- التربية الإسلامية / ٠7موضوعات مختلفة في التربية
- /
- ٠1موضوعات مختلفة في التربية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون... لابد من أن نقف عند ذكرى الإسراء والمعراج، هذه الذكرى تمر على المسلمين مروراً يشبه أن تكون عادة من عوائدهم، يصوموا في هذا اليوم، ويشاهدوا الاحتفالات، ويستمعوا إلى الخطب، وانتهى الأمر، لذلك ترى أن المسلمين على كثرتهم، وهم يعدّون ألف مليون لا وزن لهم في الأرض، أما أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فعلى قلَّتهم كانوا هداةً للأمم، فالسؤال أنحن رجال وهم رجال ؟ النبي عليه الصلاة والسلام بشر ونحن بشر ؟!
الإنسان حينما يرى هذه العظمة، وهذا الخلق العظيم، وهذه الرفعة وهذا الذكر العلي، كيف يفكر ؟ دائماً هناك تفكير واقعي، وهناك تفكير غير مجدي، لو تصورنا إنسان فقير وله قريب غني، قد يملأ الحديث كله عن هذا القريب الغني ؛ كيف يأكل، أين يذهب، كيف يدعو الناس إلى ولائمه، كيف يسافر، كم ينفق، لباسه، بيته، فالحديث على هذا القريب الغني ماذا يجدي هذا الفقير ؟ الفقير هو هو، والغني هو هو، هذا التفكير غير واقعي. مهما تحدثت عن النبي عليه الصلاة والسلام هو هو ونحن نحن، ولكنك إذا عرفت أن هذا النبي العظيم كان قدوة لنا، كان هذا النبي الكريم هدفاً من أهداف الإنسان في الدنيا، إذا فكرت في مناسبات الإسراء والمعراج مثل هذا التفكير، احتفلت حقاً بذكرى الإسراء والمعراج.
النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى الدنيا وشغلته معرفة الله عز وجل، فحينما كان صغيراً كان يدعى إلى اللعب، له كلمة مأثورة كان يقول عليه الصلاة والسلام حينما كان طفلاً: لم أخلق لهذا، كأن هدفاً كبيراً يشغله، كأن طموحاً كبيراً يملأ ساحته، كأن هماً كبيراً يحمله، لم أخلق لهذا، تعبَّد في غار حراء، انقطع عن الناس، غار حراء لو أنك ذهبت إلى الأماكن المقدسة، وأردت أن تصل إلى غار حراء، لاحتجت بعد ركوب السيارة مسافةً طويلة عن مكة، إلى مشيٍ شاق يزيد عن ساعتين أو ثلاثة ساعات، كي يصل إلى جبل اسمه جبل النور، كان عليه الصلاة والسلام يتعبَّد الأيام ذوات العدد، يوم ويمان وثلاثة، فهذا النبي عليه الصلاة والسلام، هكذا عرف الله عز وجل.
فهل أحدنا له مع الله جلسة ربع ساعة باليوم ؟ هل له ذكره ؟ هل له تفكُّره ؟ هل له تلاوته ؟ هل ينقطع عن الناس ويقبل على الله عز وجل، الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج من هذا القبيل، هكذا كان النبي، باب البطولة مفتوح على مصراعيه، النبي عليه الصلاة والسلام بشر ونحن بشر، الإنسان ألا يطمح أن يكون إنسان عالي الشأن عند الله، أيكتفي أن يكون عالي الشأن في الدنيا، أيكتفي أن يكون همه بطنه، أن يكون همه الدرهم والدينار، أيكتفي بهذا !!
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾
النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعبَّد الليالي ذوات العدد في غار حراء، في الأربعين جاءه الوحي، يعني نظري، صار مؤهلاً للرسالة، صار مؤهلاً لنشر الحق، لهداية الخلق، جاءه جبريل، قال: اقرأ، قال: لست بقارئ، والقصة المعروفة، عرف النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الوقت وقت نزول الوحي، أنه مبعوث العناية الإلهية، هذه الهموم العالية، التي كان يحملها قلبه الكبير، هذه الأهداف الكبيرة أن يعم الأرض الهدى التي كان يطمح إليها، جاء الوحي مصداقاً لها، دعا قومه إلى عبادة الله عز وجل، حاربه قومه، ضايقوه، شددوا عليه، كذَّبوه، ائتمروا عليه، عذبوا أصحابه، أخرجوهم، هنا السؤال: الله سبحانه وتعالى أليس قادراً أن يخلقه في بيئة لا كافر فيها ؟ سؤال: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام وجد في بيئة كلهم مؤمنون، كلهم آمنوا به، وأحبوه، وعظموه، وبجلوه، وأيدوه، وليس له عدو ؟
النبي عليه الصلاة والسلام انطوى قلبه على كمالٍ عظيمٍ لا يظهر إلا بهذه المضايقات، جاءه جبربل، قال له: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين. قال:
(( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله ))
ضيق عليه قومه، ائتمروا على قتله، حاولوا أن يضيقوا على أصحابه، قاطعوه، هذا كله زاده صلابة:
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
الآن، أنا أصل إلى الإسراء والمعراج، حينما اشتدت عليه المحن، وحينما توفي عمه أبو طالب، وتوفي أقرب الناس إليه، عندئذٍ أسرى الله به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى عُرج به إلى السماء، في السماء رأى من آيات ربه الكبرى..
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)﴾
فيبدو أنه في الإسراء والمعراج عرف أنه سيد الأنبياء، وأنه سيد ولد آدم، وأنه باب الله، وهذا الباب لا ينبغي إلا لواحد من خلقه وهو النبي عليه الصلاة والسلام، النبي عليه الصلاة والسلام أكرمه الله عز وجل، فنحن ربنا عز وجل قال:
﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79)﴾
أنا الذي أريده من هذا الحديث عن الإسراء والمعراج شيءٌ واحد، ما علاقتنا نحن كمؤمنين بالإسراء والمعراج ؟ فهذه آية للنبي عليه الصلاة والسلام:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ﴾
هو آية كبرى له، أما نحن ما علاقتنا بالإسراء والمعراج ؟ نحن كبشر لا نرقى إلا إذا عرفنا الله سبحانه وتعالى، " ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء "، الناس غارقون في شهواتهم، غارقون في تجاراتهم، غارقون في أعمالهم، غرقون في أهوائهم، غارقون في ملذاتهم، لو كشف لهم الغطاء لأراهم خسارتهم، لوجدوا أنهم في خسارة لا تعوض، لذلك ونحن أحياء وقبل أن يفوت الأوان، الإسراء والمعراج يذكِّرنا بأن أثمن شيء في الدنيا أن تعرف الله، فإذا عرفته كشف الله على بصيرتك، زادك هدىً..
﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)﴾
إذا عرفته رفع لك ذكرك، ما من إنسان رفع الله مقامه وذكره كالنبي عليه الصلاة والسلام، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله..
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
فأنت أيها الأخ الكريم، أنا هذا الذي أُلِحُّ عليه اليوم، أنت أنت إذا تعرفت إلى الله سعدت في الدنيا، وسعدت في الآخرة، وفتح على بصيرتك، فرأيت ما لم يرَ الناس، سمعت ما لم يسمعوا، شعرت بما لم يشعروا، أحسست بما لم يحسوا، أدركت ما لم يدركوا، ورفعك الله مقاماً علياً في الدنيا قبل الآخرة، فالشيء الذي يدعو للعجب، كيف يرضى الإنسان عن نفسه وهو مقصر ؟ ألا يقول في نفسه أهذا بشر وأنا بشر ؟ أهذا النبي العظيم الذي اصطفاه الله، والذي رفع ذكره وقربه وكرمه، أهذا بشر وأنا بشر ؟ لا أقول لك كن مثله، باب النبوة قد خُتِم، أقول لك كن على أثره، اقتدي به، اقتفي أثره، اجعله قدوةً لك، اجعله أسوة لك، اجعله أمامك، اجعله هدفاً من أهدافك، فالنبي عليه الصلاة والسلام صبر على الأذى، وتحمَّل المضايقات، وتحمل التكذيب، وتحمل المعارضات، وائتمر عليه كفار قريش، وهو صابر محتسب ما غير وما بدل، فأكرمه الله عز وجل.
فأحياناً يتجلى الله على قلبك، فتنسى كل هموم الحياة، تنسى كل متاعبها، تنسى كل مشكلاتها، تحس أن لك عند الله شأناً كبيراً، تحس أن لك عند الله مقاماً، تحس أنك موضع عناية الله سبحانه وتعالى، تحس أنك في عنايته المشددة، فمغزى الإسراء والمعراج أنه ينبغي أن تتخذ النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لك، أن تكون همومك سماوية لا أرضية، الآن تقعد مع واحد ما له هم إلا ارتفاع الأسعار، ومعاشه لا يكفي، هذه النغمة لا يوجد عنده غيرها بكل حياته، لا يوجد حديث يديره إلا على دخله قليل، والحاجات تغلى، وما في إمكان يعيش، وكيف يزوج أولاده، ينسى أنه لما تزوج لم يكن عنده بيت، ينسى أنه لما كان في سن الشباب لا يملك شيئاً من حطام الدنيا، والله سبحانه وتعالى أكرمه، فنحن لما تمر ذكريات عزيزة على قلب كل مسلم لا ينبغي أن تمر هكذا، لا ينبغي أن تمر كعادة من عاداتنا، يجب أن تقف عندها.
ما الذي نستفيده نحن كما قلت قبل قليل: إذا إنسان فقير له قريب غني، جلس وحدثك عن هذا القريب ساعات طويلة، حدثك عن رحلاته، عن احتفالاته، عن ولائمه، عن بيته، عن ترتيب بيته، عن لبسه، وأنت، وهذا الفقير هو هو، فقير فقير، لكن لو تأمَّل هذا الفقير كيف صار قريبه غنياً ؟ ما الطريق الذي اتبعه ؟ ما الأسلوب الذي سلكه ؟ وبدأ يقتفي أثره إلى أن صار على شيء من الغنى، هذا تفكير صار مجدي، الآن هذا التفكير مجدي، إن وصفت لنا قريبك الغني، وأنت فقير أنت أنت وهو هو، ولكن إذا اتخذت من طريقته في تحصيل المال درساً لك، إن اتخذت من أسلوبه في جمع الثروة منهجاً لك، عندئذٍ يكون التفكير في هذا الموضوع مجدياً، هذا المثل للتوضيحي، إذا حدثتنا عن النبي عليه الصلاة والسلام فقط، هكذا كانت صورته، هكذا كان مربوعاً، هكذا كان أبيض اللون، كان أزهر، كان منطقه كذا وكذا، هذا الحديث على عظم شأنه، وعلى أنه يثلج الصدور، ولكنه غير مجدٍ لنا، لكنك إذا فكرت في النبي عليه الصلاة والسلام كيف عرف الله ؟ كيف أحبه ؟ كيف آثره على كل شيء ؟ كيف سخر كل إمكاناته لتعريف الناس به ؟ كيف صبر ؟ كيف ذكر؟ كيف شكر ؟ كيف كان عند الله ذا مكانة عليَّة ؟ إذا اتبعت سنته، واقتفيت أثره، فقد احتفلت بذكرى الإسراء والمعراج، قال عليه الصلاة والسلام:
(( الصلاة معراج المؤمن ))
النبي عليه الصلاة والسلام لعلو مقامه عرج من الأرض إلى السماء، وفي السماء تجلَّى الله على قلبه فأراه حقائق الوجود..
﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)﴾
﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)﴾
الوصف صعب، فإذا واحد منكم بهذا العمر قرأ القرآن، ففاضت دموعه، وامتلأ قلبه رحمة، يعرف ما أقول، أحد العارفين بالله اسمه ابن عطاء الله الإسكندري، قال: " لا يعرف ما نقول إلا من اقتفى أثر الرسول " أي إذا كان تمكنت من أن تذوق طعم رحمته تصغر الدنيا في عينيك، هي، ومالها، ومتاجرها، ونساؤها، وبيوتها، ومزارعها، ووجاهتها، لا شأن لها عندك، مَن عرف الله زهد في نفسه، فالإنسان يحتاج إلى أن يجتهد، فإذا كان تمكن أ، يصلي بالليل ركعتين، ويتجه بهما إلى الله من كل قلبه، إذا تمكن أن يقرأ في اليوم صفحتين من كتاب الله ويتفاعل معها، أن يرى أمر الله فيعظمه، أن يرى نهي الله فيبتعد عنه، أن يقرأ قانوناً سنه الله لخلقه، فيتمسك به، ويبث في قلبه الطمأنينة، فكم الآن متاعب في الحياة، من مخاوف ؟ من مهلكات، إذا كان الإنسان قرأ قوله تعالى:
﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
إذا قرأ قوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾
إذا قرأ قوله تعالى:
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
إذا قرأ قوله تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
إذا قرأ قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)﴾
إذا قرأ قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30﴾
هذا كلام إله، هذا الكلام الصحيح، هذا الكلام المعتمد، هذا الكلام الذي من عند خالق السماوات والأرض، اترك هذا الكلام، لا ترى لا ترى إلا شيئاً يبعث في النفس الضيق، والقلق، والخوف، والحزن، اللهم صل عليه كان أسعد الناس، فلو أنك اقتربت منه، لو أنك زرته، لو أنك شاهدته في الرؤيا، لبقيت الأسابيع تلو الأسابيع مغموساً في سعادةٍ لا توصف، لأنه كان مع الله عز وجل، فما علاقتنا نحن بالإسراء والمعراج، قال عليه الصلاة والسلام:
(( الصلاة معراج المؤمن ))
((لا خير في دين لا صلاة فيه ))
﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾
إذاً كان يصلي، سيدنا عيسى..
﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)﴾
فالشيء الذي يميز المؤمن الصادق عن غير المؤمن هي الصلاة، غير المؤمن عنده كتب، يقرأ كتاب، يتناقش، يحفظه، يتكلم فيه، يحدثك حديث ممتع، يتفلسف أحياناً، يتكلم كلام منمَّق، مطالعاته واسعة جداً، وثقافته جيدة، وذاكرته قوية، وفي عندنا روح دعابة، ليس هذا الدين بل هذه ثقافة إسلامية، الدين أن تكون موصولاً بالله عز وجل، فالنبي عليه الصلاة والسلام حقق أعلى صلة ينالها مخلوق في الكون في الإسراء والمعراج، وأنت أيها المؤمن يجب أن تحقق نوعاً من الصلة، فأنت تصلي، وتصلي، تقول:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾
فهل قلبك شاكر لله ؟
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
فهل أنت مع هذه المعاني ؟ مع معنى العبادة، معنى الاستعانة، معنى الدعاء، معنى الرحمة، معنى الحمد، هكذا أنت ؟ الصلاة معراج المؤمن، لا خير في دين لا صلاة فيه، الصلاة ميزان فمن وفى استوفى، أي من وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمراتها، سيدنا سعد رجل وأنت رجل ؟ قال: " ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها ". هذه البطولة، ألك صلة بالله بهذا المستوى ؟ إذا كان دخلت بالصلاة تشعر أن الله ينظر إليك، أنت بين يديه، تناجيه، تخاطبه، تتضرع إليه، ترجوه، تستغفره، تخاطبه، تناجيه، تدعوه، هكذا أنت في الصلاة؟ الصلاة معراج المؤمن.
النبي عليه الصلاة والسلام لعلو مقامه عرج إلى السماء، ورأى من آيات ربه الكبرى، وعرف أنه سيد الخلق وحبيب الحق، وعرف أنه صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، عرف أنه لا إنسان فوقه في الوجود، هكذا، فأين أنت ؟ أين أنت من هذه المقامات؟ أنا مَن أنا، الله عز وجل إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، الباب مفتوح، يمكن أن يكون حجمك الاجتماعي متواضع جداً، عندك مصلحة صغيرة، وظيفة صغيرة، معك بكالوريا، لا أحد يعرفك، إذا واحد مشي بالطريق من عامة الناس، لا أحد ينتبه له، هؤلاء الأتقياء الأخفياء، ولكن لو أن لك عند الله مقاماً عظيماً، وشأناً كبيراً، وكنت محباً، مخلصاً، صادقاً، وأذاقك طعم قربه، قال له: يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبني ـ هكذا المناجاة ـ فوقع في قلب هذا المناجي: أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي. إذا واحد قام صلى صلاة شكلية، وإنسان ثاني صلى صلاة زاد قلبه حباً بالله، هذا مثل هذا ؟ هذا محروم، والثاني موصول.
واحد أحب فتاة اسمها وصال، خطبها من أبيها، أبوها عالم، فقال له: مهرها أن تجلس في مجلسي ـ فالقصة رمزية، تقول لي: كيف أحبها ؟ قصة رمزية ـ فيبدو أنه جلس في المجلس، وصار له أحوال طيبة، ونسي وصال، التقت به فقالت له: أين الموعد ؟ قال: يا وصال كنت سبب الاتصال، فلا تكوني سبب الانفصال.
فأحياناً الإنسان إذا اتصل بالله انتهت كل مشاكله، اتصل، هذا الصلح مع الله عز وجل، فالواحد لا يسمع ويمشي، العمر ثمين جداً، لا يسمع ويمشي بل يحاسب نفسه، له صلة مع الله ؟ إذا أحب يصلي قيام الليل ماذا يشعر ؟ قام صلى، لما يحس أنه بكي ذات مرة بالصلاة؟ ذرفت دموعه، اقشعر جلده، شعر أنه من أسعد الناس، في أخ ذهب للحج فلما جاءه زرته قال لي كلمة تركت بنفسي أثر قال لي: والله لم أجد من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني. أنت كذلك ؟ هل تقول أنا أسعد الناس ؟ لا شك لو كنت مع الله لقلت هذا، لأن الله لو تجلى على قلب الإنسان ينسيه كل متاعب الحياة.
النبي عليه الصلاة والسلام ما كان من الذين أوتوا الدنيا، دخل عليه عمر، كان ينام على الحصير، وقد أثر في خده الشريف، بكى سيدنا عمر قال له:
ـ يا عمر ما يبكيك ؟
ـ قال له
(( رسول الله ينام على الحصير، وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير ))
ـ قال
(( يا عمر أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا ؟ يا عمر إنما هي نبوة وليست ملكاً ))
فالصلاة ميزان، فمن وفَّى استوفى، مَن وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمرها.
حديث آخر:
(( الصلاة نور ))
في بقلبك نور، نور كشَّاف، يريك الحق حقاً والباطل باطل، ترى المصلي لا يتورط ؛ كلامه سديد، نظره ثاقب، رؤيته صحيحة، إدراكه دقيق ، تفكيره عميق، دائماً في موقف كامل لماذا ؟ لأن الصلاة نور، الصلاة كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( طهور ))
مصلي حاقد لا يوجد، مصلي متكبر لا يوجد، الصلاة نور الله سبحانه وتعالى الذي قذفه الله في قلب المؤمن في أثناء الصلاة محا منه الكبر، محا منه الأنانية، محا منه الاستعلاء، محا منه الحسد، محا منه الحقد، محا منه الضغينة، محا منه حب الذات، محا منه كل هذه الأمراض، لذلك الله عز وجل قال:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
لماذا ؟ لأن إقبال النبي على الله عز وجل جعله طاهراً، طه يا طاهراً من الذنوب يا هادياً إلى علام الغيوب، هذه الصلاة، الصلاة طهور، الصلاة نور، الصلاة ميزان، فمن وفى استوفى.
(( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه في اليوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيئاً ؟ قالوا: لا يا رسول الله))
ـ قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا.
بهذه المناسبة المباركة مناسبة الإسراء والمعراج أتمنى عليكم أن الإنسان يعمل مراجعة لحساباته كلها، في مخالفة ببيته ؟ في مخالفة بعمله؟ في عليه حقوق للناس ؟ في تقصيرات ؟ في تقصير بالصلاة ؟ صلاته شكلية أم حقيقية ؟ غض بصره حازم أم شكلي ؟ إذا كان ماشي مع آخ تغض بصرك ولحالك تتطلع ؟ أهذا إيمان ؟ ألك وضع خاص في البيت، ووضع خاص من الناس، في البيت متساهل، ومع الناس متشدد ؟ أهذا إيمان ؟ أأنت في مستوى أن تكون ولياً لله عز وجل ؟ فالإنسان يعمل حساب لحاله، ما دام القلب ينبض فالباب مفتوح، كله يتعدل، الصلحة بلمحة، كله يتعدل، فالإنسان لا يسمع ويمشي، إذا سمع ومشي لم يستفد، يكون استهلك وقته استهلاك رخيص، ما دام العمل محدود، والهدف سامي، والطريق قصير فلابد من أخذ الحيطة قبل فوات الأوان، الصلاة معراج المؤمن، " الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين "، " بين الرجل المؤمن والكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر "، فالنبي عليه الصلاة والسلام ربنا قال:
﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)﴾
وعد البلاط، لم يأتِ البلاط لم يأتي، وعده لم يأت لا حول الله، أول ما فتح عينه، " مَن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة" فأتمنى كما قال عليه الصلاة والسلام: شمروا فإن الأمر جد. شيء خطير جداً، شمر، قل يا رب، اعمل لحالك برنامج حازم، قراءة قرآن، ذكر، تفكر، عمل صالح، سجل، ابحث عن عمل صالح، لك أخت ساكنة بمنطقة التل، اطلع لعندها، ادعوها إلى الله، لها أولاد أكرمهم، لك جار يحتاج مساعدة ساعده، قدم له هدية، لعل يميل قلبه إليك، فتأتي به على الجامع، اهدي لك واحد، زوجتك لا تصلي صلاة متقنة..
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾
أولادك، بعملك في خلل، أصلحه، في بضاعة محرمة اخلص منها، في علاقة مشبوهة، علاقة بالبيع والشراء غير صحيحة تخلى عنها، قل: يا رب لا أعصيك مهما كلف الثمن. هذا المؤمن، فإذا كان في يوم ذكرى كالإسراء والمعراج تقلبه رأساً على عقب، والله هذه الذكرى الحقيقية، أما يمر الإسراء والمعراج، ويمر بعده خمسة عشر شعبان، ويأتي بعدها رمضان، ونسهر لأنصاف الليالي، ونتسحر وننام قبل صلاة الصبح، ونرى بعض البرامج، إكراماً لشهر رمضان المبارك نراها، هذه إكراماً لشهر رمضان، ونعيِّد، ونعمل سيران مختلط، وتمر أول سنة والثانية والثالثة..
﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾
تجد الله عز وجل ندعوه فلا يستجيب لنا، لماذا ؟ من إصرارنا على ذنوبنا، يقول العبد يا رب يا رب، ومأكله حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له. هذا الذي أردت أن أقول شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا، من يعرف متى المنية ؟ فما منا واحد إلا قطع مرحلة من العمر، إن كان عشرين، وإن كان خمسة عشر، وإن كان ثلاثين، وإن خمسة وثلاثين، إن كان أربعين، إن كان خمسة وأربعين، إن كان واحد وخمسين، إن كان اثنين وستين، ماذا يتأمل يبقى ستين سنة من عمره أخر ؟ مضى ستين إن شاء يبقى أمامه عشرين أخريات، مضوا ستين بقوا عشرين، مضوا أربعين صفي أربعين، مضوا ثلاثين صفي ثلاثين، فالشغلة ما معها لعبة، فهذه الساعة العصيبة، ساعة الوفاة، ساعة لقاء الله، إذا الإنسان اشتغل الآن يشعر نفسه بالجنة، لو جاء ملك الموت، شخص كان في حالة النزاع، دخل لعنده أولاده، وجدوه مستبشراً ضاحكاً، فقال لهم: بابا قم سلم على عمك. ما في أحد، عمك، قم فوراً قبل يده، ياما نحن كنا مع بعضنا، تعاوننا مع بعضنا، أكرمنا، ما في عم ولا يوجد أحد، الله عز وجل بعث له الملائكة بأحب الناس إليه، هكذا المؤمن، إذا كان جاءته المنية يأتيه ملك الموت بأحب الناس إليه.
إذاً الإسراء والمعراج هذا رفع النبي عليه الصلاة والسلام إلى الأوج، رفعه إلى سدرة المنتهى، رفعه إلى مقام ما بعده مقام، رفعه إلى سيادة الخلق، أنا سيد ولد آدم ولا فخر، أنت اجعله قدوة لك، هذا الدي
﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
إذا تمر المناسبات الدينية هكذا، نفهم جوهرها، هكذا، نفهم إن كان عرج بروحه أو جسده، هذه الخلافيات لا تقدِّم ولا تؤخر، هي آية له، الله أعلم..
﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾
نحن يعنينا أن نتخذ من الصلاة معراجاً لنا.
والآن إلى بعض شمائله صلى الله عليه وسلم:
إذا الإنسان أصلح الخلل باستقامته، وأصلح وجهته، وأخلص نيته وانضبط انضباط كامل، وفعل الأعمال الطيبة كل يوم، لازم يقول: أنا أسعد الناس، لازم يقول: أنا حققت الهدف الأسمى من خلقي. هذا الشيء بيدكم على قدر جهدكم ونشاطكم تقطفوا الثمار.
سيرته صلى الله عليه وسلم في سكوته. قال الحسين رضي الله عنه: " سألت أبي علياً رضي الله عنه كيف كان سكوته صلى الله عليه وسلم ؟ "
فقال: " كان سكوته على أربع ـ أي إذا سكت فهناك أربع حالات يسكت فيها، كيف أحياناً السكوت يرفع قيمة الإنسان، جالس بجلسة كله كلام سخيف، ظل هكذا ساكت، أنت فوق المستوى، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان سكوته على أربع ـ الحلم ـ واحد تطاول، تجاوز حده، ممكن ترد عليه بكلمة يرد عليك بعشرة، تحاكيه كلمة قاسية يتكلم أقسى، ليس من الحكمة أن ترد عليه السكوت، الحلم، إذا واحد سفيه، إذا نطق السفيه فلا تجبه، فخير من إجابته السكوت، إذا سكت اللهم صلي عليه فسكوته عن حلمٍ، وقد يسكت النبي عليه الصلاة والسلام عن حذر، فالنبي الكريم قال: احترس من الناس بسوء الظن..
احفظ لســانك أيها الإنســــان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
* * *
السكوت عن حذر، قال عليه الصلاة والسلام:
(( احترسوا من الناس بسوء الظن))"
سوء الظن عصمة، الحزم سوء الظن، والتقدير، حالةٌ ثالثة كان يسكت فيها، فقد كان يفكر، أهذا الكلام مفيد أم غير مفيد ؟ مجدٍ أم غير مجد، كان يقدر الأمور وهو ساكت، والتفكر، شرب كأس ماء، نظر إلى ابنه، نظر إلى أرضية الغرفة، فيها سجادة من الصوف، يتذكر قوله تعالى:
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾
السجاد يمنع الرطوبة، لابس رداء صوف مثلاً فذكر الله عز وجل، هذه الكنزة الصوف ذكر الله عز وجل، هذه الكنزة فضل من الله عز وجل، فالتفكر مثلما قال النبي الكريم:
(( أمرني ربي بتسع ؛ خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، أن أصل مَن قطعني، أعفو عمن ظلمني، أعطي من حرمني، أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة ))
شيء جميل: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر، في أربع حالات يجب أن تسكت.
وجُمِعَ له صلى الله عليه وسلم الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، الحلم سيد الأخلاق، كاد الحليم أن يكون نبياً، لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، جمع له صلى الله عليه وسلم الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيءٌ ولا يستفزه.
صحابي سرق ماله، قال: يا ب إن كان الذي أخذه عن حاجة فبارك له فيه، وإن كان قد أخذه بطراً، فاجعله آخر ذنوبه.
صحابي جليل تهجَّم عليه أحد الناس، تطاول عليه، فقال: يا أخي إن كنتم صادقاً فيما تقول غفر الله لي، وإن كنت غير ذلك غفر الله لك. انتهى الأمر، لما الإنسان يكون له صلة بالله تجده مثل البحر، هادئ، لا يستفزه شيء، لا يغضبه شيء، لا يحزن على شيء، إلا على طاعة فاتته.
وجمع له الحذر صلى الله عليه وسلم في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، انتق الكلمة الحسنى، التفرق الحسن، النظرة الحسنى، الهيئة الحسنى، كان يأخذ بالحسن، أي بكل شيء حسن، ليقتدي به، وتركه القبيح ليتناهى عنه، واجتهاده الرأي فيما يصلح أمته، والقيام فيما جمع للدنيا والآخرة، أي له عمل يكسب رزقه، وإن كل عاقل إذا تدبر هذه الأوصاف الكاملة، والأخلاق الفاضلة، والخصال الحميدة، والمزايا الرشيدة التي تأصَّلت في سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجتمعت كلها فيه على أكمل وجوهها. النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه قال:
(( ليس كل مصلٍ يصلي..."))
ليس، يوم الجمعة تجد لا يوجد مكان بالمساجد، لو أن هؤلاء يصلون صلاة صحيحة لكنا في خير، لكنا في بحبوحة، لكنا في راحة نفسية، لكنا في طمأنينة، لكنا في يُسر، لكنا من سعداء الدنيا، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي:
(( ليس كل مصلٍ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ـ أي عرفني حق المعرفة، فكر في آلائي، فكر في الكون، فكر في جسده، فكر في طعامه، في شرابه، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ـ وكف شهواته عن محارمي ـ وقافٌ عند كتاب الله، إن الله عز وجل أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي ـ ولم يصر على معصيتي ـ يعني إذا غلط، فعلى الفور يتوب، أما غلط يستمر، لم يعد مؤمن، لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ولم يصر على معصيتي ـ و أطعم الجائع، وكسا العريان ورحم المصاب وآوى الغريب... ))
له عمل طيب، يطرق كل أبواب الخير، إطعام الطعام، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، إغاثة اللهفان، إقراض المحتاج، معوانة الضعيف
(( إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع وكسا العريان ورحم المصاب وآوى الغريب، كل ذلك لي خالصاً لي))
فإذا الإنسان ذاق طعم الإخلاص، لو أنه عمل صالح ما تكلم به إطلاقاً، لا يعلمه إلا الله، ماشي بالطريق مرت امرأة أمامه، غض بصره عنها غضاً حازماً، لا أحد يرى ذلك، لا أحد يحس عليه، لا أحد يثني عليه، إلا أن الله سبحانه وتعالى رأى منه هذا الورع وهذه العفة فأحبه، عبدي المؤمن أحب إلي من بعض ملائكتي، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي، كل ذلك لي
(( وعزتي وجلالي إن نور وجهه لضوء عندي من نور الشمس "))
(( لذلك سيماهم في وجوههم، لو أن الوجه الحسن رجلٌ لكان رجل صالحاً، ولو أن الوجه القبيح رجلٌ لكان رجل سيئاً، القبح والجمال ليس بالملامح، بالنور، سيدنا بلال كان جميل الصورة، في نور بوجهه، أحياناً تجد واحد في نور بوجهه آخاذ، أما بمقاييس الجمال دون الوسط، فالمقاييس النورانية في القلب ـ وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل ـ بهذه الصلاة الصحيحة ـ الجهالة له حلماً والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حاله ))
بعد أن أمضينا دروساً كثيرة في شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، ليسأل كلاً منكم نفسه هذا السؤال: ماذا طبقتم من هذه الشمائل ؟ فهل أحدكم سمع شيء من أخلاق النبي العالية فاقتدى بها في حياته اليومية ؟ إذا واحد حقق شيء من هذه الأخلاق والله استفاد فائدة كبرى، أما إذا كان استمع ولم يطبق فقد خسر خسارة كبرى، لأن العلم علمان مطبوع ومسموع، العلم الذي على اللسان حجةٌ على ابن آدم، والعلم الذي في القلب ذلك هو العلم النافع.