، لا يكون ربحك مشروعاً إلا إذا كان ربحاً حقيقياً على الحسابات، ربح وخسارة.
فلذلك: من صفات المستقيم الاجتهاد، لذلك لن تستطيع أن تعبد الله إلا إذا عرفت أمره، من هنا جاء ( تعلم الفقه أمرٌ حتمي على كل مسلم )، فأنت بالفقه ليس لك خيار، إما أن تتفقَّه في حكم الله، وإما أن تقع في الحرام.
من دخل السوق من غير فقهٍ أكل الربا شاء أم أبى.
أنا أخي دفعت له ربع ثمن البيت وسيعطيني أجرة على هذا الربع، أجرة حلال زلال، شيء جميل! لكن لو فرضنا البيت صار عليه استملاك، لا أنا مدينه، أنا أريد نقودي، ما هذا الكلام؟ دافع له مائتي ألف وربح ثمن البيت، لو البيت استملك أو صار له تنظيم يريد نقوده مائتي ألف، ويريد عليها أجرة، هذا ربا، إذا أخذت أجرةً فالهلاك على المالكين وأنت أحد المالكين، إذا أخذت أجرةً فالسعر يتبدَّل بعد سنتان يرتفع أو ينخفض.
فالإنسان يستقيم من دون علم صعب لن يستقيم، يقع في الربا شاء أم أبى؛ في بيعه، في شرائه، وفي إيجاره، وفي استئجاره، وفي تعامله، وفي عقود شركته. لذلك معرفة الأحكام الفقهية حتمٌ واجبٌ على كل مسلم، من أجل أن يستقيم، إذا عرفته بالكون فلابد من أن تعبده بالشرع، فمعرفة حكم الله عزَّ وجل في كل مجال، أحياناً بالزواج في حالات الإنسان ينوي فيها التوقيت، أما يوقع عقد وفق الأصول؛ إيجابٌ وقبول، ومهرٌ وشاهدا عدل، هذا العقد في ظاهره شرعي لكنه نوى التوقيت، والتوقيت يجب أن يكون الزواج على التأبيد، إذاً الموضوع دقيق جداً، فمن صفات الاستقامة الاجتهاد في معرفة حكم الشرع.
أحياناً بالخطبة يحصل: والله أنا خاطب فلانة، هذا خلاف الشرع، لو ما تم الزواج، أخي لماذا ما قبلتها؟ صارت مشكلة، لم تعجبك؟ سمعت عنها شيء؟ لا والله لم أسمع عنها شيء، النبي أمرنا أن نخفي الخطبة ونعلن النكاح، أما الخطبة يجب أن تختفي وأن تكون في طي الكتمان، يجب أن تعرف حكم الله في الخطبة، وفي النكاح، وفي الزواج، وفي البيع، وفي الشراء، وفي العبادات، في الصلاة والصوم والحج والزكاة.
تجد أكثر الأسئلة هذه الزكاة يجب أن تبقى في هذه الأسرة كيفما كان، والله ابنتي يلزمها براد، أو عندها براد لكن صغير يريدون قياس كبير، فيدفع الزكاة لابنته، هذه من الفروع، فالفروع، والأصول، والزوجة، لا يصح أن تعطيها الزكاة، لا يعرف حكم الله عزَّ وجل في هذا الأمر، فيجب أن تكون فقيهاً في الزكاة، وفي الصيام، وفي الحج، وفي الصلاة وفي كل شيء. فالاستقامة تحتاج إلى اجتهاد في معرفة حكم الله عزَّ وجل.
شيء آخر: في مع الاجتهاد اقتصاد، أي أن دين الإسلام دين الفطرة، فيه توازن بين الجسد وبين النفس، بين الدنيا وبين الآخرة، ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه إلا أن يأخذ منهما معاً فإن الأولى مطيةٌ للثانية، في توازن، يعني إن لنفسك عليك حق، إن لأهلك عليك حق، إن لجسدك عليك حق، هذا التوازن.
لا عادياً رسم العِلْم، يعني باستقامتك أنت تابع لشرع الله عزَّ وجل، ما في عندك ابتداع، ما في شطحات، ما في تجاوز، ما في رأي شخصي، الرأي الشخصي مرفوض بالاستقامة، طموحك مرفوض، والنزوة الخاصة مرفوضة، ما حكم الشرع في هذا الموضوع؟
أي اجتهادٌ واقتصادٌ ووقوفٌ عند حدود العِلم، وألا يتجاوز حد الإخلاص، أي واحد أراد أن يحرم من المسجد النبوي، فقال له أحد أصدقاؤه:
احرم من المكان الذي حرم منه النبي عليه الصلاة والسلام وإلا تُفتن.
قال له: وكيف أفتن؟
قال له: وهل من فتنةٌ أعظم من أن ترى نفسك سبقت رسول الله!
النبي تزوج، النبي أكل اللحم، النبي عمل بالتجارة، باع واشترى في مكة، رعى الغنم، فالعمل شرف، فهذا الذي يبحث عن منهجٍ خاص مخالفاً لهذا المنهج سنة النبي عليه الصلاة والسلام، هذا إنسان ليس مستقيماً.
كما قلت في الدرس السابق: حتى يقبل العمل لابدَّ من أن يكون خالصاً، ولابدَّ من أن يكون صواباً، الإخلاص أن تبتغي به وجه الله، والصواب أن يأتي موافقاً للسنة، فيا أخي اسأل، ليس العار أن تكون جاهلاً، ولكن العار كل العار أن تبقى جاهلاً، مفتاح العلم السؤال، وكلما أكثرت من السؤال كنت ورعاً، ما رأي الشرع في هذا العمل؟ في هذا المبلغ الذي أخذته من فلان بأنني جئت له بهذا الزبون؟ هل هذا المبلغ مقبول أم غير مقبول؟ له حكم شرعي، فالسائل معنى ذلك أنه يخشى على دينه، لذلك كما قال سيدنا بلال: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت، فإذا الإنسان في كل موضوع سأل، حتى في علاقاته الحميمية، حتى في أموره الشخصية، هناك أحكام شرعية.
إذاً الاجتهاد، والاقتصاد، ومتابعة العِلم، والإخلاص، وعدم مخالفة نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه كلها شروطٌ يجب أن تتوافر في الاستقامة، والاستقامة كما تعلمون عين الكرامة، والدين من دون استقامة كلام بكلام بكلام، وهذا الكلام لا يقدِّم ولا يؤخر.
فالصحابة الكرام كانوا عشرة آلاف فتحوا الدنيا، ورفرفت أعلام المسلمين في الخافقين، والمسلمين الآن ألف مليون، فالاستقامة تقريباً تشبه مستودع محكم، فكل شيء ينزل في هذا المستودع يحفظه هذا البرميل، لكن لو كان في ثقب في هذا البرميل، فهذا الثقب يفرغه بخمسة أيام، الثقب كلما كبر، لكن هناك برميل بلا قعر.
﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾
ما في انضباط، إذاً ما في صلاة، ما في صبغة، فهذا الذي وصل بالمسلمين أنهم عندهم مشاعر إسلامية، عندهم قناعات إسلامية، ولكن استقامة غير موجودة، لذلك النبي الكريم قال:
(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا...))
أي لن تحصوا الخيرات من استقامتكم، لكن أهم ما في الأمر أن هذا الذي يدعي أن له مع الله حالاً وهو غير مستقيم، هذا الحال كاذب قولاً واحداً، ودعوى، ولا قيمة له، إلا أن يكون هذا الحال تتويجاً لعمله الطيِّب، ولانضباطه، ولمحبته، وإقباله، والحال لا يحتاج إلى ذكر، فالإنسان عندما يشعر بحاجة أن يمدح نفسه هذا إنسان مريض يحتاج إلى معالجة.
الخاتمة:
الآيات التي كنا قد تحدثنا عنها آياتٌ لها في القرآن مكانة خاصة، وكما قلت قبل قليل: لا يحزن قارئ القرآن، مادام في بالقرآن هذه الآية:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾
لا تخافوا لما أنتم مقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما تركتم من الدنيا.
﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾
لكن في بعض الأحاديث لها روايات جديدة، هذا الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( قل آمَنْتُ بالله، ثم استقم))
في رواية تضيف إلى هذه الرواية فقال: أريد أخف من ذلك. فقال عليه الصلاة والسلام:
(( إذاً فاستعدَّ للبلاء))
أي أن الذي لا يرضى بالاستقامة لابدَّ من أن يدفع الثمن، وكل مخالفة لها ثمن، إن لكل حسنةٍ ثواباً ولكل سيئةٍ عقابا.