- التربية الإسلامية / ٠7موضوعات مختلفة في التربية
- /
- ٠1موضوعات مختلفة في التربية
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد:
أيها الإخوة المؤمنون؛ موضوعات مجالس العلم متنوِّعة:
هناك موضوعاتٌ تهمّ بعض الحاضرين.
الطلاق...
لو أن موضوع الطلاق بحثناه بالتفصيل، قد يقول أحدكم: أنا أحب زوجتي وتحبني ولا أنوي تطليقها، فما شأني بهذا الموضوع؟ ممكن.
البيوع...
أحياناً ينطرح موضوع البيوع، وموضوع البيوع يهم التجار بالدرجة الأولى، لأن نشاطهم اليومي بيعٌ وشراء، وإيجابٌ وقبول، وبيعٌ حالٌ ومؤجَّل، ونقدٌ للثمن، واستلامٌ للبضاعة، فموضوع البيوع مثلاً يهم الإخوة التجار في الدرجة الأولى.
ولكن الداعية إلى الله تهمُّه كل الموضوعات لأنه يُسْأَل.
آيات وأحاديث عن الإخلاص.
لكن موضوع اليوم ما منكم واحدٌ وأنا معكم، إلا ويهمه أشد الاهتمام، إنه موضوع الإخلاص.
الحديث الأول: يامعاذ أخلص دينك....
لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( يامُعَاذِ أَخْلِصْ دِينَكَ يَكْفِكَ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَمَلِ))
ما منكم واحدٌ وأنا معكم إلا ونحن في أمسِّ الحاجة لهذا الموضوع، ما قولك لو أنك تملك ألوف الملايين من العملة الورقية، واكتشفت فجأةً أنها كلها مزيفة؟!
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
طبعاً في عجينة الورق، التي تصنع منها العملات النقدية، مواد معدنية، وهناك أجهزةٌ دقيقةٌ جداً، توضع الورقة النقدية عليها، فإذا تألق ضوءٌ بنفسجي فهي عملةٌ حقيقية، وإذا تألق ضوءٌ آخر فهي عملةٌ مزيفة، فلو أن إنساناً يملك ألوف الملايين من العملات الصعبة، واكتشف فجأةً أن هذه العملة كلها مزيَّفة، ما هو شعوره؟ كم هي خيبة أمله؟ كم هو إحساسه بالإخفاق؟ لذلك لئلا؛ لا سمح الله ولا قدَّر، لئلا نقف يوم القيامة ولنا أعمالٌ كالجبال، وينطبق علينا قوله تعالى:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
لئلا يكون ذلك كان هذا الدرس.
شيء خطير جداً؟!!
هناك مَن يصلي، وهناك مَن يصوم، وهناك مَن يحج، وهناك مَن يتعلَّم العِلم، وهناك مَن يعلم العلم، وهناك مَن يدفع، وهناك مَن ينفق، وهناك مَن يأخذ، وهناك من يقاتل في سبيل الله، وهناك مَن يقرأ القرآن، وهناك مَن يعلِّم القرآن.
لئلا نقف هذا الموقف الصعب حيث لا ينفع الندم.
لئلا نقف موقفاً لا حل له.
كان هذا الدرس (الإخلاص)..
(( يامُعَاذِ أَخْلِصْ دِينَكَ يَكْفِكَ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَمَلِ))
موضوعٌ دقيق، وموضوعٌ خطير، وموضوعٌ مصيري، وما منا واحدٌ وأنا معكم إلا في أمسِّ الحاجة إليه.
الآية الأولى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين.......
ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
في شيء خارجي وشيء داخلي...
الشيء الخارجي:
أن يعبد الله، يصلي، ويصوم، ويحج، ويزكي، ويغض بصره، ويحرر دخله، ويضبط لسانه، ويضبط حواسَّه الخمس، أن يعبد الله.
الشيء الداخلي:
مخلصين ..
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
من الخارج عبادة، ومن الداخل إخلاص.
امرأةٌ ترتدي ثياباً سوداء، من الخارج سواد، من الداخل حزن، إذا لم يتطابق الحزن في قلبها مع اللون الأسود في ثيابها فهذا نفاق، أو هذا دَجَل، أو هذا يعني موقف مزوَّر، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
العبادة غاية الخضوع، والإخلاص غاية التوجه إلى الله عزَّ وجل .
الآية الثانية: فاعبد الله مخلصا له الدين.
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾
أمر ثاني ..
﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾
الآية الثالثة: قل الله أعبد مخلصا له ديني.
والله سبحانه وتعالى أمر النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾
الآية الرابعة: قل الله أعبد مخلصا له ديني.
وفي آية أخرى :
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾
هذه الآيات كلها تؤكِّد أنه لا تقبل العبادة إلا مخلصةً، لا تقبل العبادة إلا خالصةً لله عزَّ وجل .
الآية الخامسة: ليبلوكم أيكم أحسن عملا.....
الآية الدقيقة التي عليها مدار البحث هي قوله تعالى :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
أحد العلماء واسمه الفضيل بن عياض سُئل عن معنى قوله تعالى :
﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
ما معنى أيكم أحسن عملا؟ ..
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
ما معنى أيكم أحسن عملا؟
فقال: هو أخلصه وأصوبه.
يعني شرطان إذا توافرا كان العمل صالحاً.
لا يسمى العمل صالحاً إلا إذا توافر فيه شرطان ..
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ﴾
قالوا: يا أبا علي - الفضيل بن عياض كُنيته أبو علي- قالوا :
يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه؟
أي ما معنى أنه مخلص وما معنى أنه صواب؟
فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل.
هذه أخطر فكرة في الدرس، إذا كان العمل خالصاً لله عزَّ وجل، ولم يكن صواباً لا يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لا يقبل.
لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً.
ما معنى خالصاً؟
أن يكون لوجه الله عزَّ وجل؛ لا تبتغي مدحاً، ولا ثناءً، ولا سمعةً، ولا مكافأةً، ولا تقديراً، ولا إطراءً، لا تبتغي إلا وجه الله، ولا يعنيك أردَّ الناس على هذا العمل بالشكر أم بالامتنان، نوهوا أم سكتوا، أحسنوا أم أساءوا..
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾
ما معنى صواب؟
وأما الصواب أن يكون على السُّنة، أن يكون العمل وفق السنة، هذا الصواب، والإخلاص أن تبتغي به وجه الله عزَّ وجل .
فمَن قال: يا أخي نيته طيبة، هذا لا يكفي.
أنا سآتي بإنسان وأحطمه وأقول: أنا أنوي له الخير، لكنني حطَّمته.
هذا الذي أراد أن يقتل ذبابةً على وجه سيده، فأمسك صخرةً وقذف به وجه سيده ليقتل الذبابة بنيةٍ طيبة، فقتله.
أي إذا سمحنا لأنفسنا أن نقول: يقبل العمل إذا كان صاحبه طيّب النيّة، عندئذٍ فتحنا باب الإساءة على مصراعيه.
لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً وكان صواباً، خالصاً تبتغي به وجه الله، وصواباً أي موافقاً للسنة، والدليل قوله تعالى :
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾
صالحاً أي وفق السنة، لم يشرك مخلصاً .
الآية السادسة: وهو محسن.....
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾
﴿ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾
مخلص ..
﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾
عمله وفق السنة.
الخلاصة:
أخطر ما في الدرس هذه الفكرة...
لا يقبل عملك إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً تبتغي به وجه الله، وصواباً موافقاً للسنة المطهرة، أن تقول: أنا والله نيتي طيبة، أنا أنوي الخير لكنني أخطأت، الله عزَّ وجل لا يعفيك من المحاسبة إذا كانت نيَّتك طيبة، ربما تقلُّ مسئوليتك أما أن تتلاشى فهذا مستحيل.
فإسلام الوجه ..
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾
فإسلام الوجه لله الإخلاص لله، وقصد مرضاة الله ..
﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾
أي تابع عمله سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لأن النبي معصوم وقد أكرمنا الله به ليدلنا على الطريق الصحيح، فأقواله، وأفعاله، وإقراره، وصفاته الخلقية كلها سنة، والنبي عليه الصلاة والسلام بنص القرآن الكريم، جعله الله لنا أسوةً حسنة، ومثلاً أعلا، وقدوةً حسنة، والنبي عليه الصلاة والسلام الله عزَّ وجل نقَّاه، وأخلصه، وطهَّره، وكرَّمه، وجعله النموذج الأول لبني البشر.
الآية الكريمة التي بدأت بها الدرس :
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
أي العمل يجعله الله هباءً منثورا إذا أريد به غير الله، أو إذا أريد به وجه الله لكنه لم يكن صواباً، أي إذا اختل أحد الشرطين ..
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
فالإنسان يكون صاحي، الإنسان ينتبه، يتحقق من صواب عمله، يتحقق من سلامة نيته، الجهل ليس عذراً في الإسلام، حتى في القوانين الجاهل غير معذور، معذور إنسان واحد أسلم في ساحة المعركة، وهو في دار الحرب ولم ينتقل إلى دار السلم، دار الإسلام، معذورٌ في هذه الحالة، لكن الذي نشأ في بلاد الإسلام لا يجزئه أن يقول : أنا لا أعلم . لمَ لا تعلم ؟ تعلَّم .
الحديث الثاني: ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم.
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( ثلاث لا يَغِلَّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ أبداً))
أي ثلاث أشياء لا يجتمعن على خيانة، أو لا يجتمعن على نفاق، مادام الإنسان قد فعلها فهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلص.
(( إخلاصُ العمل لله، ومناصحَةُ وُلاة الأمر، ولزومُ جماعة المسلمين))
في شخص أعلى منك وجدته على خطأ، يجب أن تنصحه وإلا لست مخلصاً، إذا سكتَّ عن خطئه، فأنت بذلك بحثت عن سلامتك، أنت تحب نفسك ولا تحب الحق، الذي يحب الحق ينصح مَن هم فوقه، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( ثلاث لا يَغِلَّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ أبداً، إخلاصُ العمل لله، ومناصحَةُ وُلاة الأمر، ولزومُ جماعة المسلمين))
يعني اتَّبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يرتفع، كن مع جماعة المسلمين، كن مع جمهور العلماء، لا تشذَّ عن جماعة المسلمين لأن يد الله مع الجماعة، ويد الله على الجماعة.
(( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق))
أي أن الجماعة لا تنعدم في وقتٍ من الأوقات.
النبي عليه الصلاة والسلام سُئِل عن الرجل يقاتل رياءً، ويقاتل شجاعةً، ويقاتل حميةً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
(( من قاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العُليا فهو في سبيل الله))
لماذا أنت تأتي إلى الدرس؟ والله سؤال خطير؛ لئلا يقال ترك الدروس؟
لئلا يسألني أحد غداً لماذا لم تحضر؟
تأتي من أجل أن تحل بعض المشكلات مع إخوانك في المسجد؟
لك علاقةٌ مع زيد أو عُبَيْد فتأتي إلى الدرس من أجل أن تلتقي به؟
تأتي من أجل أن يكون هؤلاء الذين في مجلس العلم زبائن لك؟! ..
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
أم تأتي إلى مجلس العلم لا يدفعك إلا إرضاء الله عزَّ وجل...
سُئل عليه الصلاة والسلام عن الرجل يقاتل رياءً، ويقاتل شجاعةً، ويقاتل حميةً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام :
(( من قاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العُليا فهو في سبيل الله))
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثةٍ تُسَعَّر بهم النار أول ما تسعَّر:
قارئ القرآن.
أي إذا كان قارئ قرآن مثلاً وابنته تغني على المسارح فرضاً.
قارئ القرآن ولا يطبق القرآن.
ما آمن بالقرآن من استحلَّ محارمه.
قارئ القرآن لا يعمل بالقرآن.
قارئ القرآن يتخذ قراءته مهنةً وحرفةً.
قارئ القرآن يقرأ القرآن ليصبح غنياً.
قارئ القرآن هو في وادٍ والقرآن في وادٍ.
ورد بالأثر : ربَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه.
فعليه الصلاة والسلام أخبر عن أول ثلاثة تسعر بهم النار: قارئ القرآن، والمجاهد، والمتصدِّق بماله، الذين فعلوا ذلك ليقال فلان قارئ، وفلان شجاع، وفلان متصدِّق، ولم تكن أعمالهم خالصةً لوجه الله.
تذكروا، تذكروا المثل الأول: إنسان معه ألوف الملايين من العملات الصعبة، وهو يتيه بها، ويظن أنه يفعل بها أي شيء وكل شيء، اكتشف فجأةً أنها مزورة، كم هي خيبة أمله، كم هو ألمه، كم هو إحباطه؟ هذا الإخلاص، أي:
(( يامُعَاذِ أَخْلِصْ دِينَكَ يَكْفِكَ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَمَلِ))
والله الذي لا إله إلا هو المخلص يشعر بسعادة لا توصف لأنه يتلقى ثمن إخلاصه مباشرةً نقداً، لا ديناً، ثمن إخلاصه أن الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على قلبه، ثمن إخلاصه أنه أسعد الناس، ثمن إخلاصه أنه مطمئن، يشعر بالأمن، يشعر أن الله يحبه، يشعر أن الله راضٍ عنه، هذه المعاني كلها يعانيها المُخلص، يشعر بها المخلص، أما غير المخلص فهو يعاني من متاعب لا تعد ولا تحصى، لأنه فعل هذا من أجل فلان وفلان لم يدرِ به، أخذ له هدية فلم يشاهدها، لا حول ولا قوة إلا بالله، فعل هذا العمل من أجل أن يصل إلى فلان، فلان وصله لكن لم يعبأ بذلك الخبر، عندما يتشعَّب الإنسان، ويتشتت، ويتبعثر، همه إرضاء زيد أو عُبيد، فلان أو علان، وفلان رضي وفلان ما رضي، فلان صعب إرضائه، فلان جحد، فلان كفر، فلان قصَّر في الرد، فلان ما عرف قيمة عملي، فلان ما عرف شأني، هذه متاهةٌ لا تنتهي، لذلك:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
أي أن أشد أنواع العذاب أن تبتغي غير الله، أن ترجو غير الله، أن تخاف من غير الله، أن تتكل على غير الله، أن يكون همك غير الله، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمّاً وَاحِداً هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ))
الحديث الثالث: من عمل عملاً أشرك فيه غيري فهو للذي أشرك به....
حديثٌ ثالث خطير، يقول الله عزَّ وجل في الحديث القدسي :
(( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ))
الله عزَّ وجل غنيٌ عن أن تشرك به، فإذا فعلت شيئاً تبتغي به زيداً أو عبيداً فالله بريءٌ من هذا العمل .
((أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه غيري فهو للذي أشرك به وأنا منه بريء))
في حديثٍ آخر، يقول الله عزَّ وجل له يوم القيامة :
(( اذْهَبْ فَخُذْ أَجْرَك مِمَّنْ عَمِلْت لَهُ فَلَا أَجْرَ لَك عِنْدَنَا))
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ " إلى حديث أبي بَكْرَة "إِذَا الْتقَى الْمُسْلِمَانِ بسيْفيْهِمَا))
والدليل :
﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾
تعاريف الإخلاص:
وفي بعض الآثار أن:
الإخلاص سرٌ من سري، أستودعه قلب من أحببته من أحبابي.
شيءٌ آخر من تعاريف الإخلاص، نحن في أمس الحاجة إلى تعاريف الإخلاص، بعض هذه التعاريف:
إفراد الحق سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعة.
وقيل:
تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.
فلان ماذا قال؟ فلان كيف كانت انطباعه عن السهرة؟ فلان بعدما أكل ماذا قال عن الأكل؟ إن شاء الله بيضنا وجه؟ الإنسان عندما يلاحظ المخلوقين؛ موقفهم، شعورهم، مدحهم، ثناءهم، انتقادهم، حينما يعيش في دوامة الخلق، فهذا يبتعد عن الإخلاص شيئاً فشيئاً، تصفية الفِعل من ملاحظة المخلوقين، أو التوَقِّي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك.
قال بعض العلماء:
من شهد في إخلاصه الإخلاص فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص.
تأمل فقال: أنا مخلص والحمد لله، من شهد في إخلاصه الإخلاص فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص. فيجب أن تخلص وأن يغيب عنك أنك مخلص من أجل أن تكون مخلصاً. من شهد في إخلاصه الإخلاص فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص.
بعض تعاريف الإخلاص:
أن تستوي أعمال العبد في الظاهر والباطن.
هذا مقياس دقيق. صلاتك في المسجد صلاتك في البيت سيَّان، عملك الصالح أمام الناس كعملك الصالح أمام من لا يعرفك، الإخلاص أن يستوي عملك في الظاهر مع عملك في الباطن.
الإخلاص أن تكون في جلوتك كما تكون في خلوتك.
الإخلاص أن يكون سرّك كجهرك، وظاهرك كباطنك، وخلوتك كجلوتك، هذا من معاني الإخلاص.
أما الرياء أن يكون الظاهر خيراً من الباطن، الإخلاص أن يستوي الظاهر مع الباطن، الرياء أن يكون الظاهر خيراً من الباطن.
أما الصدق في الإخلاص أن يكون الباطن أعمر من الظاهر، إذا كان الباطن أرقى من الظاهر هذا أعلى درجة في الإخلاص، إذا كان الباطن كالظاهر هذا إخلاص، إذا كان الباطن أقل من الظاهر هذا رياء.
من تعاريف الإخلاص أيضاً:
الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق.
دوام النظر إلى الحق أنساه رؤية الخلق.
هذا من تعاريف الإخلاص .
ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
من ترك عملاً صالحاً من أجل الناس لئلا يقال أنه محسن، فهو لا يحب أن يكون أمام الناس محسناً، ترك العمل الصالح من أجل الناس رياء، وفعله من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما معاً، أن تترك العمل الصالح من أجل الناس هذا رياء، أن تعمله من أجل الناس هذا شرك، الإخلاص أن يعافيك الله منهما معاً.
الإمام الجُنيد يقول: الإخلاص سرٌ بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملكٌ فيكتبه، ولا شيطانٌ فيفسده، ولا هوىً فيميله.
هذا بينك وبين الله .
الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهداً غير الله، عملت عمل، يا ترى فلان رآني، لو كان رآني يا الله ما أحلاها، لو كان رآني، يا ترى فلان رآني، فلان دري بعملي؟ ليته يدري بعملي، إذا كان يرغب إنسان يعرف ماذا فعلت فهذا ليس إخلاصاً، ألا تطلب على عملك شاهداً إلا الله، الله يراك، انتهى الأمر.
عندما قال سيدنا عمر لرسول القادسية، معركة القادسية جرت وجاء رسول من هذه المعركة. من سيدنا سعد. إلى عمر بن الخطاب وبشره بالنصر، قال له:
ولكن يا أمير المؤمنين مات خلقٌ كثير.
قال: مَن هم؟ .
قال له: إنك لا تعرفهم. فبكى عمر وقال :
وما يضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم؟. ومَن أنا؟ وما يضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم؟.
فمن طلب على عمله شاهداً غير الله فهذا يقدح في إخلاصه .
وقال بعضهم: ما أخلص عبدٌ قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
أي أن الإخلاص أربعين يوم يكفي لتكون حكيماً .
وقال أحد العارفين: إذا أخلص العبد للرب انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء.
شيء خطير!
هذه كلها تعاريف الإخلاص، لكن أخطر ما في هذا الدرس:
أن العمل لا يقبل إلا إذا كان صواباً وكان خالصاً، فأما خالصاً أن تبتغي به وجه الله وحده، وأما صواباً أن يكون موافقاً للسنة.
إذاً أن تقول: أنا نيتي طيبة، يشفع لي عند الله نيتي، تحرسني نيتي، هذا غير مقبول عند الله عزَّ وجل.
يجب أن تكون مخلصاً ويجب أن تكون على صواب، إذاً تحرَّ الصواب.
الشوائب التي تخالط العمل:
أحياناً الإنسان يطلب التزيّن في قلوب الخلق، يهمه سمعته، يهمه أن يتحدث عنه الناس بالكلام الطيب، يهمه أن يكون له مكانة اجتماعية، فهذا الذي يطلب حُسن السمعة، يطلب أن يتزين عند الناس، هذا الذي يطلب أن يتحدث الناس عنه بالمديح الطيب، هذا في إخلاصه شائبة، لذلك الدعاء:
(( اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيءٍ يشينني عندك))
(( اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحدٌ أسعد بما علمتي مني))
أن أعلم إنسان، والإنسان يأخذ بهذا العلم، ويدخل به الجنة وأنا أدخل به النار؟!!
والله هذه أكبر المصائب، أندم الناس عالمٌ دخل الناس بعلمه الجنة ودخل هو بعلمه النار، أندم الناس غنيٌ دخل ورثته بماله الجنة، ودخل هو بماله النار. لذلك:
(( اللهم إني أعوذ بك ))
ادعوا هذا الدعاءـ
(( أن يكون أحدٌ أسعد بما علمتي مني))
جالس في البيت، وعندك ضيف، فحكيت له تفسير درس الأحد، فتأثر هذا الضيف تأثيراً شديداً، وراح اشتغل بنفسه حتى صار مخلص، وسبقك بمراحل كثيرة، يوم القيامة:
(( ألا يا رُبَّ مبلغٍ أوعى من سامع ))
شيء مؤلم جداً...
(( أعوذ بك ان يكون أحدٌ أسعد بما علمته مني))
(( أعوذ بك أن أتزين للناس بشيءٍ يشينني عندك))
(( أعوذ بك أن أكون عبرةً لأحدٍ من خلقك))
أكون أنا قصة للناس، يتعظوا في.
(( اللهم إني أعوذ بك أن أقول كلاماً فيه رضاك ، ألتمس به أحداً سواك))
شيء مخيف، ما الذي يشوب الإخلاص؟ طلب التزيّن عند الناس، أي يريد سمعته، الناس يمدحوه، يتحدثوا عنه أنه من أهل الفضل، والإحسان، والعلم، والبيان، والمنطق، والحكمة، رجل قلَّ مثاله، هذا الذي يسعى لهذا المديح، هذا إنسان في إخلاصه شائبة.
وإما طلب مدحهم، وإما الهرب من ذمِّهم، يخاف على سمعته جداً، إما طلب مدحهم، وإما الهرب من ذمهم، أو التزين عندهم، وإما طلب تعظيمهم له، إذا كان له رغبة ملحة في أن يعظموه فهذا أيضاً مما يشوب إخلاصه، أو طلب أموالهم بطريقةٍ أو بأخرى، أو طلب خدمتهم له، أو طلب محبَّتهم له، أو طلب قضاء حوائجه عن طريق، أو غير ذلك من العلل، إذا أردت أن تقضى حوائجك، إذا أردت أن تمدح، إذا أردت أن تعظَّم، إذا أردت أن تخدم، إذا أردت أن تهرب من ذم الناس، إذا أردت التزين في قلوب الخلق، إذا أردت كل هذا على حساب دينك فهذا مما يعيق التقدم إلى الله عزَّ وجل، ومما يضعف إخلاص العبد تجاه ربه.
درجات الإخلاص:
الآن في عندنا سؤال ما درجات الإخلاص؟
الدرجة الأولى إخراج رؤية العمل عن العمل.
إنسان شايف له عمل طيب، إذا كان الإنسان يرى هذا العمل على أنه فضلٌ من الله عزَّ وجل اختصَّه به، وامتنَّ به عليه، فهذه رؤيا طيبة، هذه الرؤية تزيده قرباً من الله عزَّ وجل، أما إذا شعر أن له عمل كبير يدلُّ به على الناس، رؤية العمل يتناقض مع الإخلاص، أن ترى عملك أنك فعلته بجهدك، وبإمكاناتك، وبمحبتك لله عزَّ وجل، أنا فعلت كذا وكذا، أنا اشتغلت، أنا هديت، أنا علمت، أنا أنفقت، أنا أعطيت، أنا، أنا ... رؤية العمل مما يجعل الإخلاص فيه شائبةٌ كبيرة.
والخلاص من الطلب بالعمل. بعد ما عمل عملاً صالحاً شعر أن له على الله دالة، يريد الأجرة، أين؟ إذا واحد اشتغل عندك وأنت تجاهلت الأجرة يقول لك: سيدي ما حاسبتنا.
أحياناً يعمل لك إشارة صار القبض، ألا يوجد قبض، فإذا كان هذا علاقة العبد مع ربه، استقام، غض بصره، ما زوجني الله إلى الآن، أين الزواج؟ ألم يقل الشيخ أن الواحد إذا غض بصره، استقام في البيع والشراء، ما ربحنا اليوم مثل البارحة، لم نستفد شيء.
فلما الإنسان يطلب على عمله الجزاء العاجل فهذا مما يقدح في إخلاصه، رؤية العمل تقدح في الإخلاص، وطلب العِوَض يقدح في الإخلاص.
تصور واحد يحب والدته كثير وخدمها خدمة، أتسمحي لنا بالأجرة. ما هذا الكلام أي أجرة؟ تدعي أنك تحبها، تدعي أنك تفنى في محبتها فأية أجرةٍ تريد؟ فهذا الذي يرى عمله بأنه من فعله، وأعطى، وعلَّم، وفضَّل على الناس، وكرَّم وتكرَّم، وقدم شيء ثمين والناس لم تعرف قدره، هذا الذي يدَّعي ذلك هذا ممن يقدح في إخلاصه، وهذا الذي ينتظر من الله العوض الفوري، أيضاً انتظار العوض على العمل الصالح أيضاً هذا يقدح في إخلاصه، فالآية الكريمة:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
أي في السراء والضراء، في الضيق والسعة، في إقبال الدنيا وإدبارها، في الصحة والمرض، في السعادة الزوجية والشقاء الزوجي، في الرفعة وفي الضعف أنت مع الله لا تبتغي عنه بديلاً .
في عندنا ثلاث آفات تضعف العمل، تقدح في الإخلاص:
1- رؤية العمل.
2- وطلب العوض.
3- والسكون إليه. أن ترضى عنه.
أنا عملي الحمد لله ما في له مثيل، والله عامل عمل من فضل الله هذا للموت، هذا الركون إلى الدنيا.
إذا كان سيدنا عمر يقول: ليت أم عمر لم تلد عمر ليتها كانت عقيما.
فمَن أنت حضرتك؟
إذا كان الصحابة الكرام قالوا: أتمنى أن أخرج من الدنيا لا لي ولا علي.
أنت تقول أن لك عمل طيب كثير وأنت مرتاح ومطمئن، إما أنك الصحيح وسيدنا عمر الغلطان، لا أدري مَن الصح منكم؟ سيدنا عمر عملاق الإسلام: أتمنى أن أخرج من الدنيا لا لي ولا علي. ليت أم عمر لم تلد عمر ليتها كانت عقيما.
هذا الإخلاص:
1- رؤية العمل تقدح في الإخلاص.
2- طلب العوض يقدح في الإخلاص.
3- الرضى بالعمل يقدح في الإخلاص.
ربنا ماذا قال؟ ..
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾
هل هناك آيةٌ أوضح من هذه الآية؟ .
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾
أخي أنا أخلاقي عالية الحمد لله، أنا مربى ترباية عالية، أنا عندي عفة والحمد لله، أنا عندي استقامة، أنا بحب الله ورسوله، أنا في عندي رحمة، أنا في عندي إنصاف، هذا من أين هذا كله؟.
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾
فإذا رأيت عملك الطيب، وغفلت عن الخالق الذي منَّ به عليك، فهذا مما يقدح في إخلاصك .
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾
هذا نسمعه كل أسبوع ..
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾
﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾
النبي الكريم ..
﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾
﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾
لو أن العكس كان ما كنا مؤمنين، لأحببنا الفسق، والفجور، والعصيان، أما ربنا عزَّ وجل حبب إلى قلوبنا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكرَّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
إذاً رؤية العمل ضعفٌ في رؤية التوحيد، رؤية العمل غفلةٌ عن رؤية الفضل الإلهي، هذه أدق حالات النفس، لك عمل طيب، دعوت إلى الله، اهتدى خلقٌ كثيرٌ على يديك، يجب أن تجد هذا فضلاً من الله عزَّ وجل، ولو أن الناس توجهوا إليك، واستمعوا إليك، وأنصتوا إليك، مَن أنت؟ لو أن الله نفَّر الناس منك، لو أن الله عزَّ وجل لم يهدك السبيل الصحيح في الدعوة إلى الله لما اجتمع عليك أحد، فحتى أن ترى العمل فهذا مما يقدح في الإخلاص .
مَن عرف نفسه عرف ربه، مَن عرف ضعفه عرف قوة ربه مَن عرف فقره عرف غنى ربه، مَن عرف جهله عرف علم ربه.
مَن عرف نفسه عرف ربه، مَن عرف نفسه وما فيه من آياتٍ دالةٍ على عظمة الله عرف ربه، مَن عرف نفسه عرف ربه وأنت لا تعرف نفسك حتى الآن، لها ثلاث معاني: معنى النفي، ومعنى الأولوية، ومعنى التدرُّج، مَن عرف نفسه عرف ربه .
العلة الثانية: العوض على العمل.
ما الذي يقدح في إخلاص العمل؟ رؤيته.
إذا رأيت فضل الله غابت عنك رؤية العمل.
ما الذي يقدح فيه أيضاً؟ طلب العوض عليه.
إذا كنت عبداً لله تماماً ابن مثلاً، أو واحد فرضاً، خطر في بالي مثل اليوم: أن شخص لقيط، جاء إنسان وتبنَّاه، وربَّاه وعلمه ابتدائي وإعدادي وثانوي، وأدخله جامعة، وطلع له طب بالكمبيوتر، طب أسنان، وصار طبيب أسنان، ومضى عليه عشر سنوات فأصبح طبيب لامع، فهذا الرجل الذي تبنَّاه وهو كان لقيط تبنَّاه، وربَّاه، وأطعمه، وسقاه، وأكرمه، وعلمه ابتدائي، وإعدادي، وثانوي، وجامعة، وطلع له طب، وأحضر له اختصاص، وفتح له عيادة، واشترى له بيت، وزوجه، فهذا الشخص الكريم يحتاج لإصلاح لأسنانه ذهب لعنده، ولكن كم مرة حشينا أسنان؟ كم حشوة حشينا؟ أنا مقيدهم عندي هذه حشوة والثانية.
أي حشوة هذه؟!! كان لقيط، أخذه من الطريق رباه، أطعمه، سقاه، كساه.
علمه: ابتدائي، إعدادي، ثانوي، أدخله جامعة، تخرج، فعمل له اختصاص، وفتح له عيادة، زوجه، واشترى له بيت، وأخذ له سيارة، وهذا المحسن سوس ضرسه فذهب عنده، هذا كتب كم حشوة؟ هذه إبرة مخدر، كتب إبرة المخدر والحشوات ليحاسبه فيهم، هذا ليس إنسان.
فهذا الذي يريد عوض، أنت كلك من فضل الله عزَّ وجل، جميعك من تفكيرك، لجسمك، لحواسك، لسمعك، لبصرك، لعلمك، لفهمك، لبيتك، لزوجتك كلك من الله عزَّ وجل، فضل من الله عزَّ وجل، يريد من الله عوض!! فطلب العوض يقدح في الإخلاص.
الإنسان يخدم عباد الله بمقتضى عبوديته لله عزَّ وجل فقط. لذلك النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق، ما في أعلى منه، قال مرةً: اللهم هذا جهد مقل.
يا رب هذا شيء لا يبيض الوجه ، إنه شيءٌ قليل سامحني يا رب ، هكذا المؤمن ، هذا جهد مقل وليس جهد مدل يريد من الله عوض وأجر .
الشيء الثالث الذي يقدح في الإخلاص: أن ترضى عن عملك، وأن تسكن إليه.
الحقيقة ما في عمل يليق بالله عزَّ وجل، أي مهما عملت عمل طيب لا يكافئ فضل الله عزَّ وجل، لو أنه خالٍ من كل شائبة، فلو أنك عرفت فضل الله عليك تستقل عملك، لا ترضى عنه، لا تركن إليه، لا تسكن إليه، هذا إذا عرفت فضل الله عليك.
الشيء الثاني: أنك لو دققت لرأيت في عملك أخطاء كثيرة، في عيوب كثيرة، فشيئان يمنعانك من أن ترضى عن عملك، وأن تدل به على الله، وأن تركن إليه، أو تسكن إليه.
الشيء الأول: أن تدقق في عيوب عملك، لعل في رياء، لعل في سمعة، لعل في نقص، لعل في خلل، لعل في شائبة، لعل في تقصير، لعل في نيَّة غير طيبة، لو دققت لرأيت في العمل خلل، فهذا العمل الذي فيه خلل لا ينبغي أن تركن إليه، ولا أن تسكن إليه، ولا أن ترضى به.
والشيء الثاني: لو عرفت فضل الله عليك، لاستقلَّيت أي عملٍ جنب هذا الفضل، فإذاً الذي يقدح في الإخلاص أن ترى عملك ولا ترى فضل الله عليك..
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾
الشيء الثاني: أن لا تطلب العوض، لأنك لو عرفت عظم الفضل ما طلبت العوض.
الآن مثل آخر: واحد صار طبيب، وأمه بحاجة لمعالجته، زارته في العيادة، إذا فكَّر بشيء اسمه مال من أمه، يكون مجرم بحقها، تفكير فكر فقط، والأم ماذا فعلت؟ فضل الله عزَّ وجل أعظم من فضل الأم.
فأول شيء ألا ترى العمل، وألا تطلب به العوض، وألا تركن إليه، إذا دققت ورأيت عيوب العمل، أعظم عملٍ لا يرقى إلى أن تركن إليه، أو أن تسكن إليه، أو أن ترضى عنه، ولو عرفت عظم فضل الله عليه لما ركنت إلى هذا العمل، فإذا لم ترَ لك عملاً صالحاً، ولم تطلب به العوض، ولم تركن إليه، فهذا مما يؤكِّد إخلاصك لله عزَّ وجل.
وأخطر ما في الدرس أن الله عزَّ وجل :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
العمل الحَسَن ما كان خالصاً وصواباً، والعمل الخالص ما ابتغي به وجه الله وحده، والعمل الصواب ما كان وفق السنة، والنية الطيبة وحدها لا تكفي، ولا تجزء العبد من أن يحاسب على تقصيره، فالإنسان يقول لك: أنا مخلص، يجدبها ويقول لك: أنا مخلص، لا يجوز هذا، بل يجب أن يكون عملك وفق السنة، وأن تكون مخلصاً حتى يرضى الله عنك.